أما وقد انتهت الانتخابات الأميركية بفوز جديد للرئيس باراك أوباما أقرب إلى النصر الساحق، خلافاً لكل التوقعات بأن المعركة ستكون على "المنخار"،فإن التطلعات محكومة بما ستكون عليه السياسة الأميركية، لا سيما السياسة الخارجية، تحديداً تجاه العالم العربي والإسلامي، ومن قلبهما القضية الفلسطينية.. وأين هي من الأولويات على جدول الإدارة الأميركية المتجددة؟

خطاب النصر لأوباما لا يشي بتغيير في التعاطي مع القضايا الدولية، فكان الخطاب تكراراً لشعارات الحملات الانتخابية، مع استعادة خطاب الفوز عام 2008، وتراجع في موقع "عملية السلام" في الشرق الأوسط، والخطير أن الخطاب حمل مضموناً عنصرياً على مستوى الأمم، حيث اعتبر أوباما أن "الأمة الأميركية" أعظم أمة على الأرض، ما يعكس روحاً متعالية لا تنسجم مع الأصول الشخصية لأوباما.

وإذا كان هذا الجزء خطاباً شعبوياً اضطرارياً كنتيجة للانتخابات، فإن الأمل الذي راهن عليه أوباما من حيث التشديد على الوحدة الوطنية، وتراجع الرعاية الاجتماعية والصحية، وكذلك غرق "الأمة الأعظم" في الديون والتضخم والبطالة، لا يعكس أبداً عظمة أمة هي في أصلها كما قال أوباما نفسه إنها "مجتمع مهاجرين"، كما أن الأمم لا توصف بأنها عظيمة عندما يكون الانقسام حاداً بين حزبين لا ثالث لهما، وغير متعاونين على المستوى الوطني، فالانقسام في المجتمع الأميركي واضح من خلال علاقة الجمهوريين بالديمقراطيين في النظرة إلى القضايا الاستراتيجية، رغم استعداد أوباما وإعلانه إنه سيتواصل مع قيادات الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، من أجل المساومة على طروحات تضمنتها حملته الانتخابية.

الأخطر في خطاب أوباما؛ صاحب نظرية "الحرب الناعمة" التي طبعت أداء الإدارة الأميركية خلال السنوات الأربع الماضية، تصريحه بأن الهدف هو "دولة آمنة" يدافع عنها أفضل الجنود في العالم، ما يعني زيادة الجرعة العسكرية في النزعة العدائية للولايات المتحدة الأميركية.

وبغض النظر عن الشعبوية التي طبعت خطاب أوباما على المستوى الداخلي، فإن الاعتراف بحيوية الدولة الأميركية أمر طبيعي من حيث الاهتمام بالمسائل العلمية والتطور التقني، وإن استُخدمت معظمها في خدمة الشر، وهو ما آثر أوباما تناوله بطريقة غير عرضية.

 

لكن الأهم سيكون في كيفية تعاطي الإدارة الأميركية مع قضايا المنطقة العربية والدول الإسلامية، سيما أن الفشل حكم وعوده السابقة في ما يخص القضية الفلسطينية والتسوية بين العرب و"الإسرائليين".

فالواقع الجديد يقول إن القضية الفلسطينية في أسفل سلّم اهتمامات إدارة أوباما، وليست من الأولويات، وإن كان البعض يقول إن الولاية الثانية لأي رئيس أميركي تكون أكثر تحرراً من الولاية الأولى، فالأولويات لدى إدارته ستكون الأزمة السورية، وتنامي التيارات التكفيرية، وتفلّت بعضها من القبضة الأميركية، رغم أنها تصنيع أميركي خالص مباشرة أو بالواسطة.

كما أن إيران ستكون من رأس الأولويات، من حيث العمل على تعطيل البرنامج النووي، رغم عدم إثبات الطابع العسكري له، وهناك أولوية أميركية قد تغيب عن البعض، وهو التوغل العيني عالمياً، وتبلور قيادة روسية في محور المواجهة مع إيران.

هناك اعتقاد بأن التعاطي الأميركي في المرحلة المقبلة، لا سيما مع الأزمة السورية، سيكون أكثر قساوة وأكثر تدخلاً، من حيث التسليح والتدخل المباشر عبر الدول الجوار السوري، ولا سيما تركيا والأردن، وإن كان المزاج الشعبي الأميركي رافضاً التدخل في أزمات الشرق الأوسط، لأن ذلك سينعكس على المواطنين الأميركيين، لكن الواقع يشير إلى أن الحركة الأميركية ستنحصر خلال الشهور المقبلة في الأزمة السورية، مقابل التراجع الملحوظ بالاهتمام بالقضية الفلسطينية، التي يمكن أن تعود بعد رسو الاتجاه من الأزمة السورية، سيما أن "إسرائيل" على أبواب انتخابات تشريعية ستنبثق عنها حكومة جديدة، وسط خشية زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو من أن يقدم أوباما على الانتقام منه، بسبب تأييده لغريمه ميت رومني ومساعدته في الحملة الانتخابية، من خلال جمع التبرعات والموقف السياسي. كما تتمركز المخاوف التي تجتاح الليكود من دعم الإدارة الأميركية بالخصميْن "الإسرائيلييْن" (كاديما والعمل)، لإسقاط نتنياهو وفتح المسار، سيما التعاطي مع الملف الإيراني، خلافاً للرهانات الليكودية بأن أوباما لن يجاري نتنياهو حتى لو فاز الأخير في الانتخابات "الإسرائيلية" كذلك، لكن ذلك أيضاً لن يكون في القريب، ولن يتبلور قبل حصول الانتخابات الإيرانية في نهاية الربيع المقبل.

تبقى هناك نقطة هامة في ما يمكن أن يحصل ويكون محورياً في هندسة السياسة الخارجية الأميركية، وهو استبدال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وهو ما أبلغه أوباما لها شخصياً، فإن حصل ذلك، فإن الشخصية التي تتولى الحقيبة سيكون لها دور مركزي في صياغة تلك السياسة، إلا أن الطابع المتوقع لما ستكون عليه السياسة الخارجية الأميركية، هو استمرار "الحرب الناعمة"، مع جرعة أكبر في الروح العسكرية، تمهيداً لتسويات تحكمها الظروف على الأرض.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-11-07
  • 9594
  • من الأرشيف

فوز أوباما.. استمرار للحرب الناعمة بروح عسكرية

أما وقد انتهت الانتخابات الأميركية بفوز جديد للرئيس باراك أوباما أقرب إلى النصر الساحق، خلافاً لكل التوقعات بأن المعركة ستكون على "المنخار"،فإن التطلعات محكومة بما ستكون عليه السياسة الأميركية، لا سيما السياسة الخارجية، تحديداً تجاه العالم العربي والإسلامي، ومن قلبهما القضية الفلسطينية.. وأين هي من الأولويات على جدول الإدارة الأميركية المتجددة؟ خطاب النصر لأوباما لا يشي بتغيير في التعاطي مع القضايا الدولية، فكان الخطاب تكراراً لشعارات الحملات الانتخابية، مع استعادة خطاب الفوز عام 2008، وتراجع في موقع "عملية السلام" في الشرق الأوسط، والخطير أن الخطاب حمل مضموناً عنصرياً على مستوى الأمم، حيث اعتبر أوباما أن "الأمة الأميركية" أعظم أمة على الأرض، ما يعكس روحاً متعالية لا تنسجم مع الأصول الشخصية لأوباما. وإذا كان هذا الجزء خطاباً شعبوياً اضطرارياً كنتيجة للانتخابات، فإن الأمل الذي راهن عليه أوباما من حيث التشديد على الوحدة الوطنية، وتراجع الرعاية الاجتماعية والصحية، وكذلك غرق "الأمة الأعظم" في الديون والتضخم والبطالة، لا يعكس أبداً عظمة أمة هي في أصلها كما قال أوباما نفسه إنها "مجتمع مهاجرين"، كما أن الأمم لا توصف بأنها عظيمة عندما يكون الانقسام حاداً بين حزبين لا ثالث لهما، وغير متعاونين على المستوى الوطني، فالانقسام في المجتمع الأميركي واضح من خلال علاقة الجمهوريين بالديمقراطيين في النظرة إلى القضايا الاستراتيجية، رغم استعداد أوباما وإعلانه إنه سيتواصل مع قيادات الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، من أجل المساومة على طروحات تضمنتها حملته الانتخابية. الأخطر في خطاب أوباما؛ صاحب نظرية "الحرب الناعمة" التي طبعت أداء الإدارة الأميركية خلال السنوات الأربع الماضية، تصريحه بأن الهدف هو "دولة آمنة" يدافع عنها أفضل الجنود في العالم، ما يعني زيادة الجرعة العسكرية في النزعة العدائية للولايات المتحدة الأميركية. وبغض النظر عن الشعبوية التي طبعت خطاب أوباما على المستوى الداخلي، فإن الاعتراف بحيوية الدولة الأميركية أمر طبيعي من حيث الاهتمام بالمسائل العلمية والتطور التقني، وإن استُخدمت معظمها في خدمة الشر، وهو ما آثر أوباما تناوله بطريقة غير عرضية.   لكن الأهم سيكون في كيفية تعاطي الإدارة الأميركية مع قضايا المنطقة العربية والدول الإسلامية، سيما أن الفشل حكم وعوده السابقة في ما يخص القضية الفلسطينية والتسوية بين العرب و"الإسرائليين". فالواقع الجديد يقول إن القضية الفلسطينية في أسفل سلّم اهتمامات إدارة أوباما، وليست من الأولويات، وإن كان البعض يقول إن الولاية الثانية لأي رئيس أميركي تكون أكثر تحرراً من الولاية الأولى، فالأولويات لدى إدارته ستكون الأزمة السورية، وتنامي التيارات التكفيرية، وتفلّت بعضها من القبضة الأميركية، رغم أنها تصنيع أميركي خالص مباشرة أو بالواسطة. كما أن إيران ستكون من رأس الأولويات، من حيث العمل على تعطيل البرنامج النووي، رغم عدم إثبات الطابع العسكري له، وهناك أولوية أميركية قد تغيب عن البعض، وهو التوغل العيني عالمياً، وتبلور قيادة روسية في محور المواجهة مع إيران. هناك اعتقاد بأن التعاطي الأميركي في المرحلة المقبلة، لا سيما مع الأزمة السورية، سيكون أكثر قساوة وأكثر تدخلاً، من حيث التسليح والتدخل المباشر عبر الدول الجوار السوري، ولا سيما تركيا والأردن، وإن كان المزاج الشعبي الأميركي رافضاً التدخل في أزمات الشرق الأوسط، لأن ذلك سينعكس على المواطنين الأميركيين، لكن الواقع يشير إلى أن الحركة الأميركية ستنحصر خلال الشهور المقبلة في الأزمة السورية، مقابل التراجع الملحوظ بالاهتمام بالقضية الفلسطينية، التي يمكن أن تعود بعد رسو الاتجاه من الأزمة السورية، سيما أن "إسرائيل" على أبواب انتخابات تشريعية ستنبثق عنها حكومة جديدة، وسط خشية زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو من أن يقدم أوباما على الانتقام منه، بسبب تأييده لغريمه ميت رومني ومساعدته في الحملة الانتخابية، من خلال جمع التبرعات والموقف السياسي. كما تتمركز المخاوف التي تجتاح الليكود من دعم الإدارة الأميركية بالخصميْن "الإسرائيلييْن" (كاديما والعمل)، لإسقاط نتنياهو وفتح المسار، سيما التعاطي مع الملف الإيراني، خلافاً للرهانات الليكودية بأن أوباما لن يجاري نتنياهو حتى لو فاز الأخير في الانتخابات "الإسرائيلية" كذلك، لكن ذلك أيضاً لن يكون في القريب، ولن يتبلور قبل حصول الانتخابات الإيرانية في نهاية الربيع المقبل. تبقى هناك نقطة هامة في ما يمكن أن يحصل ويكون محورياً في هندسة السياسة الخارجية الأميركية، وهو استبدال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وهو ما أبلغه أوباما لها شخصياً، فإن حصل ذلك، فإن الشخصية التي تتولى الحقيبة سيكون لها دور مركزي في صياغة تلك السياسة، إلا أن الطابع المتوقع لما ستكون عليه السياسة الخارجية الأميركية، هو استمرار "الحرب الناعمة"، مع جرعة أكبر في الروح العسكرية، تمهيداً لتسويات تحكمها الظروف على الأرض.    

المصدر : يونس عودة\ الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة