دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يسعى المرشحان إلى البيت الأبيض الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني، أن يبرهنا على «شجاعتهما» ويكسرا الصلة مع الماضي من خلال رفضهما لاستمرار الحرب في العراق وأفغانستان، التي لم تعد تحظى بتأييد شعبي وتلاشت بسرعة من عقول الناخبين.
وتبعاً لإحصاء نشرته مجلة «فورين بوليسي» حول موقف الأميركيين من السياسة الخارجية، أظهرت الأرقام أن 49 في المئة من الناخبين يهتمون بالشأن الداخلي في مقابل 5 في المئة فقط يهتمون بالأمن القومي وتهديدات الخارج. وتبعاً لإحصاء جامعة كاليفورنيا الأميركية، فقد استخدم رومني كلمة «العراق» سبع مرات، فيما استخدم أوباما كلمة العراق 76 مرة، في حين كانت الحرب على أفغانستان شبه غائبة عن الخطابات الرئاسية للمرشحين.
لكن السجال ظل حاضرا، ومتزايدا، بين المرشحين حول «الانسحاب» من كابول وبغداد، إذ لم يتمكن رومني من التملص كلياً من قرارات الجمهوريين «الكارثية»، متهماً أوباما بالتسرع في الانسحاب من البلدين من دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الأميركية، فيما حاول أوباما أن يتقن دور «البطل» و«رجل السلام» من خلال تكراره بأنه التزم بوعده، حول مغادرة القوات الأميركية العراق مرفوعة الرأس.
وجاء تبادل الاتهامات بين رومني وأوباما، بعدما كانت الولايات المتحدة تتحدث عن عالم على قياسها، مرتباً ومنظماً وديموقراطياً، ويحب أميركا ويرحب بها في دياره ضيفة ودّية. لكن بعد الغزوات الأميركية في أفغانستان في العام 2001 وفي العراق في العام 2003، فشلت واشنطن في تحقيق أهدافها المعلنة، إذ لا تزال حركة «طالبان» الآمر الحقيقي في كابول، وعاد الأميركي إلى الجلوس حول طاولة التفاوض معها، كما لو أن الغزو لم يحدث، ولا «الفتح الديموقراطي» لمنع كابول من أن تكون جنة لـ«طالبان» ولا سقط عشرات الآلاف من القتلى.
وفي بغداد، لا شيء يوحي بمظهر الدولة الحديثة الديموقراطية التي طبّلت لها واشنطن قبل عشر سنوات تمهيدا للغزو، إذ اصبح الإرهاب والفساد هما العلامتان الفارقتان في عراق اليوم، مع فارق بسيط هو أن المحتل الأميركي لملم خسائره واخرج قواته من البلد التي دمرها، فيما مئات آلاف العراقيين لا ملجأ يقيهم من قنابل الموت المتنقلة.
وفي وقت يرى بعض المحللين أن واشنطن لم تتمكن من تحقيق الديموقراطية في البلدين لأنها سلعة ليست قابلة للاستيراد والتصدير، يعتبر البعض الآخر أن السذاجة السياسية للإدارة الأميركية الحالية برئاسة أوباما هي التي أفقدت أميركا بريقها وقدمت لأعدائها انتصارات على طبق من ذهب.
بالرغم من ذلك، اعترف أوباما بالقول «سيكون هناك أيام صعبة أمامنا، خصوصاً أن التضحية الكبيرة لرجالنا ونسائنا لم تنته»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة ذهبت إلى الحرب مع أفغانستان للتأكد من أن القاعدة لن تستخدم هذه المنطقة لإطلاق هجمات ضدنا»، معتبراً في الوقت ذاته أن «هذه الحرب أخذت وقتأ أكثر من التوقعات». أما رومني فيقول «قد يناقش البعض أن الأمر سيكون مكلفاً جداً وأنه يجب ان تعود القوات الأميركية إلى الديار، لكن المرء لا يتخذ قراره بالمشاركة في الحرب تبعاً لكلفة الحرب بالدولار والسنت، وبالطبع ليس لأسباب سياسية فقط».
ويقول الباحث المتخصص في شــؤون الشرق الأوسط في مؤسسة «الدفاع عن الديموقراطية» في واشنطن طوني بدران لـ«السفير» إن «الخطأ الأساسي الذي ارتكبته الولايات المتحـــدة في أفغانستان هو تحديد موعد لبدء الانســـحاب التدريجي من البلاد»، ما سيؤدي إلى طفرة جـــديدة لـ«طالبان» فيها، معترفاً في الوقت ذاته بأن استمرار وجـــود قوات الاحتلال الأميركي، في ظل غياب السياسة الواضحة، «سيحول القوات الأميركية إلى رهائن».
وفي المقابل، ينفي الباحث الأفغاني في معهد «السلام الأميركي» حميد خان، في حديث إلى «السفير»، من أن تكون السياسة الأميركية في أفغانستان حققت أي من أهدافها، إذ لا تزال البلاد «جنة طالبان»، ولم تتمكن الحكومة الأفغانية من محاربة الفساد، في ظل غياب «مصالحة سياسية»، وأي حل للقضايا الإقليمية بين أفغانستان من جهة، وباكستان وروسيا وإيران من جهة ثانية.
أما في العراق، فيرى بدران أن «أوباما لم يتمكن من إبقاء الكرة في ملعب القوة العظمى، إذ أن اتفاقية وضع القوات الأميركية التي اقترحتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، تم تجاهلها من قبل الإدارة الحالية»، معتبراً أن «واشنطن خسرت تأثيرها وفعاليتها في السياسة العراقية المحلية والدولية، ما سهّل على إيران وروسيا استبدالها بالدفع باتجاه اتفاقيات عسكرية وأمنية مع بغداد»، ما يعني أن ما قاله المرشح الجمهوري ميت رومني عن أوباما صحيح في إشارة إلى «فشله في حماية المكتسبات والأهداف الأميركية في العراق».
ومن وجهة نظر عراقية، يقول وزير الدولة العراقي السابق الأمين العام لكتلة «الأحرار» ضياء نجم الأسدي، إن «السياسة الأميركية في العراق فشلت، ما أدى إلى خلخلة النسيج الاجتماعي وتسبب في حالة من الاحتقان الطائفي»، مؤكداً أن «التجربة أثبتت أن أميركا انغمست في المستنقع العراقي». وأوضح أن «الشعوب هي التي تصنع مصائرها وهذا ما لم تفهمه واشنطن التي لو أعطت الشعب العراقي الفرصة لكان ثار على نظام صدام حسين، ولمثلت تلك أولى شرارة انطلاق الثورات العربية التي ولدت متأخرة في العالم العربي».
وأشار إلى أن «واشنطن لم تبن العراق على أساس التعددية والمواطنية، بل زادت من حالة التشرذم السياسي والطائفي بين السنة والشيعة والأكراد». كما انتقد الوزير السابق أداء الإدارة الأميركية الحالية في ما وصفه بالفشل في ضمان فترة انتقال هادئة نحو الديموقراطية، وتفادي حملات التطهير العرقي.
لكن في المقابل، يؤيد الأسدي وجهة نظر بدران، بأن العراق يتقرب أكثر من إيران وروسيا، خصوصاً بعدما عقدت بغداد اتفاقيات لشراء أسلحة من موسكو بمليارات الدولارات، مبرراً ذلك بالقول إن واشنطن تحاول التملص من تعهداتها بتسليح الجيش العراقي لأنها «لا تريد العراق دولة قوية خوفاً من أن يعطي ذلك دفعاً أكبر لطهران في مواجهة الشيطان الأكبر».
ولكن ما هو مستقبل البلاد التي غزتها أميركا إن فاز رومني بالرئاسة؟ قد يرى البعض أن المرشح الجمهوري سيتمكن من تصحيح الضرر التي تسببت به «متعمدة» سياسة أوباما الحالية، إذ أنه سيكون قادراً على إدخال واشنطن في لعبة التوازن في السياسة العراقية من جديد.
يتفق خان والأسدي، على أنه في حال فوزه، قد يعمد رومني إلى انتهاج سياسات مشابهة لتلك التي اعتمدتها واشنطن في عصر بوش الابن، أي التدخل العسكري في المنطقة لتحييد الخصوم وإعلان «انتصارات» لا يلبث أن يتبين أنها «ارتكابات»، بحق الشعبين الأفغاني والعراقي. وقد تكون الحجج مؤاتية له في حال أراد تحقيق الطموحات العسكرية الأميركية التقليدية تحت راية القضاء على تنظيم «القاعدة» و«طالبان».
لكن يعود الأسدي ليؤكد أن «القوات الأميركية لم تعد تجرؤ على الدخول إلى المستنقع العراقي»، موضحاً أن رومني سيكون «أحمقاً إذا ما حاول الرجوع بعقارب الساعة إلى الوراء»، فيما يشدد خان على أن «المستقبل في أيدي الأفغان وليس الأميركيين. على أميركا أن تؤدي دوراً داعماً فقط وليس أن تشن حرباً».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة