أكد رئيس حركة فلسطين حرة ياسر قشلق أن الأزمة في سورية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، معتبراً أن مجمل الأطراف الإقليمية والدولية

التي دخلت في أتون الصراع على سورية تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، ورأى قشلق في مقابلة مع صحيفة "البعث" أن مبادرة الأخضر الإبراهيمي لوقف إطلاق النار خلال العيد جيدة، لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي، وأشار رئيس حركة فلسطين حرة إلى أن القيادة السورية لن تسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه، وبدأت فعلياً بتغيير قواعد اللعبة بأسرها، وتوقع أن تسفر الأيام والأسابيع القليلة المقبلة عن أمورٍ إيجابية.

وفي الشأن العربي أكد قشلق أن التغيير في الوطن العربي، ليس تغييراً إلى غير رجعة، متوقعاً موجة ثانية من التغيير ستجرف جميع من لوّثوا نقاء الحراك الشعبي الذي ظهر، في إشارة منه للإخوان المسلمين، وفيما يلي تفاصيل الحوار:

> تطورات كثيرة شهدتها الأزمة السورية مؤخراً على كافة الأصعدة كان آخرها جولة المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي في المنطقة وطرحه لمبادرة وقف إطلاق النار في سورية خلال عيد الأضحى المبارك، كيف تقرؤون الأوضاع اليوم خصوصاً في ظل ازدياد حدة الانقسام الدولي حول آليات إيجاد حل لهذه الأزمة؟.

> > قبل الإجابة، أود لو ألفت النظر أن مصطلح الأزمة السورية الذي يستخدمه كثيرون ينطوي على الشيء الكثير من الظلم، غير المقصود طبعاً، لسورية، تاريخاً وحضارةً، فسورية ليست أزمة وليست مشكلة، ثمة أزمة في سورية نعم، لكن ليس هناك أزمة سورية، وباعتقادي الفرق كبير وواضح بين التعبيرين. مع الأسف الأزمة في سورية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. والسبب في ذلك بسيط، ويتجلى في كون مجمل الأطراف الإقليمية والدولية التي دخلت في أتون الصراع على سورية تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، رغم إمكانية الالتقاء في منتصف الطريق على حلٍّ وسط يحقن بالدرجة الأولى دماء السوريين، ويمنع بالدرجة الثانية حمم هذا الصراع من إشعال الإقليم بأسره وربما العالم. ولو نظرنا إلى مبادرة الإبراهيمي حول وقف إطلاق النار خلال العيد، من حيث المبدأ، ولو افترضنا حسن النية لديه نجد أن المبادرة جيدة، بل إنه من الجيد وقف النار ولو لساعة لمنع سقوط ضحية واحدة على الأقل لا ذنب لها، فكيف بأربعة أيام، ولكن هل حسن النية وحده يكفي؟ بالتأكيد لا. كان بإمكان الإبراهيمي فعل أكثر من طرح هذه المبادرة لو أراد فعلاً وقفاً لإطلاق النار. فالمبادرة تحاول علاج آثار المشكلة وليس المشكلة بحد ذاتها، أعتقد أن مجمل هذه المبادرات تفتقر لتشخيصٍ دقيق لما يجري، وهذا ما يؤدي إلى فشلها جميعاً.

> هل تعني أن مبادرة وقف إطلاق النار ستفشل؟

> > لا أتمنى ذلك. لكن لكونها تفتقر إلى التشخيص الموضوعي للمشكلة، أعتقد أنها ستفشل.

> وإذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية، هل ستفشل أيضاً ؟

> > السؤال هنا عن أي طرف سياسي نتحدث حتى نسأل: إن كان يمتلك الإرادة السياسية أو لا يمتلكها؟ نحن لدينا مجموعات مسلحة وليست جماعات سياسية، وهذه المجموعات مجهولة الهوية بكثير من الأحيان، لا تمتلك قرار وجودها من عدمه، فكيف نتوقع امتلاكها لإرادة سياسية للالتزام بقرار وقف إطلاق النار؟. لو أراد الإبراهيمي وقفاً لإطلاق النار دائماً وليس مؤقتاً كما يأمل أن يحصل مستقبلاً، فعليه أن يذهب إلى وكلاء هذه المجموعات ويطلب إليهم أمر مجموعاتهم بوقف إطلاق النار. الأمر على هذه البساطة، وعدا ذلك لا يعدو أن يكون ذرّاً للرماد بالعيون، وإظهار الدولة السورية على أنها رافضة لمبادرات الحل المفترضة، رغم أنها ليست حلولاً بقدر ما هي تضييع للوقت وسبب سقوط مزيدٍ من الضحايا.

> لكن الأتراك قالوا على لسان وزير خارجيتهم أنهم بما معناه يدعون لهذه الهدنة خلال العيد؟.

> > لنفرض جدلاً أن الأتراك صادقون بمسعاهم، وأنا لا أعتقد ذلك، ولكن هل تركيا اللاعب الوحيد في هذا الصراع، بالطبع ليست كذلك، فهناك السعودية وقطر ومن خلفهم دول الغرب، إضافةً لمجموعات لا يُعرف من يقف وراءها على وجه الدقة. ثم بالنسبة لتركيا، لماذا لا تثبت جديّة مساعيها من خلال ضبط الحدود ووقف تدفق السلاح ومنع المجموعات المسلحة من التسلل إلى داخل سورية؟ أرى أن المبادرة كما ذكرت هي لزيادة الضغط على سورية وإحراج حلفائها.

> ذكرت أن الأطراف المعنية بالأزمة تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، لماذا برأيك والجميع يرى هول ما يجري؟

> > لسببين اثنين، الأول: أنهم حتى الآن لم يصلوا للنتائج المرجوة تماماً، الهدف النهائي لهم هو إسقاط سورية كدولة، مع ما يعنيه ذلك السقوط من إسقاط حجر الزاوية في المشروع المقاوم للمشاريع الغربية والصهيونية التي تُعد للمنطقة،لذلك الدفاع اليوم ليس عن نظام أو أشخاص في هذا النظام، الدفاع اليوم هو عن مشروع، يعني سقوطه نجاح المشروع المقابل، وهو ما لا أعتقد أن أحداً يمتلك الحد الأدنى من العروبة والدين يتمنى حصوله.

> ما هو السبب الثاني الذي يدفع هذه الأطراف للاستمرار فيما تسميه لعبة؟

> > السبب الثاني هو أن هذه الأطراف إلى الآن لم تخسر شيئاً، فلماذا لا تستمر باللعب؟ من يخسر حتى هذه اللحظة هي سورية، سورية هي الوحيدة التي تنزف، وأتمنى أن يدرك جميع السوريين هذه الحقيقة جيداً، أتمنى أن يتوقف بعض السوريين عن تصديق تصريحات أردوغان ومشيخات النفط وكلينتون وسواهم، هؤلاء لا يخسرون شيئاً لذلك يستمرون في تحريض الشعب السوري على بعضه البعض، وهنا أعتقد أن القيادة السورية لن تسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه، لن تسمح بلاعب يلعب مجاناً في الدم السوري، وأكثر من ذلك، باعتقادي أن القيادة السورية بدأت فعلياً بتغيير قواعد اللعبة بأسرها.. لذلك أرى أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستسفر عن أمور إيجابية.

اسمح لي أن أذكّر هنا بتجربتنا نحن الفلسطينيين مع العدو الصهيوني، نحن ندرك كيف أن العدو لا يغير قواعد الاشتباك معنا إلا حين يشعر أنه يخسر. انسحب من غزة عندما رأى أن احتلالها يستنزفه، وانسحب كذلك من جنوب لبنان لنفس السبب، إذاً لا تستطيع تغيير مواقف الآخرين إلا إذا غيرت من القواعد التي دفعتهم لاتخاذ هذه المواقف.

> ماذا تقصد بتغيير قواعد اللعبة؟

> > طالما أن الآخرين يخوضون معك حرباً بالوكالة من خلال بعض المجموعات الإرهابية المسلحة بقصد السيطرة على سورية، بما يعنيه ذلك من سيطرة على كامل المنطقة، فإذاً من الضروري أن تجعل حربهم المجانية هذه حرباً باهظة، الأمر الذي سيجبرهم بالنهاية على تغيير مواقفهم.

> أليس هناك خشية من انفلات الوضع واشتعال حرب نتيجة ذلك؟

> > طبعاً الاحتمال قائم، لكن سياسة ضبط النفس التي انتهجتها سورية لها بالتأكيد نهاية،لطالما سورية حذرت من مغبة استمرار السياسة التركية تجاه الأزمة في سورية، ولطالما حذرت أن النار يمكن أن تمتد لدول الجوار، لكن أحداً لم يع خطورة ذلك. على كل حال، سورية لا تعمل لإشعال حرب مع أحد، لكنها مستعدة لخوضها فيما لو فرضت عليها.

> هل ثمة من ضوء في نهاية هذا النفق؟

> > باعتقادي لا داعي لأن نكمل في النفق أصلاً، أدعو الجميع للخروج من هذه العتمة وثمة فرصة لتحقيق ذلك، جميع المعنيين بهذا الصراع يعلمون جيداً أنه في النهاية ثمة طاولة حوار، لماذا إذاً لا نوقف هذا الموت، المخيم على سورية اليوم وعلى جيرانها غداً، ونجلس إلى هذه الطاولة، أخشى أن الوقت يتلاشى وإمكانية تحقيق ذلك تضيع بضياع الوقت نفسه، الحل يتطلب الإرادة السياسية التي تحدثت عنها قبل قليل.

> كيف تنظرون إلى ما آلت إليه الأوضاع على الساحة العربية في ضوء ما يجري في تونس ومصر؟

> > أعتقد أن التغيير في الوطن العربي قد حصل وانتهى الأمر، لكنه ليس تغييراً إلى غير رجعة، هناك موجة ثانية من التغيير قادمة لا محالة، وهذه الموجة ستجرف جميع من لوّثوا نقاء الحراك الشعبي الذي ظهر، وستجرف كذلك جميع الذين تموضعوا معهم.

> تقصد ستجرف الإخوان المسلمين؟

> > بالتأكيد.. وكذلك الذين تحالفوا معهم ليحصّلوا مكاسب انتخابية في هذه المرحلة. لنكن صريحين، لا أحد يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن هذه الفترة هي فترة الإسلام السياسي بامتياز، لكن السؤال، هل كان هؤلاء ليصلوا إلى ما وصلوا إليه في مصر وتونس وليبيا لو أن الغرب غير راضٍ عن وصولهم؟ لا أعتقد ذلك، وبالتالي وصلوا إلى هنا، أو أُوصِلوا إن توخينا الدقة، ليقوموا بمهمة منوطة بهم، وحين يقومون بها، ينتفي سبب وجودهم، وحينها ستبدأ موجة التغيير الثانية والحقيقية، وأخال أنها ستكون موجة تسونامي لا تبقي ولا تذر.

> ما هي المهمة المنوطة بالإسلاميين في هذه المرحلة؟

> > إعطاء المشروع الصهيوني والغربي مشروعية الوجود. لا يمكن لأحد، سواء أكان علمانياً أو يساريّاً أو قوميّاً، أن يخدم المشروع الصهيوني والغربي كما سيخدمها الإسلاميون. مستحيل على الإطلاق.. هل خاطب حسني مبارك مرةً رئيس الكيان الصهيوني بـصديقي العظيم؟ لم يفعل، لكن محمد مرسي فعل! هل تجرأ على تدمير أنفاق غزة؟ لم يفعل، لكن مرسي فعل! إذاً هناك دور يجب أن يؤدوه، ودورهم يتمثل ببساطة في إضفاء الشرعية على الاحتلال الصهيوني لأرضنا وعلى التدخل الغربي في قرارنا صغيره وكبيره. هذا أولاً.

ثانياً، الغرب وعقب انتهاء الحرب الباردة أعلن أن عدوّه الجديد بعد الشيوعية هو الإسلام، هل حصل ما يزيل هذه العداوة؟ لم يحصل.. فإذاً لماذا نراه يعبد الطريق للإسلاميين حتى يصلوا إلى سدة الحكم؟ ببساطة لأنه يدرك جيّداً أنهم سيفشلون فشلاً ذريعاً كونه هو من سيوكل لهم مهمة فشلهم التي تحدثت عنها آنفاً، لكن بالنتيجة النهائية ماذا سيعني فشل الإسلاميين؟ الجواب بسهولة فشل الإسلام السياسي بحد ذاته، وبالتالي قيادته طواعية إلى معتقل يشبه الفاتيكان معتقل المسيحية في الغرب، وفي عالمنا العربي والإسلامي سيقاد الإسلام إلى الحجاز، وسيعلن الغرب وقتها نصره الذي طال على إسلامنا الحقيقي.

> أين القضية الفلسطينية في كل هذا؟

> > فلسطين جرحٌ يذكرنا بانحطاطنا، بضعفنا، وتآمرنا. فلسطين صرخة فجيعة وألم بوجه رجولتنا المزيفة. فلسطين أمٌّ تغتصب ألف مرة كل يوم ونحن نتلذذ باغتصابها.

> التصعيد الإسرائيلي مستمر، اعتداءات يومية وتهويد، ما هي قراءتكم لهذه الأوضاع على ضوء الانتخابات الإسرائيلية؟

> > الاعتداءات الصهيونية المتصاعدة تأتي لتميط اللثام أكثر عن فداحة ما يجري على الساحة العربية بصورة عامّة والساحة الفلسطينية بصورة خاصة. بكلمات أخرى، هناك ثمة دائرة متكاملة لا انفصام فيها تعبّر عن جوهر الصراع الصهيوني والغربي على منطقتنا، ولذلك لا تستطيع أن تفصل ما يجري في مصر أو تونس أو اليمن أو سورية عمّا يجري في فلسطين، العدو الصهيوني يرى اليوم أن الطريق سالك ومعبّد أمامه لمزيدمن السلب والاغتصاب والتهويد، فالساحة الفلسطينية منقسمة على بعضها دون أي أفق لمصالحة حقيقية، والعرب منشغلون بأنفسهم وبتنفيذ ما يطلب منهم في الساحة السورية، والسوريون لا يخف حالهم على أحد، حتى أن الانتخابات الإسرائيلية تأتي اليوم لأن الحكومة الصهيونية الحالية ليست متطرفة بما يكفي لتستوعب انحطاطنا وتستوعب هول المفاجآت التي نقدمها لها، هذه انتخابات مبكرة لتشكيل حكومة أكثر تطرفاً تستلب ما بقي من كرامة العرب.

> في الختام أريد التعريج على تكريمكم من قبل بصمة شباب سورية، ماذا يعني لكم هذا التكريم وما هي دلالاته؟

> > كان التكريم شرفاً لي، وأريد أن أتوجه من خلالكم بشكري لكل الشباب السوري الذي أثبت وعياً وإخلاصاً وجدارة خلال هذه الأزمة، وأتمنى خلاصاً قريباً لوطننا حتى يأخذ هذا الجيل مواقعه التي يستحقها في إعمار سورية الغد.

  • فريق ماسة
  • 2012-10-26
  • 13481
  • من الأرشيف

حُسنْ نية الإبراهيمي لا يكفي ..قشلق: المجموعات الإرهابية ومن يدعمها لن يلتزموا بوقف العنف

أكد رئيس حركة فلسطين حرة ياسر قشلق أن الأزمة في سورية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، معتبراً أن مجمل الأطراف الإقليمية والدولية التي دخلت في أتون الصراع على سورية تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، ورأى قشلق في مقابلة مع صحيفة "البعث" أن مبادرة الأخضر الإبراهيمي لوقف إطلاق النار خلال العيد جيدة، لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي، وأشار رئيس حركة فلسطين حرة إلى أن القيادة السورية لن تسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه، وبدأت فعلياً بتغيير قواعد اللعبة بأسرها، وتوقع أن تسفر الأيام والأسابيع القليلة المقبلة عن أمورٍ إيجابية. وفي الشأن العربي أكد قشلق أن التغيير في الوطن العربي، ليس تغييراً إلى غير رجعة، متوقعاً موجة ثانية من التغيير ستجرف جميع من لوّثوا نقاء الحراك الشعبي الذي ظهر، في إشارة منه للإخوان المسلمين، وفيما يلي تفاصيل الحوار: > تطورات كثيرة شهدتها الأزمة السورية مؤخراً على كافة الأصعدة كان آخرها جولة المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي في المنطقة وطرحه لمبادرة وقف إطلاق النار في سورية خلال عيد الأضحى المبارك، كيف تقرؤون الأوضاع اليوم خصوصاً في ظل ازدياد حدة الانقسام الدولي حول آليات إيجاد حل لهذه الأزمة؟. > > قبل الإجابة، أود لو ألفت النظر أن مصطلح الأزمة السورية الذي يستخدمه كثيرون ينطوي على الشيء الكثير من الظلم، غير المقصود طبعاً، لسورية، تاريخاً وحضارةً، فسورية ليست أزمة وليست مشكلة، ثمة أزمة في سورية نعم، لكن ليس هناك أزمة سورية، وباعتقادي الفرق كبير وواضح بين التعبيرين. مع الأسف الأزمة في سورية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. والسبب في ذلك بسيط، ويتجلى في كون مجمل الأطراف الإقليمية والدولية التي دخلت في أتون الصراع على سورية تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، رغم إمكانية الالتقاء في منتصف الطريق على حلٍّ وسط يحقن بالدرجة الأولى دماء السوريين، ويمنع بالدرجة الثانية حمم هذا الصراع من إشعال الإقليم بأسره وربما العالم. ولو نظرنا إلى مبادرة الإبراهيمي حول وقف إطلاق النار خلال العيد، من حيث المبدأ، ولو افترضنا حسن النية لديه نجد أن المبادرة جيدة، بل إنه من الجيد وقف النار ولو لساعة لمنع سقوط ضحية واحدة على الأقل لا ذنب لها، فكيف بأربعة أيام، ولكن هل حسن النية وحده يكفي؟ بالتأكيد لا. كان بإمكان الإبراهيمي فعل أكثر من طرح هذه المبادرة لو أراد فعلاً وقفاً لإطلاق النار. فالمبادرة تحاول علاج آثار المشكلة وليس المشكلة بحد ذاتها، أعتقد أن مجمل هذه المبادرات تفتقر لتشخيصٍ دقيق لما يجري، وهذا ما يؤدي إلى فشلها جميعاً. > هل تعني أن مبادرة وقف إطلاق النار ستفشل؟ > > لا أتمنى ذلك. لكن لكونها تفتقر إلى التشخيص الموضوعي للمشكلة، أعتقد أنها ستفشل. > وإذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية، هل ستفشل أيضاً ؟ > > السؤال هنا عن أي طرف سياسي نتحدث حتى نسأل: إن كان يمتلك الإرادة السياسية أو لا يمتلكها؟ نحن لدينا مجموعات مسلحة وليست جماعات سياسية، وهذه المجموعات مجهولة الهوية بكثير من الأحيان، لا تمتلك قرار وجودها من عدمه، فكيف نتوقع امتلاكها لإرادة سياسية للالتزام بقرار وقف إطلاق النار؟. لو أراد الإبراهيمي وقفاً لإطلاق النار دائماً وليس مؤقتاً كما يأمل أن يحصل مستقبلاً، فعليه أن يذهب إلى وكلاء هذه المجموعات ويطلب إليهم أمر مجموعاتهم بوقف إطلاق النار. الأمر على هذه البساطة، وعدا ذلك لا يعدو أن يكون ذرّاً للرماد بالعيون، وإظهار الدولة السورية على أنها رافضة لمبادرات الحل المفترضة، رغم أنها ليست حلولاً بقدر ما هي تضييع للوقت وسبب سقوط مزيدٍ من الضحايا. > لكن الأتراك قالوا على لسان وزير خارجيتهم أنهم بما معناه يدعون لهذه الهدنة خلال العيد؟. > > لنفرض جدلاً أن الأتراك صادقون بمسعاهم، وأنا لا أعتقد ذلك، ولكن هل تركيا اللاعب الوحيد في هذا الصراع، بالطبع ليست كذلك، فهناك السعودية وقطر ومن خلفهم دول الغرب، إضافةً لمجموعات لا يُعرف من يقف وراءها على وجه الدقة. ثم بالنسبة لتركيا، لماذا لا تثبت جديّة مساعيها من خلال ضبط الحدود ووقف تدفق السلاح ومنع المجموعات المسلحة من التسلل إلى داخل سورية؟ أرى أن المبادرة كما ذكرت هي لزيادة الضغط على سورية وإحراج حلفائها. > ذكرت أن الأطراف المعنية بالأزمة تصر على إكمال اللعبة حتى نهايتها، لماذا برأيك والجميع يرى هول ما يجري؟ > > لسببين اثنين، الأول: أنهم حتى الآن لم يصلوا للنتائج المرجوة تماماً، الهدف النهائي لهم هو إسقاط سورية كدولة، مع ما يعنيه ذلك السقوط من إسقاط حجر الزاوية في المشروع المقاوم للمشاريع الغربية والصهيونية التي تُعد للمنطقة،لذلك الدفاع اليوم ليس عن نظام أو أشخاص في هذا النظام، الدفاع اليوم هو عن مشروع، يعني سقوطه نجاح المشروع المقابل، وهو ما لا أعتقد أن أحداً يمتلك الحد الأدنى من العروبة والدين يتمنى حصوله. > ما هو السبب الثاني الذي يدفع هذه الأطراف للاستمرار فيما تسميه لعبة؟ > > السبب الثاني هو أن هذه الأطراف إلى الآن لم تخسر شيئاً، فلماذا لا تستمر باللعب؟ من يخسر حتى هذه اللحظة هي سورية، سورية هي الوحيدة التي تنزف، وأتمنى أن يدرك جميع السوريين هذه الحقيقة جيداً، أتمنى أن يتوقف بعض السوريين عن تصديق تصريحات أردوغان ومشيخات النفط وكلينتون وسواهم، هؤلاء لا يخسرون شيئاً لذلك يستمرون في تحريض الشعب السوري على بعضه البعض، وهنا أعتقد أن القيادة السورية لن تسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه، لن تسمح بلاعب يلعب مجاناً في الدم السوري، وأكثر من ذلك، باعتقادي أن القيادة السورية بدأت فعلياً بتغيير قواعد اللعبة بأسرها.. لذلك أرى أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستسفر عن أمور إيجابية. اسمح لي أن أذكّر هنا بتجربتنا نحن الفلسطينيين مع العدو الصهيوني، نحن ندرك كيف أن العدو لا يغير قواعد الاشتباك معنا إلا حين يشعر أنه يخسر. انسحب من غزة عندما رأى أن احتلالها يستنزفه، وانسحب كذلك من جنوب لبنان لنفس السبب، إذاً لا تستطيع تغيير مواقف الآخرين إلا إذا غيرت من القواعد التي دفعتهم لاتخاذ هذه المواقف. > ماذا تقصد بتغيير قواعد اللعبة؟ > > طالما أن الآخرين يخوضون معك حرباً بالوكالة من خلال بعض المجموعات الإرهابية المسلحة بقصد السيطرة على سورية، بما يعنيه ذلك من سيطرة على كامل المنطقة، فإذاً من الضروري أن تجعل حربهم المجانية هذه حرباً باهظة، الأمر الذي سيجبرهم بالنهاية على تغيير مواقفهم. > أليس هناك خشية من انفلات الوضع واشتعال حرب نتيجة ذلك؟ > > طبعاً الاحتمال قائم، لكن سياسة ضبط النفس التي انتهجتها سورية لها بالتأكيد نهاية،لطالما سورية حذرت من مغبة استمرار السياسة التركية تجاه الأزمة في سورية، ولطالما حذرت أن النار يمكن أن تمتد لدول الجوار، لكن أحداً لم يع خطورة ذلك. على كل حال، سورية لا تعمل لإشعال حرب مع أحد، لكنها مستعدة لخوضها فيما لو فرضت عليها. > هل ثمة من ضوء في نهاية هذا النفق؟ > > باعتقادي لا داعي لأن نكمل في النفق أصلاً، أدعو الجميع للخروج من هذه العتمة وثمة فرصة لتحقيق ذلك، جميع المعنيين بهذا الصراع يعلمون جيداً أنه في النهاية ثمة طاولة حوار، لماذا إذاً لا نوقف هذا الموت، المخيم على سورية اليوم وعلى جيرانها غداً، ونجلس إلى هذه الطاولة، أخشى أن الوقت يتلاشى وإمكانية تحقيق ذلك تضيع بضياع الوقت نفسه، الحل يتطلب الإرادة السياسية التي تحدثت عنها قبل قليل. > كيف تنظرون إلى ما آلت إليه الأوضاع على الساحة العربية في ضوء ما يجري في تونس ومصر؟ > > أعتقد أن التغيير في الوطن العربي قد حصل وانتهى الأمر، لكنه ليس تغييراً إلى غير رجعة، هناك موجة ثانية من التغيير قادمة لا محالة، وهذه الموجة ستجرف جميع من لوّثوا نقاء الحراك الشعبي الذي ظهر، وستجرف كذلك جميع الذين تموضعوا معهم. > تقصد ستجرف الإخوان المسلمين؟ > > بالتأكيد.. وكذلك الذين تحالفوا معهم ليحصّلوا مكاسب انتخابية في هذه المرحلة. لنكن صريحين، لا أحد يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن هذه الفترة هي فترة الإسلام السياسي بامتياز، لكن السؤال، هل كان هؤلاء ليصلوا إلى ما وصلوا إليه في مصر وتونس وليبيا لو أن الغرب غير راضٍ عن وصولهم؟ لا أعتقد ذلك، وبالتالي وصلوا إلى هنا، أو أُوصِلوا إن توخينا الدقة، ليقوموا بمهمة منوطة بهم، وحين يقومون بها، ينتفي سبب وجودهم، وحينها ستبدأ موجة التغيير الثانية والحقيقية، وأخال أنها ستكون موجة تسونامي لا تبقي ولا تذر. > ما هي المهمة المنوطة بالإسلاميين في هذه المرحلة؟ > > إعطاء المشروع الصهيوني والغربي مشروعية الوجود. لا يمكن لأحد، سواء أكان علمانياً أو يساريّاً أو قوميّاً، أن يخدم المشروع الصهيوني والغربي كما سيخدمها الإسلاميون. مستحيل على الإطلاق.. هل خاطب حسني مبارك مرةً رئيس الكيان الصهيوني بـصديقي العظيم؟ لم يفعل، لكن محمد مرسي فعل! هل تجرأ على تدمير أنفاق غزة؟ لم يفعل، لكن مرسي فعل! إذاً هناك دور يجب أن يؤدوه، ودورهم يتمثل ببساطة في إضفاء الشرعية على الاحتلال الصهيوني لأرضنا وعلى التدخل الغربي في قرارنا صغيره وكبيره. هذا أولاً. ثانياً، الغرب وعقب انتهاء الحرب الباردة أعلن أن عدوّه الجديد بعد الشيوعية هو الإسلام، هل حصل ما يزيل هذه العداوة؟ لم يحصل.. فإذاً لماذا نراه يعبد الطريق للإسلاميين حتى يصلوا إلى سدة الحكم؟ ببساطة لأنه يدرك جيّداً أنهم سيفشلون فشلاً ذريعاً كونه هو من سيوكل لهم مهمة فشلهم التي تحدثت عنها آنفاً، لكن بالنتيجة النهائية ماذا سيعني فشل الإسلاميين؟ الجواب بسهولة فشل الإسلام السياسي بحد ذاته، وبالتالي قيادته طواعية إلى معتقل يشبه الفاتيكان معتقل المسيحية في الغرب، وفي عالمنا العربي والإسلامي سيقاد الإسلام إلى الحجاز، وسيعلن الغرب وقتها نصره الذي طال على إسلامنا الحقيقي. > أين القضية الفلسطينية في كل هذا؟ > > فلسطين جرحٌ يذكرنا بانحطاطنا، بضعفنا، وتآمرنا. فلسطين صرخة فجيعة وألم بوجه رجولتنا المزيفة. فلسطين أمٌّ تغتصب ألف مرة كل يوم ونحن نتلذذ باغتصابها. > التصعيد الإسرائيلي مستمر، اعتداءات يومية وتهويد، ما هي قراءتكم لهذه الأوضاع على ضوء الانتخابات الإسرائيلية؟ > > الاعتداءات الصهيونية المتصاعدة تأتي لتميط اللثام أكثر عن فداحة ما يجري على الساحة العربية بصورة عامّة والساحة الفلسطينية بصورة خاصة. بكلمات أخرى، هناك ثمة دائرة متكاملة لا انفصام فيها تعبّر عن جوهر الصراع الصهيوني والغربي على منطقتنا، ولذلك لا تستطيع أن تفصل ما يجري في مصر أو تونس أو اليمن أو سورية عمّا يجري في فلسطين، العدو الصهيوني يرى اليوم أن الطريق سالك ومعبّد أمامه لمزيدمن السلب والاغتصاب والتهويد، فالساحة الفلسطينية منقسمة على بعضها دون أي أفق لمصالحة حقيقية، والعرب منشغلون بأنفسهم وبتنفيذ ما يطلب منهم في الساحة السورية، والسوريون لا يخف حالهم على أحد، حتى أن الانتخابات الإسرائيلية تأتي اليوم لأن الحكومة الصهيونية الحالية ليست متطرفة بما يكفي لتستوعب انحطاطنا وتستوعب هول المفاجآت التي نقدمها لها، هذه انتخابات مبكرة لتشكيل حكومة أكثر تطرفاً تستلب ما بقي من كرامة العرب. > في الختام أريد التعريج على تكريمكم من قبل بصمة شباب سورية، ماذا يعني لكم هذا التكريم وما هي دلالاته؟ > > كان التكريم شرفاً لي، وأريد أن أتوجه من خلالكم بشكري لكل الشباب السوري الذي أثبت وعياً وإخلاصاً وجدارة خلال هذه الأزمة، وأتمنى خلاصاً قريباً لوطننا حتى يأخذ هذا الجيل مواقعه التي يستحقها في إعمار سورية الغد.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة