أصدرت محكمة الاستئناف الدرزية العليا، بداية الأسبوع الماضي، قراراً بإبطال نتائج انتخابات المجلس المذهبي الدرزي لدورة عام 2012 عن بيروت وباقي المناطق، والتي فاز فيها عادل العموري وابتسام حاطوم زيد، وذلك بناءً على الطعن الذي تقدم به أول الخاسرين في الانتخابات علي العود، الذي سبق له أن نجح في انتخابات الدورة الاولى للمجلس المذهبي التي جرت في عام 2006. وتتمثل المناطق التي يوجد فيها الدروز خارج أقضية الشوف وعاليه وبعبدا وراشيا وحاصبيا، بمقعدين في المجلس المذهبي الدرزي. وينتخب رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والمخاتير وأعضاء الهيئات الاختيارية الدروز في بيروت و12 قرية موزعة في أقضية مختلفة (المتن الشمالي وزحلة والبقاع الغربي وجزين ومرجعيون) عضوين للمجلس المذهبي من غير رجال الدين، فيما ينتخب «السائسون» في الخلوات والمجالس الدينية في بيروت وباقي المناطق شيخين للهيئة الدينية في المجلس. وفيما حين نصت الفقرة ج من المادة 12 من قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية على أن يكون هناك شيخ يمثل بيروت وشيخ يمثل القرى الـ12 في الهيئة الدينية، جمعت الفقرة ب من المادة نفسها بيروت وباقي القرى في دائرة انتخابية واحدة، ولم تخصص مقعداً محدداً لبيروت.

المفارقة أن جمع بيروت وباقي المناطق في دائرة واحدة لم يثر اعتراض أي من المرشحين الى انتخابات عام 2006 حين فاز علي العود من بيروت وطلال القنطار من المتين. إلا أن خسارة العود، المحسوب على النائب وليد جنبلاط، عام 2012 دفعته إلى تقديم طعن أمام محكمة بيروت الاستئنافية العليا، وهي بحسب القانون صاحبة الاختصاص بالنظر في الطعون.

يستفاد من قرار هذه المحكمة التي يرأسها القاضي فيصل ناصر الدين أنها ذهبت بعيداً في إبطال نتائج الانتخابات من دون أن يطلب أي من الأفرقاء ذلك. حيث إن المستدعي علي العود طلب في طعنه إبطال عضوية أحد المطعون بوجههما وإعلان فوزه فقط. قرار المحكمة العليا خالفه المستشار القاضي سليمان غانم الذي عدد في نص المخالفة مجموعة من الثغر، أبرزها أن القرار أخطأ في تفسير قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية، وأن نية المشترع لو كانت ذاهبة الى تخصيص مقعد لبيروت وآخر للمناطق لكانت حددت ذلك في القانون، كما حدد في القانون نفسه مقعداً لبيروت عن الهيئة الدينية. وبالعودة الى قرار المحكمة، يتبيّن أن القاضي ناصر الدين، وفي معرض تفسيره لإبطال نتائج بيروت وباقي المناطق، استند إلى التمثيل النيابي لبيروت بمقعد درزي لتبرير تخصيص مقعد لبيروت في المجلس المذهبي! في المقابل، رأى القاضي المخالف غانم أن هذا القياس لا أساس قانونياً له، لأن النائب الدرزي عن بيروت ليس بالضرورة من أبنائها (غازي العريضي).

بدوره، رأى المحامي سعيد علامة الموكل عن المستدعى ضدها ابتسام حاطوم زيد، أن الهيئة المشرفة على الانتخابات تقيّدت بنص القانون، وأنه ليس من اختصاص المحكمة الدرزية العليا تفسير القانون، لأن تفسير القوانين له مرجعه الخاص، أكان المجلس الدستوري أم مجلس شورى الدولة، وفي النتيجة المجلس النيابي صاحب السلطة الرئيسية في مجال التفسير والتشريع، وأن أياً من هذه المجالس الثلاثة لم يطلب منها تفسير قانون تنظيم شؤون الطائفة.

وبعيداً عن دستورية قانون الطائفة الدستورية وعدم الاعتراف به من قبل القوى السياسية الدرزية المعارضة (طلال أرسلان، وئام وهاب، وفيصل الداوود) ماذا يمثّل المرشح علي العود بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط؟ ولماذا الإصرار على تطويع القانون وتفسيره ليصبح على مقاسه؟ وما سبب تعيين شيخ عقل الدروز نعيم حسن للمرشح العود مشرفاً على الوقف في تلة الدروز في بيروت؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحيل الى الصراع المحتدم بين جمعية التضامن الخيري الدرزي والمجلس المذهبي على إدارة العقار ٢٠٤٦ المصيطبة الذي يضم مقر مشيخة العقل ومدافن دروز بيروت ومجلساً دينياً لأبناء الطائفة. وقد نُسِج العديد من الروايات حول مصير هذا العقار الذي يقع في منطقة تشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعار العقارات، وتؤكد المعلومات أن المجلس المذهبي لم يتخلّ عن مشروعه بنقل مدافن الدروز من العقار تمهيداً لإقامة مشروع استثماري عليه.

مصدر مطّلع على هذا النزاع الذي نتج منه عدد من الدعاوى العالقة أمام المحاكم، أكد لـ«الأخبار» أن جنبلاط سعى مع وزير الداخلية مروان شربل، من أجل حل الهيئة الإدارية لرابطة التضامن الخيري الدرزي، لكن الأخير رفض الطلب لكون الجمعية لم تخالف القانون.

وبالتزامن مع محاولات حل الجمعية، تعرّض عدد من أعضائها لاعتداءات متكررة، فحرقت سيارة نديم زيتوني في بيروت، وتعرض ربيع مياسي للضرب في منطقة دوحة عرمون، وسبق أن دخل عدد من الأشخاص الى باحة مقر الجمعية في تلة الدروز وتعرضوا بالضرب لعضو الجمعية الشيخ جهاد الديك، وجميع هذه الحوادث التي قُدّمت بها شكاوى في المخافر لم تسلك طريقها الى القضاء، بسبب تدخل قيادات عسكرية ومدنية محسوبة على النائب جنبلاط! وأمام هذه الوقائع، وفي ظل انسداد الأفق الجنبلاطي في تطويع الاعتراض الدرزي في بيروت، يصبح فوز المرشح علي العود المحسوب على الحزب الاشتراكي قضية مصيرية بالنسبة إلى من يدير معركة السيطرة على الأوقاف الدرزية في العاصمة.

  • فريق ماسة
  • 2012-10-25
  • 10006
  • من الأرشيف

دروز بيروت يقلقون بيك المختارة

أصدرت محكمة الاستئناف الدرزية العليا، بداية الأسبوع الماضي، قراراً بإبطال نتائج انتخابات المجلس المذهبي الدرزي لدورة عام 2012 عن بيروت وباقي المناطق، والتي فاز فيها عادل العموري وابتسام حاطوم زيد، وذلك بناءً على الطعن الذي تقدم به أول الخاسرين في الانتخابات علي العود، الذي سبق له أن نجح في انتخابات الدورة الاولى للمجلس المذهبي التي جرت في عام 2006. وتتمثل المناطق التي يوجد فيها الدروز خارج أقضية الشوف وعاليه وبعبدا وراشيا وحاصبيا، بمقعدين في المجلس المذهبي الدرزي. وينتخب رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والمخاتير وأعضاء الهيئات الاختيارية الدروز في بيروت و12 قرية موزعة في أقضية مختلفة (المتن الشمالي وزحلة والبقاع الغربي وجزين ومرجعيون) عضوين للمجلس المذهبي من غير رجال الدين، فيما ينتخب «السائسون» في الخلوات والمجالس الدينية في بيروت وباقي المناطق شيخين للهيئة الدينية في المجلس. وفيما حين نصت الفقرة ج من المادة 12 من قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية على أن يكون هناك شيخ يمثل بيروت وشيخ يمثل القرى الـ12 في الهيئة الدينية، جمعت الفقرة ب من المادة نفسها بيروت وباقي القرى في دائرة انتخابية واحدة، ولم تخصص مقعداً محدداً لبيروت. المفارقة أن جمع بيروت وباقي المناطق في دائرة واحدة لم يثر اعتراض أي من المرشحين الى انتخابات عام 2006 حين فاز علي العود من بيروت وطلال القنطار من المتين. إلا أن خسارة العود، المحسوب على النائب وليد جنبلاط، عام 2012 دفعته إلى تقديم طعن أمام محكمة بيروت الاستئنافية العليا، وهي بحسب القانون صاحبة الاختصاص بالنظر في الطعون. يستفاد من قرار هذه المحكمة التي يرأسها القاضي فيصل ناصر الدين أنها ذهبت بعيداً في إبطال نتائج الانتخابات من دون أن يطلب أي من الأفرقاء ذلك. حيث إن المستدعي علي العود طلب في طعنه إبطال عضوية أحد المطعون بوجههما وإعلان فوزه فقط. قرار المحكمة العليا خالفه المستشار القاضي سليمان غانم الذي عدد في نص المخالفة مجموعة من الثغر، أبرزها أن القرار أخطأ في تفسير قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية، وأن نية المشترع لو كانت ذاهبة الى تخصيص مقعد لبيروت وآخر للمناطق لكانت حددت ذلك في القانون، كما حدد في القانون نفسه مقعداً لبيروت عن الهيئة الدينية. وبالعودة الى قرار المحكمة، يتبيّن أن القاضي ناصر الدين، وفي معرض تفسيره لإبطال نتائج بيروت وباقي المناطق، استند إلى التمثيل النيابي لبيروت بمقعد درزي لتبرير تخصيص مقعد لبيروت في المجلس المذهبي! في المقابل، رأى القاضي المخالف غانم أن هذا القياس لا أساس قانونياً له، لأن النائب الدرزي عن بيروت ليس بالضرورة من أبنائها (غازي العريضي). بدوره، رأى المحامي سعيد علامة الموكل عن المستدعى ضدها ابتسام حاطوم زيد، أن الهيئة المشرفة على الانتخابات تقيّدت بنص القانون، وأنه ليس من اختصاص المحكمة الدرزية العليا تفسير القانون، لأن تفسير القوانين له مرجعه الخاص، أكان المجلس الدستوري أم مجلس شورى الدولة، وفي النتيجة المجلس النيابي صاحب السلطة الرئيسية في مجال التفسير والتشريع، وأن أياً من هذه المجالس الثلاثة لم يطلب منها تفسير قانون تنظيم شؤون الطائفة. وبعيداً عن دستورية قانون الطائفة الدستورية وعدم الاعتراف به من قبل القوى السياسية الدرزية المعارضة (طلال أرسلان، وئام وهاب، وفيصل الداوود) ماذا يمثّل المرشح علي العود بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط؟ ولماذا الإصرار على تطويع القانون وتفسيره ليصبح على مقاسه؟ وما سبب تعيين شيخ عقل الدروز نعيم حسن للمرشح العود مشرفاً على الوقف في تلة الدروز في بيروت؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحيل الى الصراع المحتدم بين جمعية التضامن الخيري الدرزي والمجلس المذهبي على إدارة العقار ٢٠٤٦ المصيطبة الذي يضم مقر مشيخة العقل ومدافن دروز بيروت ومجلساً دينياً لأبناء الطائفة. وقد نُسِج العديد من الروايات حول مصير هذا العقار الذي يقع في منطقة تشهد ارتفاعاً جنونياً في أسعار العقارات، وتؤكد المعلومات أن المجلس المذهبي لم يتخلّ عن مشروعه بنقل مدافن الدروز من العقار تمهيداً لإقامة مشروع استثماري عليه. مصدر مطّلع على هذا النزاع الذي نتج منه عدد من الدعاوى العالقة أمام المحاكم، أكد لـ«الأخبار» أن جنبلاط سعى مع وزير الداخلية مروان شربل، من أجل حل الهيئة الإدارية لرابطة التضامن الخيري الدرزي، لكن الأخير رفض الطلب لكون الجمعية لم تخالف القانون. وبالتزامن مع محاولات حل الجمعية، تعرّض عدد من أعضائها لاعتداءات متكررة، فحرقت سيارة نديم زيتوني في بيروت، وتعرض ربيع مياسي للضرب في منطقة دوحة عرمون، وسبق أن دخل عدد من الأشخاص الى باحة مقر الجمعية في تلة الدروز وتعرضوا بالضرب لعضو الجمعية الشيخ جهاد الديك، وجميع هذه الحوادث التي قُدّمت بها شكاوى في المخافر لم تسلك طريقها الى القضاء، بسبب تدخل قيادات عسكرية ومدنية محسوبة على النائب جنبلاط! وأمام هذه الوقائع، وفي ظل انسداد الأفق الجنبلاطي في تطويع الاعتراض الدرزي في بيروت، يصبح فوز المرشح علي العود المحسوب على الحزب الاشتراكي قضية مصيرية بالنسبة إلى من يدير معركة السيطرة على الأوقاف الدرزية في العاصمة.

المصدر : الاخبار/ بسام القنطار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة