ترخي الأزمة السورية بثقلها على الوضع الاقتصادي في تركيا. وبرغم ارتفاع المجموع العام لأرقام الصادرات والواردات، فإن التداعيات السلبية للأحداث السورية باتت واضحة، من خلال مجموعة من المؤشرات التي عرضت لها صحيفة «ميللييت» أمس.

وذكّرت الصحيفة بقول وزير المالية محمد شيمشيك أن تركيا أنفقت أكثر 250 مليون دولار على اللاجئين السوريين فقط، علماً أن الكلفة قد تكون أكبر من ذلك بكثير برأي الصحيفة، التي قالت إن أنقرة هللت في البداية لاستضافة اللاجئين، فإذا بها الآن تستنجد العالم لمساعدتها على مواجهة مشكلتهم.

وأشارت الصحيفة في تقرير اقتصادي كتبه غونغور أراس إلى أن السياسة التركية تجاه سورية كلفتها باهظة، وهي تسير إلى أسوأ مع مرور الوقت، موضحاً:

1- انشغلت تركيا بكيفية إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد وقضية اللاجئين، فيما حملت التطورات ضررا بالغاً على الاقتصاد التركي، ولا سيما المحافظات الحدودية. وهذا الضرر ليس موقتا بل دائم. فتركيا تصدّر ليس فقط إلى سورية بل إلى 11 بلداً شرق أوسطياً عبر سورية، والخسارة لا تقتصر على السوق السورية بل على الأسواق الأخرى. وبعد إغلاق الحدود السورية توقفت الصادرات. ولم يحل المشكلة الاستعاضة عن الخط البري بخط بحري من مرسين إلى مصر، حيث إن طول مسافة الرحلة يحمل أعباء إضافية مالية، كما أن طول الرحلة يزيد من أربعة أيام عبر سورية إلى 20 يوما عبر البحر. قبل الأزمة كان يمر عبر سورية شهرياً ما معدّله 9 آلاف شاحنة، واليوم كل الشاحنات شبه متوقفة.

2- تراجعت الحركة الاقتصادية في المحافظات الحدودية. مثال على ذلك أن رئيس غرفة التجارة في غازي عينتاب محمد أصلان قال إن حجم صادرات غازي عينتاب إلى سورية فقط كانت قبل الأزمة تصل إلى 150 مليون دولار. وهناك حركة مرور ترانزيت أيضاً كلها توقفت. رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في كيليس محمد أوزجي اوغلو قال إن كيليس مدينة ارتبطت تجارتها بسورية، حيث إن كل يوم كان يأتي حوالي 5 آلاف شخص يتسوّقون وينفقون المال، لكن كل ذلك توقف بالكامل.

وكانت 90 في المئة من صادرات تركيا إلى السعودية وقطر ودولة الإمارات والمنطقة تمر عبر سورية، وكانت محافظة هاتاي تنتج ربع إنتاج تركيا من الخضار الطازجة. كان سوق الصادرات في المنطقة حوالى 3 مليارات دولار. اليوم توقفت كليا.

3- لقد أغلقت سورية مجالها الجوي أمام الطائرات التركية التي كانت تعبر المجال الجوي السوري في طريقها إلى الخليج والشرق الأقصى. الآن ازداد طول كل رحلة نصف ساعة على الأقل، وما يترتب عن ذلك من كلفة إضافية على الوقود لا تقل عن 1500 دولار لكل رحلة.

4- قامت تركيا بحشد قواتها على الحدود السورية وما يرافق ذلك من تحليق مكثف للطيران وحركة أكبر للدبابات والآليات العسكرية وغيرها وهذه فاتورتها ثقيلة.

5- من مخاطر الأزمة السورية الشعور بأنها ستطول، وأن الحرب يمكن أن تندلع. هذا انعكس على طريقة عمل المستثمرين الذين أضافوا أرقاما مالية على مشاريعهم فارتفعت الأسعار في كل شيء.

وتشير الصحيفة إلى أن وزير المالية يتحدث عن المال الذي خرج من الخزينة مباشرة، لكن من الواضح أن الفاتورة أثقل من ذلك بكثير.

وفي صحيفة «زمان» الإسلامية الداعمة لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان كتب الباحث المعروف إحسان داغي حول التداعيات السلبية في مجالات أخرى للأزمة السورية على تركيا، محذّرا من حركة دؤوبة للوبي الحرب في أنقرة لدفع البلاد إلى كارثة عسكرية وسياسية.

ويقول داغي «الحرب شيء سيئ، لكن هناك من لا يخسر في الحرب. البعض يربح السلطة والبعض يربح المال. ورغم آخر استطلاع للرأي في أيلول يقول إن 17 في المئة فقط من الأتراك يدعمون حربا تركية على سورية فإن مريدي الحرب يعرفون انه لا حرب من دون الجماهير. لذلك هم يحضّرون الرأي العام نفسيا. من الواضح أن تحريضا يجري على قدم وساق. القصف المدفعي تحوّل إلى روتين يومي، وهو ما يجعل انفجار الحرب أمرا عاديا إذا حصل. هكذا يظن لوبي الحرب حتى لو كانت الحكومة لا تريدها. قائمة الشكوك كثيرة». ويتساءل «لماذا فتشت الطائرة السورية؟ من أعطى المعلومات؟ الموساد أم السي آي إيه؟ يجب أن نفكّر بكل هذا. إن الحرب تعني إحياء مراكز القوى القديمة، أي الدولة العميقة، ووقف عملية التحديث في تركيا».

  • فريق ماسة
  • 2012-10-17
  • 8168
  • من الأرشيف

لوبي الحرب في تركيا وفاتورة الخسائر

ترخي الأزمة السورية بثقلها على الوضع الاقتصادي في تركيا. وبرغم ارتفاع المجموع العام لأرقام الصادرات والواردات، فإن التداعيات السلبية للأحداث السورية باتت واضحة، من خلال مجموعة من المؤشرات التي عرضت لها صحيفة «ميللييت» أمس. وذكّرت الصحيفة بقول وزير المالية محمد شيمشيك أن تركيا أنفقت أكثر 250 مليون دولار على اللاجئين السوريين فقط، علماً أن الكلفة قد تكون أكبر من ذلك بكثير برأي الصحيفة، التي قالت إن أنقرة هللت في البداية لاستضافة اللاجئين، فإذا بها الآن تستنجد العالم لمساعدتها على مواجهة مشكلتهم. وأشارت الصحيفة في تقرير اقتصادي كتبه غونغور أراس إلى أن السياسة التركية تجاه سورية كلفتها باهظة، وهي تسير إلى أسوأ مع مرور الوقت، موضحاً: 1- انشغلت تركيا بكيفية إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد وقضية اللاجئين، فيما حملت التطورات ضررا بالغاً على الاقتصاد التركي، ولا سيما المحافظات الحدودية. وهذا الضرر ليس موقتا بل دائم. فتركيا تصدّر ليس فقط إلى سورية بل إلى 11 بلداً شرق أوسطياً عبر سورية، والخسارة لا تقتصر على السوق السورية بل على الأسواق الأخرى. وبعد إغلاق الحدود السورية توقفت الصادرات. ولم يحل المشكلة الاستعاضة عن الخط البري بخط بحري من مرسين إلى مصر، حيث إن طول مسافة الرحلة يحمل أعباء إضافية مالية، كما أن طول الرحلة يزيد من أربعة أيام عبر سورية إلى 20 يوما عبر البحر. قبل الأزمة كان يمر عبر سورية شهرياً ما معدّله 9 آلاف شاحنة، واليوم كل الشاحنات شبه متوقفة. 2- تراجعت الحركة الاقتصادية في المحافظات الحدودية. مثال على ذلك أن رئيس غرفة التجارة في غازي عينتاب محمد أصلان قال إن حجم صادرات غازي عينتاب إلى سورية فقط كانت قبل الأزمة تصل إلى 150 مليون دولار. وهناك حركة مرور ترانزيت أيضاً كلها توقفت. رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في كيليس محمد أوزجي اوغلو قال إن كيليس مدينة ارتبطت تجارتها بسورية، حيث إن كل يوم كان يأتي حوالي 5 آلاف شخص يتسوّقون وينفقون المال، لكن كل ذلك توقف بالكامل. وكانت 90 في المئة من صادرات تركيا إلى السعودية وقطر ودولة الإمارات والمنطقة تمر عبر سورية، وكانت محافظة هاتاي تنتج ربع إنتاج تركيا من الخضار الطازجة. كان سوق الصادرات في المنطقة حوالى 3 مليارات دولار. اليوم توقفت كليا. 3- لقد أغلقت سورية مجالها الجوي أمام الطائرات التركية التي كانت تعبر المجال الجوي السوري في طريقها إلى الخليج والشرق الأقصى. الآن ازداد طول كل رحلة نصف ساعة على الأقل، وما يترتب عن ذلك من كلفة إضافية على الوقود لا تقل عن 1500 دولار لكل رحلة. 4- قامت تركيا بحشد قواتها على الحدود السورية وما يرافق ذلك من تحليق مكثف للطيران وحركة أكبر للدبابات والآليات العسكرية وغيرها وهذه فاتورتها ثقيلة. 5- من مخاطر الأزمة السورية الشعور بأنها ستطول، وأن الحرب يمكن أن تندلع. هذا انعكس على طريقة عمل المستثمرين الذين أضافوا أرقاما مالية على مشاريعهم فارتفعت الأسعار في كل شيء. وتشير الصحيفة إلى أن وزير المالية يتحدث عن المال الذي خرج من الخزينة مباشرة، لكن من الواضح أن الفاتورة أثقل من ذلك بكثير. وفي صحيفة «زمان» الإسلامية الداعمة لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان كتب الباحث المعروف إحسان داغي حول التداعيات السلبية في مجالات أخرى للأزمة السورية على تركيا، محذّرا من حركة دؤوبة للوبي الحرب في أنقرة لدفع البلاد إلى كارثة عسكرية وسياسية. ويقول داغي «الحرب شيء سيئ، لكن هناك من لا يخسر في الحرب. البعض يربح السلطة والبعض يربح المال. ورغم آخر استطلاع للرأي في أيلول يقول إن 17 في المئة فقط من الأتراك يدعمون حربا تركية على سورية فإن مريدي الحرب يعرفون انه لا حرب من دون الجماهير. لذلك هم يحضّرون الرأي العام نفسيا. من الواضح أن تحريضا يجري على قدم وساق. القصف المدفعي تحوّل إلى روتين يومي، وهو ما يجعل انفجار الحرب أمرا عاديا إذا حصل. هكذا يظن لوبي الحرب حتى لو كانت الحكومة لا تريدها. قائمة الشكوك كثيرة». ويتساءل «لماذا فتشت الطائرة السورية؟ من أعطى المعلومات؟ الموساد أم السي آي إيه؟ يجب أن نفكّر بكل هذا. إن الحرب تعني إحياء مراكز القوى القديمة، أي الدولة العميقة، ووقف عملية التحديث في تركيا».

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة