ارادت تركيا ان تفرض سيطرتها على سورية، وارادت مع دول الخليج وحلف الناتو واميركا والمعارضة السورية والجيش السوري الحر ان تفرض رأيها على نظام الرئيس بشار الاسد وان تقوم بتغييره واسقاط النظام، ومع ان لنا مآخذ كثيرة على النظام من حيث البطء في الاصلاحات ومن حيث ثغرات كبيرة يقوم بها مسؤولون في النظام فنحن كنا اول من أعلن ضرورة الاصلاح في اليوم الثالث، اي في 18 آذار 2011 على التلفزيون السوري عندما صرحت كشارل ايوب عن دور الاصلاحات، فلم يبث التلفزيون السوري كلامي لان المطلوب كلام واحد، ولا رأي اخر، ولا رأي لاحد، ولكن عندما تكون المعركة بين تركيا وسوريا، وعندما يستفيق التاريخ على ظلم السلطنة العثمانية، نجد انفسنا كعرب، نتحالف مع سوريا الى اخر الحدود، ونقاتل معها، وحسناً فعلت سوريا بالوقوف في وجه تركيا، والبطل الذي استشهد وكان رأس الحربة وكان الدماغ العسكري وكان الشجاع النظيف الذي لا غبار عليه والذي لم ينغمس في اخطاء النظام هو العماد الشهيد آصف شوكت، الذي ادار المعارك واقتحم مناطق على حدود تركيا لم يكن احد يتجرأ على اتخاذ قرار بشأنها. ودارت المعركة مع تركيا، فاذا بتركيا التي كانت تعتقد وتقول انها خلال ست ساعات تجتاح سوريا، تجد نفسها ان الحرب مع سوريا هذه المرة ليست نزهة وان المنطقة كلها ستنفجر وان تركيا بمشاكلها مع الاكراد وبمشاكلها التي ستنفجر على كل الحدود لن ترتاح ابدا، ثم ان روسيا الحليف الذي وقف مع سوريا، قام بتنبيه تركيا الى عدم التحرك عسكرياً ضد سوريا، وفي الوقت ذاته ولاول مرة في التاريخ، تقف 400 طائرة سورية مقاتلة ضد 400 طائرة تركية مقاتلة، فصحيح ان تركيا هي جيش المليون جندي المؤلف من 5 جيوش هي الجيش الاول والثاني والثالث والرابع والخامس، وكل جيش مؤلف من 200 الف جندي، فان المعركة ستكون عنيفة بين سوريا وتركيا. فسوريا كسرت حاجز الخوف، والشهيد العماد آصف شوكت كسر حاجز الخوف واوصل الجيش السوري الى الحدود التركية، تماما لا بل اطلق النار من داخل الاراضي السورية على تركيا. وعندما نقول الشهيد العماد آصف شوكت نقول كل الشهداء الذين سقطوا من ضباط ومساعدين وافراد ونقول الشهداء الاحياء يهابون ضباط الجيش السوري الابطال الذين يقاتلون اليوم ولا يهابون الموت في وجه كل الاعداء خاصة تركيا.

توازنت هذه المرة القوة بين تركيا وسوريا، واذا كانت البحرية التركية تعتبر انها خلال يوم واحد تستطيع تدمير ميناء اللاذقية وبقية المرافىء البحرية في بانياس وغيرها فان سوريا التي امتلكت صاروخ «شيخون» الروسي المضاد للبوارج اصبح مانعاً حاسما في وجه البحرية التركية ولم تكن تركيا تعتقد ان روسيا ستبيع سوريا صواريخ «شيخون» ارض - بحر القادرة على تدمير البوارج الحربية. لذلك كانت البحرية التركية ستصاب بخسائر كبيرة لو جرت المعركة لان صاروخ «شيخون» يضرب الى عمق 150 كيلومترا في عمق البحر، لم يعد العثمانيون يفرضون كلمتهم على الشرق الاوسط، وتركيا التي تتحدث عن نفسها انها سمك القرش الذي يأكل سمك السردين السوري لم تعد كسمك قرش بل اصبحت متوازنة وجامدة ضمن حدودها رغم انها تقوم بحرب على النظام السوري عبر فتح الحدود وتسلل المقاتلين وارسال الاسلحة وبالتالي شن حرب على سوريا غير معلنة لكنها فعلياً حرب حقيقية ضد سوريا. ومع ذلك واجهت سوريا الحرب التركية، وواجهت المتسللين وواجهت اسلحة وواجهت مساحة ومسافة طول حدود 800 كيلومتر بين سوريا وتركيا، واستطاعت سوريا ان تصمد في وجه تركيا، ولولا المعارضة المسلحة الداخلية والجيش السوري الحر لما كان احد يستطيع ان يفعل شيئاً في الداخل السوري. لكن هل يقتنع النظام ان لديه اخطاء؟ هل يقتنع انه لا يجوز ان يكون لرامي مخلوف 12 مليار دولار وهو قريب الرئيس؟ هل يقتنع النظام السوري ان كبار الضباط ليس لهم الحق في بناء القصور وجمع الثروات كي يكون النظام السوري نظاماً ممانعا ومقاتلا ضد اسرائيل؟ هل يقتنع النظام السوري ان الفساد والسرقات تستشري في سوريا في كل مكان، ولا احد يحاربها بل يشجعها كبار المسؤولين؟ هل يعرف النظام السوري ان سرقات حصلت طوال ثلاثين سنة من لبنان الى سوريا وضربت العلاقة اللبنانية - السورية بدل ان يكون الشعب اللبناني كله مع سوريا، وكيف يمكن القول ان لا موقوفين لبنانيين لدى سوريا، ومنذ شهر ونصف يخرج سجين لبناني تم اخراجه او هرب من السجن ووصل الى لبنان وقال ان لبنانيين غيره في السجون السورية. ومع ذلك نحن نفرّق، نفرّق بين اخطاء النظام والموقف الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس بشار الاسد بالممانعة، بالوقوف سنة 2003 ضد كولين باول وزير خارجية اميركا، وعدم الخضوع للشروط الاميركية، وفي الوقت ذاته دعم حركة حماس ودعم الفلسطينيين، ودعم المقاومة في لبنان، لتنتصر في حرب 12 تموز 2006، ودعم المقاومة في لبنان لتحرر الجنوب سنة 2000، وتخرج الجيش الاسرائيلي بالقوة من جنوب لبنان، كل ذلك تمّ بقرار استراتيجي اتخذه الرئيس بشار الاسد، ولكن خطأ التمديد للرئيس اميل لحود خطأ لا يمكن الغفران فيه، حيث أضرّ بلبنان وضرب لبنان ضربة لا لزوم لها الا لاسباب شخصية.

المهم ان تركيا وسوريا توازنتا هذه المرة، فتركيا التي كانت تقول انه خلال 6 ساعات تجتاح سوريا كلها لم تعد تركيا العملاقة التي تجتاح، بل هنالك جيش سوري يقاتل بحرا وجوا وبرا بكل انواع الاسلحة ومع ان تركيا تركت اكثر من 30 الف متسلل يدخلون ويخرجون من الحدود التركية - السورية، فان المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا بقيت في سوريا قوية، ولم تستطع تركيا هزّ الأمن على الحدود مع سوريا، وفي الوقت ذاته، قام الطيران السوري الحربي بكل الطلعات التي تحمي اجواء سوريا ولم يكن سلاح الجو التركي اقوى من الجيش السوري، كذلك فإن البحرية التركية راجعت حساباتها واعتبرت انها ستصطدم بالبحرية السورية، ولكن الاهم ستصطدم بالقاعدة البحرية الروسية الموجودة في طرطوس، حيث توجد بوارج روسية وحيث توجد صواريخ «شيخون» السورية وحيث يوجد صواريخ ارض - جو روسية قادرة على اسقاط الطائرات التركية. وشكلت قاعدة طرطوس الروسية في سوريا مناعة كبيرة لعدم تحرك البحرية التركية. هذه اول مرة تقف دولة عربية عدد سكانها 22 - 23 مليون نسمة في وجه تركيا الذي يصل عدد سكانها الى 65 مليون نسمة، والى مليون جندي، ولقد تغير الزمان، فلم يعد العثمانيون يجتاحون كما يريدون، واصبح القتال هو العنوان للدفاع في وجه الدولة العثمانية ولو تم تغيير اسم تركيا من الامبراطورية العثمانية الى الجمهورية التركية العلمانية.

اليوم نحن امام ميزان قوى جديد، وهو ان تركيا لم تعد تستطيع ان تفرض سيطرتها على سوريا، وهذا الميزان الجديد للقوى هو الاساس الذي سيحكم الشرق الاوسط، وتبقى مسألة رئيسية وهي قوة اسرائيل ضد سوريا، والعقبة الرئيسية هي انه في البر يتوازن الجيش السوري مع الجيش الاسرائيلي، لكن على مستوى الطيران فلا تكافؤ ويستطيع سلاح الجو الاسرائيلي ضرب سلاح الجو السوري خلال ساعات وضرب كل مطاراته، والحل الوحيد لهذا الامر هو حصول سوريا على صواريخ س.س. 300 القادرة على إسقاط اي طائرة اسرائيلية من مسافة 100 كيلومتر وما فوق، لكن روسيا التي باعت قبرص اليونانية هذه الصواريخ عادت وتراجعت عنها، وهي روسيا التي باعت ايران صواريخ الـ س.س. 300 عادت وتراجعت، ولذلك فهي لن تبيع سوريا هذه الصواريخ لان اسرائيل قالت ان حرباً ستنشأ في المنطقة ان تم ايصال هذه الصواريخ الى سوريا.

ازاء هذا الوضع، ولان سوريا لم تحصل على صواريخ ارض - جو قادرة على منع الطيران الاسرائيلي من ضرب سوريا فكان الردّ تزويد حزب الله بـ 40 الف صاروخ، ارض - ارض، يصل مداها الى 350 كيلومترا وقادرة على ضرب كل مناطق اسرائيل، وعبر هذه الصواريخ استطاعت سوريا مع المقاومة اقامة التوازن مع اسرائيل.

سنة 1973، قام كومندوس اسرائيلي برئاسة وزير الدفاع الاسرائيلي باراك بقتل ثلاثة من قادة فلسطينيين في بيروت في قلب فردان وهم كمال ناصر، كمال عدوان وابو يوسف، وقامت اسرائيل سنة 1968 باحراق 10 طائرات لشركة طيران الشرق الاوسط في مطار بيروت كله، ويومها قام الجنرال ديغول بعمل رائع عندما قاطع اسرائيل واوقف تسليحها، ودان عملها لكن اسرائيل احرقت مطار بيروت وطائراته، وفي سنة 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت العاصمة بيروت واحرقتها بالقصف بالطيران والمدفعية ثم دخلت الى بيروت، واحتلت عاصمة اهم دولة عربية هي بيروت. واستمرت اسرائيل في عملياتها فأرسلت طائرات هليكوبتر لتخطف الشيخ راغب حرب وتقتله في الجامع في الجنوب، ثم ترسل طائرات هليكوبتر الى بعلبك لتخطف مصطفى الديراني وتنقله الى اسرائيل بطائرات الهليكوبتر الحربية.

فأين اصبحنا الآن؟ لقد اصبحنا الآن امام واقع ان اسرائيل لا تتجرأ ابداً على القيام بأي عملية في الاراضي اللبنانية، لانها تدرك تماماً ان حرب 12 تموز 2006 التي استمرت 33 يوماً لم تستطع فيها اسرائيل اسكات الصواريخ التابعة للمقاومة، وبقيت المقاومة تضرب كل يوم 500 صاروخ ضد اسرائيل مع العلم ان اكثر من 1000 صاروخ كان يدخل لبنان يومياً من سوريا الى لبنان، لجعل الذخيرة في الصواريخ غير ناقصة لدى المقاومة.

33 يوما ضربت فيه 400 طائرة اسرائيلية، كل المناطق اللبنانية وضربت قواعد الصواريخ، ولم تستطع اسكات صواريخ ارض - ارض، وهذه الصواريخ ارض - ارض هي التعويض عن ان يكون عندنا طائرات قادرة على ردع اسرائيل، وهي الوسيلة للتعويض عن عدم امتلاك لبنان صواريخ ارض -جو، وسوريا عدم امتلاكها صواريخ س.س. 300.

اصبح التوازن بين سوريا واسرائيل والمقاومة هو صواريخ ارض - ارض، التي لا تستطيع اسرائيل منع هذه الصواريخ من الوصول الى اراضيها، رغم ان اسرائيل حسبت كل الحسابات، وجعلت طيرانها الحربي والبحري والبري اقوى من كل الجيوش العربية الا انها تفاجأت بحرب صواريخ ليس لديها شبكة لردع هذه الصواريخ رغم محاولاتها انشاء قبة صاروخية لردّ الصواريخ، ولكن لا تستطيع اسرائيل منع اطلاق الصواريخ من لبنان على اسرائيل.

في كل هذه المعادلة نصل الى نقطة رئيسية، وهي ان سوريا استطاعت الوقوف في وجه تركيا ولم تعد تركيا تخيف سوريا ولا تخيف العرب، وان التوازن مع اسرائيل قائم عبر سلاح الصواريخ، وان النظام في سوريا يجب ان يبقى وينتصر على اعدائه لانه نظام ممانعة، لكنه بحاجة الى اصلاحات والى منع الفساد عنده، وطبعاً الرقابة السورية، والمسؤولون السوريون لا يعجبهم كلامنا كأنما سوريا هي باحة قديسين، فيما هنالك باحة سارقين موجودين في مراكز مسؤولة، ولتسمح لنا سوريا ان نقول كلامنا ولا تمنع الصحف من الدخول الى سوريا، لانها تدرك تماماً ان كل المحطات الفضائية تدخل الى البيوت السورية وتقول كل شيء، ولا تستطيع الرقابة ان تفعل شيئا معها، بينما كل «المرجلة» وكل الحسابات الضيقة تقع على الصحف، وعلى وزارة الاعلام الانتباه الى هذه الناحية، نحن نحب سوريا لانها ارضنا، ونحب شعبها لانه شعبنا، ونحب نظامها رغم انتقادنا لانه نظام ممانعة، ولذلك لا بد من مرحلة جديدة بعد التوازن السوري - التركي لكي تكون سوريا من اقوى دول المنطقة على كل الاصعدة.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-10-15
  • 11534
  • من الأرشيف

سقوط تركيا...الحرب اكدت ضرب السياسة العثمانية

ارادت تركيا ان تفرض سيطرتها على سورية، وارادت مع دول الخليج وحلف الناتو واميركا والمعارضة السورية والجيش السوري الحر ان تفرض رأيها على نظام الرئيس بشار الاسد وان تقوم بتغييره واسقاط النظام، ومع ان لنا مآخذ كثيرة على النظام من حيث البطء في الاصلاحات ومن حيث ثغرات كبيرة يقوم بها مسؤولون في النظام فنحن كنا اول من أعلن ضرورة الاصلاح في اليوم الثالث، اي في 18 آذار 2011 على التلفزيون السوري عندما صرحت كشارل ايوب عن دور الاصلاحات، فلم يبث التلفزيون السوري كلامي لان المطلوب كلام واحد، ولا رأي اخر، ولا رأي لاحد، ولكن عندما تكون المعركة بين تركيا وسوريا، وعندما يستفيق التاريخ على ظلم السلطنة العثمانية، نجد انفسنا كعرب، نتحالف مع سوريا الى اخر الحدود، ونقاتل معها، وحسناً فعلت سوريا بالوقوف في وجه تركيا، والبطل الذي استشهد وكان رأس الحربة وكان الدماغ العسكري وكان الشجاع النظيف الذي لا غبار عليه والذي لم ينغمس في اخطاء النظام هو العماد الشهيد آصف شوكت، الذي ادار المعارك واقتحم مناطق على حدود تركيا لم يكن احد يتجرأ على اتخاذ قرار بشأنها. ودارت المعركة مع تركيا، فاذا بتركيا التي كانت تعتقد وتقول انها خلال ست ساعات تجتاح سوريا، تجد نفسها ان الحرب مع سوريا هذه المرة ليست نزهة وان المنطقة كلها ستنفجر وان تركيا بمشاكلها مع الاكراد وبمشاكلها التي ستنفجر على كل الحدود لن ترتاح ابدا، ثم ان روسيا الحليف الذي وقف مع سوريا، قام بتنبيه تركيا الى عدم التحرك عسكرياً ضد سوريا، وفي الوقت ذاته ولاول مرة في التاريخ، تقف 400 طائرة سورية مقاتلة ضد 400 طائرة تركية مقاتلة، فصحيح ان تركيا هي جيش المليون جندي المؤلف من 5 جيوش هي الجيش الاول والثاني والثالث والرابع والخامس، وكل جيش مؤلف من 200 الف جندي، فان المعركة ستكون عنيفة بين سوريا وتركيا. فسوريا كسرت حاجز الخوف، والشهيد العماد آصف شوكت كسر حاجز الخوف واوصل الجيش السوري الى الحدود التركية، تماما لا بل اطلق النار من داخل الاراضي السورية على تركيا. وعندما نقول الشهيد العماد آصف شوكت نقول كل الشهداء الذين سقطوا من ضباط ومساعدين وافراد ونقول الشهداء الاحياء يهابون ضباط الجيش السوري الابطال الذين يقاتلون اليوم ولا يهابون الموت في وجه كل الاعداء خاصة تركيا. توازنت هذه المرة القوة بين تركيا وسوريا، واذا كانت البحرية التركية تعتبر انها خلال يوم واحد تستطيع تدمير ميناء اللاذقية وبقية المرافىء البحرية في بانياس وغيرها فان سوريا التي امتلكت صاروخ «شيخون» الروسي المضاد للبوارج اصبح مانعاً حاسما في وجه البحرية التركية ولم تكن تركيا تعتقد ان روسيا ستبيع سوريا صواريخ «شيخون» ارض - بحر القادرة على تدمير البوارج الحربية. لذلك كانت البحرية التركية ستصاب بخسائر كبيرة لو جرت المعركة لان صاروخ «شيخون» يضرب الى عمق 150 كيلومترا في عمق البحر، لم يعد العثمانيون يفرضون كلمتهم على الشرق الاوسط، وتركيا التي تتحدث عن نفسها انها سمك القرش الذي يأكل سمك السردين السوري لم تعد كسمك قرش بل اصبحت متوازنة وجامدة ضمن حدودها رغم انها تقوم بحرب على النظام السوري عبر فتح الحدود وتسلل المقاتلين وارسال الاسلحة وبالتالي شن حرب على سوريا غير معلنة لكنها فعلياً حرب حقيقية ضد سوريا. ومع ذلك واجهت سوريا الحرب التركية، وواجهت المتسللين وواجهت اسلحة وواجهت مساحة ومسافة طول حدود 800 كيلومتر بين سوريا وتركيا، واستطاعت سوريا ان تصمد في وجه تركيا، ولولا المعارضة المسلحة الداخلية والجيش السوري الحر لما كان احد يستطيع ان يفعل شيئاً في الداخل السوري. لكن هل يقتنع النظام ان لديه اخطاء؟ هل يقتنع انه لا يجوز ان يكون لرامي مخلوف 12 مليار دولار وهو قريب الرئيس؟ هل يقتنع النظام السوري ان كبار الضباط ليس لهم الحق في بناء القصور وجمع الثروات كي يكون النظام السوري نظاماً ممانعا ومقاتلا ضد اسرائيل؟ هل يقتنع النظام السوري ان الفساد والسرقات تستشري في سوريا في كل مكان، ولا احد يحاربها بل يشجعها كبار المسؤولين؟ هل يعرف النظام السوري ان سرقات حصلت طوال ثلاثين سنة من لبنان الى سوريا وضربت العلاقة اللبنانية - السورية بدل ان يكون الشعب اللبناني كله مع سوريا، وكيف يمكن القول ان لا موقوفين لبنانيين لدى سوريا، ومنذ شهر ونصف يخرج سجين لبناني تم اخراجه او هرب من السجن ووصل الى لبنان وقال ان لبنانيين غيره في السجون السورية. ومع ذلك نحن نفرّق، نفرّق بين اخطاء النظام والموقف الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس بشار الاسد بالممانعة، بالوقوف سنة 2003 ضد كولين باول وزير خارجية اميركا، وعدم الخضوع للشروط الاميركية، وفي الوقت ذاته دعم حركة حماس ودعم الفلسطينيين، ودعم المقاومة في لبنان، لتنتصر في حرب 12 تموز 2006، ودعم المقاومة في لبنان لتحرر الجنوب سنة 2000، وتخرج الجيش الاسرائيلي بالقوة من جنوب لبنان، كل ذلك تمّ بقرار استراتيجي اتخذه الرئيس بشار الاسد، ولكن خطأ التمديد للرئيس اميل لحود خطأ لا يمكن الغفران فيه، حيث أضرّ بلبنان وضرب لبنان ضربة لا لزوم لها الا لاسباب شخصية. المهم ان تركيا وسوريا توازنتا هذه المرة، فتركيا التي كانت تقول انه خلال 6 ساعات تجتاح سوريا كلها لم تعد تركيا العملاقة التي تجتاح، بل هنالك جيش سوري يقاتل بحرا وجوا وبرا بكل انواع الاسلحة ومع ان تركيا تركت اكثر من 30 الف متسلل يدخلون ويخرجون من الحدود التركية - السورية، فان المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا بقيت في سوريا قوية، ولم تستطع تركيا هزّ الأمن على الحدود مع سوريا، وفي الوقت ذاته، قام الطيران السوري الحربي بكل الطلعات التي تحمي اجواء سوريا ولم يكن سلاح الجو التركي اقوى من الجيش السوري، كذلك فإن البحرية التركية راجعت حساباتها واعتبرت انها ستصطدم بالبحرية السورية، ولكن الاهم ستصطدم بالقاعدة البحرية الروسية الموجودة في طرطوس، حيث توجد بوارج روسية وحيث توجد صواريخ «شيخون» السورية وحيث يوجد صواريخ ارض - جو روسية قادرة على اسقاط الطائرات التركية. وشكلت قاعدة طرطوس الروسية في سوريا مناعة كبيرة لعدم تحرك البحرية التركية. هذه اول مرة تقف دولة عربية عدد سكانها 22 - 23 مليون نسمة في وجه تركيا الذي يصل عدد سكانها الى 65 مليون نسمة، والى مليون جندي، ولقد تغير الزمان، فلم يعد العثمانيون يجتاحون كما يريدون، واصبح القتال هو العنوان للدفاع في وجه الدولة العثمانية ولو تم تغيير اسم تركيا من الامبراطورية العثمانية الى الجمهورية التركية العلمانية. اليوم نحن امام ميزان قوى جديد، وهو ان تركيا لم تعد تستطيع ان تفرض سيطرتها على سوريا، وهذا الميزان الجديد للقوى هو الاساس الذي سيحكم الشرق الاوسط، وتبقى مسألة رئيسية وهي قوة اسرائيل ضد سوريا، والعقبة الرئيسية هي انه في البر يتوازن الجيش السوري مع الجيش الاسرائيلي، لكن على مستوى الطيران فلا تكافؤ ويستطيع سلاح الجو الاسرائيلي ضرب سلاح الجو السوري خلال ساعات وضرب كل مطاراته، والحل الوحيد لهذا الامر هو حصول سوريا على صواريخ س.س. 300 القادرة على إسقاط اي طائرة اسرائيلية من مسافة 100 كيلومتر وما فوق، لكن روسيا التي باعت قبرص اليونانية هذه الصواريخ عادت وتراجعت عنها، وهي روسيا التي باعت ايران صواريخ الـ س.س. 300 عادت وتراجعت، ولذلك فهي لن تبيع سوريا هذه الصواريخ لان اسرائيل قالت ان حرباً ستنشأ في المنطقة ان تم ايصال هذه الصواريخ الى سوريا. ازاء هذا الوضع، ولان سوريا لم تحصل على صواريخ ارض - جو قادرة على منع الطيران الاسرائيلي من ضرب سوريا فكان الردّ تزويد حزب الله بـ 40 الف صاروخ، ارض - ارض، يصل مداها الى 350 كيلومترا وقادرة على ضرب كل مناطق اسرائيل، وعبر هذه الصواريخ استطاعت سوريا مع المقاومة اقامة التوازن مع اسرائيل. سنة 1973، قام كومندوس اسرائيلي برئاسة وزير الدفاع الاسرائيلي باراك بقتل ثلاثة من قادة فلسطينيين في بيروت في قلب فردان وهم كمال ناصر، كمال عدوان وابو يوسف، وقامت اسرائيل سنة 1968 باحراق 10 طائرات لشركة طيران الشرق الاوسط في مطار بيروت كله، ويومها قام الجنرال ديغول بعمل رائع عندما قاطع اسرائيل واوقف تسليحها، ودان عملها لكن اسرائيل احرقت مطار بيروت وطائراته، وفي سنة 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت العاصمة بيروت واحرقتها بالقصف بالطيران والمدفعية ثم دخلت الى بيروت، واحتلت عاصمة اهم دولة عربية هي بيروت. واستمرت اسرائيل في عملياتها فأرسلت طائرات هليكوبتر لتخطف الشيخ راغب حرب وتقتله في الجامع في الجنوب، ثم ترسل طائرات هليكوبتر الى بعلبك لتخطف مصطفى الديراني وتنقله الى اسرائيل بطائرات الهليكوبتر الحربية. فأين اصبحنا الآن؟ لقد اصبحنا الآن امام واقع ان اسرائيل لا تتجرأ ابداً على القيام بأي عملية في الاراضي اللبنانية، لانها تدرك تماماً ان حرب 12 تموز 2006 التي استمرت 33 يوماً لم تستطع فيها اسرائيل اسكات الصواريخ التابعة للمقاومة، وبقيت المقاومة تضرب كل يوم 500 صاروخ ضد اسرائيل مع العلم ان اكثر من 1000 صاروخ كان يدخل لبنان يومياً من سوريا الى لبنان، لجعل الذخيرة في الصواريخ غير ناقصة لدى المقاومة. 33 يوما ضربت فيه 400 طائرة اسرائيلية، كل المناطق اللبنانية وضربت قواعد الصواريخ، ولم تستطع اسكات صواريخ ارض - ارض، وهذه الصواريخ ارض - ارض هي التعويض عن ان يكون عندنا طائرات قادرة على ردع اسرائيل، وهي الوسيلة للتعويض عن عدم امتلاك لبنان صواريخ ارض -جو، وسوريا عدم امتلاكها صواريخ س.س. 300. اصبح التوازن بين سوريا واسرائيل والمقاومة هو صواريخ ارض - ارض، التي لا تستطيع اسرائيل منع هذه الصواريخ من الوصول الى اراضيها، رغم ان اسرائيل حسبت كل الحسابات، وجعلت طيرانها الحربي والبحري والبري اقوى من كل الجيوش العربية الا انها تفاجأت بحرب صواريخ ليس لديها شبكة لردع هذه الصواريخ رغم محاولاتها انشاء قبة صاروخية لردّ الصواريخ، ولكن لا تستطيع اسرائيل منع اطلاق الصواريخ من لبنان على اسرائيل. في كل هذه المعادلة نصل الى نقطة رئيسية، وهي ان سوريا استطاعت الوقوف في وجه تركيا ولم تعد تركيا تخيف سوريا ولا تخيف العرب، وان التوازن مع اسرائيل قائم عبر سلاح الصواريخ، وان النظام في سوريا يجب ان يبقى وينتصر على اعدائه لانه نظام ممانعة، لكنه بحاجة الى اصلاحات والى منع الفساد عنده، وطبعاً الرقابة السورية، والمسؤولون السوريون لا يعجبهم كلامنا كأنما سوريا هي باحة قديسين، فيما هنالك باحة سارقين موجودين في مراكز مسؤولة، ولتسمح لنا سوريا ان نقول كلامنا ولا تمنع الصحف من الدخول الى سوريا، لانها تدرك تماماً ان كل المحطات الفضائية تدخل الى البيوت السورية وتقول كل شيء، ولا تستطيع الرقابة ان تفعل شيئا معها، بينما كل «المرجلة» وكل الحسابات الضيقة تقع على الصحف، وعلى وزارة الاعلام الانتباه الى هذه الناحية، نحن نحب سوريا لانها ارضنا، ونحب شعبها لانه شعبنا، ونحب نظامها رغم انتقادنا لانه نظام ممانعة، ولذلك لا بد من مرحلة جديدة بعد التوازن السوري - التركي لكي تكون سوريا من اقوى دول المنطقة على كل الاصعدة.  

المصدر : شارل ايوب \ الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة