في منتصف شهر أيلول زار الجنرال ديفيد بتراوس رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA تركيا وكانت أنقره تستضيف أيضاً رؤساء أجهزة الاستخبارات القطرية والسعودية والأردنية في اجتماع عقد في اسطنبول.

شارك الجنرال بتراوس في اجتماع رؤساء أجهزة استخبارات الدول المعادية لسورية بالرغم من أنه لم يتم تسريب أي معلومات صحفية عن مضامين هذا الاجتماع، لكن في 15 أيلول نشرت مجلة فلسطينية خبراً عن زيارة معاون رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) لتركيا وإجرائه محادثات مع المسؤولين في جهاز الاستخبارات التركية.

بعد مرور شهر واحد أنقرة تصدر أمراً بقصف جوي ومدفعي يطال الأراضي السورية بذريعة سقوط عدة قذائف هاون على الأراضي التركية جهتها الأراضي السورية، كما قام البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية بزعامة ؤ بأغلبية باستصدار قرار لمدة عام كامل يجيز الحرب ضد سوريا. بالرغم من أنه تم الإعلان مباشرة أن قرار البرلمان لا يعني بدء الحرب مع سوريا لكن في الأيام الأخيرة طلب أردوغان من الشعب التركي الاستعداد للحرب وحتى أنه قال "من لا يفعل ليس تركياً". (ربما قصد بكلامه أنه لا يحمل الجنسية التركية أو ليس له مكان في تركيا أو أراد أن يحرج معارضي الحرب في تركيا ويشكك في وطنيتهم).

ما سبب الموقف التركي الذي يسعى للحرب:

لا يخفى على أحد مشاركة تركيا الفعالة في مخطط "تغيير النظام" في سوريا، حيث تقوم أنقرة إلى جانب إسرائيل والسعودية وقطر وأمريكا منذ 20 شهر وحتى الآن بالتدخل بشكل سافر في سوريا بهدف تغيير الحكومة السورية وتأمل بالحصول على حصتها في مشروع "تشكيل حكومة" ما بعد الرئيس بشار الأسد.

 

لهذا تحولت تركيا إلى مكان لتنشئة وتدريب الإرهابيين والمغامرين الدوليين وأَضحت طريق عبور لهؤلاء إلى الأراضي السورية، ولها مشاركة عالية وكبيرة في الحرب الدائرة منذ عدة أشهر في مدينة حلب وفي الواقع هي حرب حقيقة بين سوريا وتركيا.

لذلك فإن أردوغان قبل استصدار قرار من البرلمان التركي كان غارقاً في الحرب مع سوريا لكن قرار البرلمان جاء ليغطي بعض القضايا الأخرى وهي عبارة عن:

1- لو كان أردوغان واثقاً من دعم الشعب التركي لسياسته الحربية ضد سوريا لسعى إلى احتكار النتائج المحتملة لسياسته في شخصه وفي حزبه فقط. التماسه للبرلمان يعني وجود معارضة جدية لدى الرأي العام وسائر الأحزاب والتيارات التركية تقف في وجه السياسات التي ينتهجها رئيس الوزراء. أردوغان يريد بتفويض البرلمان أن يقدم سياسته على أنها السياسة الوطنية التركية وفي حال هزمت سياساته يقوم بتقاسم اللوم مع الأخريين. لهذا فإن قرار البرلمان ليس إلا أداة لإضفاء الشرعية على سياسة أردوغان.

2-طول النزاع السوري وعدم وجود بصيص أمل في الأفق كان خارج حسابات أردوغان وشركائه الدوليين. وعندما يتورط السياسيين في "مشروع استنزافي" يقوم الرقباء السياسيين والرأي العام ببحث "النفقات- الفائدة" ومن الواضح أن أردوغان حتى الآن قد رفع ميزانيات تركيا كثيراً دون مشاهدة أي نتائج ملموسة في الأفق السياسي.

اندلعت النيران من تحت رماد حزب الـ "ك.ك.ب" (حزب العمال الكردستاني) وكل يوم يسقط ضحايا من عناصر الشرطة والجيش التركي كما تحولت حكومة أردوغان لدى الرأي العام التركي إلى مجرد منفذ للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.

يدعّي أردوغان أنه يسعى لإرساء الديمقراطية وإيجاد حكومة شعبية في سوريا لكنه في كل يوم خميس وجمعة يلعب النرد (الطاولة) مع "إلهام علييف" رئيس جمهورية أذربيجان. علييف لديه ديمقراطية بقدر ما في سوريا ديمقراطية لكن لأن علييف صديق لأمريكا واسرائيل فهو مسجل في قائمة أصدقاء أردوغان.

3- على صعيد السياسة الداخلية أردوغان ليس على علاقة جيدة مع الجيش. خلال السنوات الأخيرة قام باعتقال الكثير من الضباط الأمراء والجنرالات في الجيش بتهمة المشاركة في الانقلابات السابقة أو بتهمة محاولة الانقلاب في المستقبل وتمت محاكمة البعض وإحالة البعض على التقاعد. عدد هؤلاء الضباط كبير جداً بحيث يفتقد الجيش التركي لضباط مؤهلين ليحلوا مكان الضباط السابقين. يأتي هذا في وقت يتورط فيه الجيش التركي في حرب بالوكالة في سوريا وفي حرب حزب العمال الكردستاني . لذلك أردوغان مجبر على تصعيد الأوضاع الحربية مع سوريا لكي ينقذ نفسه وينقذ حزبه لربما بتشديد الصراع الدائر في سوريا يحقق الأهداف المنشودة وبشكل دقيق كان قرار البرلمان لهذا الأمر فقط. إذا ما دخل الجيش التركي الأراضي السورية أو في حال أصحبت الحدود التركية- السورية غير أمنة يمكن لهذا أن يخفف من الخناق الذي فرضه الجيش السوري على الإرهابيين في حلب كما يمكن أن تسهل العملية تحقيق أهداف إرهابيي القاعدة والمغامرين الدوليين التي وضعتها لهم السعودية وقطر.

للعشق أوجاعه وأهاته:

بالرغم من وجود تفاوت كبير بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين وبين أردوغان رئيس وزراء تركيا الحالي ووجود تفاوت بين المجتمع التركي والعراقي لكن أردوغان يحذو حذو صدام حسين في التعامل مع الجيران، قام صدام حسين لأسباب شخصية أو بإشارة من شركائه الدوليين في عام 1980 بمهاجمة إيران وقد كان المال السعودي والكويتي والقوات الأردنية والمصرية حاضرة في صفوف الجيش العراقي.

كانت ذريعة صدام لشن الحرب إدعاءات بملكية أراضي لكن الشركاء الدوليين كانوا يبذلون جهداً لإسقاط الدولة حديثة العهد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذا يعني أنه قبل 32 عام خلال هجوم صدام على إيران كان هناك فكرة لتغيير النظام وتشكيل حكومة جديدة في إيران.

وفي الوقت الراهن أيضاً يهيئ أردوغان الأجواء لشن هجوم ضد سوريا تحت ذرائع الحدود (إطلاق قذائف هاون من الأراضي السورية، تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني وقضايا اللاجئين الانسانية، و….) وهذه المرة أيضاً المال السعودي والقطري حاضر (مكان الكويتي) وإرهابيي القاعدة حاضرين مكان القوات المصرية والأردنية وطبعاً كل هذا بمساعدة وتوجيه أمريكا لتحقيق نفس المخطط القديم تغير النظام وتشكيل حكومة جديدة في سوريا.

أردوغان يخسر التاريخ:

لو بقى أردوغان كما كان قبل عامين كان هناك احتمال بعد انتهائه من السلطة أن توضع صورته إلى جانب صورة أتاتورك بصفته سياسي تركي بارز. لكن أردوغان صاحب شعار تصفير المشاكل مع الجيران بدّله ليصبح تصفير الصداقات مع الجيران. كان من الممكن أن ينتقد الحكومة السورية ويساعد الحكومة والشعب في تحقيق ما يعتبره صحيحاً لكنه اختار أسلوب التدخل وجعل نفسه في موقع منفذ السياسات الدولية.

قال محمد حسنيين هيكل واصفاً اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل بأن: مصر خسرت التاريخ بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد لكنها استعادت الجغرافيا (صحراء سيناء).

والسؤال الذي يتوجب أن يجيب عنه أردوغان الأن هو أمام خسارته للتاريخ ما الشيء الذي كسبه أو الذي سيكسبه.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-10-14
  • 10889
  • من الأرشيف

أردوغان خسر التاريخ

في منتصف شهر أيلول زار الجنرال ديفيد بتراوس رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA تركيا وكانت أنقره تستضيف أيضاً رؤساء أجهزة الاستخبارات القطرية والسعودية والأردنية في اجتماع عقد في اسطنبول. شارك الجنرال بتراوس في اجتماع رؤساء أجهزة استخبارات الدول المعادية لسورية بالرغم من أنه لم يتم تسريب أي معلومات صحفية عن مضامين هذا الاجتماع، لكن في 15 أيلول نشرت مجلة فلسطينية خبراً عن زيارة معاون رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) لتركيا وإجرائه محادثات مع المسؤولين في جهاز الاستخبارات التركية. بعد مرور شهر واحد أنقرة تصدر أمراً بقصف جوي ومدفعي يطال الأراضي السورية بذريعة سقوط عدة قذائف هاون على الأراضي التركية جهتها الأراضي السورية، كما قام البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية بزعامة ؤ بأغلبية باستصدار قرار لمدة عام كامل يجيز الحرب ضد سوريا. بالرغم من أنه تم الإعلان مباشرة أن قرار البرلمان لا يعني بدء الحرب مع سوريا لكن في الأيام الأخيرة طلب أردوغان من الشعب التركي الاستعداد للحرب وحتى أنه قال "من لا يفعل ليس تركياً". (ربما قصد بكلامه أنه لا يحمل الجنسية التركية أو ليس له مكان في تركيا أو أراد أن يحرج معارضي الحرب في تركيا ويشكك في وطنيتهم). ما سبب الموقف التركي الذي يسعى للحرب: لا يخفى على أحد مشاركة تركيا الفعالة في مخطط "تغيير النظام" في سوريا، حيث تقوم أنقرة إلى جانب إسرائيل والسعودية وقطر وأمريكا منذ 20 شهر وحتى الآن بالتدخل بشكل سافر في سوريا بهدف تغيير الحكومة السورية وتأمل بالحصول على حصتها في مشروع "تشكيل حكومة" ما بعد الرئيس بشار الأسد.   لهذا تحولت تركيا إلى مكان لتنشئة وتدريب الإرهابيين والمغامرين الدوليين وأَضحت طريق عبور لهؤلاء إلى الأراضي السورية، ولها مشاركة عالية وكبيرة في الحرب الدائرة منذ عدة أشهر في مدينة حلب وفي الواقع هي حرب حقيقة بين سوريا وتركيا. لذلك فإن أردوغان قبل استصدار قرار من البرلمان التركي كان غارقاً في الحرب مع سوريا لكن قرار البرلمان جاء ليغطي بعض القضايا الأخرى وهي عبارة عن: 1- لو كان أردوغان واثقاً من دعم الشعب التركي لسياسته الحربية ضد سوريا لسعى إلى احتكار النتائج المحتملة لسياسته في شخصه وفي حزبه فقط. التماسه للبرلمان يعني وجود معارضة جدية لدى الرأي العام وسائر الأحزاب والتيارات التركية تقف في وجه السياسات التي ينتهجها رئيس الوزراء. أردوغان يريد بتفويض البرلمان أن يقدم سياسته على أنها السياسة الوطنية التركية وفي حال هزمت سياساته يقوم بتقاسم اللوم مع الأخريين. لهذا فإن قرار البرلمان ليس إلا أداة لإضفاء الشرعية على سياسة أردوغان. 2-طول النزاع السوري وعدم وجود بصيص أمل في الأفق كان خارج حسابات أردوغان وشركائه الدوليين. وعندما يتورط السياسيين في "مشروع استنزافي" يقوم الرقباء السياسيين والرأي العام ببحث "النفقات- الفائدة" ومن الواضح أن أردوغان حتى الآن قد رفع ميزانيات تركيا كثيراً دون مشاهدة أي نتائج ملموسة في الأفق السياسي. اندلعت النيران من تحت رماد حزب الـ "ك.ك.ب" (حزب العمال الكردستاني) وكل يوم يسقط ضحايا من عناصر الشرطة والجيش التركي كما تحولت حكومة أردوغان لدى الرأي العام التركي إلى مجرد منفذ للسياسات الأمريكية والإسرائيلية. يدعّي أردوغان أنه يسعى لإرساء الديمقراطية وإيجاد حكومة شعبية في سوريا لكنه في كل يوم خميس وجمعة يلعب النرد (الطاولة) مع "إلهام علييف" رئيس جمهورية أذربيجان. علييف لديه ديمقراطية بقدر ما في سوريا ديمقراطية لكن لأن علييف صديق لأمريكا واسرائيل فهو مسجل في قائمة أصدقاء أردوغان. 3- على صعيد السياسة الداخلية أردوغان ليس على علاقة جيدة مع الجيش. خلال السنوات الأخيرة قام باعتقال الكثير من الضباط الأمراء والجنرالات في الجيش بتهمة المشاركة في الانقلابات السابقة أو بتهمة محاولة الانقلاب في المستقبل وتمت محاكمة البعض وإحالة البعض على التقاعد. عدد هؤلاء الضباط كبير جداً بحيث يفتقد الجيش التركي لضباط مؤهلين ليحلوا مكان الضباط السابقين. يأتي هذا في وقت يتورط فيه الجيش التركي في حرب بالوكالة في سوريا وفي حرب حزب العمال الكردستاني . لذلك أردوغان مجبر على تصعيد الأوضاع الحربية مع سوريا لكي ينقذ نفسه وينقذ حزبه لربما بتشديد الصراع الدائر في سوريا يحقق الأهداف المنشودة وبشكل دقيق كان قرار البرلمان لهذا الأمر فقط. إذا ما دخل الجيش التركي الأراضي السورية أو في حال أصحبت الحدود التركية- السورية غير أمنة يمكن لهذا أن يخفف من الخناق الذي فرضه الجيش السوري على الإرهابيين في حلب كما يمكن أن تسهل العملية تحقيق أهداف إرهابيي القاعدة والمغامرين الدوليين التي وضعتها لهم السعودية وقطر. للعشق أوجاعه وأهاته: بالرغم من وجود تفاوت كبير بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين وبين أردوغان رئيس وزراء تركيا الحالي ووجود تفاوت بين المجتمع التركي والعراقي لكن أردوغان يحذو حذو صدام حسين في التعامل مع الجيران، قام صدام حسين لأسباب شخصية أو بإشارة من شركائه الدوليين في عام 1980 بمهاجمة إيران وقد كان المال السعودي والكويتي والقوات الأردنية والمصرية حاضرة في صفوف الجيش العراقي. كانت ذريعة صدام لشن الحرب إدعاءات بملكية أراضي لكن الشركاء الدوليين كانوا يبذلون جهداً لإسقاط الدولة حديثة العهد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذا يعني أنه قبل 32 عام خلال هجوم صدام على إيران كان هناك فكرة لتغيير النظام وتشكيل حكومة جديدة في إيران. وفي الوقت الراهن أيضاً يهيئ أردوغان الأجواء لشن هجوم ضد سوريا تحت ذرائع الحدود (إطلاق قذائف هاون من الأراضي السورية، تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني وقضايا اللاجئين الانسانية، و….) وهذه المرة أيضاً المال السعودي والقطري حاضر (مكان الكويتي) وإرهابيي القاعدة حاضرين مكان القوات المصرية والأردنية وطبعاً كل هذا بمساعدة وتوجيه أمريكا لتحقيق نفس المخطط القديم تغير النظام وتشكيل حكومة جديدة في سوريا. أردوغان يخسر التاريخ: لو بقى أردوغان كما كان قبل عامين كان هناك احتمال بعد انتهائه من السلطة أن توضع صورته إلى جانب صورة أتاتورك بصفته سياسي تركي بارز. لكن أردوغان صاحب شعار تصفير المشاكل مع الجيران بدّله ليصبح تصفير الصداقات مع الجيران. كان من الممكن أن ينتقد الحكومة السورية ويساعد الحكومة والشعب في تحقيق ما يعتبره صحيحاً لكنه اختار أسلوب التدخل وجعل نفسه في موقع منفذ السياسات الدولية. قال محمد حسنيين هيكل واصفاً اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل بأن: مصر خسرت التاريخ بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد لكنها استعادت الجغرافيا (صحراء سيناء). والسؤال الذي يتوجب أن يجيب عنه أردوغان الأن هو أمام خسارته للتاريخ ما الشيء الذي كسبه أو الذي سيكسبه.    

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة