دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أبرم رئيسا حزب المستقبل والقوات اللبنانية صفقة لتقاسم الحكم بعد الانتخابات النيابية المقبلة، على أن يتبوأ الثاني سدة رئاسة الجمهورية بمباركة خليجية ليكون رأس الحربة في الصراع مع حزب الله وايران وسورية في لبنان.
حمل لقاء الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أخيراً في جدة، معنيين سياسيين: الأول، وضع اللمسات التطبيقية لصفقة بين الرجلين. وهي تقضي باعطاء الحكم للحريري عبر غالبية نيابية يحققها من خلال دعم «القوات» لقانون انتخاب وفق ما تريده السنية السياسية الحريرية، في مقابل ان يكون لجعجع لقب فخامة الرئيس عام 2014.
تعمّد الجانبان إجراء الصفقة في هذا التوقيت، لأن تقدير كل من الحريري وجعجع، يفيد بأنه لا حسم لقانون الانتخاب حتى عودة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى لبنان في الشهر المقبل. وبناءً عليه يجب بناء موقف سني ـــ ماروني (قواتي) مشترك، من هذه القضية، لجعل القوى المسيحية الانتظارية تسارع إلى الالتحاق بهما، ويعود الراعي ليجد تبدلاً جوهرياً في الأرض السياسية يكون مضطراً إلى مسايرته.
الأهمية الثانية لهذا اللقاء، الذي جرى في جدة، التي تعدّ العاصمة السياسية الصيفية في السعودية، تتصل بتحول جعجع إلى ضيف فوق العادة في الدول الخليجية. ولعل هذا البعد يظل الأهم، لانه يتضمن رؤية الخليجيين إلى وظيفة جعجع في صراعهم مع حزب الله وايران وسورية في لبنان.
القصة العربية
بدأت هذه القصة في مصر. والمفارقة، أن فكرة تقرب القاهرة من جعجع ولدت في وقت واحد، مع فكرة وزير الاستخبارات المصرية الراحل اللواء عمر سليمان التقرب من قائد الجيش حينها، الرئيس ميشال سليمان، لكن العلاقة مع جعجع مرت بمخاض طويل. ويبدو ان مخططي التقرب في القاهرة من الرجلين لم ينشئوا صلة بين الأمرين. فسليمان كان حصاناً رابحا لصورة العسكري الديموقراطي. وهذا ما كان يريده عمر سليمان، الباحث حينها عن وراثة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وتسليط الضوء على مشهد الدور السياسي لا الأمني فقط للعسكر السياسي في حل أزمات دول المنطقة. أما جعجع، فهو في عيون الشارع العربي، شخصية تحمل على كتفيها إرث الذاكرة السيئ عن ماضيها، ضد المسلمين. ولتجاوز هذا المعنى لجعجع، صيغ في الكواليس العربية «المعتدلة» مصطلح «تعريب جعجع»، ومعناه «تبييض صورته في عيون الشارع العربي، وخصوصاً السنيّ منه».
ولدت هذه الفكرة أول مرة في الكويت، لا في مصر، التي تبنت تطبيق مفاعيلها، فيما تهيّب الكثير من الدول العربية الاسلامية المحافظة، اعلان انفتاحها على جعجع، مخافة ردود فعل شارعها.
مع جنبلاط
ومن دون أن يقصد، قدم النائب وليد جنبلاط إلى جعجع خدمة كبيرة، في جعل أنظار الخليجيين تتجه اليه. وثمة في دول الخليج من يجزم بأن تفكير عرب الاعتدال بجعجع، ولد نتيجة ميلهم إلى إجراء مقارنة بينه وبين جنبلاط. فكلاهما حينها كان حليفاً لقوى 14 اذار، لكن الأخير استمرت الشكوك في ولائه او حتى في اسباب هذا الولاء. فهو، من وجهة نظر ساسة الخليج، اكثر من براغماتي، إنه «أفعى تحت الوسادة»، وهنا التعبير مقتبس عن وزير خارجية خليجي. وطوال الفترة التي مثّلت ذروة تحالف جنبلاط مع سعد الحريري ايام الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، لم يستسغ السعوديون الايحاءات المتعجرفة المسربة من جنبلاط، عن كونه هو من يقود السعودية والسنية الحريرية، معاً، في لبنان، لا العكس. ورداً على هذا الايحاء الجنبلاطي، قال السعوديون في كواليسهم: «هل من أحد يصدق أن المختارة تقود مكة».
وفي غمرة الاستغراق الخليجي في الهواجس من جنبلاط، ارتأت الكويت أن يصبح جعجع هو حليف الحريري الرقم واحد في لبنان، بدلاً من جنبلاط، على أن تظل العلاقة بهذا الأخير في اطار تكتيكي، او اشبه بدفتر شيكات تعوزه الملاءة، او ايضا تطبيقاً للقول الشهير «شرّ لا بد منه».
لا يعرف الخليجيون، ولا سيما السعوديون منهم، جعجع كثيرا. كان الرئيس رفيق الحريري، ثم مشايخ من دار الفتوى، قد نقلوا الى السعودية صورة قاتمة عنه، «يكفي أنه سبق السوريين في قتل رئيس وزارء سنّي». هذه الفكرة عنه، كان لها حضور عميق، ليس فقط عند صنّاع القرار السياسي في دول الخليج، بل ايضا في وسطها الشعبي السني المحافظ. لذلك، حالما عُرضت فكرة «تعريب جعجع»، قابلتها دول الخليج، بدايةً، بموافقة حذرة. حتى الأردن، وهو من خارج دول الخليج، رفض استقباله، ليس لأنه لا يؤمن بأهمية خيار التحالف معه وصوابيته، بل خوفاً من استغلال الإخوان المسلمين، ذي النفوذ في الشارع الاردني، مشهد رؤية الملك عبد الله يصافح قاتل أفضل رئيس وزراء سنّي في لبنان، وصاحب التاريخ الأسود في قتل مسلميه. التحفظ نفسه أبدته الكويت، رغم اقتراحها الانفتاح، والسعودية. وحدها مصر، تبرعت بالقيام بمهمة فتح أبوابها له، واستقباله، وكسر ريبة حكام الخليج من رد فعل شعوبهم على استقبال جعجع.
وهكذا، سافر جعجع الى مصر، في ظروف تطاير الشرر فيها من عيني الختيار (مبارك)، ضد الرئيس السوري بشار الأسد. كان اللقاء حميماً بين الطرفين. قالوا له في مصر: «أهلا بك حليفاً، لا زائرا فقط». كانت الكويت تراقب باهتمام تفاعل زيارة جعجع الى القاهرة، وبالأساس كانت ترصد رد فعل الشارع المصري عليها. لم يظهر أي مؤشر يوحي بأن الشعب المصري وأحزابه الاسلامية انتبهت لزيارته، او اعطتها بعداً على صلة بذاكرتها عنه، او قضية تورطه في اغتيال رشيد كرامي. وصادف ايضا أن الرئيس عمر كرامي، لم يقدم رسالة احتجاج لدى مصر على استقبالها قاتل أخيه، كما تحسّب المصريون. وهكذا مر اختبار مقبولية جعجع في الشارع العربي السنّي، بنجاح.
العدو العقائدي لحزب الله
في هذه الأثناء، كانت مطابخ رسمية في دول الخليج، قد أنهت صياغة رؤيتها حول «الجدوى من تعريب جعجع»، ووزعتها على الدول الحليفة لها في المهمة التي كان لها الأولوية آنذاك، وهي قتال الإيرانيين والسوريين في لبنان.
وابرز ما جاء في هذه الرؤية أن جعجع بخلاف كل مجايليه من الزعماء اللبنانيين، الذين شاركوا في الحرب الاهلية، أخضع نفسه لعملية نقد ذاتي جريئة، وقدم فعل الندامة على علاقته السابقة باسرائيل. ثانية نقاطها أن جعجع يعدّ «عدواً عقائديا» لحزب الله ونظام بشار الأسد، لذا يمكن الاعتماد على صلابة التحالف معه، وهو أقله لن يخلق لدينا ذات الهواجس التي تثيرها علاقتنا بجنبلاط البراغماتي والمصلحي وغير العقائدي. النقطة الثالثة افادت بأن القوات اللبنانية تحت رعاية جعجع، تصلح لأن تكون القوة العسكرية الصلبة التي يمكن الاعتماد عليها لإحداث نوع من التوازن العسكري مع حزب الله. نقطة رابعة، ايضا، تحدثت عن «جعجع الصلب» على الساحة المسيحية في مواجهة «عون القاسي» فوقها.
وصلت إلى جعجع بطرق ملتوية ملاحظات دول الخليج عنه. وهو بلا شك أدار، من جانبه، لعبة توطيد علاقته بهذه البيئة الخليجية الجديدة عليه، بنجاح مقنع. ويلاحظ ان جعجع يتعمد المبالغة في اظهار صورته الأمنية الحديدية، أمام زواره العرب، وذلك في مناورة ذكاء منه، ليؤكد لهم ملاحظتهم عنه. ويشدد على أنه الوحيد القادر على تحقيق نوع من التوازن الامني مع حزب الله، كما يبالغ في اظهار حيويته التنظيمية امامهم، لتعزيز انطباعهم، بعمق هذه الموهبة لديه، وبجدوى الاستمرار في تمويلها، وعدم الانقطاع عن ذلك، حتى في فترات وقف ضخ المال السياسي الخليجي لشركائه اللبنانيين في 14 اذار.
اليوم تفتح لجعجع صالونات الشرف في المطارات العربية. وانتفت عقدة استقباله في الخليج. ومع ذلك، فإن اخبار زياراته الرسمية إلى بلدانها تنعكس في اعلامها الرسمي على شكل خبر مقتضب، إذ تعتمد المداراة في تقديم صورته إلى الشارع الخليجي.
«الكرم» العربي والوفاء الجعجعي
يلاحظ أن الجولة الرسمية الأهم التي قام بها سمير جعجع منذ اشهر لدول الخليج، بدأت بالكويت. وهذا ترتيب معروفة خلفياته، فهو يقول «شكراً كويت» التي يعود إليها سبق الفضل في فتح الجزيرة العربية له. ثم زار السعودية، وثالثاً قطر. وهذا ايضا ترتيب مقصود من قبله، فقطر لم تبتسم له، الا لاحقا، وتحديدا، عندما اشتعل الجفاء بينها وبين الرئيس الاسد. ثم بعد ذلك عرج على الامارات العربية المتحدة، التي تكن له وداً ينبع في الاساس من اقتناعها بانه الحليف الافضل. وتمارس ابو ظبي ـــــ وليس هذا هو ذات موقف دبي من جعجع ـــــ قناعتها بتفضيله على جنبلاط بفجاجة. فخلال العام الماضي وصل إلى الخارجية الإماراتية طلب لزيارة سياسية من جعجع وجنبلاط، في وقت واحد. دولة الامارات وافقت على طلب جعجع «عندما يريد»، وأهملت طلب جنبلاط.
واليوم تجري مقارنة شامتة، داخل كواليس القوات اللبنانية، بين «كرم» الدول العربية الخليجية مع جعجع، و«بخلها» مع جنبلاط. وتقول الرواية القواتية إن جعجع حينما زار السعودية، استقبله في اقل من 24 ساعة، كل المستوى السياسي والامني الرفيع في المملكة من دون استثناء. في المقابل، فإن جنبلاط يسعى عبثاً إلى ترتيب لقاء رسمي واحد في السعودية.
المصدر :
الاخبار /ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة