لا يمكن القول انه سيكون لمناظرة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وغريمه الجمهوري بول راين في مدينة دانفيل في ولاية كنتاكي، اي تأثير ملموس على السباق الرئاسي، بل كانت محاولة من الليبراليين لاستعادة المعنويات بعد خيبة الامل من اداء الرئيس باراك اوباما في المناظرة الاولى مع المرشح الجمهوري ميت رومني.

اذا لا ضربة قاضية حسمت موقعة بايدن وراين، ولم يعرف الثنائي أي نكسة او هفوة كلامية، يمكن للاعلام الاميركي تكرارها على مدار الساعة بطريقة تضر بأي من الحملتين في الاسابيع الأخيرة الحاسمة، قبل اجراء الانتخابات في 6 تشرين الثاني المقبل.

كان بايدن رأس الحربة بطريقة ترضي القاعدة الليبرالية التي تسرّب القلق اليها في الفترة الآخيرة، وكان في موقع هجومي على مدار ساعة ونصف، مركزاً السهام على رومني من خلف راين، ومعيداً التذكير بكل نقاط ضعف المرشح الجمهوري، لناحية صناعة ثروته ونظرته الى الضرائب والى الطبقة المتوسطة. لكن في بعض الاحيان ظهر بايدن في ابتسامته الساخرة، كأنه متهكم وفوقي، وأشبه بآل غور في حملة العام 2000، لا بل أن حاكم ديلاوير السابق قاطع راين أكثر من مرة، وهذا ما رجّح تفوّق راين في بعض استطلاعات الرأي الفورية التي أجرتها القنوات الاميركية. بدوره أوباما، الذي اعترف بفشله في مناظرته الأولى مع رومني، وصف أداء بايدن بأنه «رائع» وبأنه «قدم حجة قوية».

في المقابل لم يظهر راين ملما في قضايا السياسة الخارجية، ظهر كأنه يردد ما سمعه من مستشاريه في الاسابيع الأخيرة، لا سيما حين استفاض في شرح نظرته الى طبيعة المعركة في افغانستان، وفي بعض الأحيان لم يرد على تهجم بايدن الشخصي عليه، لكنه تمكن من الصمود في وجه خبير على مستوى بايدن (69 عاما)، في مناظرته الاولى على المستوى الوطني.

ظل الشاب المحافظ (42 عاماً) متماسكا ومتميزاً بابتسامة عفوية، وقال لبايدن خلال السجال «أعلم أنك تحت الكثير من الضغط لتعويض ما فُقد على الارض، لكنني أعتقد اننا نقدر على خدمة الناس بشكل افضل اذا توقفنا عن مقاطعة بعضنا البعض». وهذا ما جعل فريق حملة رومني يؤكد ان راين كان «الأكثر نضوجا» على المسرح.

أما في تفاصيل السياسة الخارجية، فاشتمل التركيز على ملفات ليبيا وايران وسوريا وافغانستان. في ملف مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنزفي بنغازي، كان جواب بايدن مرتبكا لكن راين لم يغتنم الفرصة. لا بل أن نائب الرئيس وجّه اللوم الى راين في فشل الأمن الديبلوماسي في بنغازي، لأنه سعى خلال وجوده في الكونغرس الى تقليص الانفاق على الامن الديبلوماسي بحوالي 300 مليون دولار.

وبعد إلحاح مديرة المناظرة مارثا راداتز على فهم تردد الادارة في تقييم ما حصل خلال هذا الاعتداء، رد بايدن «لأن هذا ما أعلمته لنا أجهزة الاستخبارات»، وهو موقف لن يكون محل ترحيب في المجتمع الاستخباراتي، لا ســيما ان احد قادته وصف علناً حادثة بنغازي بـ«الاعتداء الارهابي»، بــعد فترة قليلة من مقتل ستفينز.

وحين أشارت راداتز الى بايدن ان الطاقم الديبلوماسي على الأرض طالب بالمزيد من الأمن قبل الاعتداء، نفى علمه بالأمر كذلك فعل البيت الأبيض بالأمس، لكن جلسات الكونغرس هذا الاسبوع توحي ان وزارة الخارجية كانت، أقلّه، على علم بالموضوع. في جلسات الكونغرس بالذات قدّم الجمهوريون عرضاً قوياً في هذه القضية، فأفضى الى كشف الستار عن موقع لوكالة الاستخبارات المركزية قرب السفارة الأميركية في بنغازي.

في الملف الايراني كانت الافضلية لبايدن الذي يتابع القضية يوميا بكل تفاصيلها. بينما رأى راين ان قوة ايران النووية زادت منذ إنتخاب اوباما، وان هذه الادارة لجأت الى الامم المتحدة من أجل العقوبات، وبالتالي كانت الضغوط ضعيفة على طهران نتيجة الفيتو الروسي.

تحدث راين عن الخيار السلمي مع اعطاء «مصداقية» للضغوط الاميركية، لكن بايدن ناور في الخيار العسكري قائلا «ليس من نطاق إختصاصي التحدث عن معلومات سرية، لكن نشعر بثقة انه يمكننا توجيه ضربة جدية للايرانيين». وحين سألته راداتز مرة أخرى عن الخيار العسكري، قال نائب الرئيس «قد يثبت انها كارثية إذا لم نفعل ذلك بدقة».

بايدن اكد ان النظام الايراني يرى ازدياد العزلة حوله ويتعرّض إقتصاده لنكسات نتيجة الضغوط الدولية وجزم «لن نسمح للايرانيين الحصول على سلاح نووي»، ووصف إتهامات راين بأنها «Malarkey» اي «كلام فارغ» باللغة الايرلندية، لافتاً الى أنه لا يعرف في أي عالم يعيش راين، في معرض استرساله في الردّ عليه في الموضوع الايراني.

في الاقتصاد، وجه بايدن اللوم الى إرث ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش، وأعاد تسليط الضوء على كلام رومني المسرّب بأن 47 في المئة من الاميركيين يعتبرون أنفسهم «ضحايا»، وذكر بالتالي ما نساه أوباما خلال المناظرة الأولى.

ردّ راين «ان في مسقط رأس بايدن في مدينة سكرانتون في ولاية بنسلفانيا تصل البطالة الى 10 في المئة»، ودافع عن كلام رومني المسرّب مازحاً «اعتقد ان نائب الرئيس يعلم جيدا ان في بعض الاحيان لا تخرج الكلمات من فمك بالطريقة الصحيحة».

وحين إنتقد راين دور ادارة اوباما المضخم في إنقاذ الاقتصاد، رد بايدن «أحب صديقي هنا. لا يُسمح لي باظهار الرسائل لكن إذهبوا الى موقعنا الالكتروني»، في اشارة الى ان راين وجه له رسالتين الكترونيتين، يطالب فيهما بأموال فيدرالية لمساعدة الشركات في ولايته ويسكونسن التي يمثلها في الكونغرس.

كما كان بارزا تمسك بايدن بموقف صلب بالانسحاب من افغانستان العام 2014، في وقت أراد فيه راين ترك الباب مفتوحا في حال لم يتمكن الجيش الاميركي من فرض حد أدنى من الاستقرار قبل هذا الموعد، علماً أن ادارة اوباما تلمح الى بقاء قوة اميركية محدودة بعد الانتهاء من الإنسحاب.

وأعاد بايدن التأكيد أن الغاية الأميركية الاساسية تحققت في تفكيك تنظيم «القاعدة» وقتل زعيمها اسامة بن لادن، وبالتالي لا ضرورة للبقاء في أفغانستان بعد ذلك، بل تصبح مسؤولية افغانية، وهذا ما سيوفر على الخزينة الاميركية 800 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

اللافت ايضا كان توصيف بايدن لما يحصل في سوريا قائلا «اذا إنفجر الوضع وسيطر الأشخاص غير المناسبين على السلطة، فسيكون لهذا الأمر أثر على المنطقة برمّتها ويسبّب حروبا اقليمية»، مشدداً أن «واشنطن تتعاون مع حلفائها الاقليميين للتأكد ان البديل سيكون حكومة شرعية وليس حكومة يرعاها تنظيم القاعدة».

واكد ان «ادارة اوباما تحرص على تحديد هذه القوى التي يمكنها تشكيل حكومة مستقرة، ولا تسبب بحرب اقليمية سنية ـ شيعية بعد سقوط نظام الرئيس الســوري بشار الاسد». وحين تساءل اذا ما يريد الجــمهوريون الذهاب الى حرب في سوريا، نفى راين هذا الخيار، مؤكــدا انه «ضد نشر اي جندي اميركي على الارض في أي مكان في العالم اذا لم تكن هناك مصالح اميركية على المحك».

وإنتقد راين مجددا لجوء ادارة اوباما الى الامم المتحدة في التعامل مع الملف السوري وبالتالي الرضوخ للفيتو الروسي، داعيا الى المزيد من التعاون «مع المقاتلين من اجل الحرية واولئك المعارضين في سوريا».
  • فريق ماسة
  • 2012-10-12
  • 9278
  • من الأرشيف

موقعة بايدن ـ راين: لا ضربة قاضية!

لا يمكن القول انه سيكون لمناظرة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وغريمه الجمهوري بول راين في مدينة دانفيل في ولاية كنتاكي، اي تأثير ملموس على السباق الرئاسي، بل كانت محاولة من الليبراليين لاستعادة المعنويات بعد خيبة الامل من اداء الرئيس باراك اوباما في المناظرة الاولى مع المرشح الجمهوري ميت رومني. اذا لا ضربة قاضية حسمت موقعة بايدن وراين، ولم يعرف الثنائي أي نكسة او هفوة كلامية، يمكن للاعلام الاميركي تكرارها على مدار الساعة بطريقة تضر بأي من الحملتين في الاسابيع الأخيرة الحاسمة، قبل اجراء الانتخابات في 6 تشرين الثاني المقبل. كان بايدن رأس الحربة بطريقة ترضي القاعدة الليبرالية التي تسرّب القلق اليها في الفترة الآخيرة، وكان في موقع هجومي على مدار ساعة ونصف، مركزاً السهام على رومني من خلف راين، ومعيداً التذكير بكل نقاط ضعف المرشح الجمهوري، لناحية صناعة ثروته ونظرته الى الضرائب والى الطبقة المتوسطة. لكن في بعض الاحيان ظهر بايدن في ابتسامته الساخرة، كأنه متهكم وفوقي، وأشبه بآل غور في حملة العام 2000، لا بل أن حاكم ديلاوير السابق قاطع راين أكثر من مرة، وهذا ما رجّح تفوّق راين في بعض استطلاعات الرأي الفورية التي أجرتها القنوات الاميركية. بدوره أوباما، الذي اعترف بفشله في مناظرته الأولى مع رومني، وصف أداء بايدن بأنه «رائع» وبأنه «قدم حجة قوية». في المقابل لم يظهر راين ملما في قضايا السياسة الخارجية، ظهر كأنه يردد ما سمعه من مستشاريه في الاسابيع الأخيرة، لا سيما حين استفاض في شرح نظرته الى طبيعة المعركة في افغانستان، وفي بعض الأحيان لم يرد على تهجم بايدن الشخصي عليه، لكنه تمكن من الصمود في وجه خبير على مستوى بايدن (69 عاما)، في مناظرته الاولى على المستوى الوطني. ظل الشاب المحافظ (42 عاماً) متماسكا ومتميزاً بابتسامة عفوية، وقال لبايدن خلال السجال «أعلم أنك تحت الكثير من الضغط لتعويض ما فُقد على الارض، لكنني أعتقد اننا نقدر على خدمة الناس بشكل افضل اذا توقفنا عن مقاطعة بعضنا البعض». وهذا ما جعل فريق حملة رومني يؤكد ان راين كان «الأكثر نضوجا» على المسرح. أما في تفاصيل السياسة الخارجية، فاشتمل التركيز على ملفات ليبيا وايران وسوريا وافغانستان. في ملف مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنزفي بنغازي، كان جواب بايدن مرتبكا لكن راين لم يغتنم الفرصة. لا بل أن نائب الرئيس وجّه اللوم الى راين في فشل الأمن الديبلوماسي في بنغازي، لأنه سعى خلال وجوده في الكونغرس الى تقليص الانفاق على الامن الديبلوماسي بحوالي 300 مليون دولار. وبعد إلحاح مديرة المناظرة مارثا راداتز على فهم تردد الادارة في تقييم ما حصل خلال هذا الاعتداء، رد بايدن «لأن هذا ما أعلمته لنا أجهزة الاستخبارات»، وهو موقف لن يكون محل ترحيب في المجتمع الاستخباراتي، لا ســيما ان احد قادته وصف علناً حادثة بنغازي بـ«الاعتداء الارهابي»، بــعد فترة قليلة من مقتل ستفينز. وحين أشارت راداتز الى بايدن ان الطاقم الديبلوماسي على الأرض طالب بالمزيد من الأمن قبل الاعتداء، نفى علمه بالأمر كذلك فعل البيت الأبيض بالأمس، لكن جلسات الكونغرس هذا الاسبوع توحي ان وزارة الخارجية كانت، أقلّه، على علم بالموضوع. في جلسات الكونغرس بالذات قدّم الجمهوريون عرضاً قوياً في هذه القضية، فأفضى الى كشف الستار عن موقع لوكالة الاستخبارات المركزية قرب السفارة الأميركية في بنغازي. في الملف الايراني كانت الافضلية لبايدن الذي يتابع القضية يوميا بكل تفاصيلها. بينما رأى راين ان قوة ايران النووية زادت منذ إنتخاب اوباما، وان هذه الادارة لجأت الى الامم المتحدة من أجل العقوبات، وبالتالي كانت الضغوط ضعيفة على طهران نتيجة الفيتو الروسي. تحدث راين عن الخيار السلمي مع اعطاء «مصداقية» للضغوط الاميركية، لكن بايدن ناور في الخيار العسكري قائلا «ليس من نطاق إختصاصي التحدث عن معلومات سرية، لكن نشعر بثقة انه يمكننا توجيه ضربة جدية للايرانيين». وحين سألته راداتز مرة أخرى عن الخيار العسكري، قال نائب الرئيس «قد يثبت انها كارثية إذا لم نفعل ذلك بدقة». بايدن اكد ان النظام الايراني يرى ازدياد العزلة حوله ويتعرّض إقتصاده لنكسات نتيجة الضغوط الدولية وجزم «لن نسمح للايرانيين الحصول على سلاح نووي»، ووصف إتهامات راين بأنها «Malarkey» اي «كلام فارغ» باللغة الايرلندية، لافتاً الى أنه لا يعرف في أي عالم يعيش راين، في معرض استرساله في الردّ عليه في الموضوع الايراني. في الاقتصاد، وجه بايدن اللوم الى إرث ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش، وأعاد تسليط الضوء على كلام رومني المسرّب بأن 47 في المئة من الاميركيين يعتبرون أنفسهم «ضحايا»، وذكر بالتالي ما نساه أوباما خلال المناظرة الأولى. ردّ راين «ان في مسقط رأس بايدن في مدينة سكرانتون في ولاية بنسلفانيا تصل البطالة الى 10 في المئة»، ودافع عن كلام رومني المسرّب مازحاً «اعتقد ان نائب الرئيس يعلم جيدا ان في بعض الاحيان لا تخرج الكلمات من فمك بالطريقة الصحيحة». وحين إنتقد راين دور ادارة اوباما المضخم في إنقاذ الاقتصاد، رد بايدن «أحب صديقي هنا. لا يُسمح لي باظهار الرسائل لكن إذهبوا الى موقعنا الالكتروني»، في اشارة الى ان راين وجه له رسالتين الكترونيتين، يطالب فيهما بأموال فيدرالية لمساعدة الشركات في ولايته ويسكونسن التي يمثلها في الكونغرس. كما كان بارزا تمسك بايدن بموقف صلب بالانسحاب من افغانستان العام 2014، في وقت أراد فيه راين ترك الباب مفتوحا في حال لم يتمكن الجيش الاميركي من فرض حد أدنى من الاستقرار قبل هذا الموعد، علماً أن ادارة اوباما تلمح الى بقاء قوة اميركية محدودة بعد الانتهاء من الإنسحاب. وأعاد بايدن التأكيد أن الغاية الأميركية الاساسية تحققت في تفكيك تنظيم «القاعدة» وقتل زعيمها اسامة بن لادن، وبالتالي لا ضرورة للبقاء في أفغانستان بعد ذلك، بل تصبح مسؤولية افغانية، وهذا ما سيوفر على الخزينة الاميركية 800 مليار دولار على مدى عشر سنوات. اللافت ايضا كان توصيف بايدن لما يحصل في سوريا قائلا «اذا إنفجر الوضع وسيطر الأشخاص غير المناسبين على السلطة، فسيكون لهذا الأمر أثر على المنطقة برمّتها ويسبّب حروبا اقليمية»، مشدداً أن «واشنطن تتعاون مع حلفائها الاقليميين للتأكد ان البديل سيكون حكومة شرعية وليس حكومة يرعاها تنظيم القاعدة». واكد ان «ادارة اوباما تحرص على تحديد هذه القوى التي يمكنها تشكيل حكومة مستقرة، ولا تسبب بحرب اقليمية سنية ـ شيعية بعد سقوط نظام الرئيس الســوري بشار الاسد». وحين تساءل اذا ما يريد الجــمهوريون الذهاب الى حرب في سوريا، نفى راين هذا الخيار، مؤكــدا انه «ضد نشر اي جندي اميركي على الارض في أي مكان في العالم اذا لم تكن هناك مصالح اميركية على المحك». وإنتقد راين مجددا لجوء ادارة اوباما الى الامم المتحدة في التعامل مع الملف السوري وبالتالي الرضوخ للفيتو الروسي، داعيا الى المزيد من التعاون «مع المقاتلين من اجل الحرية واولئك المعارضين في سوريا».

المصدر : السفير /جو معكرون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة