منذ أن سقطت قذائف المدفعية السورية على الأراضي التركية قرب مدينة أكجا قلعة على الحدود التركية- السورية، وأدت لمقتل ٥ أشخاص، ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان يهاجم ويتوعد بالرد الفوري والعملي والحاسم على ما يسميه بالاستفزاز السوري. واكتسب هذا التهديد طابعاً عملياً بزيارة رئيس الأركان الفريق أول نجدت أوزيل إلى المناطق الحدودية مع سورية، حيث كرّر ما قاله أردوغان، وهدّد بردّ عنيف على أيّ استفزاز سوري ضد تركيا في المنطقة. ولوح أوزيل بأن الجيش التركي يمكن أن يلجأ لاستخدام إجراءات أكثر صرامة بحق سورية. ونقلت محطة «إن تي في» التركية عن قوله إن الإجراءات الجديدة يمكن أن تستخدم إذا انطلقت قذائف جديدة على الأراضي التركية من جانب سورية. وقبل أوزيل، حذر الرئيس التركي عبد الله غول من أن بلاده ستفعل كل شيء للدفاع عن نفسها.

يشار إلى قذائف المدفعية السورية، التي تسقط على الأراضي التركية، تقع خلال الاشتباكات العنيفة على المناطق الحدودية بين الجيش السوري والجماعات المسلحة، التي يعرف الجميع أنّها تتسلّل عبر الحدود المشتركة وبدعم وحماية تركية مباشرة.

الإعلام التركي يتحدّث بالتفصيل يومياً عن عمليات التسلل هذه، كما يتحدث عنها زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، ومسؤولوا الحزب الذين يبدو أنّهم قد أحرجوا الحكومة في موضوع سورية، وهو ما يفسّر الحالة العصبية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. إذ يحاولان استغلال التصعيد الأخير في شحن المشاعر القومية والوطنية للشعب التركي، واستعدائه للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه.

ويتحدث الإعلام التركي عن ضغوط كبيرة جداً تتعرّض لها وسائل الاعلام والإعلاميين، حتى لا يكتبوا أي شيء ضد سياسات الحكومة في موضوع سورية، وخصوصاً بعدما أثبتت استطلاعات الرأي أنّ حوالي ٩٠ بالمئة من الشعب التركي ضد سياسات التصعيد التي تنتهجها الحكومة في سورية، كما هو ضد أيّ عمل عسكري تركي في سورية. ولا يخفي غالبية الأتراك قلقهم، وتخوّفهم من المعلومات التي تتحدث عن احتضان تركيا للجيش الحر وتقديم كافة أنواع الدعم العسكري والمادي لمسلحي هذا الجيش، الذي راهنت عليه أنقرة منذ البداية، وتوقّعت له أن يحسم المعركة لصالح الحسابات التركية الخاصة بسورية والمنطقة عموماً. وخسرت أنقرة هذا الرهان، بعدما خسرت رهانها في إقناع العواصم الغربية في اقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية أو فرض حظر جوي على المناطق الشمالية لسورية من أجل حماية مسلحي «الجيش الحر» في محاولة منهم للسيطرة على مدينة حلب وتحويلها الى بنغازي ثانية. كما يهدف التصعيد التركي الأخير إلى رفع معنويات الجماعات المسلحة التي منيت بخسائر كبيرة في معارك حلب، على الرغم من الدعم التركي لهم برياً وجوياً عبر طائرات التجسس التركية التي تراقب تحركات الجيش السوري. كما يهدف إلى استفزاز العواصم الغربية لجرّها إلى الساحة السورية، فيما اقتنع أردوغان وداوود أوغلو أنّ هذه العواصم لم تعد تبالي بسورية لحسابات إقليمية ودولية. وهذا ما يفسّر قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإلغاء زيارته المقررة إلى أنقرة نهاية الأسبوع الجاري استنكاراً للتدخل التركي في سورية.

ويبقى الرهان الرئيسي على مدى رغبة وقدرة أردوغان على شنّ حرب على سورية بعد أن تحول العداء للرئيس السوري إلى قضية شخصية بالنسبة له ولداوود أوغلو. كما أنّ بقاء الأسد في السلطة سيعني فشل سياستهما داخلياً في إقناع الشعب التركي، وإقليمياً حيث سيخسر أردوغان كلّ رهاناته الإقليمية، ما يعني فشل المشروع الأميركي التركي لتسويق «الإسلام التركي» المطعّم مصرياً في المنطقة، حيث بات واضحاً أن مستقبلها سيتمّ تحديده، بشكل أو بآخر، في سورية بالمواجهة غير المباشرة بين صديقا الأمس وعدوا الحاضر والمستقبل، الأسد وأردوغان. وطالما أنّ تركيا راهنت بكل أوراقها على سقوط الأسد.

  • فريق ماسة
  • 2012-10-11
  • 10425
  • من الأرشيف

إلى متى الاستفزاز التركي؟

منذ أن سقطت قذائف المدفعية السورية على الأراضي التركية قرب مدينة أكجا قلعة على الحدود التركية- السورية، وأدت لمقتل ٥ أشخاص، ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان يهاجم ويتوعد بالرد الفوري والعملي والحاسم على ما يسميه بالاستفزاز السوري. واكتسب هذا التهديد طابعاً عملياً بزيارة رئيس الأركان الفريق أول نجدت أوزيل إلى المناطق الحدودية مع سورية، حيث كرّر ما قاله أردوغان، وهدّد بردّ عنيف على أيّ استفزاز سوري ضد تركيا في المنطقة. ولوح أوزيل بأن الجيش التركي يمكن أن يلجأ لاستخدام إجراءات أكثر صرامة بحق سورية. ونقلت محطة «إن تي في» التركية عن قوله إن الإجراءات الجديدة يمكن أن تستخدم إذا انطلقت قذائف جديدة على الأراضي التركية من جانب سورية. وقبل أوزيل، حذر الرئيس التركي عبد الله غول من أن بلاده ستفعل كل شيء للدفاع عن نفسها. يشار إلى قذائف المدفعية السورية، التي تسقط على الأراضي التركية، تقع خلال الاشتباكات العنيفة على المناطق الحدودية بين الجيش السوري والجماعات المسلحة، التي يعرف الجميع أنّها تتسلّل عبر الحدود المشتركة وبدعم وحماية تركية مباشرة. الإعلام التركي يتحدّث بالتفصيل يومياً عن عمليات التسلل هذه، كما يتحدث عنها زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، ومسؤولوا الحزب الذين يبدو أنّهم قد أحرجوا الحكومة في موضوع سورية، وهو ما يفسّر الحالة العصبية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. إذ يحاولان استغلال التصعيد الأخير في شحن المشاعر القومية والوطنية للشعب التركي، واستعدائه للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. ويتحدث الإعلام التركي عن ضغوط كبيرة جداً تتعرّض لها وسائل الاعلام والإعلاميين، حتى لا يكتبوا أي شيء ضد سياسات الحكومة في موضوع سورية، وخصوصاً بعدما أثبتت استطلاعات الرأي أنّ حوالي ٩٠ بالمئة من الشعب التركي ضد سياسات التصعيد التي تنتهجها الحكومة في سورية، كما هو ضد أيّ عمل عسكري تركي في سورية. ولا يخفي غالبية الأتراك قلقهم، وتخوّفهم من المعلومات التي تتحدث عن احتضان تركيا للجيش الحر وتقديم كافة أنواع الدعم العسكري والمادي لمسلحي هذا الجيش، الذي راهنت عليه أنقرة منذ البداية، وتوقّعت له أن يحسم المعركة لصالح الحسابات التركية الخاصة بسورية والمنطقة عموماً. وخسرت أنقرة هذا الرهان، بعدما خسرت رهانها في إقناع العواصم الغربية في اقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية أو فرض حظر جوي على المناطق الشمالية لسورية من أجل حماية مسلحي «الجيش الحر» في محاولة منهم للسيطرة على مدينة حلب وتحويلها الى بنغازي ثانية. كما يهدف التصعيد التركي الأخير إلى رفع معنويات الجماعات المسلحة التي منيت بخسائر كبيرة في معارك حلب، على الرغم من الدعم التركي لهم برياً وجوياً عبر طائرات التجسس التركية التي تراقب تحركات الجيش السوري. كما يهدف إلى استفزاز العواصم الغربية لجرّها إلى الساحة السورية، فيما اقتنع أردوغان وداوود أوغلو أنّ هذه العواصم لم تعد تبالي بسورية لحسابات إقليمية ودولية. وهذا ما يفسّر قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإلغاء زيارته المقررة إلى أنقرة نهاية الأسبوع الجاري استنكاراً للتدخل التركي في سورية. ويبقى الرهان الرئيسي على مدى رغبة وقدرة أردوغان على شنّ حرب على سورية بعد أن تحول العداء للرئيس السوري إلى قضية شخصية بالنسبة له ولداوود أوغلو. كما أنّ بقاء الأسد في السلطة سيعني فشل سياستهما داخلياً في إقناع الشعب التركي، وإقليمياً حيث سيخسر أردوغان كلّ رهاناته الإقليمية، ما يعني فشل المشروع الأميركي التركي لتسويق «الإسلام التركي» المطعّم مصرياً في المنطقة، حيث بات واضحاً أن مستقبلها سيتمّ تحديده، بشكل أو بآخر، في سورية بالمواجهة غير المباشرة بين صديقا الأمس وعدوا الحاضر والمستقبل، الأسد وأردوغان. وطالما أنّ تركيا راهنت بكل أوراقها على سقوط الأسد.

المصدر : الاخبار/حسني محلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة