تبدو انقرة تسير في اتجاه الدخول في وحول أزمة لن تستطيع الخروج منها, على عكس المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

إن تركيا تقف في مواجهة خطر الانزلاق أكثر فأكثر داخل الأزمة السورية. فالغضب يتزايد نتيجة لتبادل اعمال القصف على جانبي الحدود. وخلال الأشهر القليلة الماضية تراجع الحماس الجماعي الذي كان مؤيداً للدعم التركي للمعارضة السورية, وتحول إلى مزاج عام يدعو إلى التروي إذ أن التداعيات السلبية لمثل هذا التورط قد اصبحت اكثر وضوحاً.

الدعم التركي للحركة الديموقراطية السورية كان واقعياً. فحزب «العدالة والتنمية» شعر ان شرعيته يمكن ان تتضرر إلى حد كبير إذا لم يدعم هذه الحركة في دولة جارة. كما اعتبرت أنقرة أن مصالحها ستكون مصونة بشكل افضل من خلال مساندتها المعارضة التي كانت تأمل بأنها ستتسلم السلطة بسرعة، يضاف إلى ذلك أن العاصمة التركية أرادت توجيه رسالة إلى واشنطن بأنها لا تزال ضمن المعسكر الغربي, بالرغم من مواقفها المعارضة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والبرنامج النووي الإيراني.

وخلال فترة قصيرة من الزمن بدت الأمور كأنها تسير في الاتجاه المرسوم لها, لكن الأحداث سرعان ما اتخذت منحى مختلفاً كلياً. فقد تحولت الحركة الديموقراطية السورية من معارضة مدنية إلى تمرد مسلح تشارك فيه مجموعات جهادية وسلفية متعددة تسلحها السعودية وقطر, وتخوض قتالاً لا هوادة فيه مع القوات الحكومية, أسفر عن مصرع عشرات الآلاف من المدنيين. كما اصبح واضحاً ان تركيا وغيرها من القوى, قد اساءت تقدير قدرة النظام السوري على البقاء, وتصميمه على الصمود بدلاً من القبول بعملية انتقال سلمية للسلطة.

لقد اصبح الأتراك مدركين جيداً لحجم الأضرار التي تخلفها هذه الأزمة على مجتمعهم الخاص. فالدعم التركي الناشط للتمرد السني ضد الأسد، أسفر عن زيادة التوتر المذهبي بين الأكثرية السنية والأقلية العلوية في تركيا نفسها.

كذلك, فإن المشكلة الكردية في الداخل التركي, تبدو انها مرشحة إلى التفاقم. فالفصائل الكردية في سوريا ذات العلاقة بحزب العمال الكردستاني تسيطر الآن على أجزاء من سوريا الشمالية, بحيث يمكن ان تتحول هذه الأجزاء إلى معاقل لمقاتلي الحزب وللعديد من الذين جاءوا من كردستان العراق. والسياسة التركية القديمة التي تركزت حول استمالة كردستان العراق إلى جانبها ضد حزب العمال الكردستاني, تبدو اليوم في مهب الريح.

اما الحوادث الأخيرة فإنها تساهم أكثر في صب الزيت على نار ألأزمة الملتهبة اصلا. وتصويت البرلمان التركي مؤخراً على منح الحكومة حق القيام بأعمال عسكرية خارج تركيا يزيد من مخاطر انزلاق أنقرة في وحول أزمة إقليمية بدون النظر ملياً في عواقبها وتداعياتها غير القابلة للتنبؤ بها.

وفي ما يتعلق بالداعمين الأساسيين الآخرين للمعارضة السورية, أي السعودية والولايات المتحدة, فإن بوسعهما النأي بنفسيهما عن هذه الأزمة, وترك تركيا تواجه مصيرها لوحدها إذا تدهورت الأوضاع في سوريا، ووصلت إلى حد الفوضى الشاملة. لكن تركيا, بكونها الجارة الأقرب, لا تحظى بهذه الميزة. وانطلاقاً من ذلك, فإنه من واجب تركيا ان تتصرف بحذر شديد, وأن تعيد النظر في تقييمها للأمور, لأنها إن لم تفعل, فإن المشكلة السورية يمكن ان تصبح بسرعة مشكلة تركية.

  • فريق ماسة
  • 2012-10-09
  • 10970
  • من الأرشيف

وزير خارجية أستراليا الأسبق :المشكلة السورية يمكن ان تصبح بسرعة مشكلة تركية

تبدو انقرة تسير في اتجاه الدخول في وحول أزمة لن تستطيع الخروج منها, على عكس المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. إن تركيا تقف في مواجهة خطر الانزلاق أكثر فأكثر داخل الأزمة السورية. فالغضب يتزايد نتيجة لتبادل اعمال القصف على جانبي الحدود. وخلال الأشهر القليلة الماضية تراجع الحماس الجماعي الذي كان مؤيداً للدعم التركي للمعارضة السورية, وتحول إلى مزاج عام يدعو إلى التروي إذ أن التداعيات السلبية لمثل هذا التورط قد اصبحت اكثر وضوحاً. الدعم التركي للحركة الديموقراطية السورية كان واقعياً. فحزب «العدالة والتنمية» شعر ان شرعيته يمكن ان تتضرر إلى حد كبير إذا لم يدعم هذه الحركة في دولة جارة. كما اعتبرت أنقرة أن مصالحها ستكون مصونة بشكل افضل من خلال مساندتها المعارضة التي كانت تأمل بأنها ستتسلم السلطة بسرعة، يضاف إلى ذلك أن العاصمة التركية أرادت توجيه رسالة إلى واشنطن بأنها لا تزال ضمن المعسكر الغربي, بالرغم من مواقفها المعارضة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والبرنامج النووي الإيراني. وخلال فترة قصيرة من الزمن بدت الأمور كأنها تسير في الاتجاه المرسوم لها, لكن الأحداث سرعان ما اتخذت منحى مختلفاً كلياً. فقد تحولت الحركة الديموقراطية السورية من معارضة مدنية إلى تمرد مسلح تشارك فيه مجموعات جهادية وسلفية متعددة تسلحها السعودية وقطر, وتخوض قتالاً لا هوادة فيه مع القوات الحكومية, أسفر عن مصرع عشرات الآلاف من المدنيين. كما اصبح واضحاً ان تركيا وغيرها من القوى, قد اساءت تقدير قدرة النظام السوري على البقاء, وتصميمه على الصمود بدلاً من القبول بعملية انتقال سلمية للسلطة. لقد اصبح الأتراك مدركين جيداً لحجم الأضرار التي تخلفها هذه الأزمة على مجتمعهم الخاص. فالدعم التركي الناشط للتمرد السني ضد الأسد، أسفر عن زيادة التوتر المذهبي بين الأكثرية السنية والأقلية العلوية في تركيا نفسها. كذلك, فإن المشكلة الكردية في الداخل التركي, تبدو انها مرشحة إلى التفاقم. فالفصائل الكردية في سوريا ذات العلاقة بحزب العمال الكردستاني تسيطر الآن على أجزاء من سوريا الشمالية, بحيث يمكن ان تتحول هذه الأجزاء إلى معاقل لمقاتلي الحزب وللعديد من الذين جاءوا من كردستان العراق. والسياسة التركية القديمة التي تركزت حول استمالة كردستان العراق إلى جانبها ضد حزب العمال الكردستاني, تبدو اليوم في مهب الريح. اما الحوادث الأخيرة فإنها تساهم أكثر في صب الزيت على نار ألأزمة الملتهبة اصلا. وتصويت البرلمان التركي مؤخراً على منح الحكومة حق القيام بأعمال عسكرية خارج تركيا يزيد من مخاطر انزلاق أنقرة في وحول أزمة إقليمية بدون النظر ملياً في عواقبها وتداعياتها غير القابلة للتنبؤ بها. وفي ما يتعلق بالداعمين الأساسيين الآخرين للمعارضة السورية, أي السعودية والولايات المتحدة, فإن بوسعهما النأي بنفسيهما عن هذه الأزمة, وترك تركيا تواجه مصيرها لوحدها إذا تدهورت الأوضاع في سوريا، ووصلت إلى حد الفوضى الشاملة. لكن تركيا, بكونها الجارة الأقرب, لا تحظى بهذه الميزة. وانطلاقاً من ذلك, فإنه من واجب تركيا ان تتصرف بحذر شديد, وأن تعيد النظر في تقييمها للأمور, لأنها إن لم تفعل, فإن المشكلة السورية يمكن ان تصبح بسرعة مشكلة تركية.

المصدر : غاريث ايفانس وزير خارجية أستراليا الأسبق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة