«جبهة النصرة» تكاد تكون أكثر التنظيمات الاسلامية المسلحة نشاطاً على الأراضي السورية، رغم حداثة عمرها الذي لا يزيد على الأشهر العشرة. «الجبهة» التي تتغذّى من ظهيرها في لبنان، «فتح الاسلام»، بالقوة والمنعة، على وشك أن تنتزع مباركة تنظيم «القاعدة»، بعدما كانت لقيادييها علاقة بالمخابرات السورية والأميركية

تبنّت «جبهة النصرة الإسلامية» الهجوم المزدوج على مبنى هيئة الأركان العامة للجيش السوري في قلب دمشق قبل أسبوعين، قرب ساحة الأمويين. عقب ذلك، أعلن «الجيش السوري الحر» أن العملية نفذتها أربع مجموعات من فصائل المعارضة المسلحة، خصّ منها بالذكر «تجمّع أنصار الإسلام لدمشق وريفها».

يختصر بيان «الجيش الحر» قصة صراع مرير داخل المعارضة السورية المسلحة؛ إذ إنه، بتركيزه على «تجمع انصار الإسلام»، يسعى إلى لفت الانتباه إلى «بطولات» يُسجّلها معارضون، من خارج «جبهة النصرة» التي تعدّ الأهم عدداً وعديداً وخبرة، من بين كل فصائل المعارضة الأخرى. وهي ترفض القتال تحت لواء «الجيش الحر»، التزاماً منها بمفهوم «الراية» الذي يحتم على «المجاهدين» العمل تحت راية التوحيد لإضفاء الشرعية الدينية على جهادهم.

مرجع أمني سوري كبير، كشف لـ«الأخبار» أن زعيم «جبهة النصرة» هو، حالياً، أمير «القاعدة» في سوريا، وهو يقف وراء العديد من تفجيرات دمشق والمحافظة الشرقية، وقد خطّط شخصياً لتفجير حي القزاز.

 

وثمة تاريخان يختصران قصة هذه الجماعة وسيرورة نشأتها منذ 22 كانون الأول الماضي، عندما كانت مجرد مجموعة من 32 شخصاً، لتصبح، منذ أيار الماضي تحديداً، القوة القادرة على إرساء «توازن رعب» بين النظام والمعارضة.

الظهير اللبناني

 

وتوضح معلومات مختلفة المصادر أن جبهة النصرة حقّقت قفزتها النوعية، في هذه الفترة القصيرة، بفضل دعم في العديد والعتاد وصلها من لبنان، بين نيسان وأيار الماضيين. وتكشف وقائع هذين الشهرين حقيقة قضية كانت محل تساؤل في لبنان، تتعلق بخلفية مغادرة عدد من رموز «القاعدة» و«فتح الإسلام»، في الفترة نفسها، مخيم عين الحلوة وشمال لبنان إلى سوريا، وكذلك بخلفية اللغط الذي دار ــ حينها ــ حول صحة مقتل القيادي في «فتح الإسلام» عبد الغني جوهر على الأراضي السوريّة.

 

في نيسان الماضي سُجّل عبر الحدود اللبنانية ــــ السورية تطور من خارج أجندة سياسة النأي بالنفس المعتمدة رسمياً، عندما نجح القيادي البارز في «القاعدة» توفيق طه، وأربعة من قياديي «فتح الإسلام»، (هيثم الشعبي، زياد أبو النعاج، محمد الدوخي الملقب بخردق، واللبناني عبد الرحمن القراعي)، في مغادرة عين الحلوة إلى سوريا. وقد تبيّن حينها، بحسب مصادر أمنية، أن أبو النعاج تلقى أمراً عبر الإنترنت، من عضو بارز في «القاعدة» في الخارج، بالمغادرة إلى سوريا، «لشد أزر القاعدة هناك، وعدم تشويش مناخها». ونصّ الأمر على التوجّه أولاً إلى طرابلس لتجنيد عناصر إضافيين يساعدونه في مهمته. واتضح لاحقاً أن الغاية الأساسية من الاستدعاء كانت الإعداد لنقل زعامة الساحة الجهادية السورية إلى العضو البارز في «القاعدة» السعودي ماجد الماجد الموجود في عين الحلوة. نصت خطة أبو النعاج وطه على التمهيد لإعلان تشكيل كتائب عبد الله عزام، بوصفها الممثل الحقيقي لخط «القاعدة» في سوريا والبديل من جبهة النصرة. لكنهما اصطدما برفض مرافقيهما من «فتح الإسلام» الاشتراك في مشروع ضرب «جبهة النصرة» وأعلنوا انضمامهم إليها، فيما بقي أبو النعاج وطه على ولائهما للماجد، وفضلا العودة إلى عين الحلوة لدرس خطة بديلة. علماً بأن مصادر الجهاديين تؤكّد أن طه لم يغادر المخيم قطّ.

 

منذ ذلك الوقت، بدأ تنظيم «فتح الإسلام» تزخيم دعمه لـ«جبهة النصرة» عبر جسر دعم بشري وتسليحي انطلاقاً من لبنان. وأصبح التنظيم جزءاً من منظومة القتال الميداني الخاص بـ«الجبهة»، بدليل مقتل أبرز قيادييه عبد الغني جوهر، في نيسان الماضي، أثناء إعداده عبوة في دمشق لـ«الجبهة»، علماً بأن بعض المصادر يؤكد أن جوهر قتل في حمص؛ لأن وجود الجبهة في تلك الفترة كان محصوراً فيها.

 

وبات ثابتاً بحسب مصادر متقاطعة، أميركية وعربية وسورية وحتى من داخل الأجواء السلفية المسلحة في سوريا، أن دعم «فتح الإسلام» لـ«جبهة النصرة»، هو الأساس الذي مكّنها من التحوّل إلى القوة الأبرز فوق ساحة المعارضة السورية. ويؤكد هذا التقدير، إحصاء عن عمليات «الجبهة» صدر في أيلول الماضي ضمن دراسة لمركز قريب من البنتاغون، أشار إلى أن «الجبهة» لم تنفّذ بين كانون الثاني ونيسان الماضيين سوى ثلاث عمليات فقط. إلا أن عدد عملياتها تعاظم منذ نيسان، فنفّذت في شهر حزيران وحده 60 عملية، فيما حملت معظم العمليات التي وقعت في سوريا خلال الصيف توقيعها.

الماجد في سوريا

 

في 19 حزيران الماضي، ظهر بيان عبر شريط فيديو يعلن زعامة الماجد لـ«كتائب عبد الله عزام»، كفصيل «جهادي» في سوريا. وبدا واضحاً ان الهدف من الإعلان استلحاق المهمة التي فشل أبو النعاج وطه في تنفيذها، أي ضرب صدقية «جبهة النصرة»، وطرح الماجد و«الكتائب» بديلاً لها. وتألّف البيان من نقطتين اساسيتين تشيران بوضوح إلى ذلك: الأولى اعلان اسم الماجد اميراً للكتائب. والثانية توجيه انتقاد غير مباشر لاستراتيجية «جبهة النصرة» القتالية الخاطئة، وضمّنته تلميحات إلى شبهة عمالتها للنظام، إذ دعا البيان «المجاهدين» إلى «الابتعاد عن العمل في المدن، لأن هذا يمنع أهلها من التظاهر، ويجعلهم غير داعمين للثورة السلمية والثورة المسلحة». كذلك حضّ على الابتعاد عن وضع المتفجرات داخل المدن «ولو كانت ضد أهداف مهمة، لأن المحافظة على شعبية الثورة عامل أساسي لنجاحها».

 

لم تشر الاحداث اللاحقة إلى ان الماجد حقق مبتغاه. فخلال الشهور التي تلت اعلانه أميراً لـ«كتائب عبد الله عزام»، لم يبرز اسم الاخيرة في اية عمليات مهمة، فيما تعاظم الدور القتالي لـ«الجبهة». وبدا ان «جبهة النصرة» كسبت معركة اعتراف «القاعدة» بها، مع توقف عمليات التشكيك فيها. فيما انتقل شيوخ سلفيون يعكسون، عادة، مناخ «القاعدة» في سوريا، من لغة التشكيك في «الجبهة» إلى امتداحها، امثال الشيخ ابو منذر الشنقيطي والشيخ محمد الطهاري والشيخ ابو الزهراء الزبيدي. وهؤلاء ينظر اليهم، اليوم، على انهم «القاعدة» في سوريا، رغم حرصهم في اطلالاتهم الإعلامية على عدم اظهار أنفسهم كتلة واحدة.

مرحلة السي آي إي

 

ويعزو مسؤول في جهاز أمني عربي لـ«الأخبار» تشكيك اجواء وازنة في «القاعدة» بـ«جبهة النصرة» في بداية إنشائها، إلى سببين رئيسيين: الأول، ان معظم افراد المجموعة المؤسسة كانت لهم علاقات مع المخابرات السورية اثناء غزو اميركا للعراق. والثاني، يتعلق بعلاقة ربطت «الجبهة» في بدايات انطلاقتها مع وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي إي). وبحسب المصدر، فإن عدد عناصر «جبهة النصرة» لم يتجاوز إلى ما قبل أيار الماضي 32 شخصاً، كانوا يعملون وفق تموضع لوجستي يظهرهم كوحدة داخل «الجيش السوري الحر». وقد لفت تنظيمهم وخبرتهم وجديتهم رجال «سي آي إي» الذين استخدموهم في تنفيذ عمليات امنية محددة لتصفية عدد من ضباط سلاح صواريخ الجيش السوري ومهندسيه. وقد نجح هؤلاء، خلال ثلاثة أشهر، في اغتيال نحو أربعين ضابطاً ومهندساً. لكن الاستخبارات الأميركية قطعت صلتها بالمجموعة بعد ايار، اثر معلومات نقلها اليها مجنّدون يعملون لمصلحتها داخل «الجبهة»، تؤكّد أنها تتلطى بـ«الجيش الحر»، فيما هي في تثقيفها الداخلي لعناصرها تحاكي ثقافة «القاعدة».

«النصرة» الآن

 

ليس معروفاً اليوم العدد الحقيقي لأعضاء «جبهة النصرة»، رغم أن بعض التقديرات تصل إلى الألف. لكن اللافت ان اسمها تحول إلى لافتة تستعيرها مجموعات سلفية مختلفة لتنفيذ عمليات تحت رايتها.

 

وتتشكل «الجبهة» في احدث صورة لها، بحسب الرؤية الامنية السورية الرسمية التي تدعمها وقائع معلوماتية من مصادر غربية وعربية، من:

 

أ ــــ النواة الصلبة المؤسسة، وهؤلاء بمعظمهم مجاهدون مروا على مخيم البوكمال الذي كان نقطة انطلاق لقتال الأميركيين في العراق، في مرحلة غض دمشق الطرف عن انتقال السلفيين إلى العراق لاستنزاف الجيش الاميركي هناك.

 

ب ــــ «فتح الإسلام» ومجاهدون من لبنان، وهؤلاء شكلوا القوة الخبيرة التي كان لها الفضل في شد عضد الجبهة وتثبيت حضورها ميدانياً، ونيلها اعتراف أوساط واسعة في التنظيم الدولي للقاعدة بها.

 

ج ــــ مجموعات أردنية يقودها احد ناشطي «القاعدة»، الأردني «ابو انس الصحابي» الذي قاد حملة إدخال جهاديين من الأردن إلى سوريا طوال الأشهر الأخيرة.

 

د ــــ تحالفات تقيمها «الجبهة» مع مجموعات محلية. ففي حلب تتحالف مع «لواء التوحيد» الذي يتزعمه عبد القادر الصلاح، ولديها داخل هذا اللواء 300 مقاتل يقودهم شخص من «النصرة» يدعى أبو إبراهيم. ولديها في دمشق تحالف في بعض المناطق مع كتائب مقاتلة كـ«كتيبة الصحابة». وتستخدم «الجبهة» هذه التحالفات ذات الطابع الموضعي الجغرافي لعدم ارهاق جسدها التنظيمي الحديدي بثقل بشري كبير، ولذلك فهي تنشئ ألوية تنخرط بالقتال ضمن فصائل اسلامية اخرى قريبة منها فكرياً، تتشكل من مناصرين لها، فيما تحتفظ بموازاة ذلك، بألويتها الخالصة الانتماء التنظيمي إليها، ضمن تشكيلات قتالية غير معلنة، تبايعها على هدف إنشاء الخلافة التي تمارس تطبيقاً صارماً للشريعة الإسلامية.

 

الاخبار

  • فريق ماسة
  • 2012-10-07
  • 10108
  • من الأرشيف

«جبهة النصرة» من «سي آي إي» إلى «فتح الاسلام»

«جبهة النصرة» تكاد تكون أكثر التنظيمات الاسلامية المسلحة نشاطاً على الأراضي السورية، رغم حداثة عمرها الذي لا يزيد على الأشهر العشرة. «الجبهة» التي تتغذّى من ظهيرها في لبنان، «فتح الاسلام»، بالقوة والمنعة، على وشك أن تنتزع مباركة تنظيم «القاعدة»، بعدما كانت لقيادييها علاقة بالمخابرات السورية والأميركية تبنّت «جبهة النصرة الإسلامية» الهجوم المزدوج على مبنى هيئة الأركان العامة للجيش السوري في قلب دمشق قبل أسبوعين، قرب ساحة الأمويين. عقب ذلك، أعلن «الجيش السوري الحر» أن العملية نفذتها أربع مجموعات من فصائل المعارضة المسلحة، خصّ منها بالذكر «تجمّع أنصار الإسلام لدمشق وريفها». يختصر بيان «الجيش الحر» قصة صراع مرير داخل المعارضة السورية المسلحة؛ إذ إنه، بتركيزه على «تجمع انصار الإسلام»، يسعى إلى لفت الانتباه إلى «بطولات» يُسجّلها معارضون، من خارج «جبهة النصرة» التي تعدّ الأهم عدداً وعديداً وخبرة، من بين كل فصائل المعارضة الأخرى. وهي ترفض القتال تحت لواء «الجيش الحر»، التزاماً منها بمفهوم «الراية» الذي يحتم على «المجاهدين» العمل تحت راية التوحيد لإضفاء الشرعية الدينية على جهادهم. مرجع أمني سوري كبير، كشف لـ«الأخبار» أن زعيم «جبهة النصرة» هو، حالياً، أمير «القاعدة» في سوريا، وهو يقف وراء العديد من تفجيرات دمشق والمحافظة الشرقية، وقد خطّط شخصياً لتفجير حي القزاز.   وثمة تاريخان يختصران قصة هذه الجماعة وسيرورة نشأتها منذ 22 كانون الأول الماضي، عندما كانت مجرد مجموعة من 32 شخصاً، لتصبح، منذ أيار الماضي تحديداً، القوة القادرة على إرساء «توازن رعب» بين النظام والمعارضة. الظهير اللبناني   وتوضح معلومات مختلفة المصادر أن جبهة النصرة حقّقت قفزتها النوعية، في هذه الفترة القصيرة، بفضل دعم في العديد والعتاد وصلها من لبنان، بين نيسان وأيار الماضيين. وتكشف وقائع هذين الشهرين حقيقة قضية كانت محل تساؤل في لبنان، تتعلق بخلفية مغادرة عدد من رموز «القاعدة» و«فتح الإسلام»، في الفترة نفسها، مخيم عين الحلوة وشمال لبنان إلى سوريا، وكذلك بخلفية اللغط الذي دار ــ حينها ــ حول صحة مقتل القيادي في «فتح الإسلام» عبد الغني جوهر على الأراضي السوريّة.   في نيسان الماضي سُجّل عبر الحدود اللبنانية ــــ السورية تطور من خارج أجندة سياسة النأي بالنفس المعتمدة رسمياً، عندما نجح القيادي البارز في «القاعدة» توفيق طه، وأربعة من قياديي «فتح الإسلام»، (هيثم الشعبي، زياد أبو النعاج، محمد الدوخي الملقب بخردق، واللبناني عبد الرحمن القراعي)، في مغادرة عين الحلوة إلى سوريا. وقد تبيّن حينها، بحسب مصادر أمنية، أن أبو النعاج تلقى أمراً عبر الإنترنت، من عضو بارز في «القاعدة» في الخارج، بالمغادرة إلى سوريا، «لشد أزر القاعدة هناك، وعدم تشويش مناخها». ونصّ الأمر على التوجّه أولاً إلى طرابلس لتجنيد عناصر إضافيين يساعدونه في مهمته. واتضح لاحقاً أن الغاية الأساسية من الاستدعاء كانت الإعداد لنقل زعامة الساحة الجهادية السورية إلى العضو البارز في «القاعدة» السعودي ماجد الماجد الموجود في عين الحلوة. نصت خطة أبو النعاج وطه على التمهيد لإعلان تشكيل كتائب عبد الله عزام، بوصفها الممثل الحقيقي لخط «القاعدة» في سوريا والبديل من جبهة النصرة. لكنهما اصطدما برفض مرافقيهما من «فتح الإسلام» الاشتراك في مشروع ضرب «جبهة النصرة» وأعلنوا انضمامهم إليها، فيما بقي أبو النعاج وطه على ولائهما للماجد، وفضلا العودة إلى عين الحلوة لدرس خطة بديلة. علماً بأن مصادر الجهاديين تؤكّد أن طه لم يغادر المخيم قطّ.   منذ ذلك الوقت، بدأ تنظيم «فتح الإسلام» تزخيم دعمه لـ«جبهة النصرة» عبر جسر دعم بشري وتسليحي انطلاقاً من لبنان. وأصبح التنظيم جزءاً من منظومة القتال الميداني الخاص بـ«الجبهة»، بدليل مقتل أبرز قيادييه عبد الغني جوهر، في نيسان الماضي، أثناء إعداده عبوة في دمشق لـ«الجبهة»، علماً بأن بعض المصادر يؤكد أن جوهر قتل في حمص؛ لأن وجود الجبهة في تلك الفترة كان محصوراً فيها.   وبات ثابتاً بحسب مصادر متقاطعة، أميركية وعربية وسورية وحتى من داخل الأجواء السلفية المسلحة في سوريا، أن دعم «فتح الإسلام» لـ«جبهة النصرة»، هو الأساس الذي مكّنها من التحوّل إلى القوة الأبرز فوق ساحة المعارضة السورية. ويؤكد هذا التقدير، إحصاء عن عمليات «الجبهة» صدر في أيلول الماضي ضمن دراسة لمركز قريب من البنتاغون، أشار إلى أن «الجبهة» لم تنفّذ بين كانون الثاني ونيسان الماضيين سوى ثلاث عمليات فقط. إلا أن عدد عملياتها تعاظم منذ نيسان، فنفّذت في شهر حزيران وحده 60 عملية، فيما حملت معظم العمليات التي وقعت في سوريا خلال الصيف توقيعها. الماجد في سوريا   في 19 حزيران الماضي، ظهر بيان عبر شريط فيديو يعلن زعامة الماجد لـ«كتائب عبد الله عزام»، كفصيل «جهادي» في سوريا. وبدا واضحاً ان الهدف من الإعلان استلحاق المهمة التي فشل أبو النعاج وطه في تنفيذها، أي ضرب صدقية «جبهة النصرة»، وطرح الماجد و«الكتائب» بديلاً لها. وتألّف البيان من نقطتين اساسيتين تشيران بوضوح إلى ذلك: الأولى اعلان اسم الماجد اميراً للكتائب. والثانية توجيه انتقاد غير مباشر لاستراتيجية «جبهة النصرة» القتالية الخاطئة، وضمّنته تلميحات إلى شبهة عمالتها للنظام، إذ دعا البيان «المجاهدين» إلى «الابتعاد عن العمل في المدن، لأن هذا يمنع أهلها من التظاهر، ويجعلهم غير داعمين للثورة السلمية والثورة المسلحة». كذلك حضّ على الابتعاد عن وضع المتفجرات داخل المدن «ولو كانت ضد أهداف مهمة، لأن المحافظة على شعبية الثورة عامل أساسي لنجاحها».   لم تشر الاحداث اللاحقة إلى ان الماجد حقق مبتغاه. فخلال الشهور التي تلت اعلانه أميراً لـ«كتائب عبد الله عزام»، لم يبرز اسم الاخيرة في اية عمليات مهمة، فيما تعاظم الدور القتالي لـ«الجبهة». وبدا ان «جبهة النصرة» كسبت معركة اعتراف «القاعدة» بها، مع توقف عمليات التشكيك فيها. فيما انتقل شيوخ سلفيون يعكسون، عادة، مناخ «القاعدة» في سوريا، من لغة التشكيك في «الجبهة» إلى امتداحها، امثال الشيخ ابو منذر الشنقيطي والشيخ محمد الطهاري والشيخ ابو الزهراء الزبيدي. وهؤلاء ينظر اليهم، اليوم، على انهم «القاعدة» في سوريا، رغم حرصهم في اطلالاتهم الإعلامية على عدم اظهار أنفسهم كتلة واحدة. مرحلة السي آي إي   ويعزو مسؤول في جهاز أمني عربي لـ«الأخبار» تشكيك اجواء وازنة في «القاعدة» بـ«جبهة النصرة» في بداية إنشائها، إلى سببين رئيسيين: الأول، ان معظم افراد المجموعة المؤسسة كانت لهم علاقات مع المخابرات السورية اثناء غزو اميركا للعراق. والثاني، يتعلق بعلاقة ربطت «الجبهة» في بدايات انطلاقتها مع وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي إي). وبحسب المصدر، فإن عدد عناصر «جبهة النصرة» لم يتجاوز إلى ما قبل أيار الماضي 32 شخصاً، كانوا يعملون وفق تموضع لوجستي يظهرهم كوحدة داخل «الجيش السوري الحر». وقد لفت تنظيمهم وخبرتهم وجديتهم رجال «سي آي إي» الذين استخدموهم في تنفيذ عمليات امنية محددة لتصفية عدد من ضباط سلاح صواريخ الجيش السوري ومهندسيه. وقد نجح هؤلاء، خلال ثلاثة أشهر، في اغتيال نحو أربعين ضابطاً ومهندساً. لكن الاستخبارات الأميركية قطعت صلتها بالمجموعة بعد ايار، اثر معلومات نقلها اليها مجنّدون يعملون لمصلحتها داخل «الجبهة»، تؤكّد أنها تتلطى بـ«الجيش الحر»، فيما هي في تثقيفها الداخلي لعناصرها تحاكي ثقافة «القاعدة». «النصرة» الآن   ليس معروفاً اليوم العدد الحقيقي لأعضاء «جبهة النصرة»، رغم أن بعض التقديرات تصل إلى الألف. لكن اللافت ان اسمها تحول إلى لافتة تستعيرها مجموعات سلفية مختلفة لتنفيذ عمليات تحت رايتها.   وتتشكل «الجبهة» في احدث صورة لها، بحسب الرؤية الامنية السورية الرسمية التي تدعمها وقائع معلوماتية من مصادر غربية وعربية، من:   أ ــــ النواة الصلبة المؤسسة، وهؤلاء بمعظمهم مجاهدون مروا على مخيم البوكمال الذي كان نقطة انطلاق لقتال الأميركيين في العراق، في مرحلة غض دمشق الطرف عن انتقال السلفيين إلى العراق لاستنزاف الجيش الاميركي هناك.   ب ــــ «فتح الإسلام» ومجاهدون من لبنان، وهؤلاء شكلوا القوة الخبيرة التي كان لها الفضل في شد عضد الجبهة وتثبيت حضورها ميدانياً، ونيلها اعتراف أوساط واسعة في التنظيم الدولي للقاعدة بها.   ج ــــ مجموعات أردنية يقودها احد ناشطي «القاعدة»، الأردني «ابو انس الصحابي» الذي قاد حملة إدخال جهاديين من الأردن إلى سوريا طوال الأشهر الأخيرة.   د ــــ تحالفات تقيمها «الجبهة» مع مجموعات محلية. ففي حلب تتحالف مع «لواء التوحيد» الذي يتزعمه عبد القادر الصلاح، ولديها داخل هذا اللواء 300 مقاتل يقودهم شخص من «النصرة» يدعى أبو إبراهيم. ولديها في دمشق تحالف في بعض المناطق مع كتائب مقاتلة كـ«كتيبة الصحابة». وتستخدم «الجبهة» هذه التحالفات ذات الطابع الموضعي الجغرافي لعدم ارهاق جسدها التنظيمي الحديدي بثقل بشري كبير، ولذلك فهي تنشئ ألوية تنخرط بالقتال ضمن فصائل اسلامية اخرى قريبة منها فكرياً، تتشكل من مناصرين لها، فيما تحتفظ بموازاة ذلك، بألويتها الخالصة الانتماء التنظيمي إليها، ضمن تشكيلات قتالية غير معلنة، تبايعها على هدف إنشاء الخلافة التي تمارس تطبيقاً صارماً للشريعة الإسلامية.   الاخبار

المصدر : الاخبار/ناصر شرارة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة