إنها مهنة الخطف التي عوّضت عن بطالة أصابت حياة السوريين. أما الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة منذ اندلاع الأزمة فمتعددة. البعض بات يتصيّد البشر بهدف الحصول على المال، فيتحول في كثير من الأحيان إلى خاطف «رحيم» يفاوض أسر الضحايا على المبالغ المالية ويخفضها بما يتناسب مع ما يتوفر لدى الأسر. لكن البعض الآخر يلجأ للخطف لتحقيق مكاسب سياسية لا تؤثر على مجريات الحرب المشتعلة، فيما يختار آخرون هذا الأسلوب للحصول على أسلحة. وأخيراً يبرز خطف المبادلة. فبعض الأسر تفضل أن تتولى بنفسها تحرير أبنائها عبر مبادلتهم بالمخطوف، ليتحول السوريون جميعهم إلى أهداف محتملة دون أي قدرة على ضبط هذه الظاهرة

«من التالي على لائحة الخطف؟». سؤال يراود السوريين اليوم مع كل درب سفر بين مدينة وأُخرى، ومع كل طريق إلى العمل يضطرون للسير فيه مجردين من أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم سوى قهرهم اليومي الذي يحتل صفحات موقع التواصل الاجتماعي مع صور مفقوديهم وآمال باستعادتهم.

في سوريا لا أحد محصّناً ضد الخطف. والأمثلة باتت لا تعد ولا تحصى، بدءاً من رجل الأعمال سليم دعبول، ابن مدير مكتب الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تم تحريره لاحقاً، وصولاً إلى مذيع التلفزيون السوري محمد السعيد الذي لم يُعرَف مصيره حتى الآن، وليس انتهاءً بما يرويه أحمد، المواطن العادي، عن فصول مأساة خطف شقيقه ذي السادسة عشرة سنة.

 

أحمد المعارض لا يستثني أحداً من شبهة خطف أخيه المراهق الذي لا علاقة له بالسياسة والثأر. أخبار من هُنا وهناك تتناهى إلى أسماع العائلة، فتارةً تدور الاتهامات حول «شبيحة النظام الذين أرادوا الانتقام من عائلة الشاب المعارضة». وتارةً تصلهم معطيات أن «عناصر الجيش الحر وراء عملية الاختطاف باعتبار العائلة من الطائفة المستهدفة والمتهمة بالالتفاف وراء النظام الذي يقتل الشعب».

لكن اتصال الخاطفين أخيراً للمطالبة بأربعة ملايين ليرة فدية انتشل الوالدين من يأسهما، إذ جدد آملهما بأن ابنهما حيّ، لتبدأ مأساة جمع المبلغ وانتظار سماع صوت الولد، وهو ما لم يحصل بعد.

اتصالات عديدة قام بها أحمد مع أجنحة من الجيش الحر في تركيا والداخل لمحاولة العثور على اخيه. الجميع وعد بالمساعدة وجلب أخبار أو محاولة استعادة الشاب المخطوف دون أي جدوى.

أمر الخطف في سوريا لم يعد سياسياً، بل متعلق بالفوضى التي تملأ البلاد. الخطف أضحى فرصة للكسب، كما أن هناك من يخطف لأسباب سياسية أو اقتصادية. ويبقى محظوظاً من تكتب له العودة حيّاً، دون أن يسقطه حظّه العاثر في أن يكون جزءاً من صورة لإحدى المجازر التي تملأ الشاشات.

يشرح الدكتور هيثم (اسم مستعار) لـ«الأخبار» ظروف خطفه على يد عصابة من اللصوص، الأمر الذي كان له وقع كارثي على عائلته والعاملين معه. فهو يشغل وظيفة حسّاسة في الدولة. وفي حال كان الخطف سياسياً فسيفضي إلى مقتله فوراً.

وروى ما تعرض له قائلاً :«لم يكونوا من الجيش الحر». ويضيف بالقول: «أخذوني إلى مزرعة تحوي ستة أشخاص أظن أن عليهم أحكاماً بالسجن، فمظهرهم يوحي بأنهم هاربون من العدالة». بعدها جاءت مقايضة الدكتور بالمال، إذ اتصلت العصابة بعائلته طالبة خمسة ملايين ليرة للإفراج عنه. لكن المبلغ لا يكون نهائياً في العادة. وبعد مفاوضات تم خفض المبلغ إلى مليونين. وتمت إعادته، إثر ذلك، إلى ذات المزرعة التي خُطِف منها بعد تسليم المبلغ إلى رجلين ملثمين يركبان دراجة نارية.

في اللاذقية، تماثل شروط الخطف على الهوية ظروف القتل السائدة. الخطف هُناك يملأ طرق السفر بين اللاذقية وجسر الشغور وحلب. وهو غالباً ما يتمّ على أساس طائفي وينتهي بعودة المخطوف جثة إلى عائلته حتى لو دفعوا المبلغ المطلوب. بعض المجموعات التي تنفذ هذه العمليات تنسب نفسها إلى «الجيش الحر» و«المجاهدين». وبالتالي فإن إثبات تهمة موالاة النظام بحكم الطائفة يعني الموت حُكماً. في المقابل، وجدت مجموعات أُخرى في الخطف فرصة للرزق وكسب المال. نوع آخر أيضاً من الخطف بات سائداً في سوريا اليوم. الخطف والخطف المضاد كان سلاح الناس الذين اضطروا في الساحل السوري إلى استعادة مختطفيهم بأيديهم. أبو زهير يوضح طريقة استعادته لابنه المختطف من قبل من سماهم «ثوار الحفة». وتحدث كيف تم اللجوء إلى خطف اثني عشر شخصاً من الحفة ينتمون إلى البيئة الحاضنة للمعارضة المسلحة، ما أدى إلى الإفراج الفوري عن ولده الذي عاد مشوّهاً جرّاء التعذيب.

ويراوح عدد المخطوفين بين ألفين وثلاثة آلاف شخص، مجهولي المصير منذ بداية الحراك منتصف آذار 2011، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويعتبر الاختطاف السياسي هو الأسوأ في سوريا. وتملأ لوائح العار صفحات «الفايسبوك» مع تهديدات لشخصيات موالية للنظام، غالبيتها عسكرية، تتعرض بداية لتهديدات بضرورة الانشقاق عن الجيش السوري، وفي حال الرفض تُخطَف وتُقتَل.

الضابط خالد و. ظهر بدايةً عبر موقع «اليوتيوب» مختطفاً وآثار التعذيب واضحة على ملامحه، إلا أنه أعلن انشقاقه في تسجيل آخر عبر «اليوتيوب» أيضاً، إنما بعد مدة من احتجازه لدى كتيبة تسمي نفسها «سيوف الشهباء» وتتبع للجيش الحر في حلب.

عائلة الضابط رفضت الحديث خشية على حياة رب أسرتها. إلا أن سامح، وهو أحد الجيران، يذكر أن عائلة الضابط اتصلت بجوّاله فأتاها صوت رجل غريب يسمي نفسه «أبو الغضنفر» أعلن أن خالد لدى الجيش الحُر وأخبرهم بأن لا مطالب لدى الكتيبة إلا قتله، لأنه لم ينشق تلبيةً للبيان. استجداءات العائلة لقيت صداها لدى الخاطفين، إذ أعطت الضابط عدة ساعات أخرى كفرصة للحياة، إلى حين تجهيز قائمة أسماء لمعتقلين لدى النظام السوري بهدف مقايضتهم بالأسير. ويتابع سامح: «لم تطُل الساعات حتى اتصل الخاطفون بالعائلة لوضعها أمام خيارين وهما: إما تأمين سلاح وهو عبارة عن طلقات روسية و10 قناصات و 10 بنادق روسية و 5 قاذفات آر بي جي، أو تأمين مبلغ عشرة ملايين ليرة».

وبما أن الخاطف السوري «رحيم»، فمن عاداته الاستماع إلى رجاءات عوائل المخطوفين وخفض المبلغ المطلوب إلى عُشرِه أحياناً. وفي حالة خالد فإن المبلغ تحول إلى مليون واحد، ثم انخفض ليصبح 300 ألف حملها أحد أفراد العائلة واتجه إلى حي صلاح الدين في حلب حيث مكان احتجاز الضابط. وهُناك تم تسليم المال إلى شاب لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. لم يقبل الخاطف أبو الغضنفر إعادة الضابط رغم حصوله على المبلغ، معتبراً أن المال هو ثمن الإبقاء على حياته فقط. إلا أنه سمح بمقابلة جرت بين الضابط وقريبه حامل المبلغ، دامت نصف ساعة في منزل مكون من غرفتَين، ويحوي 14 شخصاً.

فيما بعد أصبح جوّال خالد قيد الخدمة. ولاحقاً عندما دخل الجيش السوري إلى حي صلاح الدين، نقل خالد إلى تل رفعت ليظهر أخيراً على اليوتيوب في مقطع مصور يعلن انشقاقه ويتوقف بناء عليه راتبه من الدولة السورية.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-09-27
  • 7682
  • من الأرشيف

جمهورية الخطف.... الأزمة السورية أفرزت صناعة رائجة لكسب المال

إنها مهنة الخطف التي عوّضت عن بطالة أصابت حياة السوريين. أما الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة منذ اندلاع الأزمة فمتعددة. البعض بات يتصيّد البشر بهدف الحصول على المال، فيتحول في كثير من الأحيان إلى خاطف «رحيم» يفاوض أسر الضحايا على المبالغ المالية ويخفضها بما يتناسب مع ما يتوفر لدى الأسر. لكن البعض الآخر يلجأ للخطف لتحقيق مكاسب سياسية لا تؤثر على مجريات الحرب المشتعلة، فيما يختار آخرون هذا الأسلوب للحصول على أسلحة. وأخيراً يبرز خطف المبادلة. فبعض الأسر تفضل أن تتولى بنفسها تحرير أبنائها عبر مبادلتهم بالمخطوف، ليتحول السوريون جميعهم إلى أهداف محتملة دون أي قدرة على ضبط هذه الظاهرة «من التالي على لائحة الخطف؟». سؤال يراود السوريين اليوم مع كل درب سفر بين مدينة وأُخرى، ومع كل طريق إلى العمل يضطرون للسير فيه مجردين من أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم سوى قهرهم اليومي الذي يحتل صفحات موقع التواصل الاجتماعي مع صور مفقوديهم وآمال باستعادتهم. في سوريا لا أحد محصّناً ضد الخطف. والأمثلة باتت لا تعد ولا تحصى، بدءاً من رجل الأعمال سليم دعبول، ابن مدير مكتب الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تم تحريره لاحقاً، وصولاً إلى مذيع التلفزيون السوري محمد السعيد الذي لم يُعرَف مصيره حتى الآن، وليس انتهاءً بما يرويه أحمد، المواطن العادي، عن فصول مأساة خطف شقيقه ذي السادسة عشرة سنة.   أحمد المعارض لا يستثني أحداً من شبهة خطف أخيه المراهق الذي لا علاقة له بالسياسة والثأر. أخبار من هُنا وهناك تتناهى إلى أسماع العائلة، فتارةً تدور الاتهامات حول «شبيحة النظام الذين أرادوا الانتقام من عائلة الشاب المعارضة». وتارةً تصلهم معطيات أن «عناصر الجيش الحر وراء عملية الاختطاف باعتبار العائلة من الطائفة المستهدفة والمتهمة بالالتفاف وراء النظام الذي يقتل الشعب». لكن اتصال الخاطفين أخيراً للمطالبة بأربعة ملايين ليرة فدية انتشل الوالدين من يأسهما، إذ جدد آملهما بأن ابنهما حيّ، لتبدأ مأساة جمع المبلغ وانتظار سماع صوت الولد، وهو ما لم يحصل بعد. اتصالات عديدة قام بها أحمد مع أجنحة من الجيش الحر في تركيا والداخل لمحاولة العثور على اخيه. الجميع وعد بالمساعدة وجلب أخبار أو محاولة استعادة الشاب المخطوف دون أي جدوى. أمر الخطف في سوريا لم يعد سياسياً، بل متعلق بالفوضى التي تملأ البلاد. الخطف أضحى فرصة للكسب، كما أن هناك من يخطف لأسباب سياسية أو اقتصادية. ويبقى محظوظاً من تكتب له العودة حيّاً، دون أن يسقطه حظّه العاثر في أن يكون جزءاً من صورة لإحدى المجازر التي تملأ الشاشات. يشرح الدكتور هيثم (اسم مستعار) لـ«الأخبار» ظروف خطفه على يد عصابة من اللصوص، الأمر الذي كان له وقع كارثي على عائلته والعاملين معه. فهو يشغل وظيفة حسّاسة في الدولة. وفي حال كان الخطف سياسياً فسيفضي إلى مقتله فوراً. وروى ما تعرض له قائلاً :«لم يكونوا من الجيش الحر». ويضيف بالقول: «أخذوني إلى مزرعة تحوي ستة أشخاص أظن أن عليهم أحكاماً بالسجن، فمظهرهم يوحي بأنهم هاربون من العدالة». بعدها جاءت مقايضة الدكتور بالمال، إذ اتصلت العصابة بعائلته طالبة خمسة ملايين ليرة للإفراج عنه. لكن المبلغ لا يكون نهائياً في العادة. وبعد مفاوضات تم خفض المبلغ إلى مليونين. وتمت إعادته، إثر ذلك، إلى ذات المزرعة التي خُطِف منها بعد تسليم المبلغ إلى رجلين ملثمين يركبان دراجة نارية. في اللاذقية، تماثل شروط الخطف على الهوية ظروف القتل السائدة. الخطف هُناك يملأ طرق السفر بين اللاذقية وجسر الشغور وحلب. وهو غالباً ما يتمّ على أساس طائفي وينتهي بعودة المخطوف جثة إلى عائلته حتى لو دفعوا المبلغ المطلوب. بعض المجموعات التي تنفذ هذه العمليات تنسب نفسها إلى «الجيش الحر» و«المجاهدين». وبالتالي فإن إثبات تهمة موالاة النظام بحكم الطائفة يعني الموت حُكماً. في المقابل، وجدت مجموعات أُخرى في الخطف فرصة للرزق وكسب المال. نوع آخر أيضاً من الخطف بات سائداً في سوريا اليوم. الخطف والخطف المضاد كان سلاح الناس الذين اضطروا في الساحل السوري إلى استعادة مختطفيهم بأيديهم. أبو زهير يوضح طريقة استعادته لابنه المختطف من قبل من سماهم «ثوار الحفة». وتحدث كيف تم اللجوء إلى خطف اثني عشر شخصاً من الحفة ينتمون إلى البيئة الحاضنة للمعارضة المسلحة، ما أدى إلى الإفراج الفوري عن ولده الذي عاد مشوّهاً جرّاء التعذيب. ويراوح عدد المخطوفين بين ألفين وثلاثة آلاف شخص، مجهولي المصير منذ بداية الحراك منتصف آذار 2011، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويعتبر الاختطاف السياسي هو الأسوأ في سوريا. وتملأ لوائح العار صفحات «الفايسبوك» مع تهديدات لشخصيات موالية للنظام، غالبيتها عسكرية، تتعرض بداية لتهديدات بضرورة الانشقاق عن الجيش السوري، وفي حال الرفض تُخطَف وتُقتَل. الضابط خالد و. ظهر بدايةً عبر موقع «اليوتيوب» مختطفاً وآثار التعذيب واضحة على ملامحه، إلا أنه أعلن انشقاقه في تسجيل آخر عبر «اليوتيوب» أيضاً، إنما بعد مدة من احتجازه لدى كتيبة تسمي نفسها «سيوف الشهباء» وتتبع للجيش الحر في حلب. عائلة الضابط رفضت الحديث خشية على حياة رب أسرتها. إلا أن سامح، وهو أحد الجيران، يذكر أن عائلة الضابط اتصلت بجوّاله فأتاها صوت رجل غريب يسمي نفسه «أبو الغضنفر» أعلن أن خالد لدى الجيش الحُر وأخبرهم بأن لا مطالب لدى الكتيبة إلا قتله، لأنه لم ينشق تلبيةً للبيان. استجداءات العائلة لقيت صداها لدى الخاطفين، إذ أعطت الضابط عدة ساعات أخرى كفرصة للحياة، إلى حين تجهيز قائمة أسماء لمعتقلين لدى النظام السوري بهدف مقايضتهم بالأسير. ويتابع سامح: «لم تطُل الساعات حتى اتصل الخاطفون بالعائلة لوضعها أمام خيارين وهما: إما تأمين سلاح وهو عبارة عن طلقات روسية و10 قناصات و 10 بنادق روسية و 5 قاذفات آر بي جي، أو تأمين مبلغ عشرة ملايين ليرة». وبما أن الخاطف السوري «رحيم»، فمن عاداته الاستماع إلى رجاءات عوائل المخطوفين وخفض المبلغ المطلوب إلى عُشرِه أحياناً. وفي حالة خالد فإن المبلغ تحول إلى مليون واحد، ثم انخفض ليصبح 300 ألف حملها أحد أفراد العائلة واتجه إلى حي صلاح الدين في حلب حيث مكان احتجاز الضابط. وهُناك تم تسليم المال إلى شاب لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. لم يقبل الخاطف أبو الغضنفر إعادة الضابط رغم حصوله على المبلغ، معتبراً أن المال هو ثمن الإبقاء على حياته فقط. إلا أنه سمح بمقابلة جرت بين الضابط وقريبه حامل المبلغ، دامت نصف ساعة في منزل مكون من غرفتَين، ويحوي 14 شخصاً. فيما بعد أصبح جوّال خالد قيد الخدمة. ولاحقاً عندما دخل الجيش السوري إلى حي صلاح الدين، نقل خالد إلى تل رفعت ليظهر أخيراً على اليوتيوب في مقطع مصور يعلن انشقاقه ويتوقف بناء عليه راتبه من الدولة السورية.  

المصدر : الاخبار/ مرح ماشي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة