يقترب حزب «العدالة والتنمية» المغربي من تطبيق سنته الأولى كغالبية ساحقة في الحكومة التي يتولى أمينه العام عبد الإله بن كيران رئاستها. ومع ذلك ما زال الحزب الإسلامي، الذي أوصله المغاربة إلى الحكم من دون ثورة، ثملاً بـ«إنجازه الأكبر»، متجاهلاً كل الوعود التي أطلقها في ذلك الوقت.

في الواقع، كان نجاح «العدالة والتنمية» في الوصول إلى رئاسة الحكومة بمثابة انتصار كبير للحزب الإسلامي الذي راهن حينها على السياق الإسلامي العربي الحالي كما على رصيده التاريخي الذي راكمه عبر السنين. ومن جهته، نظر النظام إلى الحزب كباب لتنفيس الاحتقان الاجتماعي، الذي كان متنامياً، واسترجاع ثقة المواطن المغربي، وإن كان الثمن حكومة إسلامية ما دامت لن تخرج من تحت «الجناح الملكي».

ولكن ما هو واضح الآن، بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على تشكيل الحكومة الجديدة، أن الأمور ما زالت على حالها. الأغلبية مشلولة والحزب عاجز. والسؤال الملحّ: هل ما روّج له «حزب العدالة والتنمية» حول الاستجابة المغربية للربيع العربي بوصفه «الطريق الثالث»هو حقاً طريق ثالث واعد للإصلاح أم مجرّد عودة إلى الوضع القائم؟

يبرّر المتابعون هذه المخاوف بواقع أن السلطة لا تزال في نهاية المطاف بيد الملك، فالأخير يملك السلطة النهائية والدستور يمنحه الحق الحصري في إدارة جميع المسائل ذات الأهمية الاستراتيجية، في حين أن الأكثر حظاً في الضغط على النظام الملكي، أي جمعية «العدل والإحسان»، لا تزال خارج البرلمان وتنأى بنفسها في هذه المرحلة عن السياسة.

في المقابل، يرمي كثيرون المسؤولية على حزب «العدالة والتنمية» نفسه، فانعدام خبرته وارتباكه بين الديني والسياسي وخوفه من إزعاج الملك إلى جانب عوامل أخرى، كلها أسباب دفعته إلى المراوحة مكانه كطرف ضعيف عاجز عن التغيير.

بداية، يشير الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان إدريس لشكر لـ«السفير» إلى المعضلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة والمتمثلة في توانيها عن تحويل الإصلاحات الدستورية التي صوّت عليها المغاربة العام الماضي إلى قوانين تنظيمية. وهكذا، برأي لشكر القيادي في «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، تبدو الحكومة اليوم كأنها تعمل حسب الدستور القديم وكأن كل مكتسبات الحراك المغربي العام الماضي لم يكن لها وجود.

السبب، بحسب لشكر، يعود إلى ان الحزب الإسلامي لم يكن مهيئاً لتدبير الشأن العام، وعليه لم تعد المشكلة محصورة بالمؤسسة الملكية بل بكيفية ممارسة الحكومة للصلاحيات الدستورية التي حصلت عليها.

ما سبق يؤكده الأمين العام للحزب العمال عبد الكريم بن عتيق لـ«السفير» قائلاً إن «التنمية والعدالة» يعاني من قلة التجربة، وغياب الأطر السياسية، فضلاً عن غرقه في الجانب الدعوي على حساب السياسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الملك يحظى بمجموعة من المستشارين المحنكين مقابل ضعف خبرة يعاني منها الإسلاميون. وعلى سبيل المثال، بموجب القانون الجديد الذي أقرّه البرلمان في 8 أيار الماضي، يحق لرئيس الوزراء إجراء أكثر من ألف تعيين سياسي، في حين يجري الملك حوالي 40 تعييناً فقط. ولكن على الرغم من وجود مستوى رسمي من الاستقلالية الممنوحة، لا يزال «العدالة والتنمية» يتشاور مع القصر بشأن التعيينات لأنه لا يملك شبكات خاصة من الخبرة والاتصالات، أضف إلى أن الحزب لا يرغب في خوض مواجهة مع الملك، كما يؤكّد قادته على الدوام.

ويشدّد بن عتيق على المشكلة الرئيسية المتمثلة بعدم ترجمة مضمون الدستور على أرض الواقع، فـ«الحزب الأغلبي وصل ومعه دستور جيد صوّت عليه عدد كبير من المغاربة. نحن الآن ننتظر من رئيس الحكومة أن يعمل على صياغة النصوص الإصلاحية، أي ترجمة مضمون الدستور على أرض الواقع قانونياً». ولكنه يأسف لأن «أول صدمة وصلتنا من الحكومة كانت أنها عاجزة عن صياغة القوانين القادرة على ترجمة مضمون الدستور».

إلى ما سبق من معوقات على تفعيل الحكومة لأدائها تضاف حقيقة أن «العدالة والتنمية» يقود أغلبية ولكنه ليس الوحيد في الحكم، فهناك ثلاثة أحزاب معه وكانت موجودة في الحكومات السابقة، ما يعني أنه لم يكن هناك من قطيعة تامة مع العهد السابق.

ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة، برأي المختصين، هو الملف الاقتصادي. فالمغرب اليوم بمواجهة أزمة متنامية يفاقمها حجم الفساد الذي ينخر جسم المؤسسات المغربية منذ عقود. حسب بن عتيق هناك «ارتباك كبير بسبب الأزمة المالية، وقد تأثر المغرب إلى حد بعيد بالأزمة المالية في فرنسا وإسبانيا ، إلى جانب الوضع الاجتماعي المتأزم»، في وقت يؤكد لشكر أن «القانون المالي سيشكل تحدياً حقيقياً خلال الشهور المقبلة للحكومة».

ولكن هل يكفي ما يحصل لإعادة تحريك المعارضة بعدما عادت إلى معاقلها؟ وهل حقاً ما زال النظام الملكي في أمان؟ وما تأثير الضجة التي رافقت المراسم «السوريالية» التي قدم بها المغاربة البيعة لملكهم؟ وأين يقف اليسار المغربي اليوم من الأزمة؟ أسئلة كثيرة قد لا يملك أحد أجوبة نهائية عليها، ولكن المتابع للوضع المغربي يستشف اتجاهاً غير مطمئن في الأفق المقبل. كثيرون يرفضون التوهم بتغيير مغربي جذري، بحجة أن المعارضة مشرذمة، ومراسم البيعة جزء من الفولكلور لا أهمية لها حتى أن دعوات المعارضة للتظاهر ضدها لم تلق استجابة كافية، وبحجة أن المغرب كان كذلك طيلة عمره...

يجمع كثيرون على تراجع النفس المعارض في الشارع المغربي، وذلك لسببين، إما لأمل ما زال معلقا على الحكومة والإصلاحات الدستورية وإما لشرذمة أفقدت المعارضة قدرتها على التأثير. وفي هذا السياق، يقول بن عتيق إن اليسار مثلاً لا يريد تأجيج الوضع، وقد «توقفنا تدريجياً، منذ 27 أيار الماضي، عن الحراك في الشارع، وجلّ ما نطلبه من رئيس الحكومة هو ترجمة الإصلاحات الدستورية على أرض الواقع».

ويبقى للمناضل اليساري العتيق «مخاوفه» المتعلقة بـ«الصمت والفراغ السياسي اللذين يخيمان على الشارع المغربي، إذ نرى وجود نواة معارضة هنا وأخرى هناك في ظلّ غياب النقاش الحقيقي، وفي ظلّ سكوت الإعلام وسلبيته. لقد بدأنا نسقط في الرتابة السلبية البشعة».

  • فريق ماسة
  • 2012-09-03
  • 6331
  • من الأرشيف

المغرب: الإسلاميون والملك.. وجهان لعملة واحدة

يقترب حزب «العدالة والتنمية» المغربي من تطبيق سنته الأولى كغالبية ساحقة في الحكومة التي يتولى أمينه العام عبد الإله بن كيران رئاستها. ومع ذلك ما زال الحزب الإسلامي، الذي أوصله المغاربة إلى الحكم من دون ثورة، ثملاً بـ«إنجازه الأكبر»، متجاهلاً كل الوعود التي أطلقها في ذلك الوقت. في الواقع، كان نجاح «العدالة والتنمية» في الوصول إلى رئاسة الحكومة بمثابة انتصار كبير للحزب الإسلامي الذي راهن حينها على السياق الإسلامي العربي الحالي كما على رصيده التاريخي الذي راكمه عبر السنين. ومن جهته، نظر النظام إلى الحزب كباب لتنفيس الاحتقان الاجتماعي، الذي كان متنامياً، واسترجاع ثقة المواطن المغربي، وإن كان الثمن حكومة إسلامية ما دامت لن تخرج من تحت «الجناح الملكي». ولكن ما هو واضح الآن، بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على تشكيل الحكومة الجديدة، أن الأمور ما زالت على حالها. الأغلبية مشلولة والحزب عاجز. والسؤال الملحّ: هل ما روّج له «حزب العدالة والتنمية» حول الاستجابة المغربية للربيع العربي بوصفه «الطريق الثالث»هو حقاً طريق ثالث واعد للإصلاح أم مجرّد عودة إلى الوضع القائم؟ يبرّر المتابعون هذه المخاوف بواقع أن السلطة لا تزال في نهاية المطاف بيد الملك، فالأخير يملك السلطة النهائية والدستور يمنحه الحق الحصري في إدارة جميع المسائل ذات الأهمية الاستراتيجية، في حين أن الأكثر حظاً في الضغط على النظام الملكي، أي جمعية «العدل والإحسان»، لا تزال خارج البرلمان وتنأى بنفسها في هذه المرحلة عن السياسة. في المقابل، يرمي كثيرون المسؤولية على حزب «العدالة والتنمية» نفسه، فانعدام خبرته وارتباكه بين الديني والسياسي وخوفه من إزعاج الملك إلى جانب عوامل أخرى، كلها أسباب دفعته إلى المراوحة مكانه كطرف ضعيف عاجز عن التغيير. بداية، يشير الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان إدريس لشكر لـ«السفير» إلى المعضلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة والمتمثلة في توانيها عن تحويل الإصلاحات الدستورية التي صوّت عليها المغاربة العام الماضي إلى قوانين تنظيمية. وهكذا، برأي لشكر القيادي في «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، تبدو الحكومة اليوم كأنها تعمل حسب الدستور القديم وكأن كل مكتسبات الحراك المغربي العام الماضي لم يكن لها وجود. السبب، بحسب لشكر، يعود إلى ان الحزب الإسلامي لم يكن مهيئاً لتدبير الشأن العام، وعليه لم تعد المشكلة محصورة بالمؤسسة الملكية بل بكيفية ممارسة الحكومة للصلاحيات الدستورية التي حصلت عليها. ما سبق يؤكده الأمين العام للحزب العمال عبد الكريم بن عتيق لـ«السفير» قائلاً إن «التنمية والعدالة» يعاني من قلة التجربة، وغياب الأطر السياسية، فضلاً عن غرقه في الجانب الدعوي على حساب السياسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الملك يحظى بمجموعة من المستشارين المحنكين مقابل ضعف خبرة يعاني منها الإسلاميون. وعلى سبيل المثال، بموجب القانون الجديد الذي أقرّه البرلمان في 8 أيار الماضي، يحق لرئيس الوزراء إجراء أكثر من ألف تعيين سياسي، في حين يجري الملك حوالي 40 تعييناً فقط. ولكن على الرغم من وجود مستوى رسمي من الاستقلالية الممنوحة، لا يزال «العدالة والتنمية» يتشاور مع القصر بشأن التعيينات لأنه لا يملك شبكات خاصة من الخبرة والاتصالات، أضف إلى أن الحزب لا يرغب في خوض مواجهة مع الملك، كما يؤكّد قادته على الدوام. ويشدّد بن عتيق على المشكلة الرئيسية المتمثلة بعدم ترجمة مضمون الدستور على أرض الواقع، فـ«الحزب الأغلبي وصل ومعه دستور جيد صوّت عليه عدد كبير من المغاربة. نحن الآن ننتظر من رئيس الحكومة أن يعمل على صياغة النصوص الإصلاحية، أي ترجمة مضمون الدستور على أرض الواقع قانونياً». ولكنه يأسف لأن «أول صدمة وصلتنا من الحكومة كانت أنها عاجزة عن صياغة القوانين القادرة على ترجمة مضمون الدستور». إلى ما سبق من معوقات على تفعيل الحكومة لأدائها تضاف حقيقة أن «العدالة والتنمية» يقود أغلبية ولكنه ليس الوحيد في الحكم، فهناك ثلاثة أحزاب معه وكانت موجودة في الحكومات السابقة، ما يعني أنه لم يكن هناك من قطيعة تامة مع العهد السابق. ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة، برأي المختصين، هو الملف الاقتصادي. فالمغرب اليوم بمواجهة أزمة متنامية يفاقمها حجم الفساد الذي ينخر جسم المؤسسات المغربية منذ عقود. حسب بن عتيق هناك «ارتباك كبير بسبب الأزمة المالية، وقد تأثر المغرب إلى حد بعيد بالأزمة المالية في فرنسا وإسبانيا ، إلى جانب الوضع الاجتماعي المتأزم»، في وقت يؤكد لشكر أن «القانون المالي سيشكل تحدياً حقيقياً خلال الشهور المقبلة للحكومة». ولكن هل يكفي ما يحصل لإعادة تحريك المعارضة بعدما عادت إلى معاقلها؟ وهل حقاً ما زال النظام الملكي في أمان؟ وما تأثير الضجة التي رافقت المراسم «السوريالية» التي قدم بها المغاربة البيعة لملكهم؟ وأين يقف اليسار المغربي اليوم من الأزمة؟ أسئلة كثيرة قد لا يملك أحد أجوبة نهائية عليها، ولكن المتابع للوضع المغربي يستشف اتجاهاً غير مطمئن في الأفق المقبل. كثيرون يرفضون التوهم بتغيير مغربي جذري، بحجة أن المعارضة مشرذمة، ومراسم البيعة جزء من الفولكلور لا أهمية لها حتى أن دعوات المعارضة للتظاهر ضدها لم تلق استجابة كافية، وبحجة أن المغرب كان كذلك طيلة عمره... يجمع كثيرون على تراجع النفس المعارض في الشارع المغربي، وذلك لسببين، إما لأمل ما زال معلقا على الحكومة والإصلاحات الدستورية وإما لشرذمة أفقدت المعارضة قدرتها على التأثير. وفي هذا السياق، يقول بن عتيق إن اليسار مثلاً لا يريد تأجيج الوضع، وقد «توقفنا تدريجياً، منذ 27 أيار الماضي، عن الحراك في الشارع، وجلّ ما نطلبه من رئيس الحكومة هو ترجمة الإصلاحات الدستورية على أرض الواقع». ويبقى للمناضل اليساري العتيق «مخاوفه» المتعلقة بـ«الصمت والفراغ السياسي اللذين يخيمان على الشارع المغربي، إذ نرى وجود نواة معارضة هنا وأخرى هناك في ظلّ غياب النقاش الحقيقي، وفي ظلّ سكوت الإعلام وسلبيته. لقد بدأنا نسقط في الرتابة السلبية البشعة».

المصدر : السفير /هيفاء زعيتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة