دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قصة فرع المعلومات مع ملف ميشال سماحة لن تختلف عن أي قضية أخرى. الفرع، هنا، وحدة تقنية تنفيذية تعمل ضمن مشروع سياسي. وهو نجح في توجيه ضربة قوية إلى نافوخ المحور المقابل. «ضربة معلم» كما يقال. المحترفون في الجهة المقابلة ألقوا باللائمة على سماحة ومن خلفه في سوريا، لكنهم رفعوا القبّعة للفرع، ولو أن بعضهم كرر كلاماً سابقاً عن أن الأمر لا يتعلق فقط بجهود وسام الحسن ومجموعته، بل بخبرات مصدرها الاستخبارات الخارجية.
ليس مهماً النقاش في الجدوى القضائية والامنية من الذي حصل. ثمة لعبة محكمة، لعملية الاستدراج فيها دور كبير. وهو ما يظهر من خلال طبيعة الأسئلة التي كان المخبر ميلاد الكفوري يطرحها على سماحة، بحسب ما أفادت محاضر التحقيق والحوارات (المسرّبة بقرار من اللواء أشرف ريفي، وربما عن طريق مكتبه أيضاً، كما تفيد آخر المعلومات عن التحقيق في هذه العملية). وبمعزل عن تفاصيل كثيرة تنتظر الإجابات مستقبلاً، فإن سماحة ارتكب الخطأ القاتل، وسبّب ما يحصل معه من جهة، وما تركه من آثار سلبية على فريقه السياسي من جهة ثانية.
لكن، في كل مرة يضرب فيها فرع المعلومات، نعود الى النقاش نفسه بشأن هذه الوحدة الأمنية الرسمية، التي لديها ما يبرر وجودها العملاني على الارض بحكم التركيبة السياسية اللبنانية التي أتاحت تحقيق حلم رفيق الحريري بعد مقتله، في إنشاء قوة أمنية ــــ عسكرية تخضع لسلطته بصفته ممثل الطائفة السنيّة في الدولة، فيما خصومها، من داخل الطائفة نفسها، يريدون لها أن تبقى فعالة ولكن في خدمتهم، بينما يتصرف خصومها من الطرف الآخر على أنها باتت في الموقع المعادي الذي يتطلب التخلص من الفرع بوصفه أداة تخريب. وهو الأمر الذي يجعل النقاش مستمراً في جانبه السياسي.
لكن، يعود الحديث عن شخص وسام الحسن.
الرجل ليس ضابطاً عادياً في قوى الأمن. الحديث هنا عن ممثل للفريق الذي انتدبه الى هذا الموقع. وخصوصية الرجل تنطلق من اعتبارات عدة، بينها أنه كان من أبرز المساعدين لرفيق الحريري. وهو على معرفة مملة بتفاصيل غالبية، إن لم يكن كل، شخصيات فريق «المستقبل» والمحيطين به، كما أنه على معرفة أكثر تفصيلية بالقوى والشخصيات التي التحقت بالفريق بعد مقتل الحريري، وصار أكثر صلة بجوانب إضافية من واقع هذه الشخصيات، بما فيها معرفته بتفاصيل خاصة عند كل من هؤلاء، قبل أن يتاح له، لأسباب وأسباب، أن يعزز وضعه على صعيد التفاعل مع أجهزة أمنية إقليمية ودولية. وهو، الآن، في موقع يتيح له الادّعاء بأن لديه صلة بغالبية أجهزة الأمن في العالم، بما فيها أجهزة أمنية يمكن اعتبارها مصنفة في خانة المحور الذي يعاديه الحسن وفريقه السياسي.
لكن الحسن ليس حالة مستجدة على لبنان، شأنه شأن آخرين من الذين مروا على العمل الأمني ــــ السياسي. يملك الغطاء الكافي الذي يتيح له العمل بحرية كبيرة. ولديه أيضاً الغطاء الرسمي الذي يعفيه عملياً من أي نوع من المساءلة أو غير ذلك. حتى عندما يحصل خطأ فهو يجد من يوفر له الحماية المطلوبة. وإذا كانت العلاقة بينه وبين النائب التمييزي العام السابق سعيد ميرزا قد أتاحت له ما لم يتح لغيره من قادة الأجهزة الأمنية، فإن ذلك لا يتعلق بطبيعة سياسية أو شخصية بين الرجلين، بل انسجاماً مع الواقع السياسي الذي يعملان في ظله. وهو ما يجعل بعض التغييرات تطرأ على عمل الفرع اليوم، علماً بأن النائب الجديد بالوكالة القاضي سمير حمود ليس بعيداً تماماً من الزاوية السياسية، لكن له شخصيته المختلفة ولو جزئياً، ما يفرض على الحسن وفريقه الأمني أخذ بعض الوقت قبل استكمال الصورة، علماً بأنه يفترض تعيين نائب عام تمييزي أصيل خلال فترة قريبة، وإن كانت الخلافات حول هذا المنصب لا تزال قائمة على صعيد أهل الحكم. لكن بالنسبة إلى الحسن، فإن الأمر يرتبط بآليات عملية ليس أكثر. فهو نجح، لأسباب أخرى، في نيل الغطاء الكافي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وإن كان الاثنان يعرف كل منهما خلفية الآخر. فلا الحسن يثق برئيس الحكومة، بل ينظر إليه على أنه ممثل للفريق الآخر، ولا رئيس الحكومة مقتنع بأن الحسن سيكون موالياً له حتى بصفته رئيساً للحكومة. لكن التركيبة الحكومية المعقدة، وعلاقات ميقاتي الإقليمية والدولية، تجعل من الصعب عليه المبادرة إلى قرار كان فريق 8 آذار يأمل صدوره منذ تأليف الحكومة، ويقضي بإعفاء الحسن من موقعه، وتعيين آخر، أملاً بجعل الفرع خاضعاً لحسابات مختلفة عمّا هي عليه اليوم.
في العام، يتصرف الحسن بما يتناسب وموقعه العام. هو يرتفع عالياً إلى أعلى من موقعه الوظيفي. يملك حضوراً جدياً في وسائل الإعلام، كما باتت لديه شبكته من المتعاونين معه من داخل مؤسسات كبرى. تعوّد منذ سنوات طويلة إدارة موازنات الدعم ــــ الرشوة ــــ المساعدة، وذلك ربطاً بالدور السياسي المقرر لهذا الفرع. وهذا ما يجعل الحسن لا يعيش هاجس الإقصاء ما دامت المعادلة الحقيقية التي تحكم لبنان لم تشهد انقلاباً كاملاً.
المشكلة، هنا، ليست في كون الحسن يستمر عاملاً منسجماً مع اقتناعاته، بل في كون خصومه من المحور المقابل، لا يجيدون حتى اليوم تقديم النسخة المقابلة. وحتى ذلك الحين، من الأفضل لنشطاء وقيادات 8 آذار تحسّس رؤوسهم!
المصدر :
الاخبار/ابراهيم الأمين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة