مخطوف واحد من أصل 11 عاد إلى أهله. البعض وجد في الأمر مساحة للفرح، على هامش الشعور بالابتزاز، في ظل أسئلة عن حقيقة ما حصل، ويحصل، مع المخطوفين في سوريا. وزير الداخلية وعد بانفراجات خلال أسبوع، شرط سرية المداولات، كاشفاً عن تواصله مع شخصيات سلفية في طرابلس

ثمة من لم يفرح يوم أول من أمس في الضاحية. كثيرون، هناك كان الشعور بـ«الابتزاز» في نفوسهم أقوى من أي شيء آخر. في حي السلم، حول منزل حسين عمر، العائد من الخطف المسلح في حلب، كان البعض يسأل: «إلى متى سيستمر هذا المسلسل؟ هل سيفرجون عنهم واحداً تلو الآخر؟ إلى متى ستبقى تركيا تطل بمظهر المخلص بعدما بات الكل يشعر بتورطها المباشر؟». أسئلة كثيرة مشابهة كانت تسمع على ألسنة المحتشدين، الذين تجمعوا لاستقبال عمر، الذي ألبسه الأتراك ربطة عنق مزينة بعلم بلادهم، فأبقاها هو في عنقه طويلاً بعد وصوله إلى منزله.

هناك، كانت العيون شاخصة إلى صاحب اللحية المشذبة، وقد غزاها الشيب، ليسمعوا منه «حقيقة ما حصل». تحدّث بداية في الأهم. أكد أن جميع المخطوفين اللبنانيين العشرة بخير، وأن «المعاملة كانت جيدة جداً». لم يقل الرجل ما يختلف عن قوله أثناء وجوده بين الخاطفين في سوريا. تدخل أحد أقارب عمر، موضحاً لبعض المقربين: «في الواقع، الخاطفون لم يكونوا سيئين في معاملتهم، ولكن لا يتوقع من حسين العائد أن ينتقد الخاطفين الآن، ربما لآنه يخاف على مصير الأشخاص العشرة الذين لا يزالون في قبضة الخاطفين». بعض الحاضرين لم يقنعهم هذا الكلام، فأمهلوا أنفسهم حتى عودة جميع المخطوفين، ليعرفوا حقيقة ما حصل فعلاً.

حاولت «الأخبار» الخوض أكثر مع العائد في تفاصيل ما واجهه في رحلة الخطف، إلا أنه لم يقدم جديداً عما قيل سابقاً، أو عمّا ردده مراراً لوسائل الإعلام بعيد وصوله. لكن نجله، علي، الذي تصدى للحديث على انفراد بصفته «المتحدث الرسمي» باسم العائلة، قال: «طبعاً، لدينا مآخذ على الخاطفين في أصل عملية الخطف، ولكن، وبحسب ما نعلم عن عمليات الخطف، فإنه يحصل عادة فيها عنف، لكن هذا لم يحصل، ولهذا قلنا إن المعاملة كانت جيدة». يذكر أن الأخير كان قد التقى والده يوم كان مخطوفاً، فمكث في مدينة أعزاز مدة 6 أيام بين الخاطفين والمخطوفين، ما أدّى إلى نشوء «علاقة ود» بينه وبين المدعو أبو إبراهيم وسائر مجموعة الخطف. هذا ما أكده لـ«الأخبار» في معرض سؤاله عن سبب اختيار والده من بين المخطوفين، لافتاً إلى أن «المتحدث باسم لواء عاصفة الشمال في الجيش السوري الحر النقيب أحمد غزالي، قال إنه سيفرج عن حسين عمر إكراماً لابنه». ويضيف الشاب: «أنا سأتوجه قريباً إلى أعزاز، لأن الأتراك أوصلوا لي أن رجال الاستخبارات التركية قد أحبّوني ويريدون التواصل معي، على أمل أن أنجح في مساعدة بقية المخطوفين». في الواقع، يكاد سامع الشاب، ووالده، أن يفهم تبريراً للخاطفين في أصل عملية الخطف، التي هي، بغض النظر عن طبيعتها، تعدّ عملاً سيئاً، إذ تحجز حرية الشخص من دون وجه حق. هنا يرفض الشاب «تبرئة الخاطفين من فعل الخطف، المدان طبعاً، لكن عندما كنت هناك، رأيت الخاطفين يحضرون الطبيب والدواء لمن يحتاج إليه فوراً. على كل حال، لا نريد أن تصدر الآن تصريحات من أحد تؤدي إلى أذية المخطوفين، فطالما أن الخاطفين يتعاملون بأخلاق، حالياً يكفي هذا لأن نعوّل خيراً. وبالمناسبة، نحن على تواصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي نشكره على دوره، فهو كان أول من أبلغنا خبر الإفراج». يذهب علي، الذي بدا متحدثاً لبقاً، أبعد من ذلك، ليتحدث في الشأن الوطني العام و«ما يفيد الأمة». يقول مثلاً: «يمكن الآن أن نستغل عملية الخطف للتقريب بين وجهات النظر، وأن نواجه ما يحاك من فتن مذهبية بين سنة وشيعة، علماً بأن الخاطفين بحسب ما رأيتهم ليس لديهم في الظاهر خلفيات إسلامية متشددة». ماذا عن دور الأتراك في عملية الخطف؟ يكتفي علي، بعد ذكر دور تركيا «الإيجابي» في الإفراج عن والده، بالقول: «كان ضابط استخبارات تركي، لا أذكر اسمه، يتواصل يومياً مع أبو ابراهيم عند الحدود، وفي إحدى المرّات، عندما كنت في أعزاز، زارنا حاكم منطقة كيليس التركية، وجلس وتحدث مع المخطوفين ووعدهم خيراً».

يذكر أنه قبل الإعلان عن إطلاق سراح حسين عمر، أول من أمس، أطل المدعو محمد نور، الذي يصف نفسه بالمتحدث باسم «ثوار أعزاز»، ليعلن أن مصير بقية المخطوفين «سيتم تحديده بعد إرسال رسائل لدول جوار سوريا». لم يوضح نور معنى هذه الجملة المبهمة، فظلت غامضة على نسق الغاية من عملية الخطف أصلاً، التي لم يخرج أحد من الفاعلين لغاية الآن ليحدد السبب المباشر من ورائها. يُشار إلى أن نور هو نفسه الذي أكد لبعض وسائل الإعلام، التي كانت على تواصل دائم معه، مقتل 4 من المخطوفين خلال الأسبوع الماضي، ليتبين لاحقاً، وبشهادة العائد حسين عمر، أن ما كان يقوله «المتحدث الرسمي» عار من الصحة، ولا يعدو كونه حلقة أخرى من حلقات اللعب بأعصاب أهالي المخطوفين وعواطفهم.

إلى ذلك، قال وزير الداخلية مروان شربل: «نتوقع أن نشهد خلال الأسبوع المقبل انفراجاً، لكننا سنبقي المتابعات بعيداً عن الإعلام». وفي حديث له مع «الأخبار»، أشار شربل إلى أن إطلاق سراح حسين عمر «أفاد بأن لدى الخاطفين، وكذلك الأتراك، نية طيبة وهي بمثابة عيدية، ومن خلال المطلق سراحه عرفنا أن بقية المخطوفين بخير، من دون أن يبقى لدينا شك. وبالمناسبة، قبل أيام من الإفراج، اتصلت بالجهات الإسلامية السلفية في الشمال، وعلى رأسهم الشيخ سالم الرافعي، وسألته عن الوعد الذي قطع سابقاً بإطلاق بعض المخطوفين بمعيّته، فوعدني خيراً وأجرى اتصالاته بمن كان توسط عندهم سابقاً في تركيا».

من جهة ثانية، برز تصريح لقائد «الجيش السوري الحر» العقيد رياض الأسعد، قال فيه إن إطلاق سراح اللبنانيين المخطوفين «لن يكون بالسهولة التي يتوهمها البعض، وخصوصا أن معظمهم قياديون في حزب الله». هكذا، يستمر مسلسل «الابتزاز» في أفصح وجوهه، تارة من البوابة التركية، وتارة عبر الأسعد، وأخرى عبر رجل يكنى «أبو ابراهيم» يدّعي حب الضيافة، ليصرح بعدها بـ«موت بعض ضيوفه» وعلى وجهه سائل أحمر. وزير الداخلية يرفض أن يكون الإفراج عن عمر سببه عمليات الخطف التي حصلت في لبنان، ويصر على هذه الفكرة. لكن، في المقابل، ثمة من كان بين المحتشدين أول من أمس أمام منزل حسين عمر، يصر على فكرة أخرى، مفادها أنه لولا خطف آل المقداد لمواطن تركي، واستعدادهم لخطف المزيد، لما حصل ما حصل ولا كانت نشطت الدبلوماسية ولا أقلعت طائرات.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-26
  • 8278
  • من الأرشيف

حسين عمر حرّاً... ويستمرّ مسلسل «الابتزاز»

مخطوف واحد من أصل 11 عاد إلى أهله. البعض وجد في الأمر مساحة للفرح، على هامش الشعور بالابتزاز، في ظل أسئلة عن حقيقة ما حصل، ويحصل، مع المخطوفين في سوريا. وزير الداخلية وعد بانفراجات خلال أسبوع، شرط سرية المداولات، كاشفاً عن تواصله مع شخصيات سلفية في طرابلس ثمة من لم يفرح يوم أول من أمس في الضاحية. كثيرون، هناك كان الشعور بـ«الابتزاز» في نفوسهم أقوى من أي شيء آخر. في حي السلم، حول منزل حسين عمر، العائد من الخطف المسلح في حلب، كان البعض يسأل: «إلى متى سيستمر هذا المسلسل؟ هل سيفرجون عنهم واحداً تلو الآخر؟ إلى متى ستبقى تركيا تطل بمظهر المخلص بعدما بات الكل يشعر بتورطها المباشر؟». أسئلة كثيرة مشابهة كانت تسمع على ألسنة المحتشدين، الذين تجمعوا لاستقبال عمر، الذي ألبسه الأتراك ربطة عنق مزينة بعلم بلادهم، فأبقاها هو في عنقه طويلاً بعد وصوله إلى منزله. هناك، كانت العيون شاخصة إلى صاحب اللحية المشذبة، وقد غزاها الشيب، ليسمعوا منه «حقيقة ما حصل». تحدّث بداية في الأهم. أكد أن جميع المخطوفين اللبنانيين العشرة بخير، وأن «المعاملة كانت جيدة جداً». لم يقل الرجل ما يختلف عن قوله أثناء وجوده بين الخاطفين في سوريا. تدخل أحد أقارب عمر، موضحاً لبعض المقربين: «في الواقع، الخاطفون لم يكونوا سيئين في معاملتهم، ولكن لا يتوقع من حسين العائد أن ينتقد الخاطفين الآن، ربما لآنه يخاف على مصير الأشخاص العشرة الذين لا يزالون في قبضة الخاطفين». بعض الحاضرين لم يقنعهم هذا الكلام، فأمهلوا أنفسهم حتى عودة جميع المخطوفين، ليعرفوا حقيقة ما حصل فعلاً. حاولت «الأخبار» الخوض أكثر مع العائد في تفاصيل ما واجهه في رحلة الخطف، إلا أنه لم يقدم جديداً عما قيل سابقاً، أو عمّا ردده مراراً لوسائل الإعلام بعيد وصوله. لكن نجله، علي، الذي تصدى للحديث على انفراد بصفته «المتحدث الرسمي» باسم العائلة، قال: «طبعاً، لدينا مآخذ على الخاطفين في أصل عملية الخطف، ولكن، وبحسب ما نعلم عن عمليات الخطف، فإنه يحصل عادة فيها عنف، لكن هذا لم يحصل، ولهذا قلنا إن المعاملة كانت جيدة». يذكر أن الأخير كان قد التقى والده يوم كان مخطوفاً، فمكث في مدينة أعزاز مدة 6 أيام بين الخاطفين والمخطوفين، ما أدّى إلى نشوء «علاقة ود» بينه وبين المدعو أبو إبراهيم وسائر مجموعة الخطف. هذا ما أكده لـ«الأخبار» في معرض سؤاله عن سبب اختيار والده من بين المخطوفين، لافتاً إلى أن «المتحدث باسم لواء عاصفة الشمال في الجيش السوري الحر النقيب أحمد غزالي، قال إنه سيفرج عن حسين عمر إكراماً لابنه». ويضيف الشاب: «أنا سأتوجه قريباً إلى أعزاز، لأن الأتراك أوصلوا لي أن رجال الاستخبارات التركية قد أحبّوني ويريدون التواصل معي، على أمل أن أنجح في مساعدة بقية المخطوفين». في الواقع، يكاد سامع الشاب، ووالده، أن يفهم تبريراً للخاطفين في أصل عملية الخطف، التي هي، بغض النظر عن طبيعتها، تعدّ عملاً سيئاً، إذ تحجز حرية الشخص من دون وجه حق. هنا يرفض الشاب «تبرئة الخاطفين من فعل الخطف، المدان طبعاً، لكن عندما كنت هناك، رأيت الخاطفين يحضرون الطبيب والدواء لمن يحتاج إليه فوراً. على كل حال، لا نريد أن تصدر الآن تصريحات من أحد تؤدي إلى أذية المخطوفين، فطالما أن الخاطفين يتعاملون بأخلاق، حالياً يكفي هذا لأن نعوّل خيراً. وبالمناسبة، نحن على تواصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي نشكره على دوره، فهو كان أول من أبلغنا خبر الإفراج». يذهب علي، الذي بدا متحدثاً لبقاً، أبعد من ذلك، ليتحدث في الشأن الوطني العام و«ما يفيد الأمة». يقول مثلاً: «يمكن الآن أن نستغل عملية الخطف للتقريب بين وجهات النظر، وأن نواجه ما يحاك من فتن مذهبية بين سنة وشيعة، علماً بأن الخاطفين بحسب ما رأيتهم ليس لديهم في الظاهر خلفيات إسلامية متشددة». ماذا عن دور الأتراك في عملية الخطف؟ يكتفي علي، بعد ذكر دور تركيا «الإيجابي» في الإفراج عن والده، بالقول: «كان ضابط استخبارات تركي، لا أذكر اسمه، يتواصل يومياً مع أبو ابراهيم عند الحدود، وفي إحدى المرّات، عندما كنت في أعزاز، زارنا حاكم منطقة كيليس التركية، وجلس وتحدث مع المخطوفين ووعدهم خيراً». يذكر أنه قبل الإعلان عن إطلاق سراح حسين عمر، أول من أمس، أطل المدعو محمد نور، الذي يصف نفسه بالمتحدث باسم «ثوار أعزاز»، ليعلن أن مصير بقية المخطوفين «سيتم تحديده بعد إرسال رسائل لدول جوار سوريا». لم يوضح نور معنى هذه الجملة المبهمة، فظلت غامضة على نسق الغاية من عملية الخطف أصلاً، التي لم يخرج أحد من الفاعلين لغاية الآن ليحدد السبب المباشر من ورائها. يُشار إلى أن نور هو نفسه الذي أكد لبعض وسائل الإعلام، التي كانت على تواصل دائم معه، مقتل 4 من المخطوفين خلال الأسبوع الماضي، ليتبين لاحقاً، وبشهادة العائد حسين عمر، أن ما كان يقوله «المتحدث الرسمي» عار من الصحة، ولا يعدو كونه حلقة أخرى من حلقات اللعب بأعصاب أهالي المخطوفين وعواطفهم. إلى ذلك، قال وزير الداخلية مروان شربل: «نتوقع أن نشهد خلال الأسبوع المقبل انفراجاً، لكننا سنبقي المتابعات بعيداً عن الإعلام». وفي حديث له مع «الأخبار»، أشار شربل إلى أن إطلاق سراح حسين عمر «أفاد بأن لدى الخاطفين، وكذلك الأتراك، نية طيبة وهي بمثابة عيدية، ومن خلال المطلق سراحه عرفنا أن بقية المخطوفين بخير، من دون أن يبقى لدينا شك. وبالمناسبة، قبل أيام من الإفراج، اتصلت بالجهات الإسلامية السلفية في الشمال، وعلى رأسهم الشيخ سالم الرافعي، وسألته عن الوعد الذي قطع سابقاً بإطلاق بعض المخطوفين بمعيّته، فوعدني خيراً وأجرى اتصالاته بمن كان توسط عندهم سابقاً في تركيا». من جهة ثانية، برز تصريح لقائد «الجيش السوري الحر» العقيد رياض الأسعد، قال فيه إن إطلاق سراح اللبنانيين المخطوفين «لن يكون بالسهولة التي يتوهمها البعض، وخصوصا أن معظمهم قياديون في حزب الله». هكذا، يستمر مسلسل «الابتزاز» في أفصح وجوهه، تارة من البوابة التركية، وتارة عبر الأسعد، وأخرى عبر رجل يكنى «أبو ابراهيم» يدّعي حب الضيافة، ليصرح بعدها بـ«موت بعض ضيوفه» وعلى وجهه سائل أحمر. وزير الداخلية يرفض أن يكون الإفراج عن عمر سببه عمليات الخطف التي حصلت في لبنان، ويصر على هذه الفكرة. لكن، في المقابل، ثمة من كان بين المحتشدين أول من أمس أمام منزل حسين عمر، يصر على فكرة أخرى، مفادها أنه لولا خطف آل المقداد لمواطن تركي، واستعدادهم لخطف المزيد، لما حصل ما حصل ولا كانت نشطت الدبلوماسية ولا أقلعت طائرات.

المصدر : محمد نزال\ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة