لم تكن العملية التي شنتها مجموعات مسلحة على القاعدة العسكرية في سيناء، الأحد الماضي، الأولى من نوعها، لكنها كانت الأقسى والأكثر دموية وتنظيماً منذ سنوات طويلة. بدا واضحاً أن العملية جاءت في سياق تصعيد العنف في منطقة حساسة وفق اعتبارات عدة، ومع أن هوية المسؤولين عن قتل 16 جندياً مصرياً وسرقة آليات عسكرية ظلّت مجهولة حتى الساعة، إلا أن تداعيات ما ارتكبوه، والتحديات التي تشكلها لكل من مصر وفلسطين وإسرائيل، برزت إلى الواجهة منذ اللحظات الأولى لوقوع الاعتداء.

تحوّل سيناء إلى بؤرة للقاعدة، التحدي الذي يواجهه الرئيس المصري محمد مرسي، داخلياً وإقليمياً، مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية والمصرية - الإسرائيلية... كل هذه العناوين استحوذت على اهتمام المتابعين الغربيين أمس، في وقت كان هناك ما يشبه الإجماع على تحول منطقة سيناء إلى مركز للإسلاميين المتطرفين، وعلى صعوبة اجتثاث هذه الظاهرة من المنطقة لأسباب عدة أبرزها اتفاقية «كامب ديفيد» والإجحاف التاريخي الذي عاناه بدو سيناء من الحكومة المصرية. في المقابل، غاب أي تلميح حول استفادة محتملة لإسرائيل من الحادث، لا سيما بعد انتعاش علاقات «مصر الجديدة» مع حركة «حماس» مؤخراً.

بداية، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الهجوم، الذي كان «الأكثر دموية على الجنود المصريين مؤخراً»، يُنظر إليه على أنه «اختبار حاسم وفرصة حاسمة للعلاقة الحديثة نسبياً بين الرئيس الإسلامي وإسرائيل».

وبات السؤال حالياً، وفقاً لـ«نيويورك تايمز»، يتمحور من جهة حول ما إذا كان مرسي سيجعل سيناء من ضمن أولوياته فعلاً، وذلك وسط تحديات كثيرة تواجهه، ومن جهة أخرى حول ما إذا كانت إسرائيل ستقدّم تنازلات متعلقة بتعديل اتفاقية «كامب ديفيد» بما يسمح لمصر بوجود عسكري أكبر في المنطقة.

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي قوله إن «هناك تقارباً حقيقياً في المصالح الآن، وهذا ما يجعلنا أقرب إلى مرسي». من جهته، يعوّل المحلل السياسي هيليل فريش على هذا الاعتداء «لكي يدرك مرسي أن هناك أعداء لبلده أكبر من إسرائيل»، وهكذا «تتغيّر قواعد اللعبة».

من ناحية أخرى، اعتبرت الصحيفة أن ما حصل يهدّد العلاقات المتنامية بين مصر وحركة «حماس»، في وقت رأت أن المتضرر الأكبر كان قطاع غزة الذي دخل في الحصار مرة أخرى بعد إغلاق المعبر التجاري الوحيد لديه مع مصر، وهو ما سلطت الضوء عليه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» معتبرة أن هجوم سيناء عزل غزة عن العالم الخارجي، وأعاد إلى أهل القطاع ذكريات مريرة عن الحصار الإسرائيلي الذي حرمهم من أبسط احتياجاتهم الأساسية. ونقلت الصحيفة عن غزاويين عاديين شكواهم من إقفال المعابر، وخوفهم من عدم فتحها مرة أخرى، كما استبعادهم لإمكانية ضلوع «حماس» في الاعتداء.

من جانبها، اتهمت «واشنطن بوست» الأميركية «الميليشيات المسلحة» بارتكاب الهجوم، قائلة إن أهداف الميليشيات التي تمركزت في المنطقة غير واضحة، لكن أفراد القبائل البارزة في سيناء يقولون إنهم مدفوعون برغبة في الانتقام من الانتهاكات التي قامت بها قوات الأمن المصرية ضدهم، بالإضافة إلى تعاطفهم مع مأزق الفلسطينيين.

ونقلت الصحيفة عن رؤساء قبائل بدو خبراً يفيد أن الخلايا المتطرفة الإسلامية المسلحة أنشأت معسكرات تدريب في شمال سيناء في الشهور الأخيرة، وقامت بهجمات عدة ضد قوات الأمن المسلحة. وكانت «لوس أنجلس تايمز» نقلت عن عدد من البدو مخاوفهم من نمو التطرف في منطقتهم، لا سيما أن ثقافتهم تقتضي تأمين الملاذ لمن يطلب ذلك، وهذه المخاوف يعززها انضمام كثيرين منهم إلى صفوف الجماعات المتطرفة التي تتلقى السلاح من ليبيا والسودان.

من ناحية ثانية، لفتت «واشنطن بوست» إلى إمكانية أن تصب المساعدة العسكرية الأميركية الحالية لمصر في إطار ما سيكون، في أفضل الأحوال، حملة صعبة وطويلة لإعادة النظام إلى «موطن جديد للتطرف في المنطقة»، كما يمكن للقوات المصرية أن تستفيد من التدريبات التي تلقتها في مجال مكافحة الإرهاب ومن المعدات الاستخبارية التي تتلقاها.

ما سبق يوحي بأن أميركا تنوي الدخول على خط صراع «القاعدة» في سيناء كذلك، حيث اعتبرت «وول ستريت جورنال» أن سيناء تتحول إلى «ميني أفغانستان»، مشيرة إلى «الدور الإيجابي الذي تلعبه السياسة الخارجية الأميركية في احتواء هذه الظاهرة، حيث نجحت في الجزائر وفي بلدان عديدة عبر التكنولوجيا التي تقدمها وبفضل طائراتها من دون طيار». في وقت لفتت الصحيفة إلى أن مصر يجب أن تلجأ إلى المبدأ الصارم لمكافحة الإرهاب، ما قد يخدم إدارة أوباما في تصحيح توجهاتها في التعامل مع مصر ما بعد الثورة.

وفي السياق ذاته، أكد روبرت ساتلوف من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أنه «يتعيّن على صنّاع القرار الأميركيين أن يؤكدوا مجدداً للجيش المصري أن واشنطن تنظر إلى تأمين سيناء باعتباره جانباً ضرورياً للسلام المصري - الإسرائيلي، وأن استمرار تقديم مساعدات عسكرية كبيرة مرهون بالجهود التي تستثمر لإتمام هذه المهمة. فالفشل في توجيه الأشخاص والموارد يمكن أن يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمساعدات العسكرية الأميركية لمصر».

(«السفير»)

  • فريق ماسة
  • 2012-08-07
  • 13640
  • من الأرشيف

فرصة لتقارب مصري ـ إسرائيلي.. وأميركا ستلعب دوراً

          لم تكن العملية التي شنتها مجموعات مسلحة على القاعدة العسكرية في سيناء، الأحد الماضي، الأولى من نوعها، لكنها كانت الأقسى والأكثر دموية وتنظيماً منذ سنوات طويلة. بدا واضحاً أن العملية جاءت في سياق تصعيد العنف في منطقة حساسة وفق اعتبارات عدة، ومع أن هوية المسؤولين عن قتل 16 جندياً مصرياً وسرقة آليات عسكرية ظلّت مجهولة حتى الساعة، إلا أن تداعيات ما ارتكبوه، والتحديات التي تشكلها لكل من مصر وفلسطين وإسرائيل، برزت إلى الواجهة منذ اللحظات الأولى لوقوع الاعتداء. تحوّل سيناء إلى بؤرة للقاعدة، التحدي الذي يواجهه الرئيس المصري محمد مرسي، داخلياً وإقليمياً، مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية والمصرية - الإسرائيلية... كل هذه العناوين استحوذت على اهتمام المتابعين الغربيين أمس، في وقت كان هناك ما يشبه الإجماع على تحول منطقة سيناء إلى مركز للإسلاميين المتطرفين، وعلى صعوبة اجتثاث هذه الظاهرة من المنطقة لأسباب عدة أبرزها اتفاقية «كامب ديفيد» والإجحاف التاريخي الذي عاناه بدو سيناء من الحكومة المصرية. في المقابل، غاب أي تلميح حول استفادة محتملة لإسرائيل من الحادث، لا سيما بعد انتعاش علاقات «مصر الجديدة» مع حركة «حماس» مؤخراً. بداية، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الهجوم، الذي كان «الأكثر دموية على الجنود المصريين مؤخراً»، يُنظر إليه على أنه «اختبار حاسم وفرصة حاسمة للعلاقة الحديثة نسبياً بين الرئيس الإسلامي وإسرائيل». وبات السؤال حالياً، وفقاً لـ«نيويورك تايمز»، يتمحور من جهة حول ما إذا كان مرسي سيجعل سيناء من ضمن أولوياته فعلاً، وذلك وسط تحديات كثيرة تواجهه، ومن جهة أخرى حول ما إذا كانت إسرائيل ستقدّم تنازلات متعلقة بتعديل اتفاقية «كامب ديفيد» بما يسمح لمصر بوجود عسكري أكبر في المنطقة. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي قوله إن «هناك تقارباً حقيقياً في المصالح الآن، وهذا ما يجعلنا أقرب إلى مرسي». من جهته، يعوّل المحلل السياسي هيليل فريش على هذا الاعتداء «لكي يدرك مرسي أن هناك أعداء لبلده أكبر من إسرائيل»، وهكذا «تتغيّر قواعد اللعبة». من ناحية أخرى، اعتبرت الصحيفة أن ما حصل يهدّد العلاقات المتنامية بين مصر وحركة «حماس»، في وقت رأت أن المتضرر الأكبر كان قطاع غزة الذي دخل في الحصار مرة أخرى بعد إغلاق المعبر التجاري الوحيد لديه مع مصر، وهو ما سلطت الضوء عليه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» معتبرة أن هجوم سيناء عزل غزة عن العالم الخارجي، وأعاد إلى أهل القطاع ذكريات مريرة عن الحصار الإسرائيلي الذي حرمهم من أبسط احتياجاتهم الأساسية. ونقلت الصحيفة عن غزاويين عاديين شكواهم من إقفال المعابر، وخوفهم من عدم فتحها مرة أخرى، كما استبعادهم لإمكانية ضلوع «حماس» في الاعتداء. من جانبها، اتهمت «واشنطن بوست» الأميركية «الميليشيات المسلحة» بارتكاب الهجوم، قائلة إن أهداف الميليشيات التي تمركزت في المنطقة غير واضحة، لكن أفراد القبائل البارزة في سيناء يقولون إنهم مدفوعون برغبة في الانتقام من الانتهاكات التي قامت بها قوات الأمن المصرية ضدهم، بالإضافة إلى تعاطفهم مع مأزق الفلسطينيين. ونقلت الصحيفة عن رؤساء قبائل بدو خبراً يفيد أن الخلايا المتطرفة الإسلامية المسلحة أنشأت معسكرات تدريب في شمال سيناء في الشهور الأخيرة، وقامت بهجمات عدة ضد قوات الأمن المسلحة. وكانت «لوس أنجلس تايمز» نقلت عن عدد من البدو مخاوفهم من نمو التطرف في منطقتهم، لا سيما أن ثقافتهم تقتضي تأمين الملاذ لمن يطلب ذلك، وهذه المخاوف يعززها انضمام كثيرين منهم إلى صفوف الجماعات المتطرفة التي تتلقى السلاح من ليبيا والسودان. من ناحية ثانية، لفتت «واشنطن بوست» إلى إمكانية أن تصب المساعدة العسكرية الأميركية الحالية لمصر في إطار ما سيكون، في أفضل الأحوال، حملة صعبة وطويلة لإعادة النظام إلى «موطن جديد للتطرف في المنطقة»، كما يمكن للقوات المصرية أن تستفيد من التدريبات التي تلقتها في مجال مكافحة الإرهاب ومن المعدات الاستخبارية التي تتلقاها. ما سبق يوحي بأن أميركا تنوي الدخول على خط صراع «القاعدة» في سيناء كذلك، حيث اعتبرت «وول ستريت جورنال» أن سيناء تتحول إلى «ميني أفغانستان»، مشيرة إلى «الدور الإيجابي الذي تلعبه السياسة الخارجية الأميركية في احتواء هذه الظاهرة، حيث نجحت في الجزائر وفي بلدان عديدة عبر التكنولوجيا التي تقدمها وبفضل طائراتها من دون طيار». في وقت لفتت الصحيفة إلى أن مصر يجب أن تلجأ إلى المبدأ الصارم لمكافحة الإرهاب، ما قد يخدم إدارة أوباما في تصحيح توجهاتها في التعامل مع مصر ما بعد الثورة. وفي السياق ذاته، أكد روبرت ساتلوف من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أنه «يتعيّن على صنّاع القرار الأميركيين أن يؤكدوا مجدداً للجيش المصري أن واشنطن تنظر إلى تأمين سيناء باعتباره جانباً ضرورياً للسلام المصري - الإسرائيلي، وأن استمرار تقديم مساعدات عسكرية كبيرة مرهون بالجهود التي تستثمر لإتمام هذه المهمة. فالفشل في توجيه الأشخاص والموارد يمكن أن يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمساعدات العسكرية الأميركية لمصر». («السفير»)

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة