معركة حلب لم تبدأ بعد . هذا ما يؤكده العارفون خاصة الصحافيون القلة الذين دخلوا إلى المدينة . مع لفت النظر إلى ان الإعلام لا يحضر هناك إلا حضورا محدودا فقط : المنار ، الميادين والعالم ، دخلوا من مطار حلب ، والعربية والجزيرة دخلوا من تركيا مع المعارضة المسلحة ، وليس لاي من هذه الفرق عبور الى مناطق الطرف الآخر ، مما يذكرنا بالتقاسم بين من رافق تحالف الشمال ومن كان في كابول ، أيام افغنستان ، أو من دخل مع القوات الأمريكية من الكويت ومن دخل من بغداد أيام الحرب على العراق. ولسنا لنسوق هذه المقارنة من باب التهويل ، بل هي اوجه الشبه قائمة ، لاننا خرجنا في سورية من مسألة حرب داخلية سواء أسميناها ثورة أو حربا أهلية ، ووصلنا في حلب الى حرب خارجية بكل ما للكلمة من معنى ، مهما ارتدت من أقنعة .

العائدون من هناك يؤكدون أن نسبة المقاتلين السوريين في حلب لا تتجاوز 20 بالمئة من المقاتلين ، أما خطوط الإمداد ، بشريا ولوجستيا فهي مفتوحة مئة بالمئة على الجبهة التركية وتوزيع المقاتلين على مختلف الجنسيات وصلت حد مالي ، حيث عثر على عدة ماليين بين القتلى والمعتقلين . غير ان الإدارة الحقيقية لكل هؤلاء ، بمن فيهم الجيش السوري المسمى حرا تحصل من تركيا ، كما أكدته شبكة الاتصالات المتطورة التي تمكن الجيش السوري من وضع اليد عليها، وكانت مهمتها مزدوجة : إيصال التعليمات والتوجيهات إلى المقاتلين والتنصت على تحركات الجيش السوري.

واذ توصلنا تطورات حلب إلى اعتراف قيادات المسلحين بان القتال لم يعد ذا طابع طائفي مذهبي ، وانه موجه ضد كل من والى النظام ، فان ذلك لا يعدو عملية خلع الأقنعة، وكشف الوجوه فيما يؤكد حمأة المعركة الأخيرة. ذاك ان الأمر لم يكن يوما، في عمقه ولدى من خطط له ، "مواجهة طائفية" ، وانما ارتدى قناع المذهبية خلال المرحلة الأولى لشحن المقاتلين الجهاديين والعامة الذين يؤخذون عادة بهذه الحساسيات، وتقديم مادة للإعلام العربي والدولي. مما يذكرنا بحال لبنان عام 2005، وحال العراق بعد الاحتلال . حيث كان كل من طرفي النزاع مؤلفا من كل الطوائف والمذاهب ، ورغم ذلك ظل الإصرار على الطرق على البعد المذهبي قائما لترسيخه وتسويقه.

في حلب جاءت عملية إعدام أسرة بري ، بالأسلوب المهين الذي رأيناه،لتذكرنا بما كان يحصل في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية ، ويهدف إلى أمرين : الأول تأكيد هذا الكشف ، والثاني دفع الناس إلى هجر أحياء معينة لتحقيق الفرز أو التفريغ السكاني، قبل المواجهة العسكرية .الوجهاء الذين تم إعدامهم من" السنة ". لكنهم جميعا موالون للحكم في دمشق. ولا يغير في الأمر شيئا استنكار بعض قيادات المسلحين للحادث ، لانه يقع إما في دائرة توزيع الأدوار وإما في دائرة فلتان وتعددية القيادة.

المهم ان المواجهة قادمة، ومرعبة ... مرعبة في دمويتها ، مرعبة في الثمن الذي ستدفعه سورية ، ومرعبة فيما ستفرضه قاعدة عسكرية بسيطة ، هي ان اشتداد الضغط على جبهة معينة ، يدفع الى فتح جبهات اخرى تخفف الضغط، عبر إشغال عسكري وإشغال سياسي ، وذاك ما لم يكن مطلب المناطق العازلة الا تحضيرا له . ولعل شمالي لبنان ، بما بات يحتضنه من مخيمات عسكرية مجهزة، حتى بمستشفى، سيكون المنطلق الأول . في حين ان بداية التحرش بالمخيمات الفلسطينية في دمشق قد يكون موجها لإحراج الأردن ، كتهديد بالترحيل لابتزاز تدخل ما ، أو السماح بشيء ما . لذلك فان من يفهم هذه المعادلة جيدا يفهم ان اتهام السلطة لأحمد جبريل وللنظام السوري بذلك التحرش هو جاهل أو متجاهل، لان المصلحة في هذا التحرش ، والقدرة على الاستفزاز لاستدعائه تقع في مكان آخر ، مكان لا تخفيه تصريحات الاستنكار الرسمية التي تشبه استنكار قيادة المسلحين لمجزرة آل بري .

شبكة رعب ترسمها الأحداث الجارية ويرسمها تصور المستقبل القادم، وترسمها الخريطة الجغرافية التي لم تنفك تقول لنا ان وحدة سورية الطبيعية قدر ينذرها لمصير واحد . مصير تقرر سوداويا تشريحيا مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، لان النظام العالمي الجديد يومها لم يكن ليقوم من دون سايكس بيكو وافرازاتها ، ومن دون التآمر المستمر على أي توجه لمراجعتها وها نحن اليوم أمام سايكس بيكو جديدة يدور حولها مصيرنا ومصير العالم ، بثمن دمنا وخراب بلادنا .

  • فريق ماسة
  • 2012-08-04
  • 8040
  • من الأرشيف

معركة لم تبدأ بعد

  معركة حلب لم تبدأ بعد . هذا ما يؤكده العارفون خاصة الصحافيون القلة الذين دخلوا إلى المدينة . مع لفت النظر إلى ان الإعلام لا يحضر هناك إلا حضورا محدودا فقط : المنار ، الميادين والعالم ، دخلوا من مطار حلب ، والعربية والجزيرة دخلوا من تركيا مع المعارضة المسلحة ، وليس لاي من هذه الفرق عبور الى مناطق الطرف الآخر ، مما يذكرنا بالتقاسم بين من رافق تحالف الشمال ومن كان في كابول ، أيام افغنستان ، أو من دخل مع القوات الأمريكية من الكويت ومن دخل من بغداد أيام الحرب على العراق. ولسنا لنسوق هذه المقارنة من باب التهويل ، بل هي اوجه الشبه قائمة ، لاننا خرجنا في سورية من مسألة حرب داخلية سواء أسميناها ثورة أو حربا أهلية ، ووصلنا في حلب الى حرب خارجية بكل ما للكلمة من معنى ، مهما ارتدت من أقنعة . العائدون من هناك يؤكدون أن نسبة المقاتلين السوريين في حلب لا تتجاوز 20 بالمئة من المقاتلين ، أما خطوط الإمداد ، بشريا ولوجستيا فهي مفتوحة مئة بالمئة على الجبهة التركية وتوزيع المقاتلين على مختلف الجنسيات وصلت حد مالي ، حيث عثر على عدة ماليين بين القتلى والمعتقلين . غير ان الإدارة الحقيقية لكل هؤلاء ، بمن فيهم الجيش السوري المسمى حرا تحصل من تركيا ، كما أكدته شبكة الاتصالات المتطورة التي تمكن الجيش السوري من وضع اليد عليها، وكانت مهمتها مزدوجة : إيصال التعليمات والتوجيهات إلى المقاتلين والتنصت على تحركات الجيش السوري. واذ توصلنا تطورات حلب إلى اعتراف قيادات المسلحين بان القتال لم يعد ذا طابع طائفي مذهبي ، وانه موجه ضد كل من والى النظام ، فان ذلك لا يعدو عملية خلع الأقنعة، وكشف الوجوه فيما يؤكد حمأة المعركة الأخيرة. ذاك ان الأمر لم يكن يوما، في عمقه ولدى من خطط له ، "مواجهة طائفية" ، وانما ارتدى قناع المذهبية خلال المرحلة الأولى لشحن المقاتلين الجهاديين والعامة الذين يؤخذون عادة بهذه الحساسيات، وتقديم مادة للإعلام العربي والدولي. مما يذكرنا بحال لبنان عام 2005، وحال العراق بعد الاحتلال . حيث كان كل من طرفي النزاع مؤلفا من كل الطوائف والمذاهب ، ورغم ذلك ظل الإصرار على الطرق على البعد المذهبي قائما لترسيخه وتسويقه. في حلب جاءت عملية إعدام أسرة بري ، بالأسلوب المهين الذي رأيناه،لتذكرنا بما كان يحصل في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية ، ويهدف إلى أمرين : الأول تأكيد هذا الكشف ، والثاني دفع الناس إلى هجر أحياء معينة لتحقيق الفرز أو التفريغ السكاني، قبل المواجهة العسكرية .الوجهاء الذين تم إعدامهم من" السنة ". لكنهم جميعا موالون للحكم في دمشق. ولا يغير في الأمر شيئا استنكار بعض قيادات المسلحين للحادث ، لانه يقع إما في دائرة توزيع الأدوار وإما في دائرة فلتان وتعددية القيادة. المهم ان المواجهة قادمة، ومرعبة ... مرعبة في دمويتها ، مرعبة في الثمن الذي ستدفعه سورية ، ومرعبة فيما ستفرضه قاعدة عسكرية بسيطة ، هي ان اشتداد الضغط على جبهة معينة ، يدفع الى فتح جبهات اخرى تخفف الضغط، عبر إشغال عسكري وإشغال سياسي ، وذاك ما لم يكن مطلب المناطق العازلة الا تحضيرا له . ولعل شمالي لبنان ، بما بات يحتضنه من مخيمات عسكرية مجهزة، حتى بمستشفى، سيكون المنطلق الأول . في حين ان بداية التحرش بالمخيمات الفلسطينية في دمشق قد يكون موجها لإحراج الأردن ، كتهديد بالترحيل لابتزاز تدخل ما ، أو السماح بشيء ما . لذلك فان من يفهم هذه المعادلة جيدا يفهم ان اتهام السلطة لأحمد جبريل وللنظام السوري بذلك التحرش هو جاهل أو متجاهل، لان المصلحة في هذا التحرش ، والقدرة على الاستفزاز لاستدعائه تقع في مكان آخر ، مكان لا تخفيه تصريحات الاستنكار الرسمية التي تشبه استنكار قيادة المسلحين لمجزرة آل بري . شبكة رعب ترسمها الأحداث الجارية ويرسمها تصور المستقبل القادم، وترسمها الخريطة الجغرافية التي لم تنفك تقول لنا ان وحدة سورية الطبيعية قدر ينذرها لمصير واحد . مصير تقرر سوداويا تشريحيا مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، لان النظام العالمي الجديد يومها لم يكن ليقوم من دون سايكس بيكو وافرازاتها ، ومن دون التآمر المستمر على أي توجه لمراجعتها وها نحن اليوم أمام سايكس بيكو جديدة يدور حولها مصيرنا ومصير العالم ، بثمن دمنا وخراب بلادنا .

المصدر : د. حياة الحويك عطية \العرب اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة