دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يبدو أن المصير السياسي لوزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو بات مرتبطاً بالأزمة السورية؛ سقوط النظام يمهد لوصوله إلى رئاسة الوزراء، أما العكس فسيجعل منظّر السياسية الخارجية كبش الفداء، ولا سيما بعد بروز أنباء عن إمكان إقالته .
توقّع جورسال تاكين، وهو نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، إقالة وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو من منصبه، بعدما ورّط تركيا في الموضوع السوري، لافتاً إلى أن رئيس الوزارء التركي رجب طيب أردوغان يخطط للتخلص منه قريباً. ويتعرض داوود أوغلو منذ فترة لهجوم عنيف من أحزاب المعارضة والعديد من المحللين الإعلاميين الذين يحمّلونه مسؤولية الفشل الذريع في السياسة التركية الخاصة بسورية والمنطقة عموماً، باعتباره هو الوحيد الذي خطط ويخطط لهذه السياسة التي أقنع بها رئيس الوزراء. ويستشهد الكثيرون بالموقف التركي في ليبيا، حيث رفض رئيس الوزراء بشدة التدخل الأطلسي والغربي، وقال إنهم سيتصدون له بشدة، لكنه تراجع عن هذا الموقف بعد أسبوع، إثر مكالمة هاتفية أجرتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع وزير الخارجية داوود أوغلو وأقنعته بطريقة ما بضرورة الوقوف إلى جانب واشنطن مقابل «مصالح كبيرة» لتركيا وحزب العدالة والتنمية. واستعجلت أنقرة بعد هذه المكالمة في إقامة المخيمات للنازحين السوريين وعناصر الجيش السوري حتى قبل أن يهرب منهم أحد إلى تركيا. وجاءت المفاجأة الأهم عندما سمحت حكومة أردوغان للمعارضة السورية بعقد أول مؤتمر لها في مدينة أنطاليا في بداية الأحداث. وبدأ التورط التركي في الملف السوري مع دخول قطر والسعودية على الخط مباشرة. وبات واضحاً أن القطريين والسعوديين قد كذبوا على داوود أوغلو منذ البداية في ما يتعلق بتفاصيل الوضع السوري الداخلي وحسابات سقوط النظام. وكان داوود أوغلو متشجعاً لقبول مثل هذه الأكاذيب، حيث راهن في جميع أحاديثه على سقوط الرئيس بشار الأسد خلال فترة أقصاها 3 أشهر، بعدما كذّب عليه المعارضون السوريون الذين لجأوا إلى تركيا أيضاً، ومن دون أن يخطر على باله أن الكثير منهم على ارتباط مع العواصم الغربية التي سخرتهم لمثل هذه المهمة التي تهدف إلى توريط تركيا. ولعبت السعودية وقطر دوراً أساسياً في توريط تركيا في الملف السوري، ولا سيما بعد المساعدات المالية القطرية والسعودية الكبيرة لأنقرة بضوء أخضر أميركي، أراد أن يضع تركيا في الخندق الأمامي في الحرب ضد دمشق، لما لتركيا من حدود طويلة مع سورية. يضاف إلى ذلك أن إدخال المقاتلين والأسلحة بكافة الأشكال عبر الحدود التركية مع سورية أسهل بكثير من إدخالهم من بلد عربي، باعتبار أن تركيا دولة غير عربية وكان لها علاقة استراتيجية مع سوريا، وهي الآن العدو الأول واللدود للدولة السورية ، وكأنه لا يوجد في تركيا 20 مليون من الطائفة "العلوية".
وكانت كل هذه التطورات كافية لتوريط تركيا أكثر فأكثر في الموضوع السوري بكل أبعاده الأمنية والسياسية، بل وحتى المذهبية والقومية، حيث بدأت أنقرة تعاني من تبعات الأزمة السورية كردياً أيضاً. وكما قال رئيس البرلمان جميل شيشاك، «إن الآخرين قد نفخونا بالغاز ثم تركونا وحدنا في موضوع سورية»، دون أن يعني ذلك أن داوود أوغلو قد اقتنع بكلام رئيس برلمانه لأنه استمر بتماديه في الموقف المعادي لسورية، على الرغم من تراجع العواصم الغربية نسبياً، فيما ابتعدت قطر والسعودية عن تركيا بعدما أحسّت أن المسؤولين الأتراك قد ثبت لهم أكاذيبهم في الموضوع السوري. وهو ما يفسر قلة الاتصالات بين أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وبين أردوغان وكذلك الملك السعودي عبد الله أخيراً. ولكن لم يدفع كل ذلك داوود أوغلو إلى التراجع عن موقفه، لأنه مقتنع ومؤمن تماماً بأنه على حق، وهو في الطريق الصحيح على الرغم من جميع الانتقادات التي يتعرض لها داخلياً، وتشير جميعها إلى خطأ مجمل الحسابات التكتيكية والاستراتيجية لداوود أوغلو في موضوع سورية والمنطقة عموماً منذ البداية.
وتفتقر أنقرة إلى المتخصصين في الشأن السوري كما هي الحال في الشأن العربي عموماً. وهو ما يفسر بقاء جميع التحاليل للواقع السوري سطحية، لا تتجاوز إطار الأخبار والمقالات التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية أو تقارير الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية التي تصل بكثافة إلى الإعلاميين الأتراك، ويستمدون معظم معلوماتهم عن سورية من قناتي «الجزيرة» و«العربية» ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة السورية. فعلى سبيل المثال، عندما استخدم أردوغان كلمة الشبيحة كما نقلها له مستشاروه أو داوود أوغلو، لم يخطر على باله أن الجيش والأمن التركي أيضاً عندما يتصدى للتظاهرات السلمية يستنجد بعناصر أمنية مدنية لا فرق بينها وبين الشبيحة، فيما يوجد في جنوب شرق البلاد حوالى 100 ألف من حراس القرى الأكراد الذين يتعاونون مع الجيش التركي ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي.
ويبقى السؤال الأهم المطروح على الساحة السياسية والإعلامية التركية هو إلى متى سيتحمل رئيس الوزراء أردوغان أعباء السياسة الخاطئة لوزير خارجيته التي كلفت تركيا الكثير والكثير، أمنياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً واستراتيجياً؟ وتشير بعض المعلومات إلى سيطرة داوود أوغلو على الكادر المقرّب من أردوغان، والذي لا يستطيع أن يصارح رئيس الوزراء التركي بحقيقة الأوضاع في سوريا، والتي يبدو أن داوود أوغلو مصمم على القضاء على نظامها، وإلا فإن أردوغان سيقضي عليه وعلى سجله الأكاديمي الذي أراد أن يستغله من أجل حسابات سياسية مستقبلية.
ويتحدث البعض عن احتمالات أن يكون داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا الجديد بعد أن يصبح أردوغان رئيساً للجمهورية صيف عام 2014، ولكن شريطة أن يثبت جدارته الأكاديمية والسياسية من خلال إسقاط النظام في سوريا مهما كلف ذلك تركيا وسوريا والمنطقة من دمار شامل للجميع، ما دام الأميركيون قالوا عنه إنه كيسنجر الشرق الأوسط ولكن بطربوش عثماني أحمر ونجوم زرقاء.
المصدر :
الأخبار/حسني محلي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة