ماذا يعني "الربيع العربي" لتنظيم "القاعدة" وكيف تفاعل لوجستيا مع هذه التحولات الاستراتيجية؟ هل وجد ثغرة يوسع من خلالها مجاله القتالي بعيدا عن معاركه التقليدية في افغانستان؟ "السفير" حاولت ان تستفسر من المسؤولين والخبراء الاميركيين معاني بروز التنظيم على الساحة العربية وكيف سيكون تأثيره في دينامية صعود "الاخوان المسلمين".كبير الباحثين في معهد "بروكينغز" بروس ريدل، الذي عمل على قضايا الشرق الاوسط لفترة ثلاثين عاما في وكالة الاستخبارات المركزية ولعب دورا رئيسيا في صياغة استراتيجية ادارة الرئيس باراك اوباما حيال افغانستان وباكستان، يقول لـ"السفير" ان "تنظيم القاعدة مثل الجميع تفاجأ بما حصل" مع بداية الحراك العربي و"استغرقه بعض الوقت ليتأقلم مع الوضع الجديد في المنطقة، استغرق هذا الامر ستة أشهر لكن بمجرد حصول التأقلم بدأ التنظيم باستغلال الوضع".ويتحدث بعدها ريدل عن "الربيع العربي" ويصفه بأنه "سلسلة من الثورات ضد الدول البوليسية، وتلك الدول البوليسية كانت كلها فعالة في مكافحة الارهاب ضد القاعدة"، وتابع في هذا السياق ان سقوط تلك الانظمة "أوجد فراغا تحركت القاعدة لمحاولة تشغيله". ويعطي ريدل مصر مثالا على ذلك حيث كان عمر سليمان يدير الاستخبارات: "مهما كان رأيك به، فقد كان فعالا في محاربة التنظيمات الارهابية. الآن لم يعد يقوم بذلك وليس حيا، والقاعدة تستفيد لاقامة بنى تحتية في سيناء".ويعتبر ريدل ان "القاعدة تستفيد من انهيار السلطة لاقامة انشطة عملياتية في مالي واليمن وليبيا والآن بشكل متزايد في سوريا والعراق". واكد ريدل ان الحل لـ"عودة ظهور القاعدة في الربيع العربي هو في حكومات ديموقراطية قادرة ومسؤولة بالتوازي مع جهد جدي لحل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال".واعتبر ريدل ان الولايات المتحدة كانت حائرة بأمرها منذ بداية هذا الحراك العربي بين "دعم التغيير الديموقراطي في العالم العربي وارتباطها منذ أمد بعيد بالانظمة الشمولية مثل السعودية، وتحاول الولايات المتحدة تحقيق التوازن بين الهاجسين منذ 18 شهرا، وهذا توازن من الصعب جدا إنجازه".وعن تصوره لدينامية ما قد يحصل بين "القاعدة" و"الاخوان المسلمين" في المرحلة المقبلة، يرى ريدل ان "القاعدة منظمة صغيرة نسبيا ولديها جاذبية شعبية محدودة" وان هناك "بديلا معتدلا لتنظيم القاعدة في العالم العربي" ولهذا السبب "القاعدة" اعتبرت دائما ان "الاخوان المسلمين" لديهم الكثير من الاعتدال في المواقف.وفي حال تمكن "الاخوان" من تشكيل حكومة قادرة، بحسب ريدل، "سيظهرون ان رسالة تنظيم القاعدة خطأ، ليس عليك التوصل الى بلد إسلامي من خلال الجهاد، يمكنك القيام بذلك من خلال صناديق الاقتراع"، مشيرا الى ان هذا الامر بالتحديد ما أقلق "القاعدة" منذ بداية الثورات العربية.واضاف ريدل "حتى الآن يتضح  انه من الصعب جدا على الاخوان المسلمين النجاح فعليا في تشكيل حكومة لديها صلاحية التصرف"، مشيرا في هذا السياق إلى انه في تونس تمكن حزب "النهضة" من تشكيل حكومة ذات صلاحيات وهذا "لم يحصل فعليا في اي مكان آخر في العالم العربي حتى الآن".  واعتبر انه في حال حصول "الاخوان" على كامل السلطة "سيكافحون تنظيم القاعدة وسينظرون اليه كخطر عليهم ايضا". ويضيف "بالتأكيد كلما تحققت الاصلاحات بسرعة وانتجت حكومة قادرة كان "القاعدة" معرضاً للخطر".وأكد مسؤول اميركي لـ"السفير" ان "القاعدة يحاول بشكل واضح استغلال الاضطراب في سوريا وقد قام ببعض العمليات الارهابية ضد اهداف حكومية. مع ذلك، القاعدة لا يزال عنصرا هامشيا في المعارضة للرئيس السوري بشار الاسد واهدافه المتشددة لا تمثل النضال على نطاق اوسع لازاحته عن السلطة". المعلومات الرسمية تؤكد ان الادارة الاميركية فاتحت المعارضة السورية بجدية قلقها حيال احتمال اختراق عناصر "القاعدة" صفوفها، وكان رد المجموعات السورية انها متنبهة لهذا الامر ولا تريد ان يكون لها اي علاقة بالتنظيم او المجموعات التي تدور في فلكه.تقييم ريدل كان مشابها لتقييم الادارة الاميركية، بحيث رأى ان "القاعدة اقلية صغيرة في المعارضة والنقطة الهامة هو ان يرحل الاسد ونظامه عاجلا قبل ان تزرع القاعدة نفسها بعمق في سوريا"، مشيرا الى ان "القاعدة" في العراق هو "الدور النموذجي الذي نريد تجنبه، أي امتياز للقاعدة مرسخ في العراق لدرجة انه لا يمكن اقتلاعه". وذكر ريدل، الذي نشر كتاب "البحث عن تنظيم القاعدة"، ان المواقع الجهادية تذكر يوميا ان لها "شهداء جددا من القاعدة" خلال القتال في دمشق وحلب، وهم من اصول سعودية وفلسطينية ومصرية.هناك قلق ايضا من تداعيات هذا الامر على الامن القومي الاميركي. الاسبوع الماضي، هدد تنظيم "القاعدة" في العراق في رسالة بضرب "قلب" الولايات المتحدة، ما دفع بمدير مركز مكافحة الارهاب ماثيو اولسن الى أن يصرح امام الكونغرس بان هذا الامر "تهديد محتمل"، لا سيما انه تم توقيف الكثير من شركاء تنظيم "القاعدة" في الولايات المتحدة وكندا خلال العامين الماضيين. كذلك الحكومة العراقية اوصلت رسائل الى واشنطن تعرب فيها عن قلقها من توسع نشاط "القاعدة" وترابطه مع التطورات السورية.احصاءات مركز مكافحة الارهاب القومي ان مجموع الاعتداءات الارهابية للعام 2011 كانت اكثر من 10,000 في 70 بلدا، ما ادى الى مقتل 12,500 شخص وجرح نحو 45,000 شخص. اكثر المناطق الجغرافية التي شهدت اعتداءات كانت "الشرق الادنى وجنوب آسيا" التي حصل فيها 75 في المئة من الاعتداءات، وحوالي 5,700 او 56 بالمئة من الاعتداءات كان وراءها "مجموعات سنية متشددة" كانت ايضا وراء 70 في المئة من حالات القتل، ومن ابرزها بطبيعة الحال تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان. والنقطة الاهم التي طرحها تقرير وزارة الخارجية عن الارهاب ان "القاعدة" دخل في "مسار تراجع سيكون من الصعب عكس اتجاهه" لكن الشبكات الاقليمية التابعة لهذا التنظيم لا تزال تشكل خطرا.وفي دراسة تحليلية صادرة عن "بروكينغز" تحت عنوان "كسر الروابط بين القاعدة والمنظمات التابعة له"، يرى الباحث دانيال بيمان ان اي تدخل عسكري اميركي جديد في العالم الاسلامي يجب ان يأخذ بعين الاعتبار التجربة السوفياتية في افغانستان والتجربة الاميركية في العراق حيث زادت في كلتا الحالتين بعد الغزو الروابط التي تجمع "القاعدة" بالمنظمات التابعة له. واعتبر ان هناك فرصة لكسر الروابط المالية واللوجستية والفكرية بين "القاعدة" والمنظمات التابعة له مع ظاهرة ابتعاد مجموعات اسلامية مصرية وليبية وتونسية وفلسطينية عن نهج "القاعدة" نتيجة التطورات التي يشهدها العالم العربي.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-01
  • 6690
  • من الأرشيف

تنظيم القاعدة ما زال هامشياً في سورية .. كيف ترى واشنطن "القاعدة" في خريطة "الربيع العربي"؟

  ماذا يعني "الربيع العربي" لتنظيم "القاعدة" وكيف تفاعل لوجستيا مع هذه التحولات الاستراتيجية؟ هل وجد ثغرة يوسع من خلالها مجاله القتالي بعيدا عن معاركه التقليدية في افغانستان؟ "السفير" حاولت ان تستفسر من المسؤولين والخبراء الاميركيين معاني بروز التنظيم على الساحة العربية وكيف سيكون تأثيره في دينامية صعود "الاخوان المسلمين".كبير الباحثين في معهد "بروكينغز" بروس ريدل، الذي عمل على قضايا الشرق الاوسط لفترة ثلاثين عاما في وكالة الاستخبارات المركزية ولعب دورا رئيسيا في صياغة استراتيجية ادارة الرئيس باراك اوباما حيال افغانستان وباكستان، يقول لـ"السفير" ان "تنظيم القاعدة مثل الجميع تفاجأ بما حصل" مع بداية الحراك العربي و"استغرقه بعض الوقت ليتأقلم مع الوضع الجديد في المنطقة، استغرق هذا الامر ستة أشهر لكن بمجرد حصول التأقلم بدأ التنظيم باستغلال الوضع".ويتحدث بعدها ريدل عن "الربيع العربي" ويصفه بأنه "سلسلة من الثورات ضد الدول البوليسية، وتلك الدول البوليسية كانت كلها فعالة في مكافحة الارهاب ضد القاعدة"، وتابع في هذا السياق ان سقوط تلك الانظمة "أوجد فراغا تحركت القاعدة لمحاولة تشغيله". ويعطي ريدل مصر مثالا على ذلك حيث كان عمر سليمان يدير الاستخبارات: "مهما كان رأيك به، فقد كان فعالا في محاربة التنظيمات الارهابية. الآن لم يعد يقوم بذلك وليس حيا، والقاعدة تستفيد لاقامة بنى تحتية في سيناء".ويعتبر ريدل ان "القاعدة تستفيد من انهيار السلطة لاقامة انشطة عملياتية في مالي واليمن وليبيا والآن بشكل متزايد في سوريا والعراق". واكد ريدل ان الحل لـ"عودة ظهور القاعدة في الربيع العربي هو في حكومات ديموقراطية قادرة ومسؤولة بالتوازي مع جهد جدي لحل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال".واعتبر ريدل ان الولايات المتحدة كانت حائرة بأمرها منذ بداية هذا الحراك العربي بين "دعم التغيير الديموقراطي في العالم العربي وارتباطها منذ أمد بعيد بالانظمة الشمولية مثل السعودية، وتحاول الولايات المتحدة تحقيق التوازن بين الهاجسين منذ 18 شهرا، وهذا توازن من الصعب جدا إنجازه".وعن تصوره لدينامية ما قد يحصل بين "القاعدة" و"الاخوان المسلمين" في المرحلة المقبلة، يرى ريدل ان "القاعدة منظمة صغيرة نسبيا ولديها جاذبية شعبية محدودة" وان هناك "بديلا معتدلا لتنظيم القاعدة في العالم العربي" ولهذا السبب "القاعدة" اعتبرت دائما ان "الاخوان المسلمين" لديهم الكثير من الاعتدال في المواقف.وفي حال تمكن "الاخوان" من تشكيل حكومة قادرة، بحسب ريدل، "سيظهرون ان رسالة تنظيم القاعدة خطأ، ليس عليك التوصل الى بلد إسلامي من خلال الجهاد، يمكنك القيام بذلك من خلال صناديق الاقتراع"، مشيرا الى ان هذا الامر بالتحديد ما أقلق "القاعدة" منذ بداية الثورات العربية.واضاف ريدل "حتى الآن يتضح  انه من الصعب جدا على الاخوان المسلمين النجاح فعليا في تشكيل حكومة لديها صلاحية التصرف"، مشيرا في هذا السياق إلى انه في تونس تمكن حزب "النهضة" من تشكيل حكومة ذات صلاحيات وهذا "لم يحصل فعليا في اي مكان آخر في العالم العربي حتى الآن".  واعتبر انه في حال حصول "الاخوان" على كامل السلطة "سيكافحون تنظيم القاعدة وسينظرون اليه كخطر عليهم ايضا". ويضيف "بالتأكيد كلما تحققت الاصلاحات بسرعة وانتجت حكومة قادرة كان "القاعدة" معرضاً للخطر".وأكد مسؤول اميركي لـ"السفير" ان "القاعدة يحاول بشكل واضح استغلال الاضطراب في سوريا وقد قام ببعض العمليات الارهابية ضد اهداف حكومية. مع ذلك، القاعدة لا يزال عنصرا هامشيا في المعارضة للرئيس السوري بشار الاسد واهدافه المتشددة لا تمثل النضال على نطاق اوسع لازاحته عن السلطة". المعلومات الرسمية تؤكد ان الادارة الاميركية فاتحت المعارضة السورية بجدية قلقها حيال احتمال اختراق عناصر "القاعدة" صفوفها، وكان رد المجموعات السورية انها متنبهة لهذا الامر ولا تريد ان يكون لها اي علاقة بالتنظيم او المجموعات التي تدور في فلكه.تقييم ريدل كان مشابها لتقييم الادارة الاميركية، بحيث رأى ان "القاعدة اقلية صغيرة في المعارضة والنقطة الهامة هو ان يرحل الاسد ونظامه عاجلا قبل ان تزرع القاعدة نفسها بعمق في سوريا"، مشيرا الى ان "القاعدة" في العراق هو "الدور النموذجي الذي نريد تجنبه، أي امتياز للقاعدة مرسخ في العراق لدرجة انه لا يمكن اقتلاعه". وذكر ريدل، الذي نشر كتاب "البحث عن تنظيم القاعدة"، ان المواقع الجهادية تذكر يوميا ان لها "شهداء جددا من القاعدة" خلال القتال في دمشق وحلب، وهم من اصول سعودية وفلسطينية ومصرية.هناك قلق ايضا من تداعيات هذا الامر على الامن القومي الاميركي. الاسبوع الماضي، هدد تنظيم "القاعدة" في العراق في رسالة بضرب "قلب" الولايات المتحدة، ما دفع بمدير مركز مكافحة الارهاب ماثيو اولسن الى أن يصرح امام الكونغرس بان هذا الامر "تهديد محتمل"، لا سيما انه تم توقيف الكثير من شركاء تنظيم "القاعدة" في الولايات المتحدة وكندا خلال العامين الماضيين. كذلك الحكومة العراقية اوصلت رسائل الى واشنطن تعرب فيها عن قلقها من توسع نشاط "القاعدة" وترابطه مع التطورات السورية.احصاءات مركز مكافحة الارهاب القومي ان مجموع الاعتداءات الارهابية للعام 2011 كانت اكثر من 10,000 في 70 بلدا، ما ادى الى مقتل 12,500 شخص وجرح نحو 45,000 شخص. اكثر المناطق الجغرافية التي شهدت اعتداءات كانت "الشرق الادنى وجنوب آسيا" التي حصل فيها 75 في المئة من الاعتداءات، وحوالي 5,700 او 56 بالمئة من الاعتداءات كان وراءها "مجموعات سنية متشددة" كانت ايضا وراء 70 في المئة من حالات القتل، ومن ابرزها بطبيعة الحال تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان. والنقطة الاهم التي طرحها تقرير وزارة الخارجية عن الارهاب ان "القاعدة" دخل في "مسار تراجع سيكون من الصعب عكس اتجاهه" لكن الشبكات الاقليمية التابعة لهذا التنظيم لا تزال تشكل خطرا.وفي دراسة تحليلية صادرة عن "بروكينغز" تحت عنوان "كسر الروابط بين القاعدة والمنظمات التابعة له"، يرى الباحث دانيال بيمان ان اي تدخل عسكري اميركي جديد في العالم الاسلامي يجب ان يأخذ بعين الاعتبار التجربة السوفياتية في افغانستان والتجربة الاميركية في العراق حيث زادت في كلتا الحالتين بعد الغزو الروابط التي تجمع "القاعدة" بالمنظمات التابعة له. واعتبر ان هناك فرصة لكسر الروابط المالية واللوجستية والفكرية بين "القاعدة" والمنظمات التابعة له مع ظاهرة ابتعاد مجموعات اسلامية مصرية وليبية وتونسية وفلسطينية عن نهج "القاعدة" نتيجة التطورات التي يشهدها العالم العربي.

المصدر : السفير - جو معكرون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة