لم يكن كلاما فقط، هذا الذي قاله الناطق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد المقدسي عن أن النظام لن يستخدم "أي سلاح جرثومي كيميائي الا في حال تعرضت سوريا لعدوان خارجي"،  لأن في السياسة، إطلاق مثل هذا التهديد بمثابة استخدامه، على هذا يجب أن تفهم الهستيريا الغربية التي أعقبت كلام المقدسي.

من هنا، يجب فهم الردود التي انطلقت من البيت الأبيض والبنتاغون ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي على كلام الخارجية السورية والتي عبّرت عن غضبها من التحذير السوري، ليس الهدف من هذه الردود كسر كلام دمشق، فالغرب يعرف أن القيادة السورية لن تتسامح مطلقا مع إي غزو خارجي، وفي حال حشرها لن تقيم وزنا للمحرمات الدولية، أضف إلى أن رصاصة التهديد صارت في مرمى الهدف الإسرائيلي، لذلك كان المقصود من هذه الردود، تهدئة الموازين الرجراجة بين القوى الرئيسة في الإقليم مسايرة لحكام تل أبيب، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية، لأنه حتى في البيان الثاني للمقدسي والذي اعتبر تصحيحا للبيان الأول، لم يتم التراجع عن التهديد، مع الإشارة إلى أن المقدسي، لم يكن يرتجل تهديده، إنما كان يقرأ عن ورقة، وهذا يعني أن التحذير السوري مدروس ودقيق وخضع للرقابة المسبقة من أعلى المراجع.

زمنيا، تفجرت قضية الأسلحة السورية الكيمائية والجرثومية إعلاميا، بعد إحباط المشروع الغربي في مجلس الأمن واستيعاب القيادة السورية لذيول تفجير مقر الأمن القومي السوري واغتيال الجنرالات السوريين الكبار، وبعد فشل عملية "بركان دمشق" التي انتهت بسحق مسلحي المعارضة في دمشق.

ليس صعبا معرفة الجهة التي صعدت بقضية الأسلحة المذكورة إلى سطح الأحداث، فكلام المعارضة السورية الخارجية من أن دمشق تقوم بنقل ترسانتها من الأسلحة الكيميائية إلى مطارات تقع بالقرب من المناطق الحدودية، هو كلام كذّبه خبراء عسكريون، لأن مثل هذه العمليات تحتاج إلى إجراءات أمنية مكثفة، ليست دمشق بصددها الآن في ظل الاضطرابات الواسعة التي تشهدها سوريا، لذا كلام المعارضة السورية، جاء بناء لإيماءة من مشغليها الدوليين، وجاء بعد زيارة قام بها مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، توماس دونيلون إلى تل أبيب.

العين الإسرائيلية هي مصوّبة منذ زمن على الاسلحة السورية غير التقليدية، وهي في دائرة الاستهداف، منذ أن تسلّمت سوريا في الثمانينيات 94 صاروخا (جرى تطويرها في دمشق) من الاتحاد السوفياتي (قبل تفكيكه)، عندما أراد السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفياتي يوري اندربوف إعادة التوازن بين العرب و"إسرائيل" بعد اختلال هذا التوازن بشكل كبير لمصلحة تل أبيب، وذلك إثر الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982 ودخول القوات المتعددة الجنسيات (الأطلسية) إلى بيروت، وبعد خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي (اتفاق كمب ديفيد)، وانهماك العراق في حربه ضد إيران.

واضح أن الإثارة الأوروبية والأميركية للأسلحة السورية، لا علاقة له بتطورات الأزمة السورية، خصوصا الأحداث الأخيرة، إنما كان استجابة لرغية إسرائيلية قديمة ودفينة، ففي كنف هذه الأسلحة، تولدت قوّة ردعية سورية، لا يمكن إنكار دورها في تحصيل المكانة المؤثرة لدمشق في المنطقة، واتخاذها غطاء ناريا فعّالا في مواجهة الضغوطات والتهديدات التي مورست على القيادة السورية لجرها إلى تسويات شبيهة ب "الصلح المصري" واتفاقي وادي عربة وأوسلو.

لا يستبعد خبراء عسكريون استخدام الشائعات التي تطلقها تل أبيب على شكل مخاوف من نقل اسلحة غير تقليدية إلى حزب الله، ذريعة لبعض الدول الغربية وكذلك بعض الدول المجاورة لسورية، لتنفيذ "عملية خاصة" لتحييد سيطرة القوات السورية على مستودعات الأسلحة الكيميائية.

وفي هذا المجال، يربط الخبير الروسي فالنتين يورتشينكو بين المناورات الخاصة التي جرت قبل فترة في الاردن والتي شاركت فيها جيوش من دول عدّة، وبين المزاعم الإسرائيلية، ويقول: " وليس من المستبعد أن تشكل هذه الادعاءات ذريعة لبعض الدول الغربية وكذلك بعض الدول المجاورة لسورية، لتنفيذ "عملية خاصة" لتحييد سيطرة القوات السورية على مستودعات الأسلحة الكيميائية".

لكن بعد التحذير السوري الصريح باستخدام الاسلحة غير التقليدية في حال العدوان الخارجي، يقول يورتشينكو: "هذا لا يمنع أن تنفيذ هذه العملية يبقى محفوفا بمخاطر كثيرة، ونتائجها ليست مضمونة النجاح. ناهيك عن أن القيام بها يمكن أن يستفز السوريين، ويدفعهم للذهاب إلى استخدام السلاح الكيميائي فعلا".

  • فريق ماسة
  • 2012-07-27
  • 7298
  • من الأرشيف

هل التحذير السوري يلجم الغرب عن المغامرة الانتحارية؟

لم يكن كلاما فقط، هذا الذي قاله الناطق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد المقدسي عن أن النظام لن يستخدم "أي سلاح جرثومي كيميائي الا في حال تعرضت سوريا لعدوان خارجي"،  لأن في السياسة، إطلاق مثل هذا التهديد بمثابة استخدامه، على هذا يجب أن تفهم الهستيريا الغربية التي أعقبت كلام المقدسي. من هنا، يجب فهم الردود التي انطلقت من البيت الأبيض والبنتاغون ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي على كلام الخارجية السورية والتي عبّرت عن غضبها من التحذير السوري، ليس الهدف من هذه الردود كسر كلام دمشق، فالغرب يعرف أن القيادة السورية لن تتسامح مطلقا مع إي غزو خارجي، وفي حال حشرها لن تقيم وزنا للمحرمات الدولية، أضف إلى أن رصاصة التهديد صارت في مرمى الهدف الإسرائيلي، لذلك كان المقصود من هذه الردود، تهدئة الموازين الرجراجة بين القوى الرئيسة في الإقليم مسايرة لحكام تل أبيب، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية، لأنه حتى في البيان الثاني للمقدسي والذي اعتبر تصحيحا للبيان الأول، لم يتم التراجع عن التهديد، مع الإشارة إلى أن المقدسي، لم يكن يرتجل تهديده، إنما كان يقرأ عن ورقة، وهذا يعني أن التحذير السوري مدروس ودقيق وخضع للرقابة المسبقة من أعلى المراجع. زمنيا، تفجرت قضية الأسلحة السورية الكيمائية والجرثومية إعلاميا، بعد إحباط المشروع الغربي في مجلس الأمن واستيعاب القيادة السورية لذيول تفجير مقر الأمن القومي السوري واغتيال الجنرالات السوريين الكبار، وبعد فشل عملية "بركان دمشق" التي انتهت بسحق مسلحي المعارضة في دمشق. ليس صعبا معرفة الجهة التي صعدت بقضية الأسلحة المذكورة إلى سطح الأحداث، فكلام المعارضة السورية الخارجية من أن دمشق تقوم بنقل ترسانتها من الأسلحة الكيميائية إلى مطارات تقع بالقرب من المناطق الحدودية، هو كلام كذّبه خبراء عسكريون، لأن مثل هذه العمليات تحتاج إلى إجراءات أمنية مكثفة، ليست دمشق بصددها الآن في ظل الاضطرابات الواسعة التي تشهدها سوريا، لذا كلام المعارضة السورية، جاء بناء لإيماءة من مشغليها الدوليين، وجاء بعد زيارة قام بها مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، توماس دونيلون إلى تل أبيب. العين الإسرائيلية هي مصوّبة منذ زمن على الاسلحة السورية غير التقليدية، وهي في دائرة الاستهداف، منذ أن تسلّمت سوريا في الثمانينيات 94 صاروخا (جرى تطويرها في دمشق) من الاتحاد السوفياتي (قبل تفكيكه)، عندما أراد السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفياتي يوري اندربوف إعادة التوازن بين العرب و"إسرائيل" بعد اختلال هذا التوازن بشكل كبير لمصلحة تل أبيب، وذلك إثر الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982 ودخول القوات المتعددة الجنسيات (الأطلسية) إلى بيروت، وبعد خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي (اتفاق كمب ديفيد)، وانهماك العراق في حربه ضد إيران. واضح أن الإثارة الأوروبية والأميركية للأسلحة السورية، لا علاقة له بتطورات الأزمة السورية، خصوصا الأحداث الأخيرة، إنما كان استجابة لرغية إسرائيلية قديمة ودفينة، ففي كنف هذه الأسلحة، تولدت قوّة ردعية سورية، لا يمكن إنكار دورها في تحصيل المكانة المؤثرة لدمشق في المنطقة، واتخاذها غطاء ناريا فعّالا في مواجهة الضغوطات والتهديدات التي مورست على القيادة السورية لجرها إلى تسويات شبيهة ب "الصلح المصري" واتفاقي وادي عربة وأوسلو. لا يستبعد خبراء عسكريون استخدام الشائعات التي تطلقها تل أبيب على شكل مخاوف من نقل اسلحة غير تقليدية إلى حزب الله، ذريعة لبعض الدول الغربية وكذلك بعض الدول المجاورة لسورية، لتنفيذ "عملية خاصة" لتحييد سيطرة القوات السورية على مستودعات الأسلحة الكيميائية. وفي هذا المجال، يربط الخبير الروسي فالنتين يورتشينكو بين المناورات الخاصة التي جرت قبل فترة في الاردن والتي شاركت فيها جيوش من دول عدّة، وبين المزاعم الإسرائيلية، ويقول: " وليس من المستبعد أن تشكل هذه الادعاءات ذريعة لبعض الدول الغربية وكذلك بعض الدول المجاورة لسورية، لتنفيذ "عملية خاصة" لتحييد سيطرة القوات السورية على مستودعات الأسلحة الكيميائية". لكن بعد التحذير السوري الصريح باستخدام الاسلحة غير التقليدية في حال العدوان الخارجي، يقول يورتشينكو: "هذا لا يمنع أن تنفيذ هذه العملية يبقى محفوفا بمخاطر كثيرة، ونتائجها ليست مضمونة النجاح. ناهيك عن أن القيام بها يمكن أن يستفز السوريين، ويدفعهم للذهاب إلى استخدام السلاح الكيميائي فعلا".

المصدر : الانتقاد/بقلم : حسين حمية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة