هدد الأميركيون بعد فشل مشروعهم في مجلس الأمن بفرض عقوبات على سوريا، بأنهم سيلجأون لعمل من خارج مجلس الأمن، على غرار قصفهم ليوغسلافيا واحتلالهم أفغانستان وغزوهم العراق وغيرها من السوابق الدولية في هذا المجال،

وكما كان الرد الروسي حاسما في مجلس الأمن بإسقاط المشروع بالفيتو المزدوج، لم يمر الروس مرور الكرام على التهديد الأميركي، فبعد ساعات حذر الرئيس فلاديمير بوتين من أي تحرك بشأن سوريا خارج مجلس الأمن.

من خلال الازمة السورية، كأن العالم قد بدأ يكتشف روسيا، أو أنه أمام روسيا أخرى جديدة، وهذا ليس مقتصرا على الإعلام الغربي أو الإعلام العربي، الذي غرق في تحليلات ساذجة عن الموقف الروسي، وخرج بنتائج أن موسكو من السهولة إرضاؤها أو ترهيبها، حتى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في زيارته الاخيرة لروسيا التي غادرها خالي الوفاض، فوجىء بردة فعل بوتين حيال الموضوع السوري، حيث بدا الأخير مصمما على رفض أي تغيير يفرض من الخارج على سوريا.

لقد بدا العالم وليس الغرب وحده، مذهولا ومصدوما من الموقف الروسي في نيويورك، حتى كلام سوزان رايس عن تجاوز مجلس الأمن، كان هيستيريا من الصعب تنفيذه، لأنه، ليس في موسكو يلتسين لتقصف بلغراد بقرار أطلسي، ولسنا في ال 2001 أو ال 2003 ليتم اجتياح افغانستان والعراق، فأي تصرف أميركي من خارج مجلس الأمن بظل موازين القوى العالمية الحالية سيعتبر سابقة دولية تجيز لموسكو أن تبني عليها في جورجيا واوكرانيا، وكذلك بكين في تايوان وفي موضوعات اخرى تجعل الأمن والسلم الدوليين في مهب الريح.

لا يتعامل الروس مع الحدث السوري بالقطعة، فهم لديهم رؤية كاملة وشاملة عما يحدث في سوريا، وعلى هذا الوقع كان كلام سيرغي لافروف الذي ربط بين الحل بين سوريا وبين تشكيل النظام العالمي الجديد، ونقطة الانطلاق الروسية لهذا النظام هو ما يعرف بمبدأ بوتين، وهو يقوم على احترام القوانين الدولية وعدم القفز عنها بالتدخل الإنساني أونشر الديموقراطية وغير ذلك من الأكاذيب التي تستخدم لبسط السيطرة الغربية على الدول الضعيفة.

عندما يضع الروس قضية تشكيل النظام العالمي الجديد عنوانا لحربهم في الأزمة السورية، هذا يعني أن دعمهم لدمشق لا يقتصر على الإسناد الديبلوماسي والإعلامي إنما هناك ما هو أعمق بكثير، اضف يجب الإصغاء جيدا إلى رهانهم على الرئيس بشار الأسد وسوريا كجبهة مشتعلة في مواجهة الغرب، فالروس لديهم تراث عريق في الحسابات متولد من خبرتهم الطويلة في مقارعة الغرب منذ ما قبل الاتحاد السوفياتي، فتمسكهم بالأسد ليس نابعا من عشق وعواطف، إنما من عدالة قضية بلده ومما يمتلكه من عناصر القوة والقدرة في إثبات هذه العدالة، إلى إمكانية استخدام هذه القضية في المواجهة الدولية.

على هذا، لم يتغير الموقف الروسي كما توقع الغرب بعد تفجير مكتب الأمن القومي، فالروس لا يمكن أخذهم بالإعلام وبالفبركات الإعلامية، فهم لديهم مع الصينيين مصالح تقدر بآلاف المليارات، ليس بالضرورة ان تتركز هذه المصالح في سوريا، لكن أمنها (أي هذه المصالح) يتصل مباشرة بتطورات الحدث السوري، ومن الطبيعي أن يمتلك الروس (وأيضا الصينيين) تقديرا ذاتيا مستقلا عن أي جهة عما يدور في سوريا، وبهذا التقدير يدركون ما حجم قوّة النظام في سوريا، ومكانة الرئيس بشار الأسد عند السوريين ومدى ولاء الجيش والمؤسسات الأمنية والإدارية له.

أضف، أن الروس كان لديهم معلومات عن العملية الإرهابية الأخيرة، وقد حذروا منذ شهرين منها، لا بل صار ملاحظا منذ فترة أنهم دخلوا على خط الحرب الإعلامية بكل قوة، وتولى مسؤولون كبار في الدولة الروسية تكذيب الإشاعات التي يطلقها الغرب لإضعاف النظام في سوريا، فكان سريعا تصحيحهم لما قاله سفيرهم في فرنسا أو تكذيب طلب السيدة الأولى في سوريا اللجوء إلى روسيا.

 

لم يكن سهلا على روسيا ومعها الصين استخدام الفيتو في مجلس الأمن، هناك خسائر (هما على دراية بها) لحقت بهما من جراء هذا التصرف، فالإعلام الغربي كعادته يجتزأ الحقيقة لتأليب الرأي العام العالمي ليصوّر الفيتو على أنه السبب في المحنة التي تتقلب عليها سوريا اليوم، وليس السبب تحريض الغرب للمعارضة السورية على رفض الحوار وتمويلها وتسليحها ومن ثم تشجيعها على التمرد على الحكومة السورية.

 

قد يتراءى للبعض أن التأخير الروسي بتسليم المروحيات وبعض انظمة الدفاع الجوي بعذر حراجة الوضع الحالي في سوريا، أنها على صلة بتفجير مكتب الأمن القومي في دمشق الذي أدى إلى استشهاد الجنرالات السوريين، غير أن هذا التأخير هو تكتيك روسي من ضمن اللعبة الإعلامية، وقد أتى لامتصاص الانتقادات الدولية التي طالت موسكو بعد الفيتو، كون الروس، يدركون أن دمشق ليست في حاجة هذه الاسلحة حاليا، وأن لديها منها ما يكفي ويفيض عن هذه الحاجة.

 

أبعد من هذا، لقد أصبح الروس جزءا لا يتجزأ من القضية السورية، فلم يسمحوا باستفراد دمشق من قبل العرب، الذين سلّموا الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي للناتو بواسطة الجامعة العربية، وفي الفترة الأخيرة، احتجوا بصوت عال على استثناء السعودية من تطبيق معايير حقوق الإنسان وعدم محاسبتها على قمعها الوحشي لمواطنيها، ورفضوا الاحتجاج السعودي على ما اعتبرته الرياض تدخلا في شؤونها الداخلية، واعتبروا تصرف المملكة تسري عليه القوانين الدولية التي ترعى حقوق الإنسان، وهذا إشارة على أن موسكو ستذهب في هذه المواجهة الديبلوماسية مع السعودية وأيضا قطر حتى النهاية، ولو أدى ذلك إلى طرد السفير السعودي والقطري من موسكو.

 

يبقى الانخراط العسكري الروسي في الحدث السوري… إلى مناسبة أخرى>

  • فريق ماسة
  • 2012-07-21
  • 9068
  • من الأرشيف

الروس حذروا منذ شهرين من عملية إرهابية ومواجهتهم مع الرياض قد تؤدي لطرد السفراء

هدد الأميركيون بعد فشل مشروعهم في مجلس الأمن بفرض عقوبات على سوريا، بأنهم سيلجأون لعمل من خارج مجلس الأمن، على غرار قصفهم ليوغسلافيا واحتلالهم أفغانستان وغزوهم العراق وغيرها من السوابق الدولية في هذا المجال، وكما كان الرد الروسي حاسما في مجلس الأمن بإسقاط المشروع بالفيتو المزدوج، لم يمر الروس مرور الكرام على التهديد الأميركي، فبعد ساعات حذر الرئيس فلاديمير بوتين من أي تحرك بشأن سوريا خارج مجلس الأمن. من خلال الازمة السورية، كأن العالم قد بدأ يكتشف روسيا، أو أنه أمام روسيا أخرى جديدة، وهذا ليس مقتصرا على الإعلام الغربي أو الإعلام العربي، الذي غرق في تحليلات ساذجة عن الموقف الروسي، وخرج بنتائج أن موسكو من السهولة إرضاؤها أو ترهيبها، حتى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في زيارته الاخيرة لروسيا التي غادرها خالي الوفاض، فوجىء بردة فعل بوتين حيال الموضوع السوري، حيث بدا الأخير مصمما على رفض أي تغيير يفرض من الخارج على سوريا. لقد بدا العالم وليس الغرب وحده، مذهولا ومصدوما من الموقف الروسي في نيويورك، حتى كلام سوزان رايس عن تجاوز مجلس الأمن، كان هيستيريا من الصعب تنفيذه، لأنه، ليس في موسكو يلتسين لتقصف بلغراد بقرار أطلسي، ولسنا في ال 2001 أو ال 2003 ليتم اجتياح افغانستان والعراق، فأي تصرف أميركي من خارج مجلس الأمن بظل موازين القوى العالمية الحالية سيعتبر سابقة دولية تجيز لموسكو أن تبني عليها في جورجيا واوكرانيا، وكذلك بكين في تايوان وفي موضوعات اخرى تجعل الأمن والسلم الدوليين في مهب الريح. لا يتعامل الروس مع الحدث السوري بالقطعة، فهم لديهم رؤية كاملة وشاملة عما يحدث في سوريا، وعلى هذا الوقع كان كلام سيرغي لافروف الذي ربط بين الحل بين سوريا وبين تشكيل النظام العالمي الجديد، ونقطة الانطلاق الروسية لهذا النظام هو ما يعرف بمبدأ بوتين، وهو يقوم على احترام القوانين الدولية وعدم القفز عنها بالتدخل الإنساني أونشر الديموقراطية وغير ذلك من الأكاذيب التي تستخدم لبسط السيطرة الغربية على الدول الضعيفة. عندما يضع الروس قضية تشكيل النظام العالمي الجديد عنوانا لحربهم في الأزمة السورية، هذا يعني أن دعمهم لدمشق لا يقتصر على الإسناد الديبلوماسي والإعلامي إنما هناك ما هو أعمق بكثير، اضف يجب الإصغاء جيدا إلى رهانهم على الرئيس بشار الأسد وسوريا كجبهة مشتعلة في مواجهة الغرب، فالروس لديهم تراث عريق في الحسابات متولد من خبرتهم الطويلة في مقارعة الغرب منذ ما قبل الاتحاد السوفياتي، فتمسكهم بالأسد ليس نابعا من عشق وعواطف، إنما من عدالة قضية بلده ومما يمتلكه من عناصر القوة والقدرة في إثبات هذه العدالة، إلى إمكانية استخدام هذه القضية في المواجهة الدولية. على هذا، لم يتغير الموقف الروسي كما توقع الغرب بعد تفجير مكتب الأمن القومي، فالروس لا يمكن أخذهم بالإعلام وبالفبركات الإعلامية، فهم لديهم مع الصينيين مصالح تقدر بآلاف المليارات، ليس بالضرورة ان تتركز هذه المصالح في سوريا، لكن أمنها (أي هذه المصالح) يتصل مباشرة بتطورات الحدث السوري، ومن الطبيعي أن يمتلك الروس (وأيضا الصينيين) تقديرا ذاتيا مستقلا عن أي جهة عما يدور في سوريا، وبهذا التقدير يدركون ما حجم قوّة النظام في سوريا، ومكانة الرئيس بشار الأسد عند السوريين ومدى ولاء الجيش والمؤسسات الأمنية والإدارية له. أضف، أن الروس كان لديهم معلومات عن العملية الإرهابية الأخيرة، وقد حذروا منذ شهرين منها، لا بل صار ملاحظا منذ فترة أنهم دخلوا على خط الحرب الإعلامية بكل قوة، وتولى مسؤولون كبار في الدولة الروسية تكذيب الإشاعات التي يطلقها الغرب لإضعاف النظام في سوريا، فكان سريعا تصحيحهم لما قاله سفيرهم في فرنسا أو تكذيب طلب السيدة الأولى في سوريا اللجوء إلى روسيا.   لم يكن سهلا على روسيا ومعها الصين استخدام الفيتو في مجلس الأمن، هناك خسائر (هما على دراية بها) لحقت بهما من جراء هذا التصرف، فالإعلام الغربي كعادته يجتزأ الحقيقة لتأليب الرأي العام العالمي ليصوّر الفيتو على أنه السبب في المحنة التي تتقلب عليها سوريا اليوم، وليس السبب تحريض الغرب للمعارضة السورية على رفض الحوار وتمويلها وتسليحها ومن ثم تشجيعها على التمرد على الحكومة السورية.   قد يتراءى للبعض أن التأخير الروسي بتسليم المروحيات وبعض انظمة الدفاع الجوي بعذر حراجة الوضع الحالي في سوريا، أنها على صلة بتفجير مكتب الأمن القومي في دمشق الذي أدى إلى استشهاد الجنرالات السوريين، غير أن هذا التأخير هو تكتيك روسي من ضمن اللعبة الإعلامية، وقد أتى لامتصاص الانتقادات الدولية التي طالت موسكو بعد الفيتو، كون الروس، يدركون أن دمشق ليست في حاجة هذه الاسلحة حاليا، وأن لديها منها ما يكفي ويفيض عن هذه الحاجة.   أبعد من هذا، لقد أصبح الروس جزءا لا يتجزأ من القضية السورية، فلم يسمحوا باستفراد دمشق من قبل العرب، الذين سلّموا الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي للناتو بواسطة الجامعة العربية، وفي الفترة الأخيرة، احتجوا بصوت عال على استثناء السعودية من تطبيق معايير حقوق الإنسان وعدم محاسبتها على قمعها الوحشي لمواطنيها، ورفضوا الاحتجاج السعودي على ما اعتبرته الرياض تدخلا في شؤونها الداخلية، واعتبروا تصرف المملكة تسري عليه القوانين الدولية التي ترعى حقوق الإنسان، وهذا إشارة على أن موسكو ستذهب في هذه المواجهة الديبلوماسية مع السعودية وأيضا قطر حتى النهاية، ولو أدى ذلك إلى طرد السفير السعودي والقطري من موسكو.   يبقى الانخراط العسكري الروسي في الحدث السوري… إلى مناسبة أخرى>

المصدر : الانتقاد ..حسين حمية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة