تناسيت الرتب، رتبة عماد ونائب وزير دفاع ورتبة وزير وكل الرتب التي تحملها وحملتها في حياتك لأنك إنسان أعظم من الرتب والمسؤوليات، فأنت تصنع المسؤوليات، أنت تصنع الرتب، أنت تعطيها القيمة.

تسع سنوات تعرّفت فيها عليك، فوجدتك الابن الروحي للرئيس الراحل حافظ الاسد وابن مدرسته، انت مدرسة في الصدق، انت مدرسة في الشجاعة، وأشك ان مرة واحدة في حياتك قد أصابك الخوف، وكم كنت تكره الكذب وإن أعطيت كلمتك على قطع رأسك لا تغير ولا تحيد.

لماذا أثرتني، وسمحت لي برثائك، وذات ليلة كنا نتحدث معاً وفي عمق الاسرار، قلت لي أسمح لك بأن ترثيني ولكن لا تتكلم عن سر واحد، فأجبتك «الأعمار بيد الله وصحتك افضل من صحتي وارجو ان ترثيني انت»، لكن لغة الحنايا والقلب كانت اقوى كأنك كنت على موعد او معرفة بأني سأسهر ليلة واكتب فيها عن رثائك.

يا بطل الجولان سنة 1973، يا أيها الذي تمرد على الاوامر الخاطئة للعماد علي حيدر وانت ملازم، وقلت لي «تمردت مرة في حياتي والمرة الثانية التي قد اتمرد فيها انني لن اذهب فيها الى المونتفردي في لبنان».

سامحني على بعض الاسرار هكذا الاحبة يذهبون على غفلة، هكذا النسور تموت بالرصاص ولا تموت في الأعشاش، أمضيت حياتك في ساحات الواجب والشرف وبمقدار الحزم التي تحمله شخصيتك كنت رب العائلة العاطفي الى اقصى الحدود، وليلة بعد ليلة كنت أسأل خاطر الست بشرى زوجتك، وأية علاقة كانت بينك وبينها مثل عصافير الحب، مثل العقل اليوناني التاريخي، مثل حضارة ما بين النهرين وحضارة أبيلا وثقافة التاريخ وجغرافية سوريانا على مدى الهلال الخصيب كله.

غصّة كبرى هي يا آصف، أنت تستأهل كل ألقاب الاحترام والرتب، لكني الليلة اتحدث إليك، إلى الانسان، الى الرقي، الى الثقافة، الى المحبة، الى الحزم والى الحسم والجدية والى احترام النفس ومحبة الاولاد ومتابعتهم كلهم، سواء أولاد عائلتك ام اولاد عائلتك في الجيش العربي السوري.

أسرتني يا آصف، ومنعتني من أن أخبر أسرارك، وهي غصة كبيرة في قلبي، عشت معك سنتين وانت تمارس رئاسة الامن العسكري، فلم تكن تتكلم بكلمة خارج الاصول واسرار جيشك اسرار، وأما التحليل بيننا فواسع وكبير وضعت خطاً أحمر على اسرار مؤسستك ولكنك اعطيت الضوء الاخضر للتحليل والنقاش.

سورية أهلك أحبابي، ولكن من الصعب عليّ يا آصف أن أزور سورية بعد اليوم بغيابك، على رغم تكرار ان اهلك يا سورية أحبابي.

رحلت باكرا يا آصف، وباكرا جدا، كنت النجم الساطع، كنت الامل الواعد، كنت جسر النظام سنة 2005 و2006 واعذرني إن كنت لا اتكلم عن القيادة العليا السورية والرئيس بشار الاسد، فأنا في حالة وجدانية اعيش 9 سنوات من رفقة العمر سوية بلياليها ونهارها واسرارها وحتى آخر ضلع من ضلوع القلب والصور وحنايا القلب.

تتكلم دقيقة وتسكت 4 ساعات، والدقيقة اهم من سكوت الاربع ساعات، كل مخابرات العالم حاولت ان تأخذ عليك مأخذاً واحداً فلم تستطع، وكم كنت تكره النميمة، وكم كنت تكره الحقيرين وكيف للبطل والنسر ان يتعاطى مع الزواحف ؟

أسرتني يا آصف، منعتني من الأسرار، منعتني من ذكرها وكم هي غنية وهي تروي تاريخ سورية منذ أن كنت في الجولان ثم الى جانب الرئيس الراحل حافظ الاسد الى لحظة استشهادك وانت ما استشهدت، انت حيّ، انت موحّد، انت إنسان عظيم.

يطيب لي أن أصرخ، يطيب لي أن أبكي، يطيب لي ان تنهمر دموعي على خدي وان اتذكرك، وقلبي ودموعي عند الست بشرى وأنا اعرف أية علاقة تربطكما وأي تفاهم.

ستسأل عنك قمة جبل حرمون وتفتقدك دجلة، ويا لها من صدفة هي بأن تتصل بي قبل يومين من استشهادك، فقرأت اسمك على هاتفي وكأنك تودعني الوداع الأخير، وكأن الطريق قد انقطعت. أنت بطل الجيش العربي السوري، أقولها لأني أعرفك وعرفت الكثيرين غيرك، ولا أخفف من شهادة بطل في الجيش العربي السوري او مواطن، لكن قلبك لا يعرف الخوف، شجاعتك لا حدود لها، حسمك كالسيف، حزمك كالعقل، لا يحيد ولا يتبدّل.

آه كم رحلت باكراً، آه كم كانت تنتظرنا أحلاماً كبيرة، آه كم تصديت للمؤامرة على سورية. منذ اليوم الاول للأحداث في سورية اتصلت بك وقلت: الوضع خطر، فأجبتني: أكثر من خطر، ومنذ نشوء سورية ليس الخطر كبيراً بهذا الحجم وكم كنت تردد مع أبو الطيب المتنبي في رثاء شقيقة سيف الدولة:

أبداً تسترد الدنيا ما تهب

فيا ليت جودها كان بخلاً

ثم عندما بحثنا في بداية الأحداث في سورية، لا أنسى بيت الشعر الذي قلته لي:

وفي الزرازير جبن وهي تطير

وفي البزات شموخ وهي تحتضر

كنت بليغاً بالقول وبالمعنى وبالعمق، أنت يوسف العظمة الثاني وأقولها لأني اعرفك معرفة عميقة ودقيقة ولا استخف بأحد بل احترم الجميع.

آخ من الآخ يا آصف، آخ من الوجع يا آصف، آخ من الألم يا آصف، آخ من الحزن يا آصف، لكن جبينك مرفوع ولا تحني رأسك لأحد، وليتني أستطيع ان اقول سراً واحداً مما قلته لي، فهذه وصيتك لن اقولها ولن اكتبها في كتاب او مقال حتى أغمض عيني في القبر.

آصف، أقول لك ليس يأساً من الحياة بل محبة لك الى لقاء قريب

  • فريق ماسة
  • 2012-07-19
  • 10557
  • من الأرشيف

إلى أخي ورفيقي آصف شوكت .. بقلم شارل أيوب

تناسيت الرتب، رتبة عماد ونائب وزير دفاع ورتبة وزير وكل الرتب التي تحملها وحملتها في حياتك لأنك إنسان أعظم من الرتب والمسؤوليات، فأنت تصنع المسؤوليات، أنت تصنع الرتب، أنت تعطيها القيمة. تسع سنوات تعرّفت فيها عليك، فوجدتك الابن الروحي للرئيس الراحل حافظ الاسد وابن مدرسته، انت مدرسة في الصدق، انت مدرسة في الشجاعة، وأشك ان مرة واحدة في حياتك قد أصابك الخوف، وكم كنت تكره الكذب وإن أعطيت كلمتك على قطع رأسك لا تغير ولا تحيد. لماذا أثرتني، وسمحت لي برثائك، وذات ليلة كنا نتحدث معاً وفي عمق الاسرار، قلت لي أسمح لك بأن ترثيني ولكن لا تتكلم عن سر واحد، فأجبتك «الأعمار بيد الله وصحتك افضل من صحتي وارجو ان ترثيني انت»، لكن لغة الحنايا والقلب كانت اقوى كأنك كنت على موعد او معرفة بأني سأسهر ليلة واكتب فيها عن رثائك. يا بطل الجولان سنة 1973، يا أيها الذي تمرد على الاوامر الخاطئة للعماد علي حيدر وانت ملازم، وقلت لي «تمردت مرة في حياتي والمرة الثانية التي قد اتمرد فيها انني لن اذهب فيها الى المونتفردي في لبنان». سامحني على بعض الاسرار هكذا الاحبة يذهبون على غفلة، هكذا النسور تموت بالرصاص ولا تموت في الأعشاش، أمضيت حياتك في ساحات الواجب والشرف وبمقدار الحزم التي تحمله شخصيتك كنت رب العائلة العاطفي الى اقصى الحدود، وليلة بعد ليلة كنت أسأل خاطر الست بشرى زوجتك، وأية علاقة كانت بينك وبينها مثل عصافير الحب، مثل العقل اليوناني التاريخي، مثل حضارة ما بين النهرين وحضارة أبيلا وثقافة التاريخ وجغرافية سوريانا على مدى الهلال الخصيب كله. غصّة كبرى هي يا آصف، أنت تستأهل كل ألقاب الاحترام والرتب، لكني الليلة اتحدث إليك، إلى الانسان، الى الرقي، الى الثقافة، الى المحبة، الى الحزم والى الحسم والجدية والى احترام النفس ومحبة الاولاد ومتابعتهم كلهم، سواء أولاد عائلتك ام اولاد عائلتك في الجيش العربي السوري. أسرتني يا آصف، ومنعتني من أن أخبر أسرارك، وهي غصة كبيرة في قلبي، عشت معك سنتين وانت تمارس رئاسة الامن العسكري، فلم تكن تتكلم بكلمة خارج الاصول واسرار جيشك اسرار، وأما التحليل بيننا فواسع وكبير وضعت خطاً أحمر على اسرار مؤسستك ولكنك اعطيت الضوء الاخضر للتحليل والنقاش. سورية أهلك أحبابي، ولكن من الصعب عليّ يا آصف أن أزور سورية بعد اليوم بغيابك، على رغم تكرار ان اهلك يا سورية أحبابي. رحلت باكرا يا آصف، وباكرا جدا، كنت النجم الساطع، كنت الامل الواعد، كنت جسر النظام سنة 2005 و2006 واعذرني إن كنت لا اتكلم عن القيادة العليا السورية والرئيس بشار الاسد، فأنا في حالة وجدانية اعيش 9 سنوات من رفقة العمر سوية بلياليها ونهارها واسرارها وحتى آخر ضلع من ضلوع القلب والصور وحنايا القلب. تتكلم دقيقة وتسكت 4 ساعات، والدقيقة اهم من سكوت الاربع ساعات، كل مخابرات العالم حاولت ان تأخذ عليك مأخذاً واحداً فلم تستطع، وكم كنت تكره النميمة، وكم كنت تكره الحقيرين وكيف للبطل والنسر ان يتعاطى مع الزواحف ؟ أسرتني يا آصف، منعتني من الأسرار، منعتني من ذكرها وكم هي غنية وهي تروي تاريخ سورية منذ أن كنت في الجولان ثم الى جانب الرئيس الراحل حافظ الاسد الى لحظة استشهادك وانت ما استشهدت، انت حيّ، انت موحّد، انت إنسان عظيم. يطيب لي أن أصرخ، يطيب لي أن أبكي، يطيب لي ان تنهمر دموعي على خدي وان اتذكرك، وقلبي ودموعي عند الست بشرى وأنا اعرف أية علاقة تربطكما وأي تفاهم. ستسأل عنك قمة جبل حرمون وتفتقدك دجلة، ويا لها من صدفة هي بأن تتصل بي قبل يومين من استشهادك، فقرأت اسمك على هاتفي وكأنك تودعني الوداع الأخير، وكأن الطريق قد انقطعت. أنت بطل الجيش العربي السوري، أقولها لأني أعرفك وعرفت الكثيرين غيرك، ولا أخفف من شهادة بطل في الجيش العربي السوري او مواطن، لكن قلبك لا يعرف الخوف، شجاعتك لا حدود لها، حسمك كالسيف، حزمك كالعقل، لا يحيد ولا يتبدّل. آه كم رحلت باكراً، آه كم كانت تنتظرنا أحلاماً كبيرة، آه كم تصديت للمؤامرة على سورية. منذ اليوم الاول للأحداث في سورية اتصلت بك وقلت: الوضع خطر، فأجبتني: أكثر من خطر، ومنذ نشوء سورية ليس الخطر كبيراً بهذا الحجم وكم كنت تردد مع أبو الطيب المتنبي في رثاء شقيقة سيف الدولة: أبداً تسترد الدنيا ما تهب فيا ليت جودها كان بخلاً ثم عندما بحثنا في بداية الأحداث في سورية، لا أنسى بيت الشعر الذي قلته لي: وفي الزرازير جبن وهي تطير وفي البزات شموخ وهي تحتضر كنت بليغاً بالقول وبالمعنى وبالعمق، أنت يوسف العظمة الثاني وأقولها لأني اعرفك معرفة عميقة ودقيقة ولا استخف بأحد بل احترم الجميع. آخ من الآخ يا آصف، آخ من الوجع يا آصف، آخ من الألم يا آصف، آخ من الحزن يا آصف، لكن جبينك مرفوع ولا تحني رأسك لأحد، وليتني أستطيع ان اقول سراً واحداً مما قلته لي، فهذه وصيتك لن اقولها ولن اكتبها في كتاب او مقال حتى أغمض عيني في القبر. آصف، أقول لك ليس يأساً من الحياة بل محبة لك الى لقاء قريب

المصدر : افتتاحية صحيفة الديار اللبنانيه


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة