في تطور غير مسبوق وجهت إسرائيل خلال الأيام الأخيرة تهديدات متتالية إلى لبنان منذرة بعواقب وخيمة لأي تصعيد على الحدود. وتمثلت التهديدات ليس فقط بإطلاق التصريحات النارية من جانب عدد من قادة الجيش الإسرائيلي وخصوصا قائد فرقة الجليل العميد هرتس هاليفي، بل أيضا بعرض صور وأشرطة على التلفزيون الإسرائيلي وادعاء أنها جولات قيادية لـ«حزب الله» تمهيدا لعمليات أسر جنود.

وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى توترات حتى مع الجيش اللبناني في الأسبوع الماضي بعدما سمع قصّاص أثر ضابطا لبنانيا يقسم جنود دورية إسرائيلية من ثمانية أفراد إلى أهداف لجنوده. وتأتي هذه التصريحات والتهديدات مع اقتراب الذكرى السنوية لعدوان تموز 2006 والذي اشتهر باسم «حرب لبنان الثانية».

وقد أجرت إسرائيل أمس الأول مراسم إحياء ذكرى جنودها الذين قتلوا في حرب لبنان الثانية. وبحضور رئيس الأركان الجنرال بني غانتس ألقى الوزير سوسي بيلد كلمة الحكومة جاء فيها أن «حرب لبنان الثانية كانت حربا اضطرارية أعادت لإسرائيل قدرتها الردعية».

وشدد قائد فرقة الجليل المعروفة باسم «الفرقة 91» هرتس هاليفي على أنه إذا نشبت حرب أخرى في لبنان فإن الجيش الإسرائيلي سيدخل بقوة أكبر إلى الأراضي اللبنانية ويلحق دمارا أكبر بالقرى هناك. وأضاف هاليفي «إننا نمنح الفرصة للجيش اللبناني أن لا يكون عدوا، لكنه سينال ردا هجوميا إذا حارب ضدنا». وحسب كلامه «فإنهم في الأسرة الدولية وفي إسرائيل ظنوا بعد تقرير غولدستون أن بالوسع فعل ذلك بشكل أجمل. الأمر لن يكون جميلا. من دون تفعيل لقوة كبيرة سيتعذر تحقيق إنجازات، والعدو أيضا يعرف ذلك».

وقال هاليفي «إننا في تقرير غولدستون ملنا إلى الارتباك والتفكير بأن بوسعنا فعل ذلك بشكل أفضل. ومن المهم أن نقول: لا يمكن للأمر أن يبدو أجمل. فحرب من دون تفعيل قوة كبيرة تجعل من المتعذر تحقيق إنجازات». وأشار ضباط في الفرقة إلى القلق الكبير من توتر العلاقات مع الجيش اللبناني حيث في الأسبوع الماضي سمع قصاص أثر إسرائيلي أحد قادة القوة اللبنانية قرب قرية الغجر يوزع أفراد دورية إسرائيلية أهدافا لجنوده. وقالوا إنه صحيح أن النار لم تفتح، لأنه مع بداية الحادث حرك الجيش الإسرائيلي مدافع دباباته تهديدا للجيش اللبناني.

وشدد الجنرال هاليفي في لقاء مع المراسلين على الحدود مع لبنان على أنه إذا دخل الجيش الإسرائيلي الحرب فإن «تبادلا شديدا للنيران بين الطرفين سيقع ولذلك فإن الطرفين سيسعيان لبذل كل الجهد من أجل عدم حدوث ذلك. وسنضطر نحن للدخول بقوة وبتدمير شديد إلى داخل القرى اللبنانية، ليس كعقاب بل لأن العدو يتواجد هناك. وسيتكبد لبنان خسائر أفدح من تلك التي تكبدها في حرب لبنان الثانية. فالرد يجب أن يكون أشد وأوقوى وبمعان أخرى أكثر عنفا».

وهذه هي المرة الرابعة التي يدلي بها ضابط كبير في قيادة الجبهة الشمالية في إسرائيل بتصريحات كهذه للصحافيين في الأيام الأخيرة. وبحسب معلقين إسرائيليين فإن كلام هاليفي لا ينطوي على جديد لكن ثمة معنى لوتيرة التصريحات. فخلال السنوات الأخيرة كررت إسرائيل تهديداتها والتي كان أبرزها في العام 2008 عندما عرض قائد الجبهة الشمالية في حينه، الجنرال غادي آيزنكوت ما سمي بـ«نظرية الضاحية» للعمل في لبنان في أي حرب مقبلة. وقال حينها إن إسرائيل ستوسع من نطاق التدمير الذي استخدمته في الضاحية الجنوبية في حرب العام 2006. وحينها شدد على أنه «في كل قرية تنطلق منها النيران نحو إسرائيل، سنستخدم قوة غير متناسبة ونلحق ضررا ودمارا هائلين. من ناحيتنا نعتبرها قواعد عسكرية».

 

وأشارت «هآرتس» إلى أن أهمية تصريحات هاليفي تكمن في توقيتها. فهي تأتي على خلفية التقديرات بأن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في الشهور المقبلة واحتمالات حدوث مواجهة جراء الأحداث في سوريا أو بسبب نقل أسلحة كيميائية لـ«حزب الله». والمغزى، بحسب «هآرتس» أن إسرائيل تطلق بذلك رسالة واضحة لـ«حزب الله» وهي أن عليه التزام الهدوء وأنه في حال استفزاز إسرائيل فسيدفع ثمنا باهظا لا يستطيع لبنان تحمله.

وتنقل «هآرتس» عن ضباط قولهم إن الدرس من حرب لبنان الثانية هو أنه إذا وقعت الجولة المقبلة فمن واجب الجيش الإسرائيلي فورا الدخول بقوة إلى لبنان لتخفيف الضغط الصاروخي على الجبهة الداخلية. ويتحدثون عن وجود ما لا يقل عن 60 ألف صاروخ في لبنان أي عشرة أضعاف ما كان في حرب لبنان الثانية. ووفق تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية فإن أي محاولة من «حزب الله» لتسخين الجبهة لصرف الأنظار عما يجري في سوريا لن تخفف ضائقة النظام السوري. ويعتقدون في قيادة الجبهة الشمالية أن سقوط النظام السوري قد يحفز منظمات سنية متطرفة أو «حزب الله» لتنفيذ عمليات موضعية على الحدود مع لبنان.

وبالرغم من التهديدات الإسرائيلية فإن المراسل العسكري لـ«هآرتس» كتب قبل أيام أن الجيش الإسرائيلي لم يستخلص العبر من حرب لبنان الثانية وأنه على الحدود اللبنانية لا يزال غير جاهز للقتال. وأوضح أن الجيش الإسرائيلي تعاطى بمراحل ثلاث مع إخفاقات حرب لبنان الثانية تمثلت الأولى منها بمحاولة إصلاح العيوب التي تبدت ثم بعد عامين بالإيحاء أن المهمة انتهت.

وأشيع أن الحرب على غزة مثلت استيعاب الجيش للدروس وتجاوزها. ولكن بعد ذلك جاءت المرحلة الثالثة التي كثر الادعاء فيها بأن حرب لبنان الثانية لم تكن إخفاقا وأنها كانت إنجازا. ويخلص المراسل إلى أن الحديث عن إزالة العيوب كان مبالغا فيه وأن الأخطاء في كثير من الجوانب تشهد على أن الجيش غير جاهز للحرب لا من ناحية التدريب ولا من ناحية التسليح لأسباب يتعلق بعضها بالميزانية.

  • فريق ماسة
  • 2012-07-06
  • 13554
  • من الأرشيف

إسرائيـل تجـدد لغـة التهـديـدات للبنـان بالحـرب

في تطور غير مسبوق وجهت إسرائيل خلال الأيام الأخيرة تهديدات متتالية إلى لبنان منذرة بعواقب وخيمة لأي تصعيد على الحدود. وتمثلت التهديدات ليس فقط بإطلاق التصريحات النارية من جانب عدد من قادة الجيش الإسرائيلي وخصوصا قائد فرقة الجليل العميد هرتس هاليفي، بل أيضا بعرض صور وأشرطة على التلفزيون الإسرائيلي وادعاء أنها جولات قيادية لـ«حزب الله» تمهيدا لعمليات أسر جنود. وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى توترات حتى مع الجيش اللبناني في الأسبوع الماضي بعدما سمع قصّاص أثر ضابطا لبنانيا يقسم جنود دورية إسرائيلية من ثمانية أفراد إلى أهداف لجنوده. وتأتي هذه التصريحات والتهديدات مع اقتراب الذكرى السنوية لعدوان تموز 2006 والذي اشتهر باسم «حرب لبنان الثانية». وقد أجرت إسرائيل أمس الأول مراسم إحياء ذكرى جنودها الذين قتلوا في حرب لبنان الثانية. وبحضور رئيس الأركان الجنرال بني غانتس ألقى الوزير سوسي بيلد كلمة الحكومة جاء فيها أن «حرب لبنان الثانية كانت حربا اضطرارية أعادت لإسرائيل قدرتها الردعية». وشدد قائد فرقة الجليل المعروفة باسم «الفرقة 91» هرتس هاليفي على أنه إذا نشبت حرب أخرى في لبنان فإن الجيش الإسرائيلي سيدخل بقوة أكبر إلى الأراضي اللبنانية ويلحق دمارا أكبر بالقرى هناك. وأضاف هاليفي «إننا نمنح الفرصة للجيش اللبناني أن لا يكون عدوا، لكنه سينال ردا هجوميا إذا حارب ضدنا». وحسب كلامه «فإنهم في الأسرة الدولية وفي إسرائيل ظنوا بعد تقرير غولدستون أن بالوسع فعل ذلك بشكل أجمل. الأمر لن يكون جميلا. من دون تفعيل لقوة كبيرة سيتعذر تحقيق إنجازات، والعدو أيضا يعرف ذلك». وقال هاليفي «إننا في تقرير غولدستون ملنا إلى الارتباك والتفكير بأن بوسعنا فعل ذلك بشكل أفضل. ومن المهم أن نقول: لا يمكن للأمر أن يبدو أجمل. فحرب من دون تفعيل قوة كبيرة تجعل من المتعذر تحقيق إنجازات». وأشار ضباط في الفرقة إلى القلق الكبير من توتر العلاقات مع الجيش اللبناني حيث في الأسبوع الماضي سمع قصاص أثر إسرائيلي أحد قادة القوة اللبنانية قرب قرية الغجر يوزع أفراد دورية إسرائيلية أهدافا لجنوده. وقالوا إنه صحيح أن النار لم تفتح، لأنه مع بداية الحادث حرك الجيش الإسرائيلي مدافع دباباته تهديدا للجيش اللبناني. وشدد الجنرال هاليفي في لقاء مع المراسلين على الحدود مع لبنان على أنه إذا دخل الجيش الإسرائيلي الحرب فإن «تبادلا شديدا للنيران بين الطرفين سيقع ولذلك فإن الطرفين سيسعيان لبذل كل الجهد من أجل عدم حدوث ذلك. وسنضطر نحن للدخول بقوة وبتدمير شديد إلى داخل القرى اللبنانية، ليس كعقاب بل لأن العدو يتواجد هناك. وسيتكبد لبنان خسائر أفدح من تلك التي تكبدها في حرب لبنان الثانية. فالرد يجب أن يكون أشد وأوقوى وبمعان أخرى أكثر عنفا». وهذه هي المرة الرابعة التي يدلي بها ضابط كبير في قيادة الجبهة الشمالية في إسرائيل بتصريحات كهذه للصحافيين في الأيام الأخيرة. وبحسب معلقين إسرائيليين فإن كلام هاليفي لا ينطوي على جديد لكن ثمة معنى لوتيرة التصريحات. فخلال السنوات الأخيرة كررت إسرائيل تهديداتها والتي كان أبرزها في العام 2008 عندما عرض قائد الجبهة الشمالية في حينه، الجنرال غادي آيزنكوت ما سمي بـ«نظرية الضاحية» للعمل في لبنان في أي حرب مقبلة. وقال حينها إن إسرائيل ستوسع من نطاق التدمير الذي استخدمته في الضاحية الجنوبية في حرب العام 2006. وحينها شدد على أنه «في كل قرية تنطلق منها النيران نحو إسرائيل، سنستخدم قوة غير متناسبة ونلحق ضررا ودمارا هائلين. من ناحيتنا نعتبرها قواعد عسكرية».   وأشارت «هآرتس» إلى أن أهمية تصريحات هاليفي تكمن في توقيتها. فهي تأتي على خلفية التقديرات بأن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في الشهور المقبلة واحتمالات حدوث مواجهة جراء الأحداث في سوريا أو بسبب نقل أسلحة كيميائية لـ«حزب الله». والمغزى، بحسب «هآرتس» أن إسرائيل تطلق بذلك رسالة واضحة لـ«حزب الله» وهي أن عليه التزام الهدوء وأنه في حال استفزاز إسرائيل فسيدفع ثمنا باهظا لا يستطيع لبنان تحمله. وتنقل «هآرتس» عن ضباط قولهم إن الدرس من حرب لبنان الثانية هو أنه إذا وقعت الجولة المقبلة فمن واجب الجيش الإسرائيلي فورا الدخول بقوة إلى لبنان لتخفيف الضغط الصاروخي على الجبهة الداخلية. ويتحدثون عن وجود ما لا يقل عن 60 ألف صاروخ في لبنان أي عشرة أضعاف ما كان في حرب لبنان الثانية. ووفق تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية فإن أي محاولة من «حزب الله» لتسخين الجبهة لصرف الأنظار عما يجري في سوريا لن تخفف ضائقة النظام السوري. ويعتقدون في قيادة الجبهة الشمالية أن سقوط النظام السوري قد يحفز منظمات سنية متطرفة أو «حزب الله» لتنفيذ عمليات موضعية على الحدود مع لبنان. وبالرغم من التهديدات الإسرائيلية فإن المراسل العسكري لـ«هآرتس» كتب قبل أيام أن الجيش الإسرائيلي لم يستخلص العبر من حرب لبنان الثانية وأنه على الحدود اللبنانية لا يزال غير جاهز للقتال. وأوضح أن الجيش الإسرائيلي تعاطى بمراحل ثلاث مع إخفاقات حرب لبنان الثانية تمثلت الأولى منها بمحاولة إصلاح العيوب التي تبدت ثم بعد عامين بالإيحاء أن المهمة انتهت. وأشيع أن الحرب على غزة مثلت استيعاب الجيش للدروس وتجاوزها. ولكن بعد ذلك جاءت المرحلة الثالثة التي كثر الادعاء فيها بأن حرب لبنان الثانية لم تكن إخفاقا وأنها كانت إنجازا. ويخلص المراسل إلى أن الحديث عن إزالة العيوب كان مبالغا فيه وأن الأخطاء في كثير من الجوانب تشهد على أن الجيش غير جاهز للحرب لا من ناحية التدريب ولا من ناحية التسليح لأسباب يتعلق بعضها بالميزانية.

المصدر : صحيفة السفير :حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة