منذ ان شن العدوان على سورية وتفشى الارهاب فيها متستراً بمطالب اصلاحية محقة، والمحاولات تجري في لبنان وبشكل حثيث لاقتطاع منطقة الشمال منه وإخراجها عن سلطة الشرعية التي يكرسها بجدارة الجيش اللبناني المستمر على عقيدته الوطنية رغم كل الضغوطات الأميريكية لتغييرها. ولأن الجيش بقي ثابتاً منيعاً، فقد أضحى بذاته عرضة للاستهداف، استهداف تصاعدت وتيرته في الأسابيع الأخيرة حتى اقترب من الانفجار الذي قد يتعذر تفاديه في لحظة من اللحظات، مع أن قيادة الجيش تجرعت حتى الآن الكأس المرة من المواقف والقرارات المؤلمة، من أجل تعطيل سعي الآخرين لحصول هذا الانفجار، ونذكر على سبيل المثال فقط:

1)    كيف أن قيادة الجيش أصدرت بيان أسف، بعد حادثة الكويخات في أيار الماضي، حتى وقبل أن يجري التحقيق أو أن تُحدّد المسؤولية في الحادث، ما فسره الكثيرون بأنه بمثابة اعتذار عن سلوك عسكرييها.

2)    ثم أمرت القيادة بتوقيف عسكريي الحاجز، الذي تعرض لاطلاق النار، من اجل إجراء التحقيق حول الحادث الذي أدى الى مقتل من أطلق النار عليهم، وهم ردوا عليه بالمثل، وفقاً لقواعد استعمال السلاح في حفظ الأمن، ورغم أنه نادراً وفقاً للأعراف العسكرية ما يحصل شيء من هذا القبيل، فإن قيادة الجيش ارتضته، حتى تسحب الذرائع من يد الذين يريدون وضع الجيش في مواجهة المدنيين.

3)    ونذكر إقدام الجيش على إخلاء ءبعض المراكز والحواجز العسكرية في منطقة الشمال، بغية خفض احتمالات، الاحتكاك في لحظات الشحن والتجييش ضده ولمنع تشكيل بيئة تفرض المواجهة.

4)    تجنبت قيادة الجيش الرد الحازم على عمليات إحراق أو رشق الآليات العسكرية بالحجارة، بغية عدم الانزلاق لمواجهة المدنيين، ومنهم مسلحون.

5)    لم تلاحق القيادة عبر القضاء العسكري من شن الحملات الإعلامية عليها، بغية سحب الملف من التدوال، والحؤول دون شحن الأجواء.

هذا غيض من فيض سلوكيات، لا تحصل عادة في ظروف عادية، لكن يبدو أن الجيش قبل بها إعمالا لقاعدة "الاختيار بين السيء والأسوأ "، ورأى بأن ما قام به يبقى أفضل من الاسوأ المتمثل بالانفجار المؤدي الى حرب أو صراع مسلح، ليس للبنان مصلحة فيه.

ولكن ينبغي أن نذكر بأن لسياسة ضبط النفس والحكمة التي يمارسها الجيش هذه، حدوداً لا يمكن للقيادة ان تتخطاها، والخط الأحمر في هذه الحدود، هو الوصول الى درجة المس بهيبة الجيش ومعنوياته، وثقة العسكريين بالقيادة لجهة الحكمة في قراراتها، والحرص عليهم وحمايتهم لدى تنفيذهم لتلك القرارات. فالقيادة لا تستطيع أن تتجاوز هذا الخط، لان في التجاوز سقوطاً لفعالية الجيش، وانعداماً لدوره وتحوله من جيش فاعل منتج، الى تجمع عسكري مستهلك، ما يذكرنا بالحالة التي دخلها الجيش منذ نيف وثلاثة عقود، حيث كان العسكري يومها يخشى على نفسه من التنقل بالزي العسكري خارج ثكنته العسكرية، لتأمين حد معين لحمايته الفردية، بعدها كان التجميد، ثم كان التشظي.

طبعاً نحن لا زلنا بعيدين – على الأقل في الظاهر - عن تلك الأجواء، والبيئة التي أدت الى الكوارث التي لحقت بالجيش، وتالياً بالوطن، وأدت الى الاستعانة بقوات من خارج لبنان من أجل استعادة الدولة لسيطرتها على اقليمها، لكننا نخشى من الوصول اليها، في ظل وجود تلك الخطة التي يعمل بها تنفيذياً، وعلى خطوط ثلاثة:

1)    خط ميداني تجلّى في ما ذكر من اعتداءات على الجيش واستفزاز له.

2)     خط سياسي تمثل في تحريض الجيش على القتال في الداخل، تحريض يطلقه من شهد تاريخهم على عدائهم للجيش والعمالة لـ"إسرائيل"، وهو يريد من الجيش الآن استعمال سلاحه، والمواجهة الحاسمة مع المخيمات الفلسطنية، أو حتى مع اللبنانيين.

3)     خط إعلامي يظهر عبر الحملة الإعلامية الممنهجة، التي يشنها فريق محدد ضد الجيش إما بخلفية ثأرية أو دوافع آنية أو أهداف مستقبلية.

في ظل هذا المشهد المريب الذي يخشى منه ان لم يحزم لبنان أمره، ويتصدى لهذا الخطر، يطرح السؤال حول الأهداف والنتائج المحتملة، لهذا الاستهداف؟

اننا وبكل موضوعية، نرى بأن ما يجري ضد الجيش، ليس وليد اللحظة أو الصدفة، وأن تكامل الأدوار التنفيذية مع الاستمرار في الاستفزاز والاستدراج للمواجهة، رغم كل ما قام به الجيش من سلوكيات سحب الذرائع، كلها تؤكد وجود خطة تستهدف الجيش، وهي ليست المرة الأولى التي نقول بهذا، فقد حذرنا من الأمر بعد أن لفتنا اليه منذ بدء ظهور ما يؤكد وجود الخطة تلك قبل ثمانية أشهر، وبالتحديد منذ أن اشتدت الأزمة السورية وباتت الساحة اللبنانية حاجة لها، خطة يبدو أنها ترمي الى تحقيق الأهداف الأساسية التالية (بشكل مباشر أو غير مباشر):

1)    شل الجيش، وغل يديه عن العمل في منطقة الشمال من أجل تحويلها الى منطقة نفوذ محلي ذاتي، ما يمكن الجهة اللبنانية التي انخرطت في الأزمة السورية ضد الحكومة في دمشق، أن تعمل براحة وأمان كلي في دعم الإرهاب وأعمال العنف في سورية.

2)    إنشاء منطقة او ملاذ آمن للمسلحين والإرهابيين غير السوريين الذين بدأوا يفرون من سورية بعد الإنجازات الميدانية التي حققتها قوات حفظ الأمن والنظام هناك في الأسابيع الأخيرة خاصة وأنهم يتعذر عليهم سلوك ما يقوم به المسلحون السوريون من تسليم أنفسهم الى الدولة التي تعفو عنهم مقابل تعهدهم بعدم حمل السلاح مجدداً.

3)    نزوع لدى فئة معينة لشل الجيش وإحداث أمر واقع يبرّر حمل السلاح واقتنائه، ليتساوى مع سلاح المقاومة التي يطالب بنزع سلاحها ليل نهار. وقد كان هذا الفريق واضحاً في ذلك، عندما أعلن نيته إحداث "ضاحية شمالية " مقابل "ضاحية جنوبية "، ثم تبريره لحمل السلاح بأن " سلاح المقاومة في الجنوب فرّخ سلاحاً آخر في الشمال" ونزع الأخير يفرض نزع الأول.

4)    ميل لدى بعض جماعات المعارضة لاستعمال ورقة القول بضبابية "الغطاء السياسي الرسمي" الواجب توفره للجيش، من أجل استعمالها ضد الحكومة، للتخلص منها، بعد أن باتت على حد قولهم عاجزة عن تأمين هذا الغطاء لجيشها.

5)    رغبة بعض المنظمات الفلسطينية في استغلال بيئة الحراك العربي، الذي تصورت أن رياحه ملأت أشرعتها، ما يمكنها من الاندفاع أكثر في لبنان، لوضع اليد على المخيمات، بدءاً من مخيم نهر البارد، بعد إبعاد الجيش عنه، وإنهاء ما يسمى الحالة العسكرية حوله وفيه. وهنا لا بد من أن نؤكد على قناعت

  • فريق ماسة
  • 2012-06-21
  • 8290
  • من الأرشيف

الجيش اللبناني أمام التحدي: حفظ الهيبة وتجنب الانزلاق؟

منذ ان شن العدوان على سورية وتفشى الارهاب فيها متستراً بمطالب اصلاحية محقة، والمحاولات تجري في لبنان وبشكل حثيث لاقتطاع منطقة الشمال منه وإخراجها عن سلطة الشرعية التي يكرسها بجدارة الجيش اللبناني المستمر على عقيدته الوطنية رغم كل الضغوطات الأميريكية لتغييرها. ولأن الجيش بقي ثابتاً منيعاً، فقد أضحى بذاته عرضة للاستهداف، استهداف تصاعدت وتيرته في الأسابيع الأخيرة حتى اقترب من الانفجار الذي قد يتعذر تفاديه في لحظة من اللحظات، مع أن قيادة الجيش تجرعت حتى الآن الكأس المرة من المواقف والقرارات المؤلمة، من أجل تعطيل سعي الآخرين لحصول هذا الانفجار، ونذكر على سبيل المثال فقط: 1)    كيف أن قيادة الجيش أصدرت بيان أسف، بعد حادثة الكويخات في أيار الماضي، حتى وقبل أن يجري التحقيق أو أن تُحدّد المسؤولية في الحادث، ما فسره الكثيرون بأنه بمثابة اعتذار عن سلوك عسكرييها. 2)    ثم أمرت القيادة بتوقيف عسكريي الحاجز، الذي تعرض لاطلاق النار، من اجل إجراء التحقيق حول الحادث الذي أدى الى مقتل من أطلق النار عليهم، وهم ردوا عليه بالمثل، وفقاً لقواعد استعمال السلاح في حفظ الأمن، ورغم أنه نادراً وفقاً للأعراف العسكرية ما يحصل شيء من هذا القبيل، فإن قيادة الجيش ارتضته، حتى تسحب الذرائع من يد الذين يريدون وضع الجيش في مواجهة المدنيين. 3)    ونذكر إقدام الجيش على إخلاء ءبعض المراكز والحواجز العسكرية في منطقة الشمال، بغية خفض احتمالات، الاحتكاك في لحظات الشحن والتجييش ضده ولمنع تشكيل بيئة تفرض المواجهة. 4)    تجنبت قيادة الجيش الرد الحازم على عمليات إحراق أو رشق الآليات العسكرية بالحجارة، بغية عدم الانزلاق لمواجهة المدنيين، ومنهم مسلحون. 5)    لم تلاحق القيادة عبر القضاء العسكري من شن الحملات الإعلامية عليها، بغية سحب الملف من التدوال، والحؤول دون شحن الأجواء. هذا غيض من فيض سلوكيات، لا تحصل عادة في ظروف عادية، لكن يبدو أن الجيش قبل بها إعمالا لقاعدة "الاختيار بين السيء والأسوأ "، ورأى بأن ما قام به يبقى أفضل من الاسوأ المتمثل بالانفجار المؤدي الى حرب أو صراع مسلح، ليس للبنان مصلحة فيه. ولكن ينبغي أن نذكر بأن لسياسة ضبط النفس والحكمة التي يمارسها الجيش هذه، حدوداً لا يمكن للقيادة ان تتخطاها، والخط الأحمر في هذه الحدود، هو الوصول الى درجة المس بهيبة الجيش ومعنوياته، وثقة العسكريين بالقيادة لجهة الحكمة في قراراتها، والحرص عليهم وحمايتهم لدى تنفيذهم لتلك القرارات. فالقيادة لا تستطيع أن تتجاوز هذا الخط، لان في التجاوز سقوطاً لفعالية الجيش، وانعداماً لدوره وتحوله من جيش فاعل منتج، الى تجمع عسكري مستهلك، ما يذكرنا بالحالة التي دخلها الجيش منذ نيف وثلاثة عقود، حيث كان العسكري يومها يخشى على نفسه من التنقل بالزي العسكري خارج ثكنته العسكرية، لتأمين حد معين لحمايته الفردية، بعدها كان التجميد، ثم كان التشظي. طبعاً نحن لا زلنا بعيدين – على الأقل في الظاهر - عن تلك الأجواء، والبيئة التي أدت الى الكوارث التي لحقت بالجيش، وتالياً بالوطن، وأدت الى الاستعانة بقوات من خارج لبنان من أجل استعادة الدولة لسيطرتها على اقليمها، لكننا نخشى من الوصول اليها، في ظل وجود تلك الخطة التي يعمل بها تنفيذياً، وعلى خطوط ثلاثة: 1)    خط ميداني تجلّى في ما ذكر من اعتداءات على الجيش واستفزاز له. 2)     خط سياسي تمثل في تحريض الجيش على القتال في الداخل، تحريض يطلقه من شهد تاريخهم على عدائهم للجيش والعمالة لـ"إسرائيل"، وهو يريد من الجيش الآن استعمال سلاحه، والمواجهة الحاسمة مع المخيمات الفلسطنية، أو حتى مع اللبنانيين. 3)     خط إعلامي يظهر عبر الحملة الإعلامية الممنهجة، التي يشنها فريق محدد ضد الجيش إما بخلفية ثأرية أو دوافع آنية أو أهداف مستقبلية. في ظل هذا المشهد المريب الذي يخشى منه ان لم يحزم لبنان أمره، ويتصدى لهذا الخطر، يطرح السؤال حول الأهداف والنتائج المحتملة، لهذا الاستهداف؟ اننا وبكل موضوعية، نرى بأن ما يجري ضد الجيش، ليس وليد اللحظة أو الصدفة، وأن تكامل الأدوار التنفيذية مع الاستمرار في الاستفزاز والاستدراج للمواجهة، رغم كل ما قام به الجيش من سلوكيات سحب الذرائع، كلها تؤكد وجود خطة تستهدف الجيش، وهي ليست المرة الأولى التي نقول بهذا، فقد حذرنا من الأمر بعد أن لفتنا اليه منذ بدء ظهور ما يؤكد وجود الخطة تلك قبل ثمانية أشهر، وبالتحديد منذ أن اشتدت الأزمة السورية وباتت الساحة اللبنانية حاجة لها، خطة يبدو أنها ترمي الى تحقيق الأهداف الأساسية التالية (بشكل مباشر أو غير مباشر): 1)    شل الجيش، وغل يديه عن العمل في منطقة الشمال من أجل تحويلها الى منطقة نفوذ محلي ذاتي، ما يمكن الجهة اللبنانية التي انخرطت في الأزمة السورية ضد الحكومة في دمشق، أن تعمل براحة وأمان كلي في دعم الإرهاب وأعمال العنف في سورية. 2)    إنشاء منطقة او ملاذ آمن للمسلحين والإرهابيين غير السوريين الذين بدأوا يفرون من سورية بعد الإنجازات الميدانية التي حققتها قوات حفظ الأمن والنظام هناك في الأسابيع الأخيرة خاصة وأنهم يتعذر عليهم سلوك ما يقوم به المسلحون السوريون من تسليم أنفسهم الى الدولة التي تعفو عنهم مقابل تعهدهم بعدم حمل السلاح مجدداً. 3)    نزوع لدى فئة معينة لشل الجيش وإحداث أمر واقع يبرّر حمل السلاح واقتنائه، ليتساوى مع سلاح المقاومة التي يطالب بنزع سلاحها ليل نهار. وقد كان هذا الفريق واضحاً في ذلك، عندما أعلن نيته إحداث "ضاحية شمالية " مقابل "ضاحية جنوبية "، ثم تبريره لحمل السلاح بأن " سلاح المقاومة في الجنوب فرّخ سلاحاً آخر في الشمال" ونزع الأخير يفرض نزع الأول. 4)    ميل لدى بعض جماعات المعارضة لاستعمال ورقة القول بضبابية "الغطاء السياسي الرسمي" الواجب توفره للجيش، من أجل استعمالها ضد الحكومة، للتخلص منها، بعد أن باتت على حد قولهم عاجزة عن تأمين هذا الغطاء لجيشها. 5)    رغبة بعض المنظمات الفلسطينية في استغلال بيئة الحراك العربي، الذي تصورت أن رياحه ملأت أشرعتها، ما يمكنها من الاندفاع أكثر في لبنان، لوضع اليد على المخيمات، بدءاً من مخيم نهر البارد، بعد إبعاد الجيش عنه، وإنهاء ما يسمى الحالة العسكرية حوله وفيه. وهنا لا بد من أن نؤكد على قناعت

المصدر : الماسة السورية/ العميد د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة