أعاد الإشكال الأمني في مخيم نهر البارد، الذي أدى إلى مقتل الفتى أحمد قاسم (16 عاماً) وجرح آخرين، قبل ثلاثة أيام، ثم مقتل آخر وجرح سبعة أشخاص إثر تشييع قاسم أمس، فتح الجراح بين أبناء المخيم والجيش اللبناني بعد خمس سنوات من محاولة علاجها بالمهدئات. سنوات لم تفلح في وقف النزف، في وقت دخلت العدوى اللبنانية بتداعياتها المتشعبة مما يصعب الحلول ويفرض إدخال الأزمة في غرفة العناية الفائقة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها طرابلس ومعها الشمال اللبناني.

 

وقد سقط قتيل وسبعة جرحى أمس، خلال مواجهات دارت بين الجيش اللبناني ومئات الشبان الذين كانوا يشاركون في تشييع الفتى أحمد قاسم بالقرب من "موقع صامد" التابع للجيش في مخيم نهر البارد. وأفادت المعلومات "أن مئات الشبان الغاضبين اقتحموا الموقع بعد الانتهاء من المشاركة في تشييع قاسم. وقاموا بإحراق محتوياته وآلية عسكرية تابعة للجيش.

 

وأوضحت المعلومات أن عناصر الجيش ردوا بالقنابل المسيلة للدموع، بعد تراجعهم من الموقع، لكن الشبان واصلوا مهاجمتهم بالحجارة وحصل إطلاق رصاص من جانب الجيش سقط نتيجته قتيل يدعى فؤاد لوباني وسبعة جرحى. وعلى الفور عمل الجيش اللبناني على إعادة إغلاق مداخل المخيم واستقدم مزيداً من التعزيزات العسكرية، بعدما كان سحب معظم جنوده من شوارع المخيم لعدم حصول اية اعمال استفزاز خلال التشييع. ونقل الجرحى إلى "مستشفى الخير" في المنية، وإلى "مستشفى صفد" في مخيم البداوي. وأوضح مصدر فلسطيني أن "الجيش قدم كل التسهيلات خلال عملية التشييع، لكن هناك طابوراً خامساً يريد أن يزجّ المخيم في صراعات لا طائل منها".

 

وكان مقتل الفتى أحمد قاسم، قد تسبب بعملية احتجاج واسعة قام بها شبان غاضبون من إجراءات الجيش اللبناني الذي يفرض سيطرته الكاملة على أرض المخيم منذ العام 2007. علماً أن الحادث ليس الأول من نوعه الذي يصطدم فيه أبناء البارد بقرارات الجيش وإجراءاته الحازمة عند مداخل المخيم، وفي أرجائه. لكن مجريات الأحداث، وما رافقها من تحركات ميدانية ولقاءات سياسية داخل المخيم وخارجه، ومن أطراف غير فلسطينية، جاءت هذه المرة مغايرة نوعاً ما. وساهمت في تأجيج الوضع وخروجه عن سيطرة الفصائل وفاعليات المخيم الذين وجدوا أنفسهم في بعض الأحيان مضطرين للخضوع لإرادة المحتجين.

 

ولا يوجد حتى اليوم رواية رسمية واحدة يجمع عليها الطرفان حول الأسباب التي أدت إلى مقتل الفتى قاسم الذي تم تشييعه أمس في جنازتين رسمية في مخيم البداوي، وشعبية في مخيم البارد. فالمحتجون في البارد يلقون اللوم على الجيش اللبناني، ويتهمونه بإطلاق النار بشكل عشوائي على المتظاهرين، الذين خرجوا بالمئات رفضاً لتوقيف شخصين كانا يستقلان دراجة نارية من دون حيازتهما لأوراق ملكيتها. ولكن من المؤكد أن حادث توقيف شخص لم يكن إجراءً استثنائياً في المخيم، الذي اعتاد أبناؤه على تلك الإجراءات التي يقوم بها الجيش عند المداخل، ويخضع كل شخص عندها لإجراءات تدقيق في أوراقه الثبوتية، والتأكد من حيازته للتصريح المعتمد من الجيش لدخول الفلسطينيين إلى البارد.

 

وربما يكون الحادث في شقّ منه تعبيراً عن حال الاحتقان السائدة، التي تتجلى في مسائل عديدة، أبرزها عدم تنفيذ الدولة اللبنانية لكامل وعودها لجهة إنهاء ملف الإعمار وعودة النازحين وتخفيف الإجراءات الأمنية وفتح المخيم على محيطه اللبناني لإعادة دفع الحركة الاقتصادية فيه. وهي مطالب باتت اليوم عنوان الاعتصام المفتوح الذي ينفذه أبناء المخيم.

 

ولكن ماذا جرى في مخيم نهر البارد؟

 

وفق الروايات، أوقف الجيش اللبناني على أحد حواجزه شخصين كانا على دراجة نارية، واقتادهما بعد مشادات كلامية وتضارب وإطلاق رصاص في الهواء إلى أحد مراكزه داخل المخيم، الأمر الذي كان بمثابة إطلاق شرارة المواجهات، التي كانت بدأت بعملية احتجاح من قبل بعض الفلسطينيين المطالبين بالإفراج عنهما. واتسعت دائرة الاحتجاج لتتحول إلى تحرك شعبي واسع شمل كل أرجاء المخيم عبر قطع الطرق بالإطارات المشتعلة والعوائق. وقام المحتجون برشق الجيش بالحجارة الذي ردّ بدوره بإطلاق الرصاص، ما أدى إلى سقوط قتيل وثلاثة جرحى.

 

واستمرت ردود الفعل الشعبية لتنتقل إلى مخيم البداوي، الذي نجحت قياداته في استيعاب التحركات وضبطها داخل المخيم بعد خروج المحتجين إلى الطريق العام، في وقت كانت المساعي تبذل على ساحة المواجهات في البارد لتهدئة الأمور، حيث نجحت الاتصالات واللقاءات التي تولتها الفصائل، وعلى رأسها السفارة الفلسطينية في لبنان، في وقف المواجهات بين الجيش والمحتجين.

 

تلك الخطوة التي واكبتها إجراءات قام بها الجيش لجهة وقف تنفيذ دوريات في المخيم وسحب كل آلياته العسكرية من الطرق، ساهمت في التخفيف من الاحتقان، لكنها لم توقف التحركات التي استمرت على شكل اعتصام، وقطع طرق بعيدا عن مراكز الجيش. ولعبت الفصائل الفلسطينية على مدى الأيام الثلاثة الماضية دوراً كبيراً على الأرض. وشارك فيها سفير فلسطين أشرف دبور، الذي زار المخيم ليل أمس الأول على رأس وفد قيادي ضم جميع الفصائل. وعقد لقاء مع المحتجين استمر حتى وقت متأخر من الليل، جرى خلاله الاتفاق على سلسلة خطوات. وعليه، دُفن قاسم في مقبرة "صامد"، بعدما كان المحتجون يطالبون بدفنه في "مقبرة خالد بن الوليد"، الواقعة تحت سيطرة الجيش اللبناني في المخيم القديم، فضلاً عن التوافق على سلمية الاحتجاجات إلى حين تحقيق مطالبهم. وتتمثل المطالب: بإلغاء الحالة العسكريه ونظام التصاريح، فتح المخيم على جواره اللبناني، تسليم ما تبقى من "برايمات" ومساكن لأهاليها. وتسليم "ملعب الشهداء الخمسة"، وأرض "صامد"، وتشكيل لجان تحقيق بالحادث نفسه. وأكد السفير دبور على ضرورة "تفويت الفرصة على كل من يحاول ضرب الاستقرار وأمن المخيم والجوار"، داعياً إلى "التحلي بالصبر والحكمه في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به المخيم".

 

وفي موازاة تحركات الفصائل والقيادات الفلسطينية على خط التهدئة، برز دور بعض رجال الدين وقيادات ميدانية دينية لا تنضوي تحت لواء الفصائل، والتي كان لها اليد الطولى على الأرض، من خلال مشاركتها بالتحركات الشعبية، وفي المفاوضات التي كانت تجري، وفي بعض الأحيان أطلت بمواقف متصلبة، وضعتها بعض قيادات الفصائل في إطار محاولة إثبات الحضور واستثمار الحادثة لفرض أمر واقع في موازين القوى على أرض المخيم. ودفع تدخل هؤلاء الأشخاص بقيادة "حركة فتح" إلى المسارعة في تبني القتيل قاسم، وإعلانه شهيداً للثورة الفلسطينية وترتيب عملية تشييعه داخل مخيم البداوي من مقرها، لقطع الطريق أمام أي محاولة استثمار.

 

لكن مساعي الفصائل التي تكلل بعضها بالنجاح، اصطدمت على الأرض بعقبات كثيرة، أبرزها سعيها لمنع دخول التجاذبات اللبنانية طرفاً في الحادثة، بعدما فشلت في إقناع وفد من "هيئة علماء المسلمين في لبنان" برئاسة الشيخ حسن قاطرجي، ونحو 40 رجل دين من عكار، بالعدول عن زيارة المخيم لتقديم واجب العزاء.

 

وكان جثمان قاسم شيع في مأتم رسمي وشعبي مهيب من "مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات" في مخيم البداوي، حيث حمل من قبل ثلة من حرس الشرف، أطلقت له 21 طلقة في الهواء. وجال موكب التشييع على وقع صيحات التكبير وصولاً إلى مدخل المخيم لجهة حاجز "حركة فتح الانتفاضة"، حيث وضع الجثمان في سيارة إسعاف أقلته إلى مخيم البارد برفقة موكب من السيارات، حيث جرت له جنازة شعبية ضخمة. وعلمت "السفير" أن الجيش اللبناني سحب كل عناصره وآلياته من داخل طرق المخيم. كما تم تسهيل حركة دخول الوفود للمشاركة في التشييع.

 

وطالبت "المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان - شاهد" في بيان لها أمس، بـ"ضرورة إجراء تحقيق عاجل وسريع لمعرفة ملابسات الحادث، وإحالة مطلقي النار على السكان المدنيين إلى القضاء العسكري". كما طالب البيان، بعد سرده لتفاصيل الحادثة، باتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً واضحاً بأسرع وقت ممكن، يقضي بضرورة إلغاء الحالة العسكرية المفروضة على المخيم منذ أكثر من خمس سنوات. وأن تتخذ الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المختلفة (التشريعية، والتنفيذية والقضائية) قرارات سريعة تحسن أوضاع اللاجئين

 

  • فريق ماسة
  • 2012-06-18
  • 11519
  • من الأرشيف

حادثة "البارد" تفتح جراح الأهالي.. وملف الحالة العسكرية في المخيم

أعاد الإشكال الأمني في مخيم نهر البارد، الذي أدى إلى مقتل الفتى أحمد قاسم (16 عاماً) وجرح آخرين، قبل ثلاثة أيام، ثم مقتل آخر وجرح سبعة أشخاص إثر تشييع قاسم أمس، فتح الجراح بين أبناء المخيم والجيش اللبناني بعد خمس سنوات من محاولة علاجها بالمهدئات. سنوات لم تفلح في وقف النزف، في وقت دخلت العدوى اللبنانية بتداعياتها المتشعبة مما يصعب الحلول ويفرض إدخال الأزمة في غرفة العناية الفائقة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها طرابلس ومعها الشمال اللبناني.   وقد سقط قتيل وسبعة جرحى أمس، خلال مواجهات دارت بين الجيش اللبناني ومئات الشبان الذين كانوا يشاركون في تشييع الفتى أحمد قاسم بالقرب من "موقع صامد" التابع للجيش في مخيم نهر البارد. وأفادت المعلومات "أن مئات الشبان الغاضبين اقتحموا الموقع بعد الانتهاء من المشاركة في تشييع قاسم. وقاموا بإحراق محتوياته وآلية عسكرية تابعة للجيش.   وأوضحت المعلومات أن عناصر الجيش ردوا بالقنابل المسيلة للدموع، بعد تراجعهم من الموقع، لكن الشبان واصلوا مهاجمتهم بالحجارة وحصل إطلاق رصاص من جانب الجيش سقط نتيجته قتيل يدعى فؤاد لوباني وسبعة جرحى. وعلى الفور عمل الجيش اللبناني على إعادة إغلاق مداخل المخيم واستقدم مزيداً من التعزيزات العسكرية، بعدما كان سحب معظم جنوده من شوارع المخيم لعدم حصول اية اعمال استفزاز خلال التشييع. ونقل الجرحى إلى "مستشفى الخير" في المنية، وإلى "مستشفى صفد" في مخيم البداوي. وأوضح مصدر فلسطيني أن "الجيش قدم كل التسهيلات خلال عملية التشييع، لكن هناك طابوراً خامساً يريد أن يزجّ المخيم في صراعات لا طائل منها".   وكان مقتل الفتى أحمد قاسم، قد تسبب بعملية احتجاج واسعة قام بها شبان غاضبون من إجراءات الجيش اللبناني الذي يفرض سيطرته الكاملة على أرض المخيم منذ العام 2007. علماً أن الحادث ليس الأول من نوعه الذي يصطدم فيه أبناء البارد بقرارات الجيش وإجراءاته الحازمة عند مداخل المخيم، وفي أرجائه. لكن مجريات الأحداث، وما رافقها من تحركات ميدانية ولقاءات سياسية داخل المخيم وخارجه، ومن أطراف غير فلسطينية، جاءت هذه المرة مغايرة نوعاً ما. وساهمت في تأجيج الوضع وخروجه عن سيطرة الفصائل وفاعليات المخيم الذين وجدوا أنفسهم في بعض الأحيان مضطرين للخضوع لإرادة المحتجين.   ولا يوجد حتى اليوم رواية رسمية واحدة يجمع عليها الطرفان حول الأسباب التي أدت إلى مقتل الفتى قاسم الذي تم تشييعه أمس في جنازتين رسمية في مخيم البداوي، وشعبية في مخيم البارد. فالمحتجون في البارد يلقون اللوم على الجيش اللبناني، ويتهمونه بإطلاق النار بشكل عشوائي على المتظاهرين، الذين خرجوا بالمئات رفضاً لتوقيف شخصين كانا يستقلان دراجة نارية من دون حيازتهما لأوراق ملكيتها. ولكن من المؤكد أن حادث توقيف شخص لم يكن إجراءً استثنائياً في المخيم، الذي اعتاد أبناؤه على تلك الإجراءات التي يقوم بها الجيش عند المداخل، ويخضع كل شخص عندها لإجراءات تدقيق في أوراقه الثبوتية، والتأكد من حيازته للتصريح المعتمد من الجيش لدخول الفلسطينيين إلى البارد.   وربما يكون الحادث في شقّ منه تعبيراً عن حال الاحتقان السائدة، التي تتجلى في مسائل عديدة، أبرزها عدم تنفيذ الدولة اللبنانية لكامل وعودها لجهة إنهاء ملف الإعمار وعودة النازحين وتخفيف الإجراءات الأمنية وفتح المخيم على محيطه اللبناني لإعادة دفع الحركة الاقتصادية فيه. وهي مطالب باتت اليوم عنوان الاعتصام المفتوح الذي ينفذه أبناء المخيم.   ولكن ماذا جرى في مخيم نهر البارد؟   وفق الروايات، أوقف الجيش اللبناني على أحد حواجزه شخصين كانا على دراجة نارية، واقتادهما بعد مشادات كلامية وتضارب وإطلاق رصاص في الهواء إلى أحد مراكزه داخل المخيم، الأمر الذي كان بمثابة إطلاق شرارة المواجهات، التي كانت بدأت بعملية احتجاح من قبل بعض الفلسطينيين المطالبين بالإفراج عنهما. واتسعت دائرة الاحتجاج لتتحول إلى تحرك شعبي واسع شمل كل أرجاء المخيم عبر قطع الطرق بالإطارات المشتعلة والعوائق. وقام المحتجون برشق الجيش بالحجارة الذي ردّ بدوره بإطلاق الرصاص، ما أدى إلى سقوط قتيل وثلاثة جرحى.   واستمرت ردود الفعل الشعبية لتنتقل إلى مخيم البداوي، الذي نجحت قياداته في استيعاب التحركات وضبطها داخل المخيم بعد خروج المحتجين إلى الطريق العام، في وقت كانت المساعي تبذل على ساحة المواجهات في البارد لتهدئة الأمور، حيث نجحت الاتصالات واللقاءات التي تولتها الفصائل، وعلى رأسها السفارة الفلسطينية في لبنان، في وقف المواجهات بين الجيش والمحتجين.   تلك الخطوة التي واكبتها إجراءات قام بها الجيش لجهة وقف تنفيذ دوريات في المخيم وسحب كل آلياته العسكرية من الطرق، ساهمت في التخفيف من الاحتقان، لكنها لم توقف التحركات التي استمرت على شكل اعتصام، وقطع طرق بعيدا عن مراكز الجيش. ولعبت الفصائل الفلسطينية على مدى الأيام الثلاثة الماضية دوراً كبيراً على الأرض. وشارك فيها سفير فلسطين أشرف دبور، الذي زار المخيم ليل أمس الأول على رأس وفد قيادي ضم جميع الفصائل. وعقد لقاء مع المحتجين استمر حتى وقت متأخر من الليل، جرى خلاله الاتفاق على سلسلة خطوات. وعليه، دُفن قاسم في مقبرة "صامد"، بعدما كان المحتجون يطالبون بدفنه في "مقبرة خالد بن الوليد"، الواقعة تحت سيطرة الجيش اللبناني في المخيم القديم، فضلاً عن التوافق على سلمية الاحتجاجات إلى حين تحقيق مطالبهم. وتتمثل المطالب: بإلغاء الحالة العسكريه ونظام التصاريح، فتح المخيم على جواره اللبناني، تسليم ما تبقى من "برايمات" ومساكن لأهاليها. وتسليم "ملعب الشهداء الخمسة"، وأرض "صامد"، وتشكيل لجان تحقيق بالحادث نفسه. وأكد السفير دبور على ضرورة "تفويت الفرصة على كل من يحاول ضرب الاستقرار وأمن المخيم والجوار"، داعياً إلى "التحلي بالصبر والحكمه في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به المخيم".   وفي موازاة تحركات الفصائل والقيادات الفلسطينية على خط التهدئة، برز دور بعض رجال الدين وقيادات ميدانية دينية لا تنضوي تحت لواء الفصائل، والتي كان لها اليد الطولى على الأرض، من خلال مشاركتها بالتحركات الشعبية، وفي المفاوضات التي كانت تجري، وفي بعض الأحيان أطلت بمواقف متصلبة، وضعتها بعض قيادات الفصائل في إطار محاولة إثبات الحضور واستثمار الحادثة لفرض أمر واقع في موازين القوى على أرض المخيم. ودفع تدخل هؤلاء الأشخاص بقيادة "حركة فتح" إلى المسارعة في تبني القتيل قاسم، وإعلانه شهيداً للثورة الفلسطينية وترتيب عملية تشييعه داخل مخيم البداوي من مقرها، لقطع الطريق أمام أي محاولة استثمار.   لكن مساعي الفصائل التي تكلل بعضها بالنجاح، اصطدمت على الأرض بعقبات كثيرة، أبرزها سعيها لمنع دخول التجاذبات اللبنانية طرفاً في الحادثة، بعدما فشلت في إقناع وفد من "هيئة علماء المسلمين في لبنان" برئاسة الشيخ حسن قاطرجي، ونحو 40 رجل دين من عكار، بالعدول عن زيارة المخيم لتقديم واجب العزاء.   وكان جثمان قاسم شيع في مأتم رسمي وشعبي مهيب من "مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات" في مخيم البداوي، حيث حمل من قبل ثلة من حرس الشرف، أطلقت له 21 طلقة في الهواء. وجال موكب التشييع على وقع صيحات التكبير وصولاً إلى مدخل المخيم لجهة حاجز "حركة فتح الانتفاضة"، حيث وضع الجثمان في سيارة إسعاف أقلته إلى مخيم البارد برفقة موكب من السيارات، حيث جرت له جنازة شعبية ضخمة. وعلمت "السفير" أن الجيش اللبناني سحب كل عناصره وآلياته من داخل طرق المخيم. كما تم تسهيل حركة دخول الوفود للمشاركة في التشييع.   وطالبت "المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان - شاهد" في بيان لها أمس، بـ"ضرورة إجراء تحقيق عاجل وسريع لمعرفة ملابسات الحادث، وإحالة مطلقي النار على السكان المدنيين إلى القضاء العسكري". كما طالب البيان، بعد سرده لتفاصيل الحادثة، باتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً واضحاً بأسرع وقت ممكن، يقضي بضرورة إلغاء الحالة العسكرية المفروضة على المخيم منذ أكثر من خمس سنوات. وأن تتخذ الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المختلفة (التشريعية، والتنفيذية والقضائية) قرارات سريعة تحسن أوضاع اللاجئين  

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة