على مسافة أيام من انعقاد جلسة مباحثات جديدة بين طهران والدول الكبرى في موسكو، صعدت روسيا من مواقفها، رافعةً السقف إلى حدود الجزم بانها باقية إلى جانب النظام السوري بالرغم من تزويد الولايات المتحدة للمسلحين المعارضين للنظام بالاسلحة الحديثة الخارقة للتوازن بحسب تعبير المعارضين أنفسهم.

وفي توقيت معبّر، خرج وزير الخارجية الايرانية علي اكبر صالحي من لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف للحديث عن الملف السوري وعن ضرورة اعطاء الفرصة للرئيس السوري بشار الاسد لتنفيذ الاصلاحات، من دون مقاربة الملف النووي الذي يشكل العنوان الاساسي لمباحثات ايران مع واشنطن، ما يؤكد بما لا يقبل الشك أنّ المفاوضات الايرانية – الاميركية من جهة والاميركية – الروسية من جهة ثانية تدور حول الوضع في المنطقة العربية برمتها وفي الدول النفطية. وبالتالي، فإنّ مشروع  موسكو لعقد مؤتمر دولي حول سورية بات موضوعا على نار حامية لاسباب استراتيجية تعللها الدبلوماسية الشرقية بجملة من الأسباب.

فبحسب هذه الدبلوماسية، صحيح أنّ واشنطن والدول العربية والنفطية لاسيما المملكة العربية السعودية وقطر يمولون الثورة السورية ويمدونها بالسلاح والمسلحين، بحيث يصح القول أنّ مجموعة الدول هذه تخلصت من القيادات والرؤوس السلفية والتكفيرية الحامية وحصرتها في سورية، إلا أنّ ميزان القوى السياسية والعسكرية ما زال يميل بشدة لمصلحة النظام. وتبدي الدبلوماسية الروسية قناعة بأنّ هذه المعادلة ستستمر طالما ان الجيش السوري ما زال متماسكا، حتى لو استمر الغرب بارسال السلاح الموصوف بالكاسر للتوازن، وإن أدى ذلك لمخاوف من أن تتحوّل الحرب في سورية إلى حرب طائفية لن تسلم منها الدول الاسلامية الحليفة لواشنطن، ولن تخرج من دائرتها الدول الخليجية والنفطية، انما ستكون المرشحة الاوفر حظا لدفع اثمان التداعيات.

وترى المصادر أنّ الواقع الراهن لا يناسب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وهو على عتبة انتخابات رئاسية قد تكون القاضية عليه وعلى حزبه في حال الخسارة الواقعة تحت ضغط العامل الخارجي، ما يؤدي لعدم استبعاد اي تدخل عسكري مباشر حتى لو كان ذلك تحت الفصل السابع او دعوة المعارضة السورية. وبالتالي فان المشهد الراهن يمكن تلخيصه على هذا الصعيد بالاشارة إلى ان كل دولة تقف على سلاحها ولكنها تخشى ان تكون البادئة، وهذه المعادلة يمكن تعميمها على الجميع ما عدا سورية التي قد يلجأ نظامها إلى شتى الوسائل لمنع الانزلاقات الخطيرة في حال شعر باقتراب الخطر إلى درجة السقوط.

وتلاحظ المصادر أنّ تركيا بدورها قاربت المأزق وتكاد تكون واحدة من ضحاياه، فهي تعاني انقسامات كبيرة بين اهل السياسة والعسكر، كما أنها تبدو عاجزة بالكامل على حسم الامور عسكريا في سوريا نظرا لقدرة الاخيرة، ولعدم وجود القرار الدولي بشن حرب جديدة في وقت تعاني فيه غالبية دول الناتو من ازمات اقتصادية او سياسية او الاثنين معا، ما يجعل من ورقة موسكو الاكثر انتاجية والاقوى.

اما المجموعة الاوروبية الخارجة من صدمة خروج الرئيس نيكولا ساركوزي وحلول اليسار الفرنسي في المراتب الفرنسية الاولى،  فتبدو وفقاً للمصادر نفسها عاجزة عن تمويل اي حرب مفترضة على سورية، كما هي عاجزة عن الاستغناء عن النفط الخليجي في ظل انهيار منتظم ومتدرج لمنظومة اليورو. وبالتالي، فإنّ أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو الدعم الكلامي والاعلامي والاستخباراتي دون مقاربة العمل العسكري الحاسم القادر على اسقاط نظام الاسد.

واستنادا إلى هذه الاسباب وغيرها، ترجّح الدبلوماسية الشرقية أن تنجح موسكو في تسويق مشروعها القاضي بتنظيم مؤتمر دولي حول سورية من دون الجزم بنجاح هذا المشروع لاسيما ان خلفياته الحقيقية هي إعادة رسم مناطق النفوذ.

  • فريق ماسة
  • 2012-06-16
  • 14400
  • من الأرشيف

جملة معطيات ترجح نجاح المبادرة الروسية حول سورية

على مسافة أيام من انعقاد جلسة مباحثات جديدة بين طهران والدول الكبرى في موسكو، صعدت روسيا من مواقفها، رافعةً السقف إلى حدود الجزم بانها باقية إلى جانب النظام السوري بالرغم من تزويد الولايات المتحدة للمسلحين المعارضين للنظام بالاسلحة الحديثة الخارقة للتوازن بحسب تعبير المعارضين أنفسهم. وفي توقيت معبّر، خرج وزير الخارجية الايرانية علي اكبر صالحي من لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف للحديث عن الملف السوري وعن ضرورة اعطاء الفرصة للرئيس السوري بشار الاسد لتنفيذ الاصلاحات، من دون مقاربة الملف النووي الذي يشكل العنوان الاساسي لمباحثات ايران مع واشنطن، ما يؤكد بما لا يقبل الشك أنّ المفاوضات الايرانية – الاميركية من جهة والاميركية – الروسية من جهة ثانية تدور حول الوضع في المنطقة العربية برمتها وفي الدول النفطية. وبالتالي، فإنّ مشروع  موسكو لعقد مؤتمر دولي حول سورية بات موضوعا على نار حامية لاسباب استراتيجية تعللها الدبلوماسية الشرقية بجملة من الأسباب. فبحسب هذه الدبلوماسية، صحيح أنّ واشنطن والدول العربية والنفطية لاسيما المملكة العربية السعودية وقطر يمولون الثورة السورية ويمدونها بالسلاح والمسلحين، بحيث يصح القول أنّ مجموعة الدول هذه تخلصت من القيادات والرؤوس السلفية والتكفيرية الحامية وحصرتها في سورية، إلا أنّ ميزان القوى السياسية والعسكرية ما زال يميل بشدة لمصلحة النظام. وتبدي الدبلوماسية الروسية قناعة بأنّ هذه المعادلة ستستمر طالما ان الجيش السوري ما زال متماسكا، حتى لو استمر الغرب بارسال السلاح الموصوف بالكاسر للتوازن، وإن أدى ذلك لمخاوف من أن تتحوّل الحرب في سورية إلى حرب طائفية لن تسلم منها الدول الاسلامية الحليفة لواشنطن، ولن تخرج من دائرتها الدول الخليجية والنفطية، انما ستكون المرشحة الاوفر حظا لدفع اثمان التداعيات. وترى المصادر أنّ الواقع الراهن لا يناسب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وهو على عتبة انتخابات رئاسية قد تكون القاضية عليه وعلى حزبه في حال الخسارة الواقعة تحت ضغط العامل الخارجي، ما يؤدي لعدم استبعاد اي تدخل عسكري مباشر حتى لو كان ذلك تحت الفصل السابع او دعوة المعارضة السورية. وبالتالي فان المشهد الراهن يمكن تلخيصه على هذا الصعيد بالاشارة إلى ان كل دولة تقف على سلاحها ولكنها تخشى ان تكون البادئة، وهذه المعادلة يمكن تعميمها على الجميع ما عدا سورية التي قد يلجأ نظامها إلى شتى الوسائل لمنع الانزلاقات الخطيرة في حال شعر باقتراب الخطر إلى درجة السقوط. وتلاحظ المصادر أنّ تركيا بدورها قاربت المأزق وتكاد تكون واحدة من ضحاياه، فهي تعاني انقسامات كبيرة بين اهل السياسة والعسكر، كما أنها تبدو عاجزة بالكامل على حسم الامور عسكريا في سوريا نظرا لقدرة الاخيرة، ولعدم وجود القرار الدولي بشن حرب جديدة في وقت تعاني فيه غالبية دول الناتو من ازمات اقتصادية او سياسية او الاثنين معا، ما يجعل من ورقة موسكو الاكثر انتاجية والاقوى. اما المجموعة الاوروبية الخارجة من صدمة خروج الرئيس نيكولا ساركوزي وحلول اليسار الفرنسي في المراتب الفرنسية الاولى،  فتبدو وفقاً للمصادر نفسها عاجزة عن تمويل اي حرب مفترضة على سورية، كما هي عاجزة عن الاستغناء عن النفط الخليجي في ظل انهيار منتظم ومتدرج لمنظومة اليورو. وبالتالي، فإنّ أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو الدعم الكلامي والاعلامي والاستخباراتي دون مقاربة العمل العسكري الحاسم القادر على اسقاط نظام الاسد. واستنادا إلى هذه الاسباب وغيرها، ترجّح الدبلوماسية الشرقية أن تنجح موسكو في تسويق مشروعها القاضي بتنظيم مؤتمر دولي حول سورية من دون الجزم بنجاح هذا المشروع لاسيما ان خلفياته الحقيقية هي إعادة رسم مناطق النفوذ.

المصدر : أنطوان الحايك - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة