مع انخفاض منسوب التوتر في الشارع المحلي، عادت الازمة السورية إلى صدارة الاهتمامات الرسمية في ظل تسارع تطوراتها من جهة وتشديد الضغط الدولي على النظام من جهة ثانية، مروراً بالتلميح المستمر إلى امكانية سقوط مبادرة النقاط الست، وبالتالي العودة بالأزمة إلى مربعها الاول، ناهيك عن ابلاغ المبعوث الاممي إلى سوريا كوفي انان الامم المتحدة بقرب خروج الازمة السورية عن السيطرة.

غير أنّ ما ينقله المتصلون بعواصم القرار يختلف بالكامل عن المشهد الذي يحاول الغرب تسليط الضوء عليه، خصوصا بعد أن تحوّلت الأزمة السورية بكل مفاعيلها وتفاصيلها إلى ما يشبه المادة الوحيدة لتسعير الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن من جهة وبين الثانية وطهران من جهة ثانية. فالمعلومات المسربة من مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع تؤكد أنّ هناك جولات كثيفة من الحوار المفتوح على خلفية الازمة السورية وتداعياتها بين العواصم الثلاث، وهي باتت في مرحلة حاسمة تستوجب المزيد من تحسين المواقع التفاوضية للمعنيين، لاسيما ان مقاربة المؤشرات توحي بان احدا لا يريد تفجير المنطقة. فموسكو التي تحاول استعادة النفوذ الذي كانت قد خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تستفيد لاقصى حدود من الانشغالات الاميركية الخارجية، ومن سلسلة الاحباطات التي تمر بها ادارة الرئيس باراك اوباما، وهي تتوزع بين العراق وافغانستان والشرق الاوسط اولا وعلى الجبهة الاقتصادية والمالية ثانيا، بينما تحاول واشنطن تحقيق خروقات على جبهاتها الخارجية لتوظيفها في انتخاباتها، كما في مفاوضاتها الشاقة التي تجريها على اكثر من جبهة مشتعلة.

ويصف هؤلاء المشهد الراهن على الشكل الاتي: المحور الروسي الصيني الايراني يبدو اقله حتى اللحظة متماسكا ومتينا بناء على مصالح استراتيجية لا يستهان بها. موسكو من جهتها تعتبر انها حققت حلما طالما راودها منذ عقود وهو انشاء قاعدة عسكرية على المتوسط (قاعدة طرطوس) تتمكن من خلالها حماية معابر الغاز، كما دخولها على خط ازمة الشرق الاوسط المباشر ومن خلالها اللعب على وتر الصراع العربي – الاسرائيلي او ما تبقى منه اذا ما جاز التعبير. وبالتالي فانها على اهبة الاستعداد للانقضاض على المكاسب المحققة من ثورة الربيع العربي، وذلك من خلال البوابة السورية، اضافة الى العودة إلى الخليج العربي عبر ايران، وهذا ما يدفعها للتمسك باوراقها مهما اشتدت الضغوط وعلت الاصوات.

الواقع نفسه ينسحب بشكل او بآخر على المصالح الاستراتيجية الصينية التي تتقدم بخطى ثابتة لزعامة اقتصادية بالغة الاهمية، وهي تحتاج إلى الطاقة التي تشكل بالنسبة لها الخاصرة الوحيدة الرخوة في مجمل التركيبة العالمية، وهي تتمسك بمواقفها المعلنة ازاء المنطقة وسوريا انطلاقا من مصالحها الخاصة وليس محبة بالانظمة الراهنة.

اما ايران التي تشكل نقطة الثقل في الكباش الدولي المستعر فتبدو من الصلابة بمكان وهي تستعد لجولة جديدة من المحادثات مع الدول الكبرى في غضون اقل من اسبوعين في موسكو التي استبقت الجولة الجديدة باعلانها الموافقة على برنامج ايران النووي السلمي، مع العلم أنّ المفاوضات لا تدور على خلفية الملف المذكور، انما على ازمة المنطقة بكل تفاصيلها وحيثياتها، خصوصا انها تمتلك من الاوراق الرابحة ما يجعلها في موقع المبادر على عكس جيرانها الذين تحولوا إلى مواقع المتلقي.

وتبقى واشنطن الساعية إلى تمرير الوقت المستقطع باقل ضرر ممكن، وهذا ما يفسر مواقفها المتقلبة والمتناقضة، والتي تجمع بمعظمها على عدم امكانية القيام باي تحرك عسكري ضد سوريا على الرغم مما تشهده من حروب امنية متنقلة تشكل خطرا مباشرا على دول الجوار المتحالفة مركزيا وعضويا مع اميركا.

وازاء هذه الخريطة السياسية يستبعد هؤلاء اي من انواع التطورات الدراماتيكية التي قد تؤدي إلى توسيع رقعة التوتر، بل على العكس تماما فان الاحتمالات تتمحور حول تحييد الدول المحيطة بسوريا اقله في الوقت الراهن.      

  • فريق ماسة
  • 2012-06-08
  • 10270
  • من الأرشيف

الأزمة السورية تسعر الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن

مع انخفاض منسوب التوتر في الشارع المحلي، عادت الازمة السورية إلى صدارة الاهتمامات الرسمية في ظل تسارع تطوراتها من جهة وتشديد الضغط الدولي على النظام من جهة ثانية، مروراً بالتلميح المستمر إلى امكانية سقوط مبادرة النقاط الست، وبالتالي العودة بالأزمة إلى مربعها الاول، ناهيك عن ابلاغ المبعوث الاممي إلى سوريا كوفي انان الامم المتحدة بقرب خروج الازمة السورية عن السيطرة. غير أنّ ما ينقله المتصلون بعواصم القرار يختلف بالكامل عن المشهد الذي يحاول الغرب تسليط الضوء عليه، خصوصا بعد أن تحوّلت الأزمة السورية بكل مفاعيلها وتفاصيلها إلى ما يشبه المادة الوحيدة لتسعير الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن من جهة وبين الثانية وطهران من جهة ثانية. فالمعلومات المسربة من مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع تؤكد أنّ هناك جولات كثيفة من الحوار المفتوح على خلفية الازمة السورية وتداعياتها بين العواصم الثلاث، وهي باتت في مرحلة حاسمة تستوجب المزيد من تحسين المواقع التفاوضية للمعنيين، لاسيما ان مقاربة المؤشرات توحي بان احدا لا يريد تفجير المنطقة. فموسكو التي تحاول استعادة النفوذ الذي كانت قد خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تستفيد لاقصى حدود من الانشغالات الاميركية الخارجية، ومن سلسلة الاحباطات التي تمر بها ادارة الرئيس باراك اوباما، وهي تتوزع بين العراق وافغانستان والشرق الاوسط اولا وعلى الجبهة الاقتصادية والمالية ثانيا، بينما تحاول واشنطن تحقيق خروقات على جبهاتها الخارجية لتوظيفها في انتخاباتها، كما في مفاوضاتها الشاقة التي تجريها على اكثر من جبهة مشتعلة. ويصف هؤلاء المشهد الراهن على الشكل الاتي: المحور الروسي الصيني الايراني يبدو اقله حتى اللحظة متماسكا ومتينا بناء على مصالح استراتيجية لا يستهان بها. موسكو من جهتها تعتبر انها حققت حلما طالما راودها منذ عقود وهو انشاء قاعدة عسكرية على المتوسط (قاعدة طرطوس) تتمكن من خلالها حماية معابر الغاز، كما دخولها على خط ازمة الشرق الاوسط المباشر ومن خلالها اللعب على وتر الصراع العربي – الاسرائيلي او ما تبقى منه اذا ما جاز التعبير. وبالتالي فانها على اهبة الاستعداد للانقضاض على المكاسب المحققة من ثورة الربيع العربي، وذلك من خلال البوابة السورية، اضافة الى العودة إلى الخليج العربي عبر ايران، وهذا ما يدفعها للتمسك باوراقها مهما اشتدت الضغوط وعلت الاصوات. الواقع نفسه ينسحب بشكل او بآخر على المصالح الاستراتيجية الصينية التي تتقدم بخطى ثابتة لزعامة اقتصادية بالغة الاهمية، وهي تحتاج إلى الطاقة التي تشكل بالنسبة لها الخاصرة الوحيدة الرخوة في مجمل التركيبة العالمية، وهي تتمسك بمواقفها المعلنة ازاء المنطقة وسوريا انطلاقا من مصالحها الخاصة وليس محبة بالانظمة الراهنة. اما ايران التي تشكل نقطة الثقل في الكباش الدولي المستعر فتبدو من الصلابة بمكان وهي تستعد لجولة جديدة من المحادثات مع الدول الكبرى في غضون اقل من اسبوعين في موسكو التي استبقت الجولة الجديدة باعلانها الموافقة على برنامج ايران النووي السلمي، مع العلم أنّ المفاوضات لا تدور على خلفية الملف المذكور، انما على ازمة المنطقة بكل تفاصيلها وحيثياتها، خصوصا انها تمتلك من الاوراق الرابحة ما يجعلها في موقع المبادر على عكس جيرانها الذين تحولوا إلى مواقع المتلقي. وتبقى واشنطن الساعية إلى تمرير الوقت المستقطع باقل ضرر ممكن، وهذا ما يفسر مواقفها المتقلبة والمتناقضة، والتي تجمع بمعظمها على عدم امكانية القيام باي تحرك عسكري ضد سوريا على الرغم مما تشهده من حروب امنية متنقلة تشكل خطرا مباشرا على دول الجوار المتحالفة مركزيا وعضويا مع اميركا. وازاء هذه الخريطة السياسية يستبعد هؤلاء اي من انواع التطورات الدراماتيكية التي قد تؤدي إلى توسيع رقعة التوتر، بل على العكس تماما فان الاحتمالات تتمحور حول تحييد الدول المحيطة بسوريا اقله في الوقت الراهن.      

المصدر : أنطوان الحايك - النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة