منذ اكتشاف حقلي «تمار» و«لفيتان» في عرض البحر المتوسط قبالة الشاطئ الفلسطيني، كثر الحديث عن قرب تحول دولة اسرائيل إلى «إمارة نفطية». وقد انشغل ساسة وخبراء إسرائيليون بدراسة أثر الاكتشافات النفطية والغازية على الواقع الاجتماعي الاقتصادي الإسرائيلي، وسمع الكثيرون عن خطط بعيدة المدى وقيود تفرض على تصدير الغاز لأسباب إستراتيجية. بل تحدث ساسة مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير ماليته عن إنشاء «صندوق سيادي» لاستثمار عوائد الغاز والنفط بما ينفع الأجيال المقبلة.

وبرغم استفادة إسرائيل من حقول غاز صغيرة حتى الآن تقع قبالة الساحل الجنوبي فإن إسرائيل لا تزال تعاني مشكلة حادة في واردات الطاقة. وتفاقمت هذه المشكلة كثيرا إثر توقف ضخ الغاز المصري إلى «شركة الكهرباء القُطرية» ولعدد من كبريات المصانع. وتزايد الحديث عن وجوب تسريع استثمار حقل «لفيتان» المقرر البدء في الاستفادة منه العام المقبل.

وفي حمى السجال حول النقلة النوعية ذات الطبيعة الإستراتيجية، تبيّن للكثيرين أن السجال نوع من حوار إسرائيلي مع الذات. وظهر أن قلة في العالم، خصوصا بين الشركات الكبرى المتخصصة في هذا المجال، أبدت اهتماما بالاكتشافات الغازية الإسرائيلية. البعض عزا ذلك إلى أسباب سياسية، وآخرون راهنوا على أن الأسباب اقتصادية، وكثيرون أشاروا إلى اختلاط الأسباب وانخراطها كلها في سلة موضوعية. ومع ذلك بقي السؤال مثارا: لماذا لم تستثمر الشركات الكبرى في مجال الطاقة في إسرائيل؟

وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن المفارقة برزت على وجه الخصوص قبل بضعة أسابيع حينما أعلنت الحكومة القبرصية قائمة الشركات الدولية التي تقدمت بعطاءات لنيل تراخيص للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الاقتصادية الحصرية القبرصية.

ومعروف أن احتمالات العثور على الغاز والنفط على جانبي الحدود البحرية لقبرص وإسرائيل متشابهة، بل أن الخبراء يعتقدون أن الفرص أفضل في الجانب الإسرائيلي. فقد تقدمت للتنافس شركات عالمية مثل Oil Majors, وعملاق الطاقة الفرنسية «توتال» و ENI الإيطالية التي تعتبر واحدة من كبريات شركات الطاقة في العالم. بل أن شركات غير غربية مثل «بتروناس» الماليزية و KOGAS الكورية الجنوبية و Woodside الأسترالية تقدمت بعروض.

ولكن شيئا، ولو قليلا، من هذا لم يحدث في الجانب الإسرائيلي، فجميع الشركات الأجنبية، عدا واحدة، التي شاركت في العطاءات الإسرائيلية لا تزيد قيمتها السوقية عن مليار دولار، وأحيانا لا تزيد قيمة الشركة الواحدة عن بضع عشرات من ملايين الدولارات. وبمعايير دولية تعتبر هذه الشركات أقرب إلى الوهمية. فقط شركة «نوبل إنرجي» هي الوحيدة التي تملك قيمة سوقية تبلغ 14.5 مليار دولار، وهي تعتبر شركة عملاقة بين الشركات القزمة الأخرى في السوق الإسرائيلي.

وثمة اعتقاد في إسرائيل أنه لو توفر للدولة العبرية أربع أو خمس شركات مثل «نوبل إنرجي» لكان استثمار حقلي «تمار» و«لفيتان» أسرع. ويرى الخبراء أن قطاع الغاز في إسرائيل لا يزال مجرد مدى جديد «New Frontier» ويحتاج إلى شركات ذات خبرة ورأسمال كبيرين.

وسوف تبرز الأزمة على وجه الخصوص عند الحديث عن استخراج الغاز وتصديره، فاستخراج الغاز وإيصاله إلى الشاطئ الإسرائيلي، يجعلان منه مجرد سلعة محلية لكن تصديره إلى الخارج يتطلب واحدا من اثنين: مد أنابيب غاز أو إنشاء محطات تسييل.

ومعروف أن إسرائيل لا تستطيع مد أنابيب غاز برية أو قريبة من الشاطئ لاعتبارات تتعلق بالواقع السياسي وحالة العداء القائمة بينها وبين الدول العربية المجاورة. ولا يمكن لها أن ترتبط بخط الغاز العربي المنطلق من مصر ولذلك لا مجال لها إلا بناء خط غاز بحري باهظ التكلفة في المياه العميقة نحو أوروبا.

وهناك الخيار الثاني وهو إنشاء محطة لتسييل غاز إما على الشاطئ أو في عرض البحر أو حتى في قبرص. ولكن حتى لو تم تذليل كل العقبات فإن تكلفة إنشاء محطة تسييل الغاز تصل إلى عشرة مليارات دولار. وهنا يبدأ حساب الربح والخسارة لدى الشركات.

ويشدد خبراء في إسرائيل على أن الصين مثلا الطامحة لدور في مجال الطاقة لا تستعجل في الاستثمار لإسرائيل في هذا القطاع وتفضل مثلا الاستثمار في اوستراليا الأقرب لها.

ويذهب الخبراء إلى القول بأن استثمارا بقيمة عشرة مليارات أو أكثر في محطة لتسييل غاز هو مشروع أكبر من قدرة «نوبل إنرجي» حتى لو كان المشروع مشتركا لإسرائيل وقبرص معا، فشركة «نوبل إنرجي» كبرت مع مشاريع الغاز في إسرائيل التي دخلتها في العام 1998 حينما كانت قيمة الشركة أقل من مليار دولار. وفي ذلك العام دخلت السوق الإسرائيلية شركة «بريتـــش غاز» التي سرعان ما باعت امتيازاتها «بسعر التراب» بعد عشر سنوات لتخرج منه. وبالمناسبة فقد باعت «بريتش غاز» لشركة «جدعوت تدمر» الامتياز الذي اكتشف فيه لاحقا حقل «تمار» بدولار واحد.

ويعتبر هروب «بريتش غاز» من سوق الطاقة الإسرائيلية نموذجا لموقف الشركات الدولية. ويعتقد البعض أن السبب هو الخشية من المقاطعة العربية وانعدام الثقة بمواقف الحكومة الإسرائيلية. ونقل مصدر إسرائيلي عن مسؤول في شركة دولية قوله أن شرط العمل في دول الخليج العربي هو التوقيع على تعهد بعدم الاستثمار في إسرائيل. ويضيف آخرون أن صورة إسرائيل «المنــبوذة» عالميا تؤثر أيضا في الاستثمار. وقد أضيف مؤخرا إلى هذه الأبعاد الموقف التركي.

ولكن هناك من يرى أن اكتشافات الغاز الإسرائيلية تمت في زمن اكتشافات كبرى وتطور تكنولوجي في وسائل استخراج الغاز. وتميل الشركات الكبرى لاستنفاد حقول الغاز البرية قبل أن تستثمر في أعماق البحار.

   

 

  • فريق ماسة
  • 2012-06-05
  • 12790
  • من الأرشيف

إسـرائيـل «إمـارة نفطيـة» لا تغـري شـركات الطاقـة

منذ اكتشاف حقلي «تمار» و«لفيتان» في عرض البحر المتوسط قبالة الشاطئ الفلسطيني، كثر الحديث عن قرب تحول دولة اسرائيل إلى «إمارة نفطية». وقد انشغل ساسة وخبراء إسرائيليون بدراسة أثر الاكتشافات النفطية والغازية على الواقع الاجتماعي الاقتصادي الإسرائيلي، وسمع الكثيرون عن خطط بعيدة المدى وقيود تفرض على تصدير الغاز لأسباب إستراتيجية. بل تحدث ساسة مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير ماليته عن إنشاء «صندوق سيادي» لاستثمار عوائد الغاز والنفط بما ينفع الأجيال المقبلة. وبرغم استفادة إسرائيل من حقول غاز صغيرة حتى الآن تقع قبالة الساحل الجنوبي فإن إسرائيل لا تزال تعاني مشكلة حادة في واردات الطاقة. وتفاقمت هذه المشكلة كثيرا إثر توقف ضخ الغاز المصري إلى «شركة الكهرباء القُطرية» ولعدد من كبريات المصانع. وتزايد الحديث عن وجوب تسريع استثمار حقل «لفيتان» المقرر البدء في الاستفادة منه العام المقبل. وفي حمى السجال حول النقلة النوعية ذات الطبيعة الإستراتيجية، تبيّن للكثيرين أن السجال نوع من حوار إسرائيلي مع الذات. وظهر أن قلة في العالم، خصوصا بين الشركات الكبرى المتخصصة في هذا المجال، أبدت اهتماما بالاكتشافات الغازية الإسرائيلية. البعض عزا ذلك إلى أسباب سياسية، وآخرون راهنوا على أن الأسباب اقتصادية، وكثيرون أشاروا إلى اختلاط الأسباب وانخراطها كلها في سلة موضوعية. ومع ذلك بقي السؤال مثارا: لماذا لم تستثمر الشركات الكبرى في مجال الطاقة في إسرائيل؟ وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن المفارقة برزت على وجه الخصوص قبل بضعة أسابيع حينما أعلنت الحكومة القبرصية قائمة الشركات الدولية التي تقدمت بعطاءات لنيل تراخيص للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الاقتصادية الحصرية القبرصية. ومعروف أن احتمالات العثور على الغاز والنفط على جانبي الحدود البحرية لقبرص وإسرائيل متشابهة، بل أن الخبراء يعتقدون أن الفرص أفضل في الجانب الإسرائيلي. فقد تقدمت للتنافس شركات عالمية مثل Oil Majors, وعملاق الطاقة الفرنسية «توتال» و ENI الإيطالية التي تعتبر واحدة من كبريات شركات الطاقة في العالم. بل أن شركات غير غربية مثل «بتروناس» الماليزية و KOGAS الكورية الجنوبية و Woodside الأسترالية تقدمت بعروض. ولكن شيئا، ولو قليلا، من هذا لم يحدث في الجانب الإسرائيلي، فجميع الشركات الأجنبية، عدا واحدة، التي شاركت في العطاءات الإسرائيلية لا تزيد قيمتها السوقية عن مليار دولار، وأحيانا لا تزيد قيمة الشركة الواحدة عن بضع عشرات من ملايين الدولارات. وبمعايير دولية تعتبر هذه الشركات أقرب إلى الوهمية. فقط شركة «نوبل إنرجي» هي الوحيدة التي تملك قيمة سوقية تبلغ 14.5 مليار دولار، وهي تعتبر شركة عملاقة بين الشركات القزمة الأخرى في السوق الإسرائيلي. وثمة اعتقاد في إسرائيل أنه لو توفر للدولة العبرية أربع أو خمس شركات مثل «نوبل إنرجي» لكان استثمار حقلي «تمار» و«لفيتان» أسرع. ويرى الخبراء أن قطاع الغاز في إسرائيل لا يزال مجرد مدى جديد «New Frontier» ويحتاج إلى شركات ذات خبرة ورأسمال كبيرين. وسوف تبرز الأزمة على وجه الخصوص عند الحديث عن استخراج الغاز وتصديره، فاستخراج الغاز وإيصاله إلى الشاطئ الإسرائيلي، يجعلان منه مجرد سلعة محلية لكن تصديره إلى الخارج يتطلب واحدا من اثنين: مد أنابيب غاز أو إنشاء محطات تسييل. ومعروف أن إسرائيل لا تستطيع مد أنابيب غاز برية أو قريبة من الشاطئ لاعتبارات تتعلق بالواقع السياسي وحالة العداء القائمة بينها وبين الدول العربية المجاورة. ولا يمكن لها أن ترتبط بخط الغاز العربي المنطلق من مصر ولذلك لا مجال لها إلا بناء خط غاز بحري باهظ التكلفة في المياه العميقة نحو أوروبا. وهناك الخيار الثاني وهو إنشاء محطة لتسييل غاز إما على الشاطئ أو في عرض البحر أو حتى في قبرص. ولكن حتى لو تم تذليل كل العقبات فإن تكلفة إنشاء محطة تسييل الغاز تصل إلى عشرة مليارات دولار. وهنا يبدأ حساب الربح والخسارة لدى الشركات. ويشدد خبراء في إسرائيل على أن الصين مثلا الطامحة لدور في مجال الطاقة لا تستعجل في الاستثمار لإسرائيل في هذا القطاع وتفضل مثلا الاستثمار في اوستراليا الأقرب لها. ويذهب الخبراء إلى القول بأن استثمارا بقيمة عشرة مليارات أو أكثر في محطة لتسييل غاز هو مشروع أكبر من قدرة «نوبل إنرجي» حتى لو كان المشروع مشتركا لإسرائيل وقبرص معا، فشركة «نوبل إنرجي» كبرت مع مشاريع الغاز في إسرائيل التي دخلتها في العام 1998 حينما كانت قيمة الشركة أقل من مليار دولار. وفي ذلك العام دخلت السوق الإسرائيلية شركة «بريتـــش غاز» التي سرعان ما باعت امتيازاتها «بسعر التراب» بعد عشر سنوات لتخرج منه. وبالمناسبة فقد باعت «بريتش غاز» لشركة «جدعوت تدمر» الامتياز الذي اكتشف فيه لاحقا حقل «تمار» بدولار واحد. ويعتبر هروب «بريتش غاز» من سوق الطاقة الإسرائيلية نموذجا لموقف الشركات الدولية. ويعتقد البعض أن السبب هو الخشية من المقاطعة العربية وانعدام الثقة بمواقف الحكومة الإسرائيلية. ونقل مصدر إسرائيلي عن مسؤول في شركة دولية قوله أن شرط العمل في دول الخليج العربي هو التوقيع على تعهد بعدم الاستثمار في إسرائيل. ويضيف آخرون أن صورة إسرائيل «المنــبوذة» عالميا تؤثر أيضا في الاستثمار. وقد أضيف مؤخرا إلى هذه الأبعاد الموقف التركي. ولكن هناك من يرى أن اكتشافات الغاز الإسرائيلية تمت في زمن اكتشافات كبرى وتطور تكنولوجي في وسائل استخراج الغاز. وتميل الشركات الكبرى لاستنفاد حقول الغاز البرية قبل أن تستثمر في أعماق البحار.      

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة