أخذتنا همومنا الثقيلة في لبنان، والأثقل في سوريا وحولها، عن الاهتمام الواجب بالانقلاب ذي المظهر الديموقراطي الذي انتهت إليه الانتخابات الرئاسية في مصر... وهو انقلاب يثير من القلق أكثر مما يبعث على الاطمئنان إلى نجاح الثورة البهية بشباب «الميدان» الذين ضيّعهم نقص خبراتهم والتواطؤ الذي كاد يكون مكشوفاً بين المجلس العسكري ـ بوصفه النظام القديم ـ والإسلاميين الذين تبدوا «موحدين» تماماً، لا فرق بين «إخوان» و«سلفيين» في مواجهة الأكثرية الساحقة من المصريين، وبالتحديد في مواجهة الوطنية ـ العروبية التي مثلها حمدين صباحي والتيار العريض المواكب له.

ولقد بات لبنان، بالقرب والقربى، شريكا في دفع ضريبة الدم، مع اختلاف الأسباب، سواء داخل حدوده التي لم تكن في أي يوم «حدوداً فعلية»، أو حتى داخل الأراضي السورية، بشهادة المصير المجهول والمنذر بالسوء لزوار العتبات المقدسة الذين احتجزتهم «قوة معارضة سورية» في مكان مجهول غير بعيد عن الحدود التركية، ولم تنجح المساعي الحميدة لحكومة اردوغان، حتى اللحظة في كشف مصيرهم... بل ان التصريح المتعجل للوزير اوغلو ثم انكشاف خوائه قد زادا من القلق على سلامتهم، فضلاً عن توتر انتظار المجهول الذي يسود لبنان كافة لأسباب يختلط فيها الداخلي بالخارجي، وان ظلت سوريا أهم منابع هذا القلق بالمطلق.

مرت ذكرى الانتصار في معركة التحرير مجللة بالخوف، ليس من العدو الإسرائيلي الذي «غادر على عجل» مهزوماً، تاركا عملاءه والمتعاونين لمصيرهم البائس الذي يستحقون، لكن على بعض الاهلين الذين أخذهم إيمانهم إلى زيارة مراقد الأئمة والصالحين... وسرعان ما استولد القلق هواجس الخطر، وأعظمها هاجس الفتنة، التي عادت تطل برأسها مجدداً في مختلف انحاء «بلاد الشام».

وواضح ان لهذه الفتنة من ينفخ فيها ويرعاها، مفترضاً انه قادر بنفطه والغاز على إشعالها في أرض اخوته ـ جيرانه، ثم النأي بنفسه عن نتائجها المدمرة... وهو بالتأكيد واهم، فضلاً عن انه متآمر. فمثل هذه النار الحارقة لن تتوقف عند أي من الحدود الهشة للدول التي معظمها من قش وزجاج، وفيها من عوامل التمزق والتفجر ما لا تنفع في منعه الأساطيل والقواعد الأميركية و«الغزل» المفتوح مع العدو الإسرائيلي.

لعلها المرحلة الأكثر دقة وخطورة التي يعيشها هذا الوطن الصغير والتي يزيد من حراجتها الوضع المتفجر في سوريا الذي يبدو كأنه بلا أفق من التسوية السياسية في المدى المنظور.

على هذا، فليس من عاصم لتجنب الكارثة إلا الوحدة الوطنية.

ونتمنى ان يفتح الحوار الوطني، الذي دعا الرئيس ميشال سليمان إلى مباشرته خلال الأيام القليلة المقبلة، الباب المرصود لتسوية سياسية على قاعدة صلبة من الحاجة الملحة إليها... فالخطر يطاول الجميع بمعزل عن انتماءاتهم أو اتجاهاتهم. والظرف لا يسمح بترف التمنع أو فرض الشروط والشروط المضادة.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-05-27
  • 8641
  • من الأرشيف

هزيمة الفتنة بالحوار الوطني..

أخذتنا همومنا الثقيلة في لبنان، والأثقل في سوريا وحولها، عن الاهتمام الواجب بالانقلاب ذي المظهر الديموقراطي الذي انتهت إليه الانتخابات الرئاسية في مصر... وهو انقلاب يثير من القلق أكثر مما يبعث على الاطمئنان إلى نجاح الثورة البهية بشباب «الميدان» الذين ضيّعهم نقص خبراتهم والتواطؤ الذي كاد يكون مكشوفاً بين المجلس العسكري ـ بوصفه النظام القديم ـ والإسلاميين الذين تبدوا «موحدين» تماماً، لا فرق بين «إخوان» و«سلفيين» في مواجهة الأكثرية الساحقة من المصريين، وبالتحديد في مواجهة الوطنية ـ العروبية التي مثلها حمدين صباحي والتيار العريض المواكب له. ولقد بات لبنان، بالقرب والقربى، شريكا في دفع ضريبة الدم، مع اختلاف الأسباب، سواء داخل حدوده التي لم تكن في أي يوم «حدوداً فعلية»، أو حتى داخل الأراضي السورية، بشهادة المصير المجهول والمنذر بالسوء لزوار العتبات المقدسة الذين احتجزتهم «قوة معارضة سورية» في مكان مجهول غير بعيد عن الحدود التركية، ولم تنجح المساعي الحميدة لحكومة اردوغان، حتى اللحظة في كشف مصيرهم... بل ان التصريح المتعجل للوزير اوغلو ثم انكشاف خوائه قد زادا من القلق على سلامتهم، فضلاً عن توتر انتظار المجهول الذي يسود لبنان كافة لأسباب يختلط فيها الداخلي بالخارجي، وان ظلت سوريا أهم منابع هذا القلق بالمطلق. مرت ذكرى الانتصار في معركة التحرير مجللة بالخوف، ليس من العدو الإسرائيلي الذي «غادر على عجل» مهزوماً، تاركا عملاءه والمتعاونين لمصيرهم البائس الذي يستحقون، لكن على بعض الاهلين الذين أخذهم إيمانهم إلى زيارة مراقد الأئمة والصالحين... وسرعان ما استولد القلق هواجس الخطر، وأعظمها هاجس الفتنة، التي عادت تطل برأسها مجدداً في مختلف انحاء «بلاد الشام». وواضح ان لهذه الفتنة من ينفخ فيها ويرعاها، مفترضاً انه قادر بنفطه والغاز على إشعالها في أرض اخوته ـ جيرانه، ثم النأي بنفسه عن نتائجها المدمرة... وهو بالتأكيد واهم، فضلاً عن انه متآمر. فمثل هذه النار الحارقة لن تتوقف عند أي من الحدود الهشة للدول التي معظمها من قش وزجاج، وفيها من عوامل التمزق والتفجر ما لا تنفع في منعه الأساطيل والقواعد الأميركية و«الغزل» المفتوح مع العدو الإسرائيلي. لعلها المرحلة الأكثر دقة وخطورة التي يعيشها هذا الوطن الصغير والتي يزيد من حراجتها الوضع المتفجر في سوريا الذي يبدو كأنه بلا أفق من التسوية السياسية في المدى المنظور. على هذا، فليس من عاصم لتجنب الكارثة إلا الوحدة الوطنية. ونتمنى ان يفتح الحوار الوطني، الذي دعا الرئيس ميشال سليمان إلى مباشرته خلال الأيام القليلة المقبلة، الباب المرصود لتسوية سياسية على قاعدة صلبة من الحاجة الملحة إليها... فالخطر يطاول الجميع بمعزل عن انتماءاتهم أو اتجاهاتهم. والظرف لا يسمح بترف التمنع أو فرض الشروط والشروط المضادة.  

المصدر : طلال سلمان\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة