دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ليس من قبيل الصدفة ان يتقدم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض باستجواب امام البرلمان للحكومة يحمّل فيها سياسات وزير الخارجية أحمد داود اوغلو ما تتعرض له تركيا من أخطار على امنها القومي، في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه قضية خطف وأسر الزوار اللبنانيين الى العتبات المقدسة من جانب «الجيش السوري الحر» قرب مدينة حلب السورية.
لا يمكن لأي عاقل ان يفصل بين سلوكيات حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه الأزمة السورية والمنطقة عموما وبين أزمة الرهائن اللبنانيين. ومع انه لم تعرف بعد الأسباب الحقيقية وراء اختطاف اللبنانيين، فإن مسؤولية تركيا ومن معها من قوى ودول عن هذه الحادثة لا تحتمل اي لبس.
1- إن الجهة الخاطفة لا يمكن ان تكون فصيلا آخر سوى «الجيش السوري الحر». ولم يسمع أحد من قبل بوجود فصائل أخرى. ومن طريقة الخطف وملابساتها لا يحتمل ان تكون «القاعدة» وراء العملية.
2- ان الخطف تم بعد مرور حافلة الركاب في الأراضي التركية والتأكد من أسماء الجميع وما تحمله الحافلة. وبالتالي، فإن احتمالا كبيرا أن تكون عملية الخطف ورصد الحافلة قد بدآ من على الأراضي التركية، وبتعاون ما من أجهزة الأمن التركية بمعزل عمن أصدر الأوامر.
3- اذا كانت بعض الدول «البعيدة» عن الحدود التركية - السورية تقف وراء الخطف، وهو أمر ليس مستبعدا، فإن التعاون التركي اللوجستي والاستخباراتي كان أكثر من ضرورة لنجاح العملية.
وهنا يشار إلى تأكيد المسؤولين الأتراك ان المخطوفين في صحة جيدة. وهذا يعني أنهم على اطلاع كامل على وضعهم، وبالتالي على تواصل مع الجهة الخاطفة.
4- ان قيادة «الجيش السوري الحر» موجودة منذ لحظة تأسيسه على الأراضي التركية وقادته يقيمون في معسكر خاص مغلق يديرون منه عملياتهم في سوريا وغير سوريا. وليس سرا ان تركيا تدرّب عناصر هذا الجيش وتسهل له التسلل الى الاراضي السورية. وبالتالي، فإن انقرة لها السلطة المطلقة على «الجيش السوري الحر» وليس فقط احتضانه.
5- الارتباك التركي في التعاطي مع ازمة الرهائن كان واضحا من خلال ابلاغ المسؤولين اللبنانيين بداية بوصول المخطوفين الى الاراضي التركية ومن ثم نفي ذلك. كذلك يلفت النظر عدم خروج المسؤولين الأتراك بأي تصريح علني عن القضية رغم خطورتها البالغة وتداعياتها التي يمكن ان تنجم عنها.
ان التراجع عن خبر وصولهم الى الأراضي التركية يطرح علامات استفهام عن السبب في هذا التراجع، خصوصا ان الاستخبارات التركية كما يقول وزير الخارجية احمد داود اوغلو قوية جدا وتعرف جيدا ماذا يجري في سوريا، فكيف اذا كان الأمر على مقربة او حتى عند الحدود التركية.
وما يؤكد ذلك انه من المستحيل ان يرسل الرئيس سعد الحريري طائرة لنقل المخطوفين وفقا لاتصالات مع المسؤولين الأتراك لو لم يكن هؤلاء على علم يقين بأن المخطوفين باتوا في الأراضي التركية. وبالتالي فإن امرا سياسيا قد طرأ وحال دون استمرار تركيا في انهاء القضية، بل التصريح الرسمي انهم لم يدخلوا الاراضي التركية. وهذا يتناقض مع اعتداد الاتراك بقوة استخباراتهم أو ان انقرة بدّلت من موقفها أو ان القوى البعيدة تضغط على أنقرة لمنع الاسراع في اطلاق سراح المخطوفين وان انقرة استجابت للضغوط بهدف معرفة المدى الذي سيذهب اليه الطرف اللبناني او لترجمة أهداف الخطف توتيرا في لبنان وغير لبنان.
6- ان مسؤولية تركيا الحاضنة لـ«الجيش السوري الحر» وللمجلس الوطني السوري كاملة عن وضع الرهائن اللبنانيين. وكان ينبغي مهما كانت ملابسات وظروف وأسباب الخطف ان تلقي تركيا بثقلها لإنهاء القضية بأسرع وقت، وهي للأسباب السابقة قادرة على ذلك، لأنها تعرف انها قضية حساسة جدا سياسيا ومذهبيا فضلا عن بعدها الأخلاقي والانساني بخطف أناس عزل و أبرياء.
ان ارتباك وضبابية الموقف التركي انعكسا سلبا على صورتها التي في الأساس تأذت كثيرا في الأشهر الأخيرة. وبقدر ما تتأخر تركيا في الضغط لإنهاء القضية، وهي قد تأخرت، فإنها تسهم في خلق اوضاع اكثر توترا في المنطقة وفي لبنان. وهي مسؤولية لا أعتقد انها تصب في مصلحة تركيا في اكثر من مستوى وقضية ومكان.
وليس سوى الموقف الحكيم والعاقل لقيادتي «حزب الله» وحركة «امل» هو الذي لا يزال يحول حتى الآن دون ردود فعل غاضبة من أهالي المخطوفين. لكن الصبر والتحمل ليسا مفتوحين.
لقد أفلتت تركيا، كعادتها في الأشهر الأخيرة، فرصة أخرى لفتح باب للتواصل مع القوى التي تقف على النقيض من سياساتها سواء في لبنان او في المنطقة. وهي تؤكد يوما بعد يوم ان سياسات التوتير لا التصفير هي التي باتت تحكم نظرتها الى الوضع في المنطقة. وبمعزل عما تحمله الساعات المقبلة من مفاجآت فإن طريقة متابعة سلطة حزب العدالة والتنمية لمسألة المخطوفين حتى الآن، ألحقت بتركيا المزيد من الأذى. أما اذا ازدادت القضية تعقيدا فإن احدا لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. كما لو ان تركيا لم تعد تجيد سوى تحصيل الخسائر، بينما ترفض الربح، حتى لو جاءها على طبق من فضة.
المصدر :
السفير :محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة