يعيش اللبنانيون حالة من القلق و الترقب و الاستنفار و يشعرون بأن كل شيء بات جاهزا لانفجار كبير ، فقد ضربت هيبة الدولة      و جرى النيل من القوة المعنوية التي طالما حظيت بها المؤسسة العسكرية الوطنية تحت ضغط الحسابات السياسية الصغيرة هنا و هناك ، و لم يكن لينقص السلطة القضائية و سمعتها المهزوزة ، سوى رضوخ جديد للسياسة و لاعتباراتها الانتخابية على حساب الوقائع العنيدة و الصلبة و بالتالي كسر ميزان العدالة ، المختل أصلا ، و قد بات الفلتان الأمني و حتى التورط في شبكات الإرهاب ، محميا و محصنا بالعصبية المذهبية التي يمكن بفضلها لأي مرتكب ، أن ينجو بفعلته تحاشيا لخضة كبرى لا يرغب بها السياسيون على أبواب الانتخابات .

أولا يتحدث بعض اللبنانيين في هذه الأمور و كأنهم صدموا بها فجأة و للمرة الأولى ، أو كأن مخاطر انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية و الاقتتال الداخلي يرد في الحسابات كعنصر مستجد ، على الرغم من تراكم صدامات و اشتباكات وقعت بصورة متواترة كحصيلة للاحتقان السياسي و الطائفي طيلة السنوات الماضية .

طبعا بالمقابل من الغباء التفرج على ما يجري و تكرار لازمة يحبها اللبنانيون : لاجديد ، فثمة جديد واضح و قوي ، و هو أن خطة الحرب على سورية و القوى الخارجية و الداخلية المتورطة في الأحداث السورية ، تمكنت من تخطي الجدار الوهمي الذي تحصنت به السلطة اللبنانية تحت عنوان النأي و بات منذ امد غير قصير كل ما يجري في سورية و من حولها حدثا لبنانيا و موضوع جدال و صراع بين القوى السياسية المحلية المختلفة ، لتظهر مرة أخرى حقيقة قاهرة و هي ان حدود سايكس بيكو لا يمكن لها ان تحجب الطابع القومي لجميع التناقضات و الصراعات التي طالما عصفت بلبنان منذ اغتصاب فلسطين ، و ليبدو بكل فجاجة أن الرهان على تحييد لبنان كان و ما يزال و سيبقى في غير محله عندما يتصل الأمر بالصراع على هوية المنطقة و مستقبلها و على مصير الهيمنة الاستعمارية الغربية الإسرائيلية .

ثانيا الانقسام السياسي اللبناني عابر للطوائف و لكن هذه الحقيقة يجري العمل على حجبها بفعل مقصود فثمة في الخندقين المتقابلين افتراضيا : 8 و 14 آذار و حتى في معسكر من يرفعون يافطة الوسطية ، قوى و تكتلات سياسية و رموز من جميع التلاوين الطائفية و المذهبية و بالتالي فالمواجهات و المعارك السياسية تدور على تخوم الخيارات و المشاريع و ليس على حد العصبيات ، لكن استعمال التجييش المذهبي و الطائفي بات تقليدا راسخا عند القوى السياسية في النظام اللبناني منذ أمد بعيد .

إن إمكانية تقنين الصراع السياسي و ضبط الاختلاف في الخيارات ما تزال قائمة و متاحة لكنها تشترط واقعيا اتخاذ التدابير والخطوات السياسية والقانونية والميدانية التي تمنع اندلاع العنف داخل لبنان كحصيلة للاحتقان .

قبل السعي إلى تحريك الحوار الداخلي على السلطة السياسية التحرك وفقا لمجموعة من المبادئ التي من شأنها فرض الحد الأدنى من الاستقرار الأمني عبر وقف التدخلات اللبنانية في الحرب على سورية و هذا يقتضي تحصين الجيش اللبناني و دعمه شعبيا و سياسيا في مهماته المتعلقة بضبط الحدود و منع تهريب الأسلحة و في تفكيك مخيمات التدريب و قواعد الانطلاق التي تستخدمها عصابات ما يسمى بالجيش السوري الحر .

ثالثا تقع المسؤولية الرئيسية في مواجهة المخاطر الزاحفة على السلطة الإجرائية و بالذات على رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة و مجلس الوزراء مجتمعا و القضية المركزية هي وقف كل أشكال خرق السيادة و القانون و النظام للتدخل بأفعال أمنية و عسكرية داخل سوريا و ملاحقة المتورطين .

إن التعامل الجاري بمنطق المسايرة و التغاضي منذ آذار 2011 هو الذي سمح بتمادي الفوضى التي توشك أن تجر البلاد إلى الانفجار و إنكار المسؤولين لوجود جماعات إرهاب و تكفير على ارض لبنان تدير عملياتها الإرهابية داخل سوريا انطلاقا من المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود في الشمال و البقاع هو بمثابة إجازة لنشاط التحالف الذي تقوده أجهزة أجنبية و خليجية و تركية في لبنان و تشارك فيه أطراف لبنانية تستعمل مواقعها الباقية في القضاء و الأمن لحماية أوكار باتت معروفة و تجاهر بوجود مقراتها في لبنان أمام العالم كله كما يتبين لمن يتابع تحقيقات الصحف الأجنبية عن الوضع اللبناني و مسار الحرب على سورية .

يحتاج اللبنانيون اليوم إلى تحرك سياسي و شعبي شامل محوره حماية السلم الأهلي و التمسك بدور الجيش اللبناني و الأجهزة الأمنية المخولة بفرض الأمن و حماية الاستقرار الوطني.

و يقينا ، لن ينجو لبنان من نتائج هذه التحولات ، من غير قرار واضح بتفكيك منصة التدخل في سوريا ، فسوف تتمادى تداعيات تعميم الفوضى بقوة النموذج الذي أتاحه السلوك الرخو للحكومة التي انحرفت حتى عن النأي الذي جاهرت به عندما حولت نأيها إلى تغطية للتعايش مع التدخلات المنظمة التي قادها تيار المستقبل و شركاه داخل سوريا إعلاميا و سياسيا و أمنيا بإيعاز من الخارج و بالتناغم مع المخطط الأجنبي المعروف لإطلاق فوضى التناحر و التفتيت التي لا تعني سوى تدمير لبنان و دفعه في دوامة من الأحداث الدامية و المفجعة
  • فريق ماسة
  • 2012-05-25
  • 10503
  • من الأرشيف

من يمنع الانزلاق إلى حرب اهلية ؟

يعيش اللبنانيون حالة من القلق و الترقب و الاستنفار و يشعرون بأن كل شيء بات جاهزا لانفجار كبير ، فقد ضربت هيبة الدولة      و جرى النيل من القوة المعنوية التي طالما حظيت بها المؤسسة العسكرية الوطنية تحت ضغط الحسابات السياسية الصغيرة هنا و هناك ، و لم يكن لينقص السلطة القضائية و سمعتها المهزوزة ، سوى رضوخ جديد للسياسة و لاعتباراتها الانتخابية على حساب الوقائع العنيدة و الصلبة و بالتالي كسر ميزان العدالة ، المختل أصلا ، و قد بات الفلتان الأمني و حتى التورط في شبكات الإرهاب ، محميا و محصنا بالعصبية المذهبية التي يمكن بفضلها لأي مرتكب ، أن ينجو بفعلته تحاشيا لخضة كبرى لا يرغب بها السياسيون على أبواب الانتخابات . أولا يتحدث بعض اللبنانيين في هذه الأمور و كأنهم صدموا بها فجأة و للمرة الأولى ، أو كأن مخاطر انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية و الاقتتال الداخلي يرد في الحسابات كعنصر مستجد ، على الرغم من تراكم صدامات و اشتباكات وقعت بصورة متواترة كحصيلة للاحتقان السياسي و الطائفي طيلة السنوات الماضية . طبعا بالمقابل من الغباء التفرج على ما يجري و تكرار لازمة يحبها اللبنانيون : لاجديد ، فثمة جديد واضح و قوي ، و هو أن خطة الحرب على سورية و القوى الخارجية و الداخلية المتورطة في الأحداث السورية ، تمكنت من تخطي الجدار الوهمي الذي تحصنت به السلطة اللبنانية تحت عنوان النأي و بات منذ امد غير قصير كل ما يجري في سورية و من حولها حدثا لبنانيا و موضوع جدال و صراع بين القوى السياسية المحلية المختلفة ، لتظهر مرة أخرى حقيقة قاهرة و هي ان حدود سايكس بيكو لا يمكن لها ان تحجب الطابع القومي لجميع التناقضات و الصراعات التي طالما عصفت بلبنان منذ اغتصاب فلسطين ، و ليبدو بكل فجاجة أن الرهان على تحييد لبنان كان و ما يزال و سيبقى في غير محله عندما يتصل الأمر بالصراع على هوية المنطقة و مستقبلها و على مصير الهيمنة الاستعمارية الغربية الإسرائيلية . ثانيا الانقسام السياسي اللبناني عابر للطوائف و لكن هذه الحقيقة يجري العمل على حجبها بفعل مقصود فثمة في الخندقين المتقابلين افتراضيا : 8 و 14 آذار و حتى في معسكر من يرفعون يافطة الوسطية ، قوى و تكتلات سياسية و رموز من جميع التلاوين الطائفية و المذهبية و بالتالي فالمواجهات و المعارك السياسية تدور على تخوم الخيارات و المشاريع و ليس على حد العصبيات ، لكن استعمال التجييش المذهبي و الطائفي بات تقليدا راسخا عند القوى السياسية في النظام اللبناني منذ أمد بعيد . إن إمكانية تقنين الصراع السياسي و ضبط الاختلاف في الخيارات ما تزال قائمة و متاحة لكنها تشترط واقعيا اتخاذ التدابير والخطوات السياسية والقانونية والميدانية التي تمنع اندلاع العنف داخل لبنان كحصيلة للاحتقان . قبل السعي إلى تحريك الحوار الداخلي على السلطة السياسية التحرك وفقا لمجموعة من المبادئ التي من شأنها فرض الحد الأدنى من الاستقرار الأمني عبر وقف التدخلات اللبنانية في الحرب على سورية و هذا يقتضي تحصين الجيش اللبناني و دعمه شعبيا و سياسيا في مهماته المتعلقة بضبط الحدود و منع تهريب الأسلحة و في تفكيك مخيمات التدريب و قواعد الانطلاق التي تستخدمها عصابات ما يسمى بالجيش السوري الحر . ثالثا تقع المسؤولية الرئيسية في مواجهة المخاطر الزاحفة على السلطة الإجرائية و بالذات على رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة و مجلس الوزراء مجتمعا و القضية المركزية هي وقف كل أشكال خرق السيادة و القانون و النظام للتدخل بأفعال أمنية و عسكرية داخل سوريا و ملاحقة المتورطين . إن التعامل الجاري بمنطق المسايرة و التغاضي منذ آذار 2011 هو الذي سمح بتمادي الفوضى التي توشك أن تجر البلاد إلى الانفجار و إنكار المسؤولين لوجود جماعات إرهاب و تكفير على ارض لبنان تدير عملياتها الإرهابية داخل سوريا انطلاقا من المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود في الشمال و البقاع هو بمثابة إجازة لنشاط التحالف الذي تقوده أجهزة أجنبية و خليجية و تركية في لبنان و تشارك فيه أطراف لبنانية تستعمل مواقعها الباقية في القضاء و الأمن لحماية أوكار باتت معروفة و تجاهر بوجود مقراتها في لبنان أمام العالم كله كما يتبين لمن يتابع تحقيقات الصحف الأجنبية عن الوضع اللبناني و مسار الحرب على سورية . يحتاج اللبنانيون اليوم إلى تحرك سياسي و شعبي شامل محوره حماية السلم الأهلي و التمسك بدور الجيش اللبناني و الأجهزة الأمنية المخولة بفرض الأمن و حماية الاستقرار الوطني. و يقينا ، لن ينجو لبنان من نتائج هذه التحولات ، من غير قرار واضح بتفكيك منصة التدخل في سوريا ، فسوف تتمادى تداعيات تعميم الفوضى بقوة النموذج الذي أتاحه السلوك الرخو للحكومة التي انحرفت حتى عن النأي الذي جاهرت به عندما حولت نأيها إلى تغطية للتعايش مع التدخلات المنظمة التي قادها تيار المستقبل و شركاه داخل سوريا إعلاميا و سياسيا و أمنيا بإيعاز من الخارج و بالتناغم مع المخطط الأجنبي المعروف لإطلاق فوضى التناحر و التفتيت التي لا تعني سوى تدمير لبنان و دفعه في دوامة من الأحداث الدامية و المفجعة

المصدر : الشرق الاوسط الجديد/ غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة