يلف الجنون البلاد التي يحكم المسلحون شوارعها، من أقصاها إلى أقصاها. فعدا السلاح «المنظّم» الذي ظهر في الشوارع خلال الأيام الماضية، انفلت عقال السلاح الفردي، ليصل إلى قمة اللامنطق اول من امس. مسحلان «متقاعدان» من تنظيم القاعدة في كراكاس، يقاتلان الجيش، «لأسباب غرامية»

«أبو الجواهر، أحداث حوادث لبنانية، لحم بعجين». مقارنةً بالواقع الذي نعيشه اليوم، تبدو العبارة التي تكررت في مسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، عقلانية جداً. البلاد تعيش حفلة جنون لا تنتهي. ذروتها ليل أول من أمس، في منطقة كراكاس، قرب مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي. وأي حادث أمني في المكان المذكور، يعني أن على كل من في بيته سلاح من أنصار قوى 8 آذار أن يجهز نفسه للمعركة الكبرى. للحظات، انقطعت الانفاس في البلاد.

لكن مهلاً، الحادث فردي، وخلفياته «غرامية». هكذا تقول الأجهزة الامنية. والاشتباك الغرامي استمر مع الجيش اللبناني أكثر من ثماني ساعات، ونتيجته قتيلان و10 جرحى. الجنون لا ينتهي هنا. أحد القتيلين، وواحد من الموقوفين، كانا ناشطين في صفوف تنظيم «القاعدة».

المفاجاة الاولى تأتي من اسم الموقوف: هاني الشنطي، الرجل البارز في مجموعة الـ13، المرتبطة بأبي مصعب الزرقاوي، والتي كان يرأسها أمير تنظيم القاعدة الأسبق في سوريا ولبنان، اللبناني حسن نبعة. وأحد أفراد المجموعة (السعودي فيصل اكبر) اعترف بأنه ضالع في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري: إعداداً وتنفيذاً. كان ذلك في الأيام الاولى من العام 2006، وفي حضرة محققي فرع المعلومات. لكن أسباباً مجهولة، دفعت أكبر إلى تبديل إفادته. والشنطي واحد من أقرب أصدقاء خالد طه، الذي يُعتقد ان له صلة قوية باختفاء أحمد أبو عدس، الشاب الذي تبنى اغتيال الحريري. مجموعة الـ13 دخلت السجن بأحكام قضائية، وكان نصيب الشنطي منها خمس سنوات سجن.

ما إن خرج مصاباً ليل امس من مبنى «كيب عيتاني» في كراكاس، حتى عرف عن هويته. وخلال استجوابه السريع، قال لرجال الجيش إنه كان موقوفاً سابقاً، بتهمة الإرهاب. هنا ارتفع منسوب الأدرينالين في صفوف العسكريين. طلبوا تعزيزات «نوعية». واقتحموا المبنى. من هو المسلح الثاني؟ محمد يمان منذر سليماني. الشاب السوري (مواليد العام 1984) قاعدي الهوى أيضاً. قبل نحو أربع سنوات، اوقف في لبنان بتهمة تزوير جواز سفر. لكن الشاب مرتبط بتنظيم «القاعدة». جنّده عام 2007 أحد معاوني رجل الدين السوري محمود غول أغاسي (أبو القعقاع) الذي قتل وهو خارج من مسجده في حلب في العام نفسه. وفي ذلك العام، ارتبط اسم سليماني بمجموعة شيشانية تابعة لتنظيم القاعدة في دولة خليجية. أوقف، وجرى التحقيق معه، وحوكم وأطلق سراحه يوم 21/12/2008. لكنه لم يُرحّل من لبنان، لأسباب غير معروفة.

يوم امس، قُتِل في بناية «كيب عيتاني». «صمد» نحو ثماني ساعات، مقاتلاً الجيش اللبناني.

حتى الآن، العملية إذا مرتبطة بتنظيم «القاعدة». مقاتلان «قاعديان» أطلقا الرصاص والقنابل في ليل بيروت، واستنفرا الأجهزة الامنية ومسلحي الأحزاب والشوارع.

لكن الجنون الذي تعيشه البلاد منذ أسابيع لن يترك القصة تُختَم على هذا المنوال. «القاعديان» متقاعدان. رفيق أبي مصعب الزرقاوي والأمير حسن نبعة صارا خارج اطر الجهاديين. بعد السجن، عاد لـ«يحب الحياة». يقول إنه اكتشف أن أمراءه لم يكونوا صادقين، فنحا صوب الموسيقى والرياضة. قبل أسابيع، نظم بطولة في المصارعة الحرة في المدينة الرياضية. وفي السجن، تعرّف إلى سليماني. هكذا تقول الرواية الأمنية. تضيف أن سليمان «تاب» بدوره عن الجهاد. وعشق غرام. والاخيرة، في إفادتها، قالت إن صديقها السابق يتعاطى انواعاً «تعجيزية» من المخدرات: يخلط الأفيون بالكوكايين معاً، ويشرب فوقهما الكحول. وإنها قررت قطع علاقتها به بعدما صار يأتي بالأسلحة إلى شقته في كراكاس، فأتت برفقة مزيّنها سامر أبو عقل (المصري)، لتأخذ أغراضها من المنزل. ثار غضب سليماني، فأردى المصري قتيلاً. في هذا الوقت، وصل صديقه هاني الشنطي. وقاتل سليماني، بحسب الرواية الامنية، تحت تأثير خلطة المخدّر العجائبية. أما الشنطي، فقد استسلم بعدما أصيب في يده ورجله.

الرواية الأمنية تختصر ما جرى إذاً بالآتي: «مجاهدان متقاعدان». خلف ظهريهما العراق والشيشان وما بينهما. لكنهما قاتلا اول من أمس «حباً بالحياة» لا املاً بنيل الشهادة. خلطة هي أكثر غرابة من خلطة المخدر، ومن خلطة أبي الجواهر في مسرحية الرحباني. لكنها تشبه الوضع القائم في البلاد: أستاذ يعاقب تلميذة بـ«كل احترام»، في الأشرفية، فيأتي والد التلميذة ليقطع أذن الأستاذ. خلاف على دراجة نارية في سد البوشرية ينتهي بقتيل سقط على أيدي مسلحين هم أقرب إلى ما يظهر في أفلام الغرب الأميركي منهم إلى الواقع المفترض. أبو الجواهر بسلاحه، يحكم لبنان. أما الدولة، فإما أنها تحتفل بإطلاق مدعى عليه، «حفاظاً على السلم الأهلي»، أو أنها في جرود عرسال. ففي تلك الجرود التي صارت اليوم شبيهة «علناً» بجرود شقيقتها بريتال، كان ثمة مخطوف قبل يومين. حررته دورية من أحد الأجهزة الأمنية. ساهم شبان من البلدة في تحرير المخطوف من أيدي مجموعة من أبناء البلدة ذاتها. جهاز امني آخر كان له دور في العملية التي انتهت على خير، لكن صراع الأجهزة بدأ للتو: لمن الأسبقية في الإعلان عن تحرير المخطوف؟ أحد الضباط الأمنيين يرفض أن يكون في سيارة واحدة مع زميل له من جهاز آخر. وساطات كادت تصل إلى الأمم المتحدة، لولا أن رئيس بلدية عرسال حسم الموقف، مقنعاً الضابطين بالاعتراف بأنهما من الفصيلة ذاتها.

إنه زمن أبو الجواهر.

  • فريق ماسة
  • 2012-05-24
  • 11849
  • من الأرشيف

تنظيم القاعدة في بيروت

يلف الجنون البلاد التي يحكم المسلحون شوارعها، من أقصاها إلى أقصاها. فعدا السلاح «المنظّم» الذي ظهر في الشوارع خلال الأيام الماضية، انفلت عقال السلاح الفردي، ليصل إلى قمة اللامنطق اول من امس. مسحلان «متقاعدان» من تنظيم القاعدة في كراكاس، يقاتلان الجيش، «لأسباب غرامية» «أبو الجواهر، أحداث حوادث لبنانية، لحم بعجين». مقارنةً بالواقع الذي نعيشه اليوم، تبدو العبارة التي تكررت في مسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، عقلانية جداً. البلاد تعيش حفلة جنون لا تنتهي. ذروتها ليل أول من أمس، في منطقة كراكاس، قرب مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي. وأي حادث أمني في المكان المذكور، يعني أن على كل من في بيته سلاح من أنصار قوى 8 آذار أن يجهز نفسه للمعركة الكبرى. للحظات، انقطعت الانفاس في البلاد. لكن مهلاً، الحادث فردي، وخلفياته «غرامية». هكذا تقول الأجهزة الامنية. والاشتباك الغرامي استمر مع الجيش اللبناني أكثر من ثماني ساعات، ونتيجته قتيلان و10 جرحى. الجنون لا ينتهي هنا. أحد القتيلين، وواحد من الموقوفين، كانا ناشطين في صفوف تنظيم «القاعدة». المفاجاة الاولى تأتي من اسم الموقوف: هاني الشنطي، الرجل البارز في مجموعة الـ13، المرتبطة بأبي مصعب الزرقاوي، والتي كان يرأسها أمير تنظيم القاعدة الأسبق في سوريا ولبنان، اللبناني حسن نبعة. وأحد أفراد المجموعة (السعودي فيصل اكبر) اعترف بأنه ضالع في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري: إعداداً وتنفيذاً. كان ذلك في الأيام الاولى من العام 2006، وفي حضرة محققي فرع المعلومات. لكن أسباباً مجهولة، دفعت أكبر إلى تبديل إفادته. والشنطي واحد من أقرب أصدقاء خالد طه، الذي يُعتقد ان له صلة قوية باختفاء أحمد أبو عدس، الشاب الذي تبنى اغتيال الحريري. مجموعة الـ13 دخلت السجن بأحكام قضائية، وكان نصيب الشنطي منها خمس سنوات سجن. ما إن خرج مصاباً ليل امس من مبنى «كيب عيتاني» في كراكاس، حتى عرف عن هويته. وخلال استجوابه السريع، قال لرجال الجيش إنه كان موقوفاً سابقاً، بتهمة الإرهاب. هنا ارتفع منسوب الأدرينالين في صفوف العسكريين. طلبوا تعزيزات «نوعية». واقتحموا المبنى. من هو المسلح الثاني؟ محمد يمان منذر سليماني. الشاب السوري (مواليد العام 1984) قاعدي الهوى أيضاً. قبل نحو أربع سنوات، اوقف في لبنان بتهمة تزوير جواز سفر. لكن الشاب مرتبط بتنظيم «القاعدة». جنّده عام 2007 أحد معاوني رجل الدين السوري محمود غول أغاسي (أبو القعقاع) الذي قتل وهو خارج من مسجده في حلب في العام نفسه. وفي ذلك العام، ارتبط اسم سليماني بمجموعة شيشانية تابعة لتنظيم القاعدة في دولة خليجية. أوقف، وجرى التحقيق معه، وحوكم وأطلق سراحه يوم 21/12/2008. لكنه لم يُرحّل من لبنان، لأسباب غير معروفة. يوم امس، قُتِل في بناية «كيب عيتاني». «صمد» نحو ثماني ساعات، مقاتلاً الجيش اللبناني. حتى الآن، العملية إذا مرتبطة بتنظيم «القاعدة». مقاتلان «قاعديان» أطلقا الرصاص والقنابل في ليل بيروت، واستنفرا الأجهزة الامنية ومسلحي الأحزاب والشوارع. لكن الجنون الذي تعيشه البلاد منذ أسابيع لن يترك القصة تُختَم على هذا المنوال. «القاعديان» متقاعدان. رفيق أبي مصعب الزرقاوي والأمير حسن نبعة صارا خارج اطر الجهاديين. بعد السجن، عاد لـ«يحب الحياة». يقول إنه اكتشف أن أمراءه لم يكونوا صادقين، فنحا صوب الموسيقى والرياضة. قبل أسابيع، نظم بطولة في المصارعة الحرة في المدينة الرياضية. وفي السجن، تعرّف إلى سليماني. هكذا تقول الرواية الأمنية. تضيف أن سليمان «تاب» بدوره عن الجهاد. وعشق غرام. والاخيرة، في إفادتها، قالت إن صديقها السابق يتعاطى انواعاً «تعجيزية» من المخدرات: يخلط الأفيون بالكوكايين معاً، ويشرب فوقهما الكحول. وإنها قررت قطع علاقتها به بعدما صار يأتي بالأسلحة إلى شقته في كراكاس، فأتت برفقة مزيّنها سامر أبو عقل (المصري)، لتأخذ أغراضها من المنزل. ثار غضب سليماني، فأردى المصري قتيلاً. في هذا الوقت، وصل صديقه هاني الشنطي. وقاتل سليماني، بحسب الرواية الامنية، تحت تأثير خلطة المخدّر العجائبية. أما الشنطي، فقد استسلم بعدما أصيب في يده ورجله. الرواية الأمنية تختصر ما جرى إذاً بالآتي: «مجاهدان متقاعدان». خلف ظهريهما العراق والشيشان وما بينهما. لكنهما قاتلا اول من أمس «حباً بالحياة» لا املاً بنيل الشهادة. خلطة هي أكثر غرابة من خلطة المخدر، ومن خلطة أبي الجواهر في مسرحية الرحباني. لكنها تشبه الوضع القائم في البلاد: أستاذ يعاقب تلميذة بـ«كل احترام»، في الأشرفية، فيأتي والد التلميذة ليقطع أذن الأستاذ. خلاف على دراجة نارية في سد البوشرية ينتهي بقتيل سقط على أيدي مسلحين هم أقرب إلى ما يظهر في أفلام الغرب الأميركي منهم إلى الواقع المفترض. أبو الجواهر بسلاحه، يحكم لبنان. أما الدولة، فإما أنها تحتفل بإطلاق مدعى عليه، «حفاظاً على السلم الأهلي»، أو أنها في جرود عرسال. ففي تلك الجرود التي صارت اليوم شبيهة «علناً» بجرود شقيقتها بريتال، كان ثمة مخطوف قبل يومين. حررته دورية من أحد الأجهزة الأمنية. ساهم شبان من البلدة في تحرير المخطوف من أيدي مجموعة من أبناء البلدة ذاتها. جهاز امني آخر كان له دور في العملية التي انتهت على خير، لكن صراع الأجهزة بدأ للتو: لمن الأسبقية في الإعلان عن تحرير المخطوف؟ أحد الضباط الأمنيين يرفض أن يكون في سيارة واحدة مع زميل له من جهاز آخر. وساطات كادت تصل إلى الأمم المتحدة، لولا أن رئيس بلدية عرسال حسم الموقف، مقنعاً الضابطين بالاعتراف بأنهما من الفصيلة ذاتها. إنه زمن أبو الجواهر.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة