دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يكن ما شهدته الساحة اللبنانية شمالاً في الأيام الأخيرة مجرّد إنذار بتوسع رقعة الأزمة السورية، لتهدّد الجار اللبناني في عقر داره. ففي الإطار الأوسع للتوترات الشمالية، ما هو أخطر من ذلك. هناك منطقة ترزح تحت وطأة صراع مستشرس بين سورية من جهة والسعودية وأميركا من جهة أخرى. أما الهدف من الصراع فيلخصه معهد "ستراتفور" في تقريره: "السيطرة على طرق الإمداد العسكري من الشمال اللبناني إلى الأراضي السورية، والتي باتت تعتبر شرايين حيوية بالنسبة للمسلحين السوريين".
يشير التقرير الى أن النظام السوري يحاول، من ناحية، زعزعة الاستقرار في طرابلس لتخريب خطوط الإمداد وتحييدها عن دائرة الصراع على حدوده، وفي المقابل، تحاول كل من الرياض وواشنطن استغلال هذه الطرق من أجل ضخّ المال والسلاح لدعم المعارضين السوريين. وفي هذا السياق، يتشكّل مناخ ملائم لاحتضان التشدّد السلفي وتغذيته.
يستطرد المعهد الأميركي، المعروف بنشاطه الاستخباري، في تفنيد ما يريده كل طرف من الشمال. يعتبر "ستراتفور" أن طرابلس وعكار تشكلان مناطق حساسة بالنسبة لقنوات الدعم. فطرابلس هي ثانية أكبر مدن لبنان وهي قناة دعم مهمة إلى جانب كونها قاعدة تنظيمية أساسية للمقاتلين السوريين. أما عكار، فتعدّ منصة للمقاتلين السوريين يستطيعون منها نصب كمائن وإطلاق النار على الجيش السوري على طول الحدود، بهدف إلهاء قوات النظام عن المسلحين والمهربين.
من ناحية ثانية، وفي سياق تفنيد استفادة النظام السوري من أحداث الشمال، وما تجرّه من تهديد بإشعال الحرب الأهلية، يرى "المعهد" أن سوريا قد تتمكن نتيجة ما يجري من تشتيت المجتمع الدولي عن مشروع إطاحة النظام.
أما في ما يخصّ الأهداف السعودية – الأميركية، فيشرح "ستراتفور" أن "الطرفين، إلى جانب حلفائهما مثل قطر وتركيا، يحاولان الاستفادة مما يحصل في سوريا "لإسقاط" الرئيس بشار الأسد والأهم إضعاف إيران وكبح نفوذها".
وفيما يؤكد "ستراتفور" أن "أعداء إيران غير راغبين بخوض المعركة عبر التدخل العسكري التقليدي، لذلك هم يأملون أن يؤدي دعم المعارضين بالسلاح إلى "إسقاط" النظام من الداخل"، يستنتج أن "طرق الدعم في شمال لبنان تعدّ حكماً قنوات حيوية من أجل هذه الجهود". وفي هذا المخطط، تعتبر طرابلس مكاناً ينبغي التوقف عنده كثيراً.
يعود المعهد إلى نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة العثمانية، حيث أدى قيام المركز المالي في بيروت الى تهميش طرابلس. وهكذا ساهمت معدلات الفقر المرتفعة ونسبة السكان العالية واختلافهم في جعل المدينة مرتعاً خصباً للسلفيين. مع العلم أن الظاهرة السلفية تنمو في طرابلس بدعم سعودي كبير تؤكده المؤشرات المرافقة لصعود هذه الظاهرة في المنطقة.
وفي سياق آخر، يتحدث تقرير "ستراتفور" عن "مؤشرات وصلته تؤكد دعم "تيار المستقبل"، بإدارة سعودية، للمقاتلين السلفيين، فضلاً عن التنسيق معهم على أعلى المستويات"، لافتاً الانتباه إلى "مبالغ سعودية ضخمة وصلت إلى التيار خلال السنوات السابقة بهدف مواجهة "حزب الله" وحلفائه". كما يشير إلى أن "السعودية كانت تحاول أن تجعل من "تيار المستقبل" قوة مسلحة متمرسة تكون على مستوى مواجهة "حزب الله".. مع العلم أن المقاتلين السلفيين الذين انتقلوا إلى طرابلس مؤخراً كانوا على مستوى عال من الخبرة في القتال وفي تهريب الأسلحة عبر التضاريس الوعرة".
إلى ذلك، يلفت التقرير الانتباه إلى أن أميركا لا ترغب في التعامل مع المقاتلين السلفيين لإسقاط النظام السوري، ولكنّ للسعودية في ساحة المعركة الحالية ثقلاً كبيراً اكتسبته بخبرتها وثرواتها المالية. وفيما تدرك الرياض أن دعم السلفيين يحمل في طيّاته نوعاً من المخاطرة، تصرّ، في المقابل، على مواجهة أي سيطرة محتملة لـ"الإخوان المسلمين" على المعارضة السورية.
في النهاية، يتابع "ستراتفور"، يبقى أن نرى ما إذا كان تدفق السلفيين الى طرابلس سيصبّ لمصلحة تعزيز قدرات المقاتلين السوريين (المعارضين). ويتوقع أن تتخذ المعركة السورية وجهاً جهادياً، مستشهداً بتوسع دائرة عمل "جبهة النصرة" التي تبنت المسؤولية عن العديد من التفجيرات الإرهابية التي شهدتها سوريا.
ويختم التقرير "فيما ستحاول سوريا تعزيز قبضتها الأمنية لمواجهة المتطرفين، سيكون الصراع في المرحلة المقبلة محتدماً بينها وبين السعودية وأميركا على الشمال اللبناني".
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة