بات واضحاً أن احتدام معركة انتخابات الرئاسة المصرية لا يعود فقط إلى الصراع السياسي الداخلي على الفوز بالكرسي الأول في هذا البلد الكبير. ففي الميزان أمور أكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي لكثيرين من داخل أرض الكنانة ومن خارجها، لعل أولها الدور الإقليمي لمصر وموقفها من القضايا الجوهرية، والمقصود حصراً أميركا (أو الإمبريالية) وإسرائيل (أو الصهيونية). عنصران يبدو أنهما مرتبطان عضوياً على ما تفيد وقائع العقود القليلة الماضية.مصر _ عبد الناصر التي رفعت لواء حركات التحرر ضد الإمبريالية والمقاومة ضد الصهيونية، جعلت القاهرة قوة عظمى إقليمية نفوذها يمتد من طنجة إلى حضرموت وبابل وساحة أميّة. مصر _ السادات التي تحالفت مع أميركا وصالحت إسرائيل، نُبذت عربياً وإسلامياً بعدما جرى عزلها. ومصر _ مبارك التي حالفت إسرائيل إلى أن أصبح رئيسها "كنزاً استراتيجياً" للصهيونية، انطوت على نفسها، وبات كل أملها حفظ نظامها الذي أطاحته الجماهير في ميدان التحرير.

ماذا ستكون عليه مصر الغد؟ أياً من النماذج الثلاثة ستعتمد؟ موقف العسكر مهم هنا، لا شك. حاجات مصر الاقتصادية تشكل معطى لا يمكن تجاهله، بالتأكيد. لكن القرار الحاسم لن يكون إلا في أيدي السلطة السياسية التي ستتشكل من رحم القوى الشعبية الحيّة التي أودت بالنظام السابق، وهي معركة إطارها الأساسي انتخابات الرئاسة المقبلة، التي لم تبق قوة إقليمية أو دولية معنية بهذا الملف إلا حشدت نفوذها كله لضمان فوز المرشح الأقرب إلى تحقيق مصالحها.

وقد يكون اللاعب الأساسي هنا الولايات المتحدة، نظراً إلى ما تتمتع به من علاقات تاريخية مع مصر، نظاماً سابقاً وعسكراً ومجتمعاً مدنياً، ولما لها من تأثير على قوى المنطقة المتورطة في هذه اللعبة.

وفي هذا السياق، تنقل مصادر دبلوماسية عربية عن تقرير أميركي، تقول إن أجهزة الاستخبارات رفعته للإدارة الأميركية حيث عممته وزارة الخارجية على بعض دول المنطقة، إقراره بأن "المواطن العربي والمسلم يشعر بمؤامرة على عروبة مصر وإسلاميتها ودورها وريادتها، وقيود على عودتها إلى العالمين العربي والإسلامي، بهدف منعها من أن تأخذ موقفاً مناهضاً لأميركا وإسرائيل، بدأت إرهاصاته في قطع الغاز، وهناك مخاوف من أن يتدحرج إلى حد إلغاء معاهدة كامب ديفيد".

ويضيف التقرير، وهو عبارة عن تقدير وضع يتضمن توصيات لطريقة مقاربة الإدارة لانتخابات الرئاسة المصرية، أنه "لا بد من تمزيق الإسلاميين، وضرب بعضهم ببعض، وخلق صراعات في ما بينهم، السلفيين ضد الأخوان، و"القاعدة" ضد الفلول،... والهدف منع حركة الإخوان المسلمين من الانتصار بأي ثمن كان".

وتشير المصادر الدبلوماسية إلى أن اشتباكات العباسية كانت أولى تجليات هذا الصراع حيث ظهرت الرايات السود للمرة الأولى، لافتة إلى أن التقرير يتحدث عن ضرورة دعم عمرو موسى وأحمد شفيق بحيث يجري التأكد من فوز أحدهما بكرسي الرئاسة المصرية. وبما أن "الأميركيين يدركون أن شفيق لا يصلح، ذلك أنه لا يملك الكاريزما ولا القاعدة الشعبية ولا المشروعية للفوز بأصوات المصريين، فإنه تم تكليف فريق من أجهزة الاستخبارات البريطانية، مهمته دعم جهود عمرو موسى الرامية إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة من وراء الستار".

المصادر نفسها تستدرك بأن "هذا لا يعني أن هذا الفريق يعمل ضمن مكتب موسى أو أن الأخير وافق عليه أو حتى يعرف بوجوده"، مشيرة إلى أن الأفضلية في نظر واشنطن للأمين العام السابق للجامعة العربية لأنه "يحسن التلفظ بكلام جميل، عن العرب ومصر وفلسطين وما إلى ذلك، لكنه لن يمتلك يوماً القوة التي تمكنه من تنفيذ ما يقوله".

ويضيف التقرير، بحسب المصادر نفسها، أنه "على الضفة الأخرى، يجب زيادة حدة الشقاق والصراع بين المرشحين الإسلاميين الثلاثة، سليم العوا، ومحمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، لتشتيت أصوات الإسلاميين"، مشيراً إلى أنه "في حال العجز عن ضمان فوز موسى أو شفيق، فالأفضلية لأبو الفتوح، باعتباره منشقاً إسلامياً لا يمتلك القاعدة الجماهيرية التي تجعله يعيد الدور الريادي لمصر، ذلك أن فوزه سيقلّص من حجم حركة الإخوان، التي عمرها 80 عاماً، في عيون الناس". استبعاد المرشح الأساسي للإخوان خيرت الشاطر من سباق الرئاسة كان الخطوة الأولى في هذا السيناريو.

وتنبع المخاوف الأميركية من الإخوان المسلمين من واقع أنها "الكتلة الوحيدة التي تمتلك ما يكفي من قوة جماهيرية ومشروعية تاريخية ودينية لإعادة مصر إلى الخريطة الإقليمية والدولية، رغم خطابها المنخفض تجاه كامب ديفيد وإسرائيل. فطبيعتها وتراثها والراية التي ترفعها من عشرات السنين عن فلسطين ومناهضة الإمبريالية تتهدد بجعلها حركة أقرب إلى الحركة الإسلامية الخمينية في إيران، من حيث مقاربتها لملفات المنطقة". بناءً عليه، بحسب المصادر الدبلوماسية، إن "أمر العمليات الأميركي يقضي أولاً بمنع وصول الإخوان إلى كرسي الرئاسة لأنهم يحملون هذه المواصفات، أو بالأحرى هذه الجينات العقائدية. وثانياً بكسر هيبة المشروع الإسلامي يساعدهم في ذلك ضعف خطاب الإخوان أنفسهم".

وتلفت هذه المصادر إلى "وجود مؤشرات، من داخل مصر، إلى جهود تُبذل من أجل حثّ المرشحين الإسلاميين الثلاثة على التحالف مع الناصري حمدين صباحي والاتفاق على مرشح واحد يستطيع أن يضمن الفوز من الدورة الأولى له وللمشروع الإسلامي _ القومي الداعم له". وتوضح أن "خطوة كهذه قد تكون شبكة الخلاص التي ستمكن القوة الشعبية الأكبر في البلاد من التعبير عن إرادتها، وأن تفرض نفسها كقوة داخلية مهيمنة، ما يفتح لها الطريق في لملمة نفسها وفرض برنامجها السياسي الذي سيحدد موقع مصر على الخريطة الجيواستراتيجية في المنطقة".

  • فريق ماسة
  • 2012-05-08
  • 11039
  • من الأرشيف

أمر عمليات أميركي: شتتوا إسلاميي مصر!

بات واضحاً أن احتدام معركة انتخابات الرئاسة المصرية لا يعود فقط إلى الصراع السياسي الداخلي على الفوز بالكرسي الأول في هذا البلد الكبير. ففي الميزان أمور أكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي لكثيرين من داخل أرض الكنانة ومن خارجها، لعل أولها الدور الإقليمي لمصر وموقفها من القضايا الجوهرية، والمقصود حصراً أميركا (أو الإمبريالية) وإسرائيل (أو الصهيونية). عنصران يبدو أنهما مرتبطان عضوياً على ما تفيد وقائع العقود القليلة الماضية.مصر _ عبد الناصر التي رفعت لواء حركات التحرر ضد الإمبريالية والمقاومة ضد الصهيونية، جعلت القاهرة قوة عظمى إقليمية نفوذها يمتد من طنجة إلى حضرموت وبابل وساحة أميّة. مصر _ السادات التي تحالفت مع أميركا وصالحت إسرائيل، نُبذت عربياً وإسلامياً بعدما جرى عزلها. ومصر _ مبارك التي حالفت إسرائيل إلى أن أصبح رئيسها "كنزاً استراتيجياً" للصهيونية، انطوت على نفسها، وبات كل أملها حفظ نظامها الذي أطاحته الجماهير في ميدان التحرير. ماذا ستكون عليه مصر الغد؟ أياً من النماذج الثلاثة ستعتمد؟ موقف العسكر مهم هنا، لا شك. حاجات مصر الاقتصادية تشكل معطى لا يمكن تجاهله، بالتأكيد. لكن القرار الحاسم لن يكون إلا في أيدي السلطة السياسية التي ستتشكل من رحم القوى الشعبية الحيّة التي أودت بالنظام السابق، وهي معركة إطارها الأساسي انتخابات الرئاسة المقبلة، التي لم تبق قوة إقليمية أو دولية معنية بهذا الملف إلا حشدت نفوذها كله لضمان فوز المرشح الأقرب إلى تحقيق مصالحها. وقد يكون اللاعب الأساسي هنا الولايات المتحدة، نظراً إلى ما تتمتع به من علاقات تاريخية مع مصر، نظاماً سابقاً وعسكراً ومجتمعاً مدنياً، ولما لها من تأثير على قوى المنطقة المتورطة في هذه اللعبة. وفي هذا السياق، تنقل مصادر دبلوماسية عربية عن تقرير أميركي، تقول إن أجهزة الاستخبارات رفعته للإدارة الأميركية حيث عممته وزارة الخارجية على بعض دول المنطقة، إقراره بأن "المواطن العربي والمسلم يشعر بمؤامرة على عروبة مصر وإسلاميتها ودورها وريادتها، وقيود على عودتها إلى العالمين العربي والإسلامي، بهدف منعها من أن تأخذ موقفاً مناهضاً لأميركا وإسرائيل، بدأت إرهاصاته في قطع الغاز، وهناك مخاوف من أن يتدحرج إلى حد إلغاء معاهدة كامب ديفيد". ويضيف التقرير، وهو عبارة عن تقدير وضع يتضمن توصيات لطريقة مقاربة الإدارة لانتخابات الرئاسة المصرية، أنه "لا بد من تمزيق الإسلاميين، وضرب بعضهم ببعض، وخلق صراعات في ما بينهم، السلفيين ضد الأخوان، و"القاعدة" ضد الفلول،... والهدف منع حركة الإخوان المسلمين من الانتصار بأي ثمن كان". وتشير المصادر الدبلوماسية إلى أن اشتباكات العباسية كانت أولى تجليات هذا الصراع حيث ظهرت الرايات السود للمرة الأولى، لافتة إلى أن التقرير يتحدث عن ضرورة دعم عمرو موسى وأحمد شفيق بحيث يجري التأكد من فوز أحدهما بكرسي الرئاسة المصرية. وبما أن "الأميركيين يدركون أن شفيق لا يصلح، ذلك أنه لا يملك الكاريزما ولا القاعدة الشعبية ولا المشروعية للفوز بأصوات المصريين، فإنه تم تكليف فريق من أجهزة الاستخبارات البريطانية، مهمته دعم جهود عمرو موسى الرامية إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة من وراء الستار". المصادر نفسها تستدرك بأن "هذا لا يعني أن هذا الفريق يعمل ضمن مكتب موسى أو أن الأخير وافق عليه أو حتى يعرف بوجوده"، مشيرة إلى أن الأفضلية في نظر واشنطن للأمين العام السابق للجامعة العربية لأنه "يحسن التلفظ بكلام جميل، عن العرب ومصر وفلسطين وما إلى ذلك، لكنه لن يمتلك يوماً القوة التي تمكنه من تنفيذ ما يقوله". ويضيف التقرير، بحسب المصادر نفسها، أنه "على الضفة الأخرى، يجب زيادة حدة الشقاق والصراع بين المرشحين الإسلاميين الثلاثة، سليم العوا، ومحمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، لتشتيت أصوات الإسلاميين"، مشيراً إلى أنه "في حال العجز عن ضمان فوز موسى أو شفيق، فالأفضلية لأبو الفتوح، باعتباره منشقاً إسلامياً لا يمتلك القاعدة الجماهيرية التي تجعله يعيد الدور الريادي لمصر، ذلك أن فوزه سيقلّص من حجم حركة الإخوان، التي عمرها 80 عاماً، في عيون الناس". استبعاد المرشح الأساسي للإخوان خيرت الشاطر من سباق الرئاسة كان الخطوة الأولى في هذا السيناريو. وتنبع المخاوف الأميركية من الإخوان المسلمين من واقع أنها "الكتلة الوحيدة التي تمتلك ما يكفي من قوة جماهيرية ومشروعية تاريخية ودينية لإعادة مصر إلى الخريطة الإقليمية والدولية، رغم خطابها المنخفض تجاه كامب ديفيد وإسرائيل. فطبيعتها وتراثها والراية التي ترفعها من عشرات السنين عن فلسطين ومناهضة الإمبريالية تتهدد بجعلها حركة أقرب إلى الحركة الإسلامية الخمينية في إيران، من حيث مقاربتها لملفات المنطقة". بناءً عليه، بحسب المصادر الدبلوماسية، إن "أمر العمليات الأميركي يقضي أولاً بمنع وصول الإخوان إلى كرسي الرئاسة لأنهم يحملون هذه المواصفات، أو بالأحرى هذه الجينات العقائدية. وثانياً بكسر هيبة المشروع الإسلامي يساعدهم في ذلك ضعف خطاب الإخوان أنفسهم". وتلفت هذه المصادر إلى "وجود مؤشرات، من داخل مصر، إلى جهود تُبذل من أجل حثّ المرشحين الإسلاميين الثلاثة على التحالف مع الناصري حمدين صباحي والاتفاق على مرشح واحد يستطيع أن يضمن الفوز من الدورة الأولى له وللمشروع الإسلامي _ القومي الداعم له". وتوضح أن "خطوة كهذه قد تكون شبكة الخلاص التي ستمكن القوة الشعبية الأكبر في البلاد من التعبير عن إرادتها، وأن تفرض نفسها كقوة داخلية مهيمنة، ما يفتح لها الطريق في لملمة نفسها وفرض برنامجها السياسي الذي سيحدد موقع مصر على الخريطة الجيواستراتيجية في المنطقة".

المصدر : الاخبار : إيلي شلهوب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة