في  الشهر الـ14 من الأزمة السورية، تراجعت وتيرة اللهجة التركية حيال النظام السوري، وإن لم يتبدّل مضمونها. استوعبت تركيا أنها تسرّعت في اتخاذ مواقف متقدمة ولكن غير مثمرة، لذا، تعمل على خفض إمكانات تطور الصراع في سوريا كي لا يتحول الصراع الدائر بين السلطة والمعارضة إلى حرب استنزاف على الطريقة اللبنانية أو العراقية. هي محاولة لتجاوز "الخطأ في الحسابات" الأولية التي كانت تشير إلى أن النظام السوري سيتهاوى بسرعة وهذا ما لم يتحقق.

ما حافظت عليه تركيا بعد 14 شهرا هو منسوب القلق المتدرّج صعودا بسبب سقوط الضحايا المستمر والصراع الداخلي الذي تتضح خطورته أكثر، يوما بعد يوم.

وإذا كان وجود المراقبين الدوليين يسهّل الأمور لناحية تقليص أعداد النازحين، إلا أن حدة الصراع تتصاعد مع رصد الأتراك "عدم وجود نية لدى الرئيس بشار الأسد في التعاون مع المجتمع الدولي".

لا سيناريو واضحا لدى تركيا بعد عن مصير الوضع في سوريا في حال فشل خطة الموفد العربي والدولي كوفي أنان، ولا يدري المسؤولون فيها كم سيصبر المجتمع الدولي بعد.

يدرك الأتراك أنه لا توجد حاليا وسيلة للتدخل في سوريا، لذلك، تستمر الأمور على حالها في انتظار مبادرة دولية جديدة من مجلس الأمن. هذا الاحتمال قد يكون ممكنا في حال فشل خطة أنان واعتراف مجلس الأمن بذلك وبدء التفتيش عن وسيلة أخرى "للإطاحة" بنظام الرئيس الأسد.

يعلق الأتراك أهمية على نتائج الانتخابات التشريعية السورية "لأنها ستظهر مدى الانقسام السوري بين النظام وبين المعارضة التي تعترف تركيا بدورها وبأنها منقسمة على ذاتها ولا توجد إشارات لغاية اليوم بأنها قادرة على تجميع قواها".

تدرك تركيا أنها رفعت وتيرة صوتها عاليا منذ بداية الأزمة السورية ولا تقول أوساط تركية أنها تعرضت لخديعة من قبل الغرب في الشأن السوري، بل تعيد رفع الصوت وحدته الى الصورة الإقليمية المتغيرة، "نظرت تركيا إلى حركة "الربيع العربي"، التي بدأت في العام الماضي معتبرة بأنها فرصة فريدة للعالم العربي للتخلّص من الديكتاتوريات وبناء سلطات ديموقراطية، فقررت أنقرة اتخاذ موقف إلى جانب الشعوب العربية".

سرعان ما أعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو بأن تركيا تؤيّد المطالب المشروعة للشعب السوري. نسقت أنقرة جهودها مع الدول الغربية وفي مقدمها واشنطن والدول الأوروبية والسعوديّة وقطر وتشاورت مع روسيا وإيران اللتين لديهما آراء مختلفة. "الخطأ" الذي رصده الأتراك في مقاربتهم للأزمة السورية "يتمثل بمحاولتنا "الطويلة" في إقناع الرئيس الأسد بتبديل أسلوبه في الحكم"...

"والخطأ الآخر يكمن في أن تركيا اعتقدت بأن الرئيس الاسد سيصغي اليها ويتصرف بطريقة واعية ويصغي الى المطالب المحقة لشعبه، ويفسح المجال أمام تغيير النظام السياسي في سوريا، إلا أنها اعترفت بعد مدة بأنها لم تنجح في إقناعه بتطبيق إصلاحات تحاكي مطالب الشعب السوري" بحسب أوساط تركية متابعة للشأن السوري.

لم يكن بوسع المسؤولين الأتراك التدخل عسكريا في سوريا إذ لم يكن لديهم الوسائل اللازمة ولا الحق بالتدخّل مباشرة، "ما استدعى تعاونا مع بعض الدول وخصوصا مع جامعة الدول العربية والولايات المتحدة وفرنسا وسواها، لكن تركيا اصطدمت بالحاجز الروسي الذي حمى الأسد ونظامه وأتاح له هامشا واسعا من المناورة لتحقيق ما يريد".

وتلفت الأوساط التركية ذاتها الانتباه الى "أنه لم يطلب أحد من تركيا أن تعمد الى التدخّل العسكري في سوريا، وخصوصا بعد الذي حصل في ليبيا، كما أن تركيا لم يكن لديها يوما أي نية بالتدخل العسكري"، حتى الحديث عن "نهج أميركي جديد" في التعاطي مع الأزمة السورية تفسره الأوساط التركية بأنه يعني «متابعة دعم قوى المعارضة بشكل أوضح على غرار ما فعلت السعودية وقطر بطريقة عمليّة وأكثر تنظيما".

وبرغم اختلاف نظرة كل من أنقرة والرياض للحالتين "السلفية" و"الإخوانية" من زاوية أحداث مصر، إلا أن تركيا تحافظ على علاقة مستقرة مع السعودية، ولذلك زار أردوغان العاصمة السعودية لتنسيق الجهود بين البلدين، ويعتبر الأتراك بأن الحالة السلفية في سوريا هي "هامشية" في حين أن "الإخوان المسلمين"، "حالة قديمة" ولا يرون تناقضا بين دعم تركيا لـ"الإخوان" وموقف السعودية من السلفيين.

منذ أكثر من ستة اشهر وتركيا تحث المعارضة السورية بأطيافها كافة، على توحيد صفوفها، إلا أن مسؤوليها يكتشفون يوما بعد يوم أن "وضع المعارضة يتجه من سيء الى أسوا" إلا أن جهودهم لتغيير هذا الوضع لا تتوقف في سبيل التوصل الى معارضة موحدة، ويرصد الأتراك انشقاقات حتى في صفوف "الجيش السوري الحرّ"!

انقطعت العلاقات السياسية كليا بين أنقرة ودمشق وتم سحب السفير التركي وإقفال السفارة إلا أن القنصلية العامة بقيت مفتوحة في حلب. لكن العلاقات التجارية بقيت بين البلدين حيث الحدود مفتوحة وثمة ممرات سالكة وخط للباصات من إنطاكيا وصولا الى بيروت، كذلك يجتاز سائقو الشاحنات الأراضي السورية لتفريغ بضائعهم، إلا أن المؤذي أن السلطات السورية رفعت الضرائب الجمركية على المنتجات التركية وعلى سائقي الشاحنات وهذا ما لم يعد يشجع التجار الأتراك على تصدير بضائعهم وأثر سلبا على اقتصاد أنطاكيا.

ما تزال تركيا لغاية اليوم مستوعبة لمسألة النازحين ولديها القدرة بعد لاستيعاب أعداد منهم علما بأن عددهم وصل الى 24 ألفا ، "إلا أنهم موجودون في مخيمات خاصة ولا يحق لهم التجول في أنحاء البلاد، ولا مؤشرات خطرة بأن هؤلاء سيبقون ثابتين في هذه المخيمات "لأن بعضهم يعودون الى قراهم وبلداتهم".

أما إذا زاد العدد عن الحدود المعقولة، فإن تركيا ستتخذ الإجراءت الملائمة، إلا أن الحديث عن إنشاء مناطق عازلة وممرات إنسانية ما يزال "ضمن الإطار النظري فحسب، لأن تركيا لا يمكنها اتخاذ هذه القرارات لوحدها إذ تتطلب توافقا دوليا وتحتاج أيضا الى تدخّل عسكري وإجراءات عسكرية".

بالنظر الى المشهد اللبناني، تعتبر أوساط تركية بأن "الحكومة اللبنانية والسلطات العسكرية تصرفت بحكمة ونجحت في ضبط الاستقرار اللبناني برغم تدفق عدد كبير من النازحين، لكن القلق التركي يبقى من دخول عناصر صراع تأتي من الخارج من خلال متطرفين أو من خلال نقل السلاح ما يسمح بمس الاستقرار اللبناني". ويسجل الأتراك بإيجابية "تعاون الحكومة اللبنانية مع الأمم المتحدة في مسألة النازحين السوريين".

  • فريق ماسة
  • 2012-05-07
  • 8886
  • من الأرشيف

أوساط تركية : لا نية للتدخل العسكري وإذا فشل المراقبون تعود المبادرة إلى مجلس الأمن

  في  الشهر الـ14 من الأزمة السورية، تراجعت وتيرة اللهجة التركية حيال النظام السوري، وإن لم يتبدّل مضمونها. استوعبت تركيا أنها تسرّعت في اتخاذ مواقف متقدمة ولكن غير مثمرة، لذا، تعمل على خفض إمكانات تطور الصراع في سوريا كي لا يتحول الصراع الدائر بين السلطة والمعارضة إلى حرب استنزاف على الطريقة اللبنانية أو العراقية. هي محاولة لتجاوز "الخطأ في الحسابات" الأولية التي كانت تشير إلى أن النظام السوري سيتهاوى بسرعة وهذا ما لم يتحقق. ما حافظت عليه تركيا بعد 14 شهرا هو منسوب القلق المتدرّج صعودا بسبب سقوط الضحايا المستمر والصراع الداخلي الذي تتضح خطورته أكثر، يوما بعد يوم. وإذا كان وجود المراقبين الدوليين يسهّل الأمور لناحية تقليص أعداد النازحين، إلا أن حدة الصراع تتصاعد مع رصد الأتراك "عدم وجود نية لدى الرئيس بشار الأسد في التعاون مع المجتمع الدولي". لا سيناريو واضحا لدى تركيا بعد عن مصير الوضع في سوريا في حال فشل خطة الموفد العربي والدولي كوفي أنان، ولا يدري المسؤولون فيها كم سيصبر المجتمع الدولي بعد. يدرك الأتراك أنه لا توجد حاليا وسيلة للتدخل في سوريا، لذلك، تستمر الأمور على حالها في انتظار مبادرة دولية جديدة من مجلس الأمن. هذا الاحتمال قد يكون ممكنا في حال فشل خطة أنان واعتراف مجلس الأمن بذلك وبدء التفتيش عن وسيلة أخرى "للإطاحة" بنظام الرئيس الأسد. يعلق الأتراك أهمية على نتائج الانتخابات التشريعية السورية "لأنها ستظهر مدى الانقسام السوري بين النظام وبين المعارضة التي تعترف تركيا بدورها وبأنها منقسمة على ذاتها ولا توجد إشارات لغاية اليوم بأنها قادرة على تجميع قواها". تدرك تركيا أنها رفعت وتيرة صوتها عاليا منذ بداية الأزمة السورية ولا تقول أوساط تركية أنها تعرضت لخديعة من قبل الغرب في الشأن السوري، بل تعيد رفع الصوت وحدته الى الصورة الإقليمية المتغيرة، "نظرت تركيا إلى حركة "الربيع العربي"، التي بدأت في العام الماضي معتبرة بأنها فرصة فريدة للعالم العربي للتخلّص من الديكتاتوريات وبناء سلطات ديموقراطية، فقررت أنقرة اتخاذ موقف إلى جانب الشعوب العربية". سرعان ما أعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو بأن تركيا تؤيّد المطالب المشروعة للشعب السوري. نسقت أنقرة جهودها مع الدول الغربية وفي مقدمها واشنطن والدول الأوروبية والسعوديّة وقطر وتشاورت مع روسيا وإيران اللتين لديهما آراء مختلفة. "الخطأ" الذي رصده الأتراك في مقاربتهم للأزمة السورية "يتمثل بمحاولتنا "الطويلة" في إقناع الرئيس الأسد بتبديل أسلوبه في الحكم"... "والخطأ الآخر يكمن في أن تركيا اعتقدت بأن الرئيس الاسد سيصغي اليها ويتصرف بطريقة واعية ويصغي الى المطالب المحقة لشعبه، ويفسح المجال أمام تغيير النظام السياسي في سوريا، إلا أنها اعترفت بعد مدة بأنها لم تنجح في إقناعه بتطبيق إصلاحات تحاكي مطالب الشعب السوري" بحسب أوساط تركية متابعة للشأن السوري. لم يكن بوسع المسؤولين الأتراك التدخل عسكريا في سوريا إذ لم يكن لديهم الوسائل اللازمة ولا الحق بالتدخّل مباشرة، "ما استدعى تعاونا مع بعض الدول وخصوصا مع جامعة الدول العربية والولايات المتحدة وفرنسا وسواها، لكن تركيا اصطدمت بالحاجز الروسي الذي حمى الأسد ونظامه وأتاح له هامشا واسعا من المناورة لتحقيق ما يريد". وتلفت الأوساط التركية ذاتها الانتباه الى "أنه لم يطلب أحد من تركيا أن تعمد الى التدخّل العسكري في سوريا، وخصوصا بعد الذي حصل في ليبيا، كما أن تركيا لم يكن لديها يوما أي نية بالتدخل العسكري"، حتى الحديث عن "نهج أميركي جديد" في التعاطي مع الأزمة السورية تفسره الأوساط التركية بأنه يعني «متابعة دعم قوى المعارضة بشكل أوضح على غرار ما فعلت السعودية وقطر بطريقة عمليّة وأكثر تنظيما". وبرغم اختلاف نظرة كل من أنقرة والرياض للحالتين "السلفية" و"الإخوانية" من زاوية أحداث مصر، إلا أن تركيا تحافظ على علاقة مستقرة مع السعودية، ولذلك زار أردوغان العاصمة السعودية لتنسيق الجهود بين البلدين، ويعتبر الأتراك بأن الحالة السلفية في سوريا هي "هامشية" في حين أن "الإخوان المسلمين"، "حالة قديمة" ولا يرون تناقضا بين دعم تركيا لـ"الإخوان" وموقف السعودية من السلفيين. منذ أكثر من ستة اشهر وتركيا تحث المعارضة السورية بأطيافها كافة، على توحيد صفوفها، إلا أن مسؤوليها يكتشفون يوما بعد يوم أن "وضع المعارضة يتجه من سيء الى أسوا" إلا أن جهودهم لتغيير هذا الوضع لا تتوقف في سبيل التوصل الى معارضة موحدة، ويرصد الأتراك انشقاقات حتى في صفوف "الجيش السوري الحرّ"! انقطعت العلاقات السياسية كليا بين أنقرة ودمشق وتم سحب السفير التركي وإقفال السفارة إلا أن القنصلية العامة بقيت مفتوحة في حلب. لكن العلاقات التجارية بقيت بين البلدين حيث الحدود مفتوحة وثمة ممرات سالكة وخط للباصات من إنطاكيا وصولا الى بيروت، كذلك يجتاز سائقو الشاحنات الأراضي السورية لتفريغ بضائعهم، إلا أن المؤذي أن السلطات السورية رفعت الضرائب الجمركية على المنتجات التركية وعلى سائقي الشاحنات وهذا ما لم يعد يشجع التجار الأتراك على تصدير بضائعهم وأثر سلبا على اقتصاد أنطاكيا. ما تزال تركيا لغاية اليوم مستوعبة لمسألة النازحين ولديها القدرة بعد لاستيعاب أعداد منهم علما بأن عددهم وصل الى 24 ألفا ، "إلا أنهم موجودون في مخيمات خاصة ولا يحق لهم التجول في أنحاء البلاد، ولا مؤشرات خطرة بأن هؤلاء سيبقون ثابتين في هذه المخيمات "لأن بعضهم يعودون الى قراهم وبلداتهم". أما إذا زاد العدد عن الحدود المعقولة، فإن تركيا ستتخذ الإجراءت الملائمة، إلا أن الحديث عن إنشاء مناطق عازلة وممرات إنسانية ما يزال "ضمن الإطار النظري فحسب، لأن تركيا لا يمكنها اتخاذ هذه القرارات لوحدها إذ تتطلب توافقا دوليا وتحتاج أيضا الى تدخّل عسكري وإجراءات عسكرية". بالنظر الى المشهد اللبناني، تعتبر أوساط تركية بأن "الحكومة اللبنانية والسلطات العسكرية تصرفت بحكمة ونجحت في ضبط الاستقرار اللبناني برغم تدفق عدد كبير من النازحين، لكن القلق التركي يبقى من دخول عناصر صراع تأتي من الخارج من خلال متطرفين أو من خلال نقل السلاح ما يسمح بمس الاستقرار اللبناني". ويسجل الأتراك بإيجابية "تعاون الحكومة اللبنانية مع الأمم المتحدة في مسألة النازحين السوريين".

المصدر : السفير / مارلين خليفة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة