دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خلافاً للانتخابات البرلمانية المتلاحقة في إسرائيل في العقود الأربعة الأخيرة التي سيطر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أجندتها، تسير معركة الانتخابات المقبلة المتوقعة في أيلول (سبتمبر) المقبل، في اتجاه تغييب الأحزاب الكبرى لهذا الصراع والتمحور في قضايا داخلية، في مقدمها الصراع بين العلمانيين والمتدينين المتزمتين على خلفية إعفاء الأخيرين من الخدمة العسكرية الإلزامية، ما يزيد من العبء على العلمانيين، واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، وارتفاع نسبة البطالة في الفترة الأخيرة، واستشراء العنف في شكل كبير.
وفيما كانت برامج الأحزاب السياسية عشية كل انتخابات تتمحور أساساً في رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن الجدل بينها الآن يتناول الاستيطان غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أي البناء الاستيطاني الذي يقوم به قادة المستوطنين أو جمعيات استيطانية من دون استئذان الحكومة رسمياً.
ويردد معلقون كبار القول إن الجمهور الإسرائيلي لم يعد منشغلاً بالصراع مع الفلسطينيين، وإنه سيبقى لا مبالياً طالما أن أمنه الشخصي مستتب، ويشيرون إلى حقيقة أن هذا الجمهور لم يتحرك على رغم الجمود السياسي الحاصل مع الفلسطينيين منذ أكثر من ثلاث سنوات. وخلافاً للتوقعات، لم يغير اتهام الرئيس السابق لجهاز «شاباك» يوفال ديسكين رئيسَ الحكومة بنيامين نتانياهو أنه السبب في هذا الجمود، رأي الإسرائيليين في نتانياهو ولم يمس بشعبيته.
وتتفق الأحزاب الصهيونية الكبرى، «ليكود» و «إسرائيل وبيتنا» و «كديما» و «العمل» على أن التكتلات الاستيطانية التي أقيمت في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته في الضفة الغربية والقدس المحتلتين (يرتع فيها أكثر من نصف مليون مستوطن)، يجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية في إطار أي تسوية دائمة للصراع في المستقبل. ويقترح بعض هذه الأحزاب تعويض الفلسطينيين بأراضٍ بديلة في صحراء النقب.
وإزاء هذا التوافق، يبقى الإشكال على الاستيطان غير القانوني المتسعة رقعته في السنوات الأخيرة. وبينما لم تقم الحكومة الحالية بأي إجراء جدي لوقف هذه الظاهرة، تدخلت المحكمة العليا وأصدرت بعض القرارات لإخلاء بؤر استيطانية أقيمت على أراضٍ فلسطينية خاصة. وكانت المحكمة أمهلت الحكومة حتى الأول من أيار (مايو) لإخلاء خمسة منازل استيطانية شمال رام الله، إلا أن المستوطنين المدعومين من وزراء ونواب في «ليكود» أعلنوا رفضهم الإخلاء، ما اضطر الحكومة إلى التوجه إلى المحكمة بطلب إمهالها شهرين إلى حين إيجادها حلاً للمشكلة. كذلك، أمرت المحكمة بإخلاء بؤرة «ميغرون» الاستيطانية حتى مطلع آب (أغسطس) المقبل. وإذ أدرك نتانياهو أن تنفيذ القرار يعرض ائتلافه الحكومي إلى الخطر بانسحاب أحزاب متشددة منه، أعطى الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لبناء منازل موقتة لمستوطني هذه البؤرة، على أرض قريبة منها صادرتها قوات الاحتلال وباتت تُعرف بأنها «أراضي دولة».
ويؤكد مراقبون أن مسألة الاستيطان غير القانوني، واستحقاق إخلاء اثنتين منها، كانت من بين الأسباب الرئيسة التي دفعت بنتانياهو إلى تبكير الانتخابات، إذ إن ذلك يعني كسب الوقت وإرجاء التنفيذ إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة أواخر الخريف المقبل. مع ذلك، ليس أكيداً أن تملك الحكومة الجديدة الجرأة على إخلاء البؤر في حال اختار نتانياهو من جديد تشكيل ائتلاف يميني ديني.
لكن، حتى لو اختار نتانياهو أحزاب الوسط، «كديما» و «العمل» و «يش عتيد» لائتلافه الحكومي الجديد، ليس أكيداً أن يكون الاستيطان على رأس سلم أولوياته، إذ يتبارى قادتها في تقريع الحكومة اليمينية الحالية على إهمالها الشرائح الضعيفة اجتماعياً، ويرون في القضية الاجتماعية – الاقتصادية الأكثر إلحاحاً لإيجاد حلول لها.
وكان لافتاً أن زعيمة حزب «العمل» الجديدة شيلي يحيموفتش وضعت القضايا الاجتماعية أجندةً مركزية لحزبها الذي اعتُبر حتى الأمس القريب قائد «معسكر السلام» وخاض الانتخابات السابقة تحت شعار «حل الدولتين» وإنهاء الصراع. وأكسب هذا التغيير في النهج، الحزبَ وزعيمته شعبية واسعة، خصوصاً مع دعمهما الحركة الاحتجاجية الشعبية الصيف الماضي المتوقع أن تُستأنف الصيف المقبل، إذ تتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق «العمل» نجاحاً في الانتخابات المقبلة ويحوز 18 مقعداً ليكون ثاني أكبر حزب. كذلك، جاء تشكيل الحزب الجديد «يش عتيد» برئاسة الإعلامي يئير لبيد تحت شعار دعم الطبقات الوسطى، ولم يبيّن الأخير موقفه من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وفوق ما تقدم، فإن مسألة الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي ستكون في محور السجال في المعركة الانتخابية الوشيكة بين الأحزاب الكبرى في أعقاب قرار المحكمة العليا إلزام الحكومة بلورة قانون جديد يضع حداً لإعفاء الشباب المتدينين المتزمتين من الخدمة العسكرية. وتتنافس الأحزاب العلمانية في ما بينها لاستمالة أوساط واسعة تعارض مواصلة إعفاء المتدينين وتطرح اقتراحات لتغيير الوضع. ويتوقع أن يكون حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني العلماني المتطرف (يمثل غالبية المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق) رأس الحربة في شن حرب على المتدينين والدعوة إلى إلزامهم الخدمة. كما يتوقع أن يصعّد هذا الحزب معركته ضد المواطنين العرب، وهي التي أكسبته نجاحاً كبيرة في الانتخابات الماضية، وهذه المرة من خلال الدعوة إلى إلزام الشباب العرب بـ «خدمة عسكرية» أو «قومية».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة