دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في كل مرة يزور فيها جيفري فيلتمان لبنان، ويجمع أقطاب 14 آذار ويتحدث لهم عن السياسة الأميركية تجاه بلاد الأرز، يبرز السؤال: العمّ سام هنا، من أجل أية قضية؟
يكشف مصدر دبلوماسي عربي قصة زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان الراهنة للبنان، بالقول: أحد جوانب أهدافها الأساسية هو إحداث اختراق لجدار الصوت في أجواء زيارة نائب الرئيس الإيراني للبنان، وإبلاغ الحكومة اللبنانية أن هناك حدوداً لاندفاعتها في العلاقة مع إيران. والمطلوب من لبنان هو النأي بنفسه عن العلاقات الاقتصادية ذات الطابع البنيوي عن إيران، مع التأكيد من جانب فيلتمان لحلفائه أن واشنطن لا تزال تسير بسياسة عزل حزب الله داخلياً في لبنان، والهدف الثالث هو جعل لبنان أهم حاضن سياسي للنازحين السوريين.
تحضير الزيارة
ويروي الدبلوماسي عينه لـ«الأخبار» قصة السياق التحضيري الذى جرى في مكاتب الخارجية الأميركية، إذ فيما حددت زيارة المسؤول الإيراني قبل عدة أسابيع، فإن زيارة فيلتمان اتخذ القرار بموعد حصولها على عجل، ووفق برنامج عمل سريع تم تخطيطه من قبل فيلتمان والسفير الأميركي في سوريا روبرت فورد وإشراف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
وتمثلت الخطوة الأولى بإرسال مساعدته الأساسية اليزابيت ديبل الى بيروت. واللافت أن موعد زيارتها وأهدافها تقصد روبرت فورد الإفصاح عنها وتسريبها الى بيروت الرسمية، عبر قنوات خاصة، قبل وصول ديبل الى لبنان بعدة أيام. وبموجب ما سربه فورد، فإن ديبل أتت بتوقيت واحد مع مديرة قسم الشرق الأوسط في وكالة الإنماء الدولية مارا رودمان. وهذا يعني أن الزيارة في قسم أساسي منها على صلة بموضوع النازحين السوريين في لبنان، وهو أمر توليه واشنطن أهمية خاصة.
وعن هذا الموضوع، يقول المصدر عينه إن زيارة ديبل توخّت في جوهرها غير المعلن اللقاء بمسؤول لبناني رسمي، ثمة التباس حول قانونية وجوده في موقعه، وهو من جهة ثانية، ينتمي إلى تيار المستقبل، الذي يؤمن له الحماية السياسية لاستمراره في منصبه، رغم عدم قانونيته. يضيف إن ديبل حملت معها ملفين اثنين الى لبنان: الأول على صلة بقضية كيفية بناء بيئات سياسية وجغرافية حاضنة للنازحين السوريين في لبنان، ربطاً بتقدير أميركي بأن لبنان، من بين كل دول الجوار مع سوريا، يستضيف العدد الأكبر من النازحين السوريين. كما أن هيئة الإغاثة في لبنان أسهمت في معالجة هذا الملف، وخاصة في منطقة وادي خالد، حيث لم تتميز فقط بأدائها الجيد على مستوى استقبال النازحين السوريين، بل، أيضاً، على مستوى رسم سياسات استراتيجية للعناية بهم. وتتطلع واشنطن الى ألا تبقى تجربة هيئة الإغاثة محصورة في منطقة وادي خالد، بل أن تعمم الى مناطق لبنانية أخرى، وتحديداً في البقاع وبيروت، حيث بدأ النزوح السوري يصل إليهما. كما تثمن واشنطن للحكومة اللبنانية أنها تعمل بشكل فعال وصامت بخصوص ملف النزوح السوري في لبنان وأن الخارجية الأميركية حثت وكالات إغاثة دولية مختلفة على وضع القسم الأهم من إمكاناتها بتصرف الجهد اللبناني المدني، المتمثل بجمعيات بعض الأحزاب السياسية المؤيدة للحراك السوري، والرسمي ممثلاً ببعض أطراف الحكومة اللبنانية.
من هنا، كان قرار الخارجية الأميركية أن تكون زيارة رودمان للبنان هي الظل غير المرئي لزيارة ديبل، وأيضاً تعمدها أن يكون لقاؤها الأهم في زيارتها مع شخصية لبنانية تلعب دوراً يربط بين الجهد المدني والجهد الرسمي في موضوع استيعاب النازحين السوريين خلال المرحلة المقبلة.
ويقول المصدر عينه إنه كان لزيارة ديبل شق آخر يتعلق بالتمهيد لزيارة فيلتمان، وذلك باتجاهين: الأول شرح موقف أميركا من الأزمة السورية. الثاني، الوضع الداخلي في لبنان، ارتباطاً بالأحداث السورية ومجمل الوضع الإقليمي. وفيما العنوان الثاني ترك لعناية فيلتمان، ذي الباع الطويل في فهم الوضع اللبناني، فإن العنوان الأول، وهو الأهم، رسم خطوطه العريضة روبرت فورد. وباعتقاد الدبلوماسي عينه، فإن ما سربه فورد لبيروت قبل أسبوعين هو ما سيقوله فيلتمان لأقطاب 14 آذار عند لقائهم في منزل النائب بطرس حرب.
فورد هو عضو في فريق يضمه مع فيلتمان وفريديريك هوف، ويترأسه هودريك شوليه. وهو الفريق المكلف بوضع خيارات التعامل الأميركي مع الأزمة السورية. ويقول فورد «على بيروت أن تدرك أن موقف واشنطن لا لبس فيه بخصوص أنها تريد في نهاية الأمر تنحي الرئيس الأسد، وأن سوريا لن تعود الى المجتمع الدولي طالما ظل نظام الأسد حاكماً».
وبرأي المصدر الدبلوماسي أن الرسالة التي يحملها فيلتمان بخصوص سوريا هي رسالة فورد ذاتها التي سربها لبيروت عبر قنوات دبلوماسية قبل أسبوعين، وخلاصتها أن واشنطن لا تزال سائرة بمشروع إسقاط الأسد. أما الأهداف الأخرى فتتضمن إحداث خرق لجدار الصوت في أجواء زيارة رحيمي للبنان، وإثارة قضية الحدود الشمالية السورية اللبنانية، وقضية حماية النازحين السوريين.
عزل حزب الله
أما في الشأن الداخلي، فإن فيلتمان حريص بقوة على شد عصب فريق ١٤ آذار، على قاعدة أن الهدف المركزي لا يزال هو: عزل حزب الله لبنانياً. في كانون الأول الماضي، قال فيلتمان لمحادثيه الآذاريين: «المطلوب في هذه المرحلة تشديد الحملة السياسية في الداخل اللبناني لعزل حزب الله داخلياً. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على فريق ١٤ آذار أن ينفتح على كل الأطراف اللبنانية الأخرى حتى الجنرال ميشال عون لو رغب في ذلك».
ويقول المصدر إن هذا الهدف لا يزال يشكل الحلقة المركزية في السياسة الأميركية تجاه لبنان، بإشراف مباشر من فيلتمان. ويضيف إن تطورات المنطقة، وبخاصة الحدث السوري والتفات واشنطن الى ضرورة وقف اندفاع النفوذ الإيراني الذي بات له شكل اقتصادي أيضاً، أصبح أكثر إلحاحاً، وقد يأخذ واشنطن الى التفكير بأساليب جديدة لمحاصرة حزب الله، ومنها تشجيع فكرة إنشاء حكومة تكنوقراط حيادية تخرج «حزب الله» من أية حكومة سيكون من مهماتها الإشراف على الانتخابات النيابية.
وبرأي المصدر، فإن هدف إسقاط الحكومة الحالية هو جوهر ما طلبته السعودية من النائب وليد جنبلاط بضرورة فك علاقته مع حزب الله كشرط لتطبيع علاقته معها، وإبلاغه أن هذا الأمر له أسبقيه في دفتر الشروط السعودي، على إعلان خصومته للنظام السوري. وهذا الأمر هو الذي يفسر أيضاً لماذا دشن فيلتمان لقاءاته اللبنانية مع جنبلاط لحثه على القيام بخطوة إعلان قطيعته مع حزب الله، كون هذا الأمر هو الأهم بالنسبة إلى واشنطن الذي ترى أنه يؤدي الى شل اندفاعة النفوذ الإيراني في لبنان.
ويكشف المصدر أن فيلتمان لديه رؤية لكيفية تنفيذ فكرة عزل حزب الله، وكان قد عرضها مع شخصيات لبنانية آذارية، ومفادها أن سقوط بشار الأسد سيؤدي الى إضعافه وعزله، وأنه يجدر بواشنطن في إطار سياستها المتبعة لتكثيف الضغوط لعزل حزب الله لبنانياً أن تبقي بابها نصف مفتوح بوجه قوى سياسية أخرى حليفة للحزب، حتى يظل لديها حسابات الرهان على واشنطن، ويظل لديها هامش مناورة معها. وبحسب قناعته، هناك قوى كثيرة قريبة الآن من حزب الله، مسيحية وإسلامية، ستترك الحزب فور بروز ضعفه وضعف نظام الأسد. وأن مهمة واشنطن وقوى ١٤ آذار هي الاستعداد لتقبل هذه القوى والشخصيات وعدم القطع معها قطعاً نهائياً.
ويكشف المصدر عينه أنه في لقاء شهر كانون الثاني الماضي، قال فيلتمان إن من الأفضل في هذه المرحلة بقاء نجيب ميقاتي وحكومته وتعزيز التناقض بداخلها، انطلاقاً من مبدأ تحقيق هدف عزل حزب الله. والسؤال اليوم هو: هل سيجري فيلتمان تغييراً على رؤيته هذه، بحيث يذهب بخيار الرئيس فؤاد السنيورة لإنشاء حكومة تكنوقراط حيادية عن طريق إقناع النائب وليد جنبلاط بالانحياز إليها؟
المعلومات الأولية عن لقاء فيلتمان بجنبلاط تقول إن الأخير تحفّظ على الطلب منه إعلان القطيعة مع حزب الله، ورأى أن الاستقرار يحتم عدم هز الواقع السياسي الراهن في لبنان بقوة، أقله في المدى المنظور.
لبنان والعقوبات
يقول السفير روبرت فورد «إن واشنطن لا يساورها قلق حتى هذه اللحظة من الحالة الإسلامية في سوريا، وهي تعتبر أن سياسة القمع التي ينتهجها النظام هي التي تقوض مساحة البيئة المعتدلة والسلمية فوق خريطة المعارضة السورية»، لافتاً الى أن «هناك تنسيقيات معتدلة تعمل على الأرض في سوريا ويمكن الرهان عليها». وأعلن أن السياسة الأميركية «لا توافق على نظرية التخويف من البديل الشيطاني المتطرف للنظام، على قاعدة أن الشيطان الذي لا نعرفه أفضل من الشيطان الذي نعرفه».
ويوضح فورد: «نحن نتفق مع روسيا على أن تطبيق النموذج الليبي في سوريا غير ممكن، لكننا نصر على إسقاط الأسد عبر تشديد العقوبات المالية عليه وعبر تشجيع الحراك الداخلي». ويضيف: «إن على لبنان الالتزام بشدة بتنفيذ هذه العقوبات».
المصدر :
الاخبار /ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة