التقليل من شأن إسرائيل وقدراتها العسكرية، مرفوض. من يعمد الى ذلك، كمن يختبئ وراء إصبعه، وينظر مغلوطاً إلى واقع الأمور. مع ذلك، الفرق كبير جداً، بين إعطاء اسرائيل صورة الكيان المقتدر والمانع الجامع، القادر على تحقيق كل ما يريد، فور تكشّف مصلحته فيه، والتعامل معها، بصورتها الواقعية، كما هي عليه. شتان بين المطلبين، رغم أن الكثيرين يبنون على هذا الخطأ، المبني بدوره على تاريخ مليء بالنتائج التاريخية المخزية أمام الكيان الإسرائيلي، اكثر من كونه مبنياً على قدرة تل أبيب ومنعتها وقوتها العسكرية الحقيقية.

واذا كان التقليل من شأن اسرائيل وقدراتها العسكرية، مرفوضاً، فإن التقليل من شأن قدراتنا ومنعتنا والنتائج التي يمكن أن نحققها نحن، أيضاً مرفوض. وإنكار ما جرى إثباته عام 2006، نوع من المكابرة، لا يغير من الحقائق شيئاً.

صدر في الأسبوعين الماضيين، تصريحان إسرائيليان لافتان، لكل من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، وقائد المنطقة الشمالية في جيشه، يائير غولان، أكدا فيهما ارتفاع حجم التهديدات التي تحيط باسرائيل، من كل الاتجاهات، ومن بينها لبنان. بحسب غانتس «نواجه اليوم عدواً أكثر إحكاماً مما كان عليه سابقاً، ونظماً أكثر تعقيداً، واكثر مهنية وتقنيات متقدمة جداً، لهذا فإن التحدي العملياتي، بات اكثر تعقيداً من الماضي بكثير».

أكد المسؤولان الإسرائيليان خطأ التقديرات الاستخبارية، المعلنة تباعاً من قبل المسؤولين الإسرائيليين، عن سقوط النظام في سوريا، والآمال المعقودة على هذا السقوط، إلا أن الأهم في حديثهما، التعبير، على نحو علني وواضح، عن انكسار الخطوط الحمراء التي وضعتها تل أبيب، إزاء تنامي القدرة العسكرية للمقاومة، وتحديداً إزاء التزود بسلاح «كاسر للتوازن»، المصطلح الإسرائيلي الشهير، الذي كان يعني، بحسب التهديدات الإسرائيلية، حرباً جديدة على لبنان، وربما أيضاً، على سوريا.

تحدث غانتس عن «نقل وسائل قتالية طوال الوقت من سوريا الى حزب الله»، لكنه أضاف إن «هذا شأنهم الداخلي، ولن نتدخل فيه»، وهو موقف غير مسبوق، يصدر عن أعلى مسؤول عسكري في اسرائيل، ومغاير للعادات المتبعة في اسرائيل. أما قائد المنطقة الشمالية، يائير غولان، المعني عسكرياً، على نحو مباشر بالساحتين اللبنانية والسورية، فأشار الى عدم يقين حيال انتقال سلاح كيماوي من سوريا الى حزب الله، وأنه بات لدى المقاومة ما «يقض مضاجع اسرائيل»، مع ذلك اكد أن «لا عملية أوتوماتيكية» ضد نقل السلاح إلا «بعد إجراء تقويم للوضع»، وهو نقيض لكل التهديدات الاسرائيلية حيال السلاح «الكاسر للتوازن»، طوال السنوات القليلة الماضية.

أن يصل قائد أركان الجيش الإسرائيلي، ومن ثم قائد المنطقة الشمالية، الى حد الاضطرار إلى الإقرار بأن كل ما يمكن أن تمتلكه المقاومة قد امتلكته، والإقرار الضمني بأن كل الخطوط الحمراء الموضوعة منذ سنوات، قد جرى تجاوزها بالفعل، في ظل امتناع و/أو ارتداع اسرائيل عن ترجمة تهديداتها الى أفعال اعتدائية، «لانه شأن داخلي»، كل ذلك ما كان ليتحقق لو تمكنت اسرائيل، في الأساس، من ردع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقطع العلاقة بينه وبين المقاومة. هذا يعني، أن الرئيس الأسد، تمكّن من كسر كل الخطوط الحمراء الإسرائيلية، التي من شأنها، بحسب تهديدات اسرائيل، شن حرب جديدة على لبنان، وعلى سوريا أيضاً.

الإقرار المتأخر، من جانب الإسرائيلي، بتجاوز الأسد لكل الخطوط الحمراء، وتزويد المقاومة بما يلزم لردع اسرائيل عن شن اعتداءاتها، يغني عن كثير من الشروح، بشأن اللهاث بعيداً وراء إسقاطه. فالأمل كان، وربما ما زال، وإن بات بعيداً، أن سقوط النظام في سوريا فرصة، لاحتواء حزب الله من دون مواجهة عسكرية، لم تعد إسرائيل تجد لديها القدرة على شنها، بناءً على معادلة الثمن والنتيجة.

المراد قوله هنا، أن إسرائيل تعلم جيداً صعوبة نزع سلاح المقاومة، في ظل ارتداعها عنه، لإدراكها وجود إرادة لاستخدام هذا السلاح، في حال المواجهة العسكرية لانتزاعه، وقد حاولت ذلك عام 2006، وفشلت فشلاً ذريعاً، رغم أن القدرة العسكرية التي كانت في حوزة المقاومة في حينه، متواضعة جداً، قياساً بما لديها حالياً. وكخيار بديل عن الحرب المتعذرة، سعت اسرائيل، طويلاً، الى ردع المزوّد وأو الممرّر للسلاح، بالترهيب والترغيب، طوال السنوات التي أعقبت عدوان عام 2006، لكن بلا طائل. ولو تمكنت اسرائيل فعلاً، من فرض معادلة ردع على الرئيس السوري بشار الأسد، لما كان مر معظم السلاح الى المقاومة، إلا أن مِنعته وصلابة موقفه، أجهضتا كل المساعي الإسرائيلية.

هذا هو أحد أهم الدوافع المحركة للهجمة على النظام في سورية، وعلى رئيسه بشار الأسد.. ويسألون لماذا الإصرار، واللهاث بعيداً، وراء إسقاطه.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-04-29
  • 11145
  • من الأرشيف

إسرائيل ... تتراجع أمام الأسد

  التقليل من شأن إسرائيل وقدراتها العسكرية، مرفوض. من يعمد الى ذلك، كمن يختبئ وراء إصبعه، وينظر مغلوطاً إلى واقع الأمور. مع ذلك، الفرق كبير جداً، بين إعطاء اسرائيل صورة الكيان المقتدر والمانع الجامع، القادر على تحقيق كل ما يريد، فور تكشّف مصلحته فيه، والتعامل معها، بصورتها الواقعية، كما هي عليه. شتان بين المطلبين، رغم أن الكثيرين يبنون على هذا الخطأ، المبني بدوره على تاريخ مليء بالنتائج التاريخية المخزية أمام الكيان الإسرائيلي، اكثر من كونه مبنياً على قدرة تل أبيب ومنعتها وقوتها العسكرية الحقيقية. واذا كان التقليل من شأن اسرائيل وقدراتها العسكرية، مرفوضاً، فإن التقليل من شأن قدراتنا ومنعتنا والنتائج التي يمكن أن نحققها نحن، أيضاً مرفوض. وإنكار ما جرى إثباته عام 2006، نوع من المكابرة، لا يغير من الحقائق شيئاً. صدر في الأسبوعين الماضيين، تصريحان إسرائيليان لافتان، لكل من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، وقائد المنطقة الشمالية في جيشه، يائير غولان، أكدا فيهما ارتفاع حجم التهديدات التي تحيط باسرائيل، من كل الاتجاهات، ومن بينها لبنان. بحسب غانتس «نواجه اليوم عدواً أكثر إحكاماً مما كان عليه سابقاً، ونظماً أكثر تعقيداً، واكثر مهنية وتقنيات متقدمة جداً، لهذا فإن التحدي العملياتي، بات اكثر تعقيداً من الماضي بكثير». أكد المسؤولان الإسرائيليان خطأ التقديرات الاستخبارية، المعلنة تباعاً من قبل المسؤولين الإسرائيليين، عن سقوط النظام في سوريا، والآمال المعقودة على هذا السقوط، إلا أن الأهم في حديثهما، التعبير، على نحو علني وواضح، عن انكسار الخطوط الحمراء التي وضعتها تل أبيب، إزاء تنامي القدرة العسكرية للمقاومة، وتحديداً إزاء التزود بسلاح «كاسر للتوازن»، المصطلح الإسرائيلي الشهير، الذي كان يعني، بحسب التهديدات الإسرائيلية، حرباً جديدة على لبنان، وربما أيضاً، على سوريا. تحدث غانتس عن «نقل وسائل قتالية طوال الوقت من سوريا الى حزب الله»، لكنه أضاف إن «هذا شأنهم الداخلي، ولن نتدخل فيه»، وهو موقف غير مسبوق، يصدر عن أعلى مسؤول عسكري في اسرائيل، ومغاير للعادات المتبعة في اسرائيل. أما قائد المنطقة الشمالية، يائير غولان، المعني عسكرياً، على نحو مباشر بالساحتين اللبنانية والسورية، فأشار الى عدم يقين حيال انتقال سلاح كيماوي من سوريا الى حزب الله، وأنه بات لدى المقاومة ما «يقض مضاجع اسرائيل»، مع ذلك اكد أن «لا عملية أوتوماتيكية» ضد نقل السلاح إلا «بعد إجراء تقويم للوضع»، وهو نقيض لكل التهديدات الاسرائيلية حيال السلاح «الكاسر للتوازن»، طوال السنوات القليلة الماضية. أن يصل قائد أركان الجيش الإسرائيلي، ومن ثم قائد المنطقة الشمالية، الى حد الاضطرار إلى الإقرار بأن كل ما يمكن أن تمتلكه المقاومة قد امتلكته، والإقرار الضمني بأن كل الخطوط الحمراء الموضوعة منذ سنوات، قد جرى تجاوزها بالفعل، في ظل امتناع و/أو ارتداع اسرائيل عن ترجمة تهديداتها الى أفعال اعتدائية، «لانه شأن داخلي»، كل ذلك ما كان ليتحقق لو تمكنت اسرائيل، في الأساس، من ردع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقطع العلاقة بينه وبين المقاومة. هذا يعني، أن الرئيس الأسد، تمكّن من كسر كل الخطوط الحمراء الإسرائيلية، التي من شأنها، بحسب تهديدات اسرائيل، شن حرب جديدة على لبنان، وعلى سوريا أيضاً. الإقرار المتأخر، من جانب الإسرائيلي، بتجاوز الأسد لكل الخطوط الحمراء، وتزويد المقاومة بما يلزم لردع اسرائيل عن شن اعتداءاتها، يغني عن كثير من الشروح، بشأن اللهاث بعيداً وراء إسقاطه. فالأمل كان، وربما ما زال، وإن بات بعيداً، أن سقوط النظام في سوريا فرصة، لاحتواء حزب الله من دون مواجهة عسكرية، لم تعد إسرائيل تجد لديها القدرة على شنها، بناءً على معادلة الثمن والنتيجة. المراد قوله هنا، أن إسرائيل تعلم جيداً صعوبة نزع سلاح المقاومة، في ظل ارتداعها عنه، لإدراكها وجود إرادة لاستخدام هذا السلاح، في حال المواجهة العسكرية لانتزاعه، وقد حاولت ذلك عام 2006، وفشلت فشلاً ذريعاً، رغم أن القدرة العسكرية التي كانت في حوزة المقاومة في حينه، متواضعة جداً، قياساً بما لديها حالياً. وكخيار بديل عن الحرب المتعذرة، سعت اسرائيل، طويلاً، الى ردع المزوّد وأو الممرّر للسلاح، بالترهيب والترغيب، طوال السنوات التي أعقبت عدوان عام 2006، لكن بلا طائل. ولو تمكنت اسرائيل فعلاً، من فرض معادلة ردع على الرئيس السوري بشار الأسد، لما كان مر معظم السلاح الى المقاومة، إلا أن مِنعته وصلابة موقفه، أجهضتا كل المساعي الإسرائيلية. هذا هو أحد أهم الدوافع المحركة للهجمة على النظام في سورية، وعلى رئيسه بشار الأسد.. ويسألون لماذا الإصرار، واللهاث بعيداً، وراء إسقاطه.  

المصدر : الاخبار /يحيى دبوق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة