عندما تسقط خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي أنان... ماذا بعد؟ السؤال شغل الاتصالات الجارية بين المعارضة السورية وخارجيات أوروبية. وبحسب مصادر سورية مطلعة، فإن البحث مع أقطاب «أصدقاء سورية» يجري بشكل رئيسي حول سيناريوهات ما بعد أنان. وكأن انتساب بعض الدول الأوروبية لخطة عمل أنان يعتمد مبدأ «الاسم والرائحة ولا العدم».

معارض سوري بارز نسب لمسؤول غربي قوله بعد لقاء بينهما في عاصمة أوروبية إنه «متشائل» بصدد مستقبل المراقبين الدوليين ومهمتهم، وأن سقوط الخطة بات مسألة وقت لا أكثر. وقال المسؤول الغربي إننا «نراقب جميع التقارير الواردة من سورية، ونرى أن حظوظ الخطة بالنجاة من الكمائن السياسية والأمنية لا يتعدى الـ15 في المئة»، ورأينا أن الأطراف جميعاً في سوريا، تقوم بأعمال مروعة، ولكن النظام مسؤول بشكل أساسي عن إسقاط الخطة، وهو لا يريد لها النجاح بأي حال، كما أن المعارضة «الاسطنبولية» مسؤولة عن عرقلتها، وهي لا تقوم بكل الجهود المطلوبة، ولكن مسؤوليتها تقل بنسبة كثيرة عن نسبة مسؤولية النظام، ولا تزيد عن خمسة في المئة.

من الملاحظ في جملة اللقاءات أن التيارات الإسلامية السورية باتت تشكل مصدر قلق لدى عدد من الدول الأوروبية في «أصدقاء سوريا». ويوجد خلاف، داخل هذه المجموعة، لم يظهر إلى العلن، في تقييم مساهمة «الإخوان المسلمين» في المجلس الوطني السوري، الذي يعتبرونه مجرد واجهة لنشاطهم داخل المعارضة. ومن المفارقات غير المفهومة أن وزير الخارجية الفرنسية ألان جوبيه يخفف من هذه المخاوف في حين يبرزها عدد من المسؤولين في البلدان الأنكلوساكسونية الأكثر قبولاً عادة للإسلام السياسي. فلم يخف ديبلوماسي غربي مخاوف بلاده والإتحاد الأوروبي من تصرف «الأخوان» والإسلاميين السوريين في قضايا التسلح والإغاثة والدور السياسي: «الأخوان يخطئون كثيراً إذا ما اعتقدوا أنهم قادرون على إعادة سوريا إلى الوراء»، بل ولم يمتنع عن وصفهم بـ«المتخلفين الذين نعمل على تطوير نظرتهم إلى الأوضاع»، وهي نظرة ليست على مستوى الأحداث، التي فاجأتهم، كما أنهم لم يكونوا ليتوقعوا عودتهم إلى أداء دور رئيسي في سوريا من دون «الثورة».

وينقل المعارض السوري، العائد من جولة أوروبية، أن صورة تكونت لدى أقطاب «أصدقاء سوريا»، تقول إن ما بعد خطة أنان خياران: إما المجهول والفوضى، وإما التوصل إلى استصدار قرار دولي تحت الفصل السابع يعيد المبادرة إلى الأسرة الدولية ويسمح لها برفع الضغوط على النظام السوري وتهديده بتدخل عسكري، لم تتحدد معالمه، لكن مجرد طرحه على الطاولة سيسهم في ثني النظام السوري عن خياره الأمني. ويجري البحث على نطاق واسع في وسائل العودة إلى مجلس الأمن، وربما التدخل العسكري، ورفع تمثيل «المجلس الوطني» لدى بعض المؤسسات الدولية لعزل النظام السوري. وتحت هذا العنوان استعاد ديبلوماسي غربي لمعارضين سوريين، نهاية الأسبوع الماضي، الرهان على تعفن الأوضاع وتراجع قدرات الجيش السوري على القتال، وازدياد احتمال تكرار نموذج كوسوفو في سوريا. وكان حلف شمال الأطلسي، الذي قام بالعملية في العام 1999، قد انتظر عاماً كاملاً قبل أن يتدخل. وقام الجيش الصربي، خلال عام، بارتكاب مذابح بحق المدنيين الألبان، رداً على عمليات «جيش تحرير كوسوفو» قبل أن يقرر «الأطلسي» بمبادرة أميركية التدخل عسكرياً ضد صربيا، منهياً عمليته بإسقاط نظام سلوبودان ميلوسوفيتش في بلغراد.

وينظر الغربيون إلى الموقف السوري، بشكل متفاوت، بين تقدير الفاعلية في الضغط على النظام السوري وبين الإحجام عن الذهاب بعيداً في هذا الضغط والانخراط في العملية الجارية لتغييره. وقال المعارض السوري إن محاوريه الأوروبيين الذين يحاولون تلمس مواقف أطراف المعارضة كافة يعتبرون انخراط روسيا في خطة انان، رغم تدني الآمال بنجاحها، يعد إنجازاً كبيراً. فبعد طول ممانعة، بدأ الروس بالانفتاح والتعاون ولو جزئيا مع الأطراف الأخرى في مجلس الأمن، ولكنه من جهة أخرى يرى أن العقبة الكبرى في وجه أي سيناريو في المنطقة لا يزال الموقف الروسي المؤيد للنظام السوري. ونقل المعارض السوري انطباعاً غربياً بأن الروس رغم كل الضغوط التي يتعرضون لها لن يتخلوا عن خطة أنان، وسيمضون خطوة خطوة في الطريق نحو تطبيقها، لأن البديل الذي سيضعون الجميع أمامه، لو فشلت الخطة، هو تعميم نموذج «بابا عمرو في معالجة الأزمة»، ثم صراخ حلفائهم في الإعلام الخليجي والغربي.

وتحدث المعارض السوري عن تعايش «أصدقاء سوريا» في قطب واحد، رغم تضارب التحليل والمواقف، وطرق مواجهة النظام السوري. ويعبر الديبلوماسيون الغربيون في المجموعة عن «استغرابهم الكبير للموقف القطري، والسعودي بشكل خاص». وقال ديبلوماسي غربي إن السعودية لا تولي اهتماماً كبيراً لما يجري في المنطقة، والنتائج العامة لمواقفها على سوريا، وان ما يهمها هو إسقاط الرئيس بشار الأسد قبل كل شيء، وبأي وسيلة كانت، بغض النظر عن الوسائل والاعتبارات السياسية والأثمان الجيوستراتيجية أو الشعبية.

وقال معارض سوري، بعد لقاء ديبلوماسيين مصريين، أنهم عبروا عن موقف مماثل، ووصفوا موقف بعض الدول الخليجية من الأزمة في سوريا «بالتبسيطي والخطر». وقالوا إن الدول الخليجية التي تدعم تسليح المعارضة لا تفهم فعلياً ما يجري في المنطقة، وقبل اندلاع الأزمة بين القاهرة والرياض، وسحب السعودية سفيرها من العاصمة المصرية، أبلغ ديبلوماسيون مصريون معارضين سوريين أنهم مستعدون للمشاركة في تنفيذ خطة انان على الأرض، ولكن ليس إلى جانب بعض الدول الخليجية، لأن الديبلوماسية المصرية، ما بعد حسني مبارك، تعتبر سوريا جبهتها الشمالية وتحرص على وحدتها.

من جهة ثانية، قال معارض سوري بارز إن موعد الـ16 من أيار الحالي في القاهرة لمحاولة توحيد المعارضة، تحت مظلة الجامعة العربية، لا يزال قائماً. وأنهى المجلس الوطني السوري مناقشات في اسطنبول في هذا الشأن. وتجتمع في جنيف، الأسبوع المقبل، لجنة إعادة هيكلة المجلس الوطني المؤلفة من عشرة أشخاص، هم أعضاء الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للمجلس، للبحث في الورقة التي ستقدم إلى اجتماع القاهرة الذي ستحضره أطياف المعارضة السورية من هيئة التنسيق الوطنية، والمنبر الديموقراطي، وائتلاف الوطن، وتيار بناء الدولة السورية. كما تسمّي اللجنة أعضاء المجلس الأربعة إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر السوري العام تلبية لطلب الأمين العام للجامعة نبيل العربي. ولم تفلح جهود الجامعة العربية لدفع كل هؤلاء إلى مؤتمر سوري عام يرضي مخاوف البعض من خارج المجلس من هيمنته على المعارضة كافة.

ورأى مسؤول عربي مواكب لتحضيرات اجتماع القاهرة أن لا شيء يدعو للتفاؤل حتى الآن في نجاح اجتماع 16 الحالي، ولكن الأمل بنجاحها يقوم على رهان أن كل الأطراف باتت تعي أنها في مأزق، فالمجلس الوطني السوري يحتاج إلى مظلة الجامعة العربية، وهو يحتاج إلى وحدة المعارضة بأي ثمن للحفاظ على ما حصل عليه من «أصدقاء سوريا»، بالعودة من اسطنبول إلى القاهرة. كما أن الأمر يطال الأطراف الأخرى التي لا تشعر بشرعيتها إلا بالعمل تحت مظلة الجامعة العربية. ورغم الإجماع على الحاجة إلى توحيد أطياف المعارضة كافة، إلا ان توحيدها لا يعني دمجها في اطار واحد كما يسعى اليه الفرنسيون، والذين يقومون بالترويج لوحدة دمجية في كل لقاءاتهم مع شخصيات المعارضة السورية من عرب وأكراد. كما ان الوحدة التي يدعو إليها أقطاب «أصدقاء سوريا» الناشطين في دعوة المعارضين إلى وزاراتهم لا تتضمن أي تفكير في توحيد الرؤية السياسية أو الاتفاق على برنامج سياسي موحد، باستثناء العمل على إسقاط النظام، الذي يشكل وحده نقطة التقاء الجميع، من دون ان يكون كافياً، او حاجباً للخلافات العميقة على التسلح والعسكرة والتدخل العسكري الخارجي، وتحالفات خارجية لا علاقة لها ببرنامج «الثورة» السورية.

وتوقع المعارض السوري ألا ينجح السيناريو الذي تم الإعداد له في الدوحة مؤخراً في اجتماع الوزراء العرب لأسباب عدة، أولها أن العملية الجارية يراد لها أن تندرج في مسار مؤتمري «أصدقاء سوريا» في تونس واسطنبول التي ترفضها روسيا والصين ومعارضة الداخل، وليس كتنفيذ لخطة انان باعتبارها نقطة جامعة. فتركيا ومعها قطر والسعودية تريد إدخال خطة انان تحت مظلة مؤتمر «أصدقاء سوريا» بأي شكل ولو على حساب فشلها، والاستقواء بها، واعتبار المؤتمر مرجعية لتقرير كل ما يتعلق بالأزمة السورية، وهذا سيعقد البحث بها.

وقال المعارض السوري إن هذه الجهود تهدف قبل كل شيء إلى احتواء أطراف المعارضة الأخرى التي لا تتبنى خط «أصدقاء سوريا» أكثر مما تهدف إلى توحيد المعارضة. وإذا ما تواصل تعزيز دور المجلس على حساب الأطراف الأخرى، سيعتبر ذلك تغييراً في خطة الجامعة العربية التي تقوم خطتها على توحيد المعارضة السورية على أساس اندراج الجميع في مؤتمر سوري عام، وليس مجرد الانضواء في المجلس الوطني المعروف الوظيفة والتركيب والدور.

وكان معارضون سوريون التقوا بمساعد المبعوث الدولي ناصر القدوة للبحث في مسألة توحيد المعارضة، وخرجوا بانطباع أن بعض أعضاء فريق أنان يسعون لتعزيز دور المجلس الوطني على حساب الأطراف الأخرى وضمّها إلى صفوفها من دون تعديل كبير في هيكليته، بحجة عدم نضوج الشروط الكافية لالتئام المؤتمر السوري العام الذي يحتاج لتحضيرات وزمن.

وقد نسب للديبلوماسي العربي قوله إن أربعة خيارات ضيقة تواجه المعارضة إزاء سؤال توحيدها: البقاء على حالها وهو الأسوأ، وعقد المؤتمر السوري العام المقرر من الجامعة العربية باقتراح من هيئة التنسيق الوطنية، والذي يلقى معارضة خليجية وتركية. أما الخياران الأخيران فهما الإبقاء على المجلس ممثلاً «للشعب ولسوريا» كما هو أو إعادة هيكلته كي يتسع للقادمين الجدد من دون تغيير كبير في وظيفته وقيادته وأدائه. وقد أعلنت هيئة التنسيق الوطنية ومعارضة الداخل بكل تكويناتها رفض سيناريوهات المجلس الوطني بشكله الحالي أو المعدل، وطالبت الجامعة العربية بتكوين اللجنة التحضيرية لمؤتمر المعارضة كما اتفق عليه في الماضي، من دون أي تعديل، وإلا ستضطر إلى التغيب عن هذا الاجتماع.

  • فريق ماسة
  • 2012-04-30
  • 9701
  • من الأرشيف

أقطاب «أصدقاء سورية» يبحثون ما بعد خطة أنان..الذهاب إلى مجلس الأمن.. وتعزيز دور المجلس الوطني

عندما تسقط خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي أنان... ماذا بعد؟ السؤال شغل الاتصالات الجارية بين المعارضة السورية وخارجيات أوروبية. وبحسب مصادر سورية مطلعة، فإن البحث مع أقطاب «أصدقاء سورية» يجري بشكل رئيسي حول سيناريوهات ما بعد أنان. وكأن انتساب بعض الدول الأوروبية لخطة عمل أنان يعتمد مبدأ «الاسم والرائحة ولا العدم». معارض سوري بارز نسب لمسؤول غربي قوله بعد لقاء بينهما في عاصمة أوروبية إنه «متشائل» بصدد مستقبل المراقبين الدوليين ومهمتهم، وأن سقوط الخطة بات مسألة وقت لا أكثر. وقال المسؤول الغربي إننا «نراقب جميع التقارير الواردة من سورية، ونرى أن حظوظ الخطة بالنجاة من الكمائن السياسية والأمنية لا يتعدى الـ15 في المئة»، ورأينا أن الأطراف جميعاً في سوريا، تقوم بأعمال مروعة، ولكن النظام مسؤول بشكل أساسي عن إسقاط الخطة، وهو لا يريد لها النجاح بأي حال، كما أن المعارضة «الاسطنبولية» مسؤولة عن عرقلتها، وهي لا تقوم بكل الجهود المطلوبة، ولكن مسؤوليتها تقل بنسبة كثيرة عن نسبة مسؤولية النظام، ولا تزيد عن خمسة في المئة. من الملاحظ في جملة اللقاءات أن التيارات الإسلامية السورية باتت تشكل مصدر قلق لدى عدد من الدول الأوروبية في «أصدقاء سوريا». ويوجد خلاف، داخل هذه المجموعة، لم يظهر إلى العلن، في تقييم مساهمة «الإخوان المسلمين» في المجلس الوطني السوري، الذي يعتبرونه مجرد واجهة لنشاطهم داخل المعارضة. ومن المفارقات غير المفهومة أن وزير الخارجية الفرنسية ألان جوبيه يخفف من هذه المخاوف في حين يبرزها عدد من المسؤولين في البلدان الأنكلوساكسونية الأكثر قبولاً عادة للإسلام السياسي. فلم يخف ديبلوماسي غربي مخاوف بلاده والإتحاد الأوروبي من تصرف «الأخوان» والإسلاميين السوريين في قضايا التسلح والإغاثة والدور السياسي: «الأخوان يخطئون كثيراً إذا ما اعتقدوا أنهم قادرون على إعادة سوريا إلى الوراء»، بل ولم يمتنع عن وصفهم بـ«المتخلفين الذين نعمل على تطوير نظرتهم إلى الأوضاع»، وهي نظرة ليست على مستوى الأحداث، التي فاجأتهم، كما أنهم لم يكونوا ليتوقعوا عودتهم إلى أداء دور رئيسي في سوريا من دون «الثورة». وينقل المعارض السوري، العائد من جولة أوروبية، أن صورة تكونت لدى أقطاب «أصدقاء سوريا»، تقول إن ما بعد خطة أنان خياران: إما المجهول والفوضى، وإما التوصل إلى استصدار قرار دولي تحت الفصل السابع يعيد المبادرة إلى الأسرة الدولية ويسمح لها برفع الضغوط على النظام السوري وتهديده بتدخل عسكري، لم تتحدد معالمه، لكن مجرد طرحه على الطاولة سيسهم في ثني النظام السوري عن خياره الأمني. ويجري البحث على نطاق واسع في وسائل العودة إلى مجلس الأمن، وربما التدخل العسكري، ورفع تمثيل «المجلس الوطني» لدى بعض المؤسسات الدولية لعزل النظام السوري. وتحت هذا العنوان استعاد ديبلوماسي غربي لمعارضين سوريين، نهاية الأسبوع الماضي، الرهان على تعفن الأوضاع وتراجع قدرات الجيش السوري على القتال، وازدياد احتمال تكرار نموذج كوسوفو في سوريا. وكان حلف شمال الأطلسي، الذي قام بالعملية في العام 1999، قد انتظر عاماً كاملاً قبل أن يتدخل. وقام الجيش الصربي، خلال عام، بارتكاب مذابح بحق المدنيين الألبان، رداً على عمليات «جيش تحرير كوسوفو» قبل أن يقرر «الأطلسي» بمبادرة أميركية التدخل عسكرياً ضد صربيا، منهياً عمليته بإسقاط نظام سلوبودان ميلوسوفيتش في بلغراد. وينظر الغربيون إلى الموقف السوري، بشكل متفاوت، بين تقدير الفاعلية في الضغط على النظام السوري وبين الإحجام عن الذهاب بعيداً في هذا الضغط والانخراط في العملية الجارية لتغييره. وقال المعارض السوري إن محاوريه الأوروبيين الذين يحاولون تلمس مواقف أطراف المعارضة كافة يعتبرون انخراط روسيا في خطة انان، رغم تدني الآمال بنجاحها، يعد إنجازاً كبيراً. فبعد طول ممانعة، بدأ الروس بالانفتاح والتعاون ولو جزئيا مع الأطراف الأخرى في مجلس الأمن، ولكنه من جهة أخرى يرى أن العقبة الكبرى في وجه أي سيناريو في المنطقة لا يزال الموقف الروسي المؤيد للنظام السوري. ونقل المعارض السوري انطباعاً غربياً بأن الروس رغم كل الضغوط التي يتعرضون لها لن يتخلوا عن خطة أنان، وسيمضون خطوة خطوة في الطريق نحو تطبيقها، لأن البديل الذي سيضعون الجميع أمامه، لو فشلت الخطة، هو تعميم نموذج «بابا عمرو في معالجة الأزمة»، ثم صراخ حلفائهم في الإعلام الخليجي والغربي. وتحدث المعارض السوري عن تعايش «أصدقاء سوريا» في قطب واحد، رغم تضارب التحليل والمواقف، وطرق مواجهة النظام السوري. ويعبر الديبلوماسيون الغربيون في المجموعة عن «استغرابهم الكبير للموقف القطري، والسعودي بشكل خاص». وقال ديبلوماسي غربي إن السعودية لا تولي اهتماماً كبيراً لما يجري في المنطقة، والنتائج العامة لمواقفها على سوريا، وان ما يهمها هو إسقاط الرئيس بشار الأسد قبل كل شيء، وبأي وسيلة كانت، بغض النظر عن الوسائل والاعتبارات السياسية والأثمان الجيوستراتيجية أو الشعبية. وقال معارض سوري، بعد لقاء ديبلوماسيين مصريين، أنهم عبروا عن موقف مماثل، ووصفوا موقف بعض الدول الخليجية من الأزمة في سوريا «بالتبسيطي والخطر». وقالوا إن الدول الخليجية التي تدعم تسليح المعارضة لا تفهم فعلياً ما يجري في المنطقة، وقبل اندلاع الأزمة بين القاهرة والرياض، وسحب السعودية سفيرها من العاصمة المصرية، أبلغ ديبلوماسيون مصريون معارضين سوريين أنهم مستعدون للمشاركة في تنفيذ خطة انان على الأرض، ولكن ليس إلى جانب بعض الدول الخليجية، لأن الديبلوماسية المصرية، ما بعد حسني مبارك، تعتبر سوريا جبهتها الشمالية وتحرص على وحدتها. من جهة ثانية، قال معارض سوري بارز إن موعد الـ16 من أيار الحالي في القاهرة لمحاولة توحيد المعارضة، تحت مظلة الجامعة العربية، لا يزال قائماً. وأنهى المجلس الوطني السوري مناقشات في اسطنبول في هذا الشأن. وتجتمع في جنيف، الأسبوع المقبل، لجنة إعادة هيكلة المجلس الوطني المؤلفة من عشرة أشخاص، هم أعضاء الأمانة العامة والمكتب التنفيذي للمجلس، للبحث في الورقة التي ستقدم إلى اجتماع القاهرة الذي ستحضره أطياف المعارضة السورية من هيئة التنسيق الوطنية، والمنبر الديموقراطي، وائتلاف الوطن، وتيار بناء الدولة السورية. كما تسمّي اللجنة أعضاء المجلس الأربعة إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر السوري العام تلبية لطلب الأمين العام للجامعة نبيل العربي. ولم تفلح جهود الجامعة العربية لدفع كل هؤلاء إلى مؤتمر سوري عام يرضي مخاوف البعض من خارج المجلس من هيمنته على المعارضة كافة. ورأى مسؤول عربي مواكب لتحضيرات اجتماع القاهرة أن لا شيء يدعو للتفاؤل حتى الآن في نجاح اجتماع 16 الحالي، ولكن الأمل بنجاحها يقوم على رهان أن كل الأطراف باتت تعي أنها في مأزق، فالمجلس الوطني السوري يحتاج إلى مظلة الجامعة العربية، وهو يحتاج إلى وحدة المعارضة بأي ثمن للحفاظ على ما حصل عليه من «أصدقاء سوريا»، بالعودة من اسطنبول إلى القاهرة. كما أن الأمر يطال الأطراف الأخرى التي لا تشعر بشرعيتها إلا بالعمل تحت مظلة الجامعة العربية. ورغم الإجماع على الحاجة إلى توحيد أطياف المعارضة كافة، إلا ان توحيدها لا يعني دمجها في اطار واحد كما يسعى اليه الفرنسيون، والذين يقومون بالترويج لوحدة دمجية في كل لقاءاتهم مع شخصيات المعارضة السورية من عرب وأكراد. كما ان الوحدة التي يدعو إليها أقطاب «أصدقاء سوريا» الناشطين في دعوة المعارضين إلى وزاراتهم لا تتضمن أي تفكير في توحيد الرؤية السياسية أو الاتفاق على برنامج سياسي موحد، باستثناء العمل على إسقاط النظام، الذي يشكل وحده نقطة التقاء الجميع، من دون ان يكون كافياً، او حاجباً للخلافات العميقة على التسلح والعسكرة والتدخل العسكري الخارجي، وتحالفات خارجية لا علاقة لها ببرنامج «الثورة» السورية. وتوقع المعارض السوري ألا ينجح السيناريو الذي تم الإعداد له في الدوحة مؤخراً في اجتماع الوزراء العرب لأسباب عدة، أولها أن العملية الجارية يراد لها أن تندرج في مسار مؤتمري «أصدقاء سوريا» في تونس واسطنبول التي ترفضها روسيا والصين ومعارضة الداخل، وليس كتنفيذ لخطة انان باعتبارها نقطة جامعة. فتركيا ومعها قطر والسعودية تريد إدخال خطة انان تحت مظلة مؤتمر «أصدقاء سوريا» بأي شكل ولو على حساب فشلها، والاستقواء بها، واعتبار المؤتمر مرجعية لتقرير كل ما يتعلق بالأزمة السورية، وهذا سيعقد البحث بها. وقال المعارض السوري إن هذه الجهود تهدف قبل كل شيء إلى احتواء أطراف المعارضة الأخرى التي لا تتبنى خط «أصدقاء سوريا» أكثر مما تهدف إلى توحيد المعارضة. وإذا ما تواصل تعزيز دور المجلس على حساب الأطراف الأخرى، سيعتبر ذلك تغييراً في خطة الجامعة العربية التي تقوم خطتها على توحيد المعارضة السورية على أساس اندراج الجميع في مؤتمر سوري عام، وليس مجرد الانضواء في المجلس الوطني المعروف الوظيفة والتركيب والدور. وكان معارضون سوريون التقوا بمساعد المبعوث الدولي ناصر القدوة للبحث في مسألة توحيد المعارضة، وخرجوا بانطباع أن بعض أعضاء فريق أنان يسعون لتعزيز دور المجلس الوطني على حساب الأطراف الأخرى وضمّها إلى صفوفها من دون تعديل كبير في هيكليته، بحجة عدم نضوج الشروط الكافية لالتئام المؤتمر السوري العام الذي يحتاج لتحضيرات وزمن. وقد نسب للديبلوماسي العربي قوله إن أربعة خيارات ضيقة تواجه المعارضة إزاء سؤال توحيدها: البقاء على حالها وهو الأسوأ، وعقد المؤتمر السوري العام المقرر من الجامعة العربية باقتراح من هيئة التنسيق الوطنية، والذي يلقى معارضة خليجية وتركية. أما الخياران الأخيران فهما الإبقاء على المجلس ممثلاً «للشعب ولسوريا» كما هو أو إعادة هيكلته كي يتسع للقادمين الجدد من دون تغيير كبير في وظيفته وقيادته وأدائه. وقد أعلنت هيئة التنسيق الوطنية ومعارضة الداخل بكل تكويناتها رفض سيناريوهات المجلس الوطني بشكله الحالي أو المعدل، وطالبت الجامعة العربية بتكوين اللجنة التحضيرية لمؤتمر المعارضة كما اتفق عليه في الماضي، من دون أي تعديل، وإلا ستضطر إلى التغيب عن هذا الاجتماع.

المصدر : السفير /محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة