يتكرر الحديث في تركيا عن احتمال إقامة تحالف بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان العراق. وجاءت زيارة «رئيس» الإقليم مسعود البرزاني إلى العاصمة التركية واجتماعه بالمسؤولين الأتراك على خلفية الصراع بين البرزاني وحكومة نوري المالكي لتعزز هذه الاحتمالات.

مع ذلك، فإن الحديث عن شراكة بين تركيا وشمال العراق لا يتضمن عناصر واقعية تفضي إلى حتمية نجاحه. ذلك أن ولادة إقليم شمال العراق لم تحظ منذ البداية بمباركة أنقرة، التي كانت تعارض أية صيغة فدرالية للعراق، وتعتبرها مقدمة لإقامة دولة كردية مستقلة. وكانت معارضة أنقرة للفدرالية العراقية من أسباب عدم مشاركتها في غزو الأميركيين للعراق في العام 2003.

وتعرف أنقرة انه كلما صلبت الأرض تحت أقدام الأكراد في العراق، ونجحوا في تجسيد هويتهم السياسية والثقافية، كلما شكل ذلك عامل جذب للأكراد الآخرين في المنطقة، ولا سيما الأكراد في جنوب شرق تركيا.

وتعرف أنقرة جيداً أن توجهات البرزاني الحالية تجاه بغداد وغيرها ليست ثابتة، وأنها مجرد مناورات سياسية. فالأكراد العراقيون يعرفون أن شريكهم في المعادلة العراقية، والذي أتاح لهم تجسيد تطلعاتهم السياسية هي الكتلة السياسية التي ينتمي إليها المالكي، وبالتالي فإن الخلاف الحالي بين البرزاني والمالكي لا يمكن أن يستمر وصولاً إلى خيارات حادة، فالفريقان محتوم عليهما لحماية مصالحهما استمرار التعاون. أما الخلافات فلا مفر منها من وقت إلى آخر، ولكنها لن تمس الثوابت الإستراتيجية.

لكن تهديد البرزاني بإعلان استقلال الدولة الكردية في شمال العراق يعني تحولا جذريا في خريطة المنطقة، وتترتب عليه تداعيات خطيرة. وإذا كان البعض يرى أن الفرصة متاحة لتمرير الاستقلال في لحظة فوضى إقليمية، فإن ذلك قد يكون صحيحا للأكراد، لكنه ليس كذلك بالنسبة لكل الدول الأخرى. وتركيا تحديدا ستجد نفسها أكثر المتأذين من لعبة «الدومينو» هذه، لا سيما أن المنطقة الأكثر ملاءمة لأن تكون الثانية على دور الاستقلال، ولو بعد حين، هي المنطقة الكردية في تركيا حيث الاحتقان والتوتر والصدام المسلح والدم المراق منذ ثمانين عاما. كما أن نشوء كيان كردي في شمال سوريا سيوسع إطار الطوق الكردي حول تركيا، ويفصلها عن الجغرافيا العربية.

وتعرف تركيا جيداً انه في ظل عدم الوصول إلى حل للمشكلة الكردية في داخلها، فإنها لن تحظى بتأييد ولا بثقة أي كردي عراقي أو سوري. وقد بدا واضحا، وبضغط تركي، ارتباك «المجلس الوطني السوري» في موقفه من القضية الكردية في سوريا في حال وصوله إلى السلطة.

والأكراد تعودوا على مراوغة الدول التي هم فيها في التعاطي معهم. وتمتاز تركيا عن باقي الدول بأنها الأقدم في إنكار الهوية الكردية والعمل على طمسها منذ أيام مصطفى كمال أتاتورك مرورا بكل الحكومات المتعاقبة، وصولا إلى حزب العدالة والتنمية، الذي لم يختلف موقفه ولا طريقة تعاطيه مع المسألة الكردية عن أي رئيس حكومة سابق مثل طانسو تشيللر أو سليمان ديميريل أو مسعود يلماز، باعتبارها مشكلة أمنية وليست قضية حقوق وهوية تمس أكثر من 12 مليونا من أصل مجموع السكان البالغ 73 مليون نسمة.

ولم يفت بعض الكتّاب الأتراك التهكم على «التحالف» الافتراضي الجديد بين اردوغان والبرزاني بالقول انه بعدما خسرت أنقرة علاقاتها الإستراتيجية مع جيرانها المباشرين لم يعد لتركيا شريك سوى مسعود البرزاني، الذي هو في النهاية حاكم على منطقة هي جزء لا يتجزأ من سيادة دولة أخرى، هي العراق. وما لا يليق بدولة كبيرة إقليميا وتتطلع إلى دور عالمي هي أن تكون شريكا لمجموعة لا صفة دولية لها، بدلا من أن تمعن النظر في العمق في أسباب انهيار سياسة «تصفير المشكلات» مع كل من سوريا والعراق وإيران وروسيا إلى حد ما.

يقول قدري غورسيل في صحيفة «ميللييت» إن «الرابح الأكبر من سياسة تركيا التحالف مع البرزاني هو البرزاني نفسه والأكراد، ويجب ألا يقلل احد من دهاء الزعيم الكردي العراقي. لكن سياسة تركيا الخارجية تستحق أي تسمية ما عدا أنها صفر مشكلات».

كذلك يتهكم سامي كوهين في الصحيفة ذاتها، عندما ينهي مقالته حول مشكلات تركيا مع جيرانها ولا سيما العراق، قائلا «في المناسبة أين هي سياسة تصفير المشكلات؟ إن واحدة من الحقائق التي تظهرها الأزمة مع العراق، بمعزل عن أسبابها، هي أن سياسة تصفير المشكلات مع الجيران في الشرق الأوسط، قد سقطت في حالة النزاعات التي لم يكن احد يريدها».

  • فريق ماسة
  • 2012-04-26
  • 9960
  • من الأرشيف

هل من واقعية لتحالف تركي ـ كردي؟

يتكرر الحديث في تركيا عن احتمال إقامة تحالف بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان العراق. وجاءت زيارة «رئيس» الإقليم مسعود البرزاني إلى العاصمة التركية واجتماعه بالمسؤولين الأتراك على خلفية الصراع بين البرزاني وحكومة نوري المالكي لتعزز هذه الاحتمالات. مع ذلك، فإن الحديث عن شراكة بين تركيا وشمال العراق لا يتضمن عناصر واقعية تفضي إلى حتمية نجاحه. ذلك أن ولادة إقليم شمال العراق لم تحظ منذ البداية بمباركة أنقرة، التي كانت تعارض أية صيغة فدرالية للعراق، وتعتبرها مقدمة لإقامة دولة كردية مستقلة. وكانت معارضة أنقرة للفدرالية العراقية من أسباب عدم مشاركتها في غزو الأميركيين للعراق في العام 2003. وتعرف أنقرة انه كلما صلبت الأرض تحت أقدام الأكراد في العراق، ونجحوا في تجسيد هويتهم السياسية والثقافية، كلما شكل ذلك عامل جذب للأكراد الآخرين في المنطقة، ولا سيما الأكراد في جنوب شرق تركيا. وتعرف أنقرة جيداً أن توجهات البرزاني الحالية تجاه بغداد وغيرها ليست ثابتة، وأنها مجرد مناورات سياسية. فالأكراد العراقيون يعرفون أن شريكهم في المعادلة العراقية، والذي أتاح لهم تجسيد تطلعاتهم السياسية هي الكتلة السياسية التي ينتمي إليها المالكي، وبالتالي فإن الخلاف الحالي بين البرزاني والمالكي لا يمكن أن يستمر وصولاً إلى خيارات حادة، فالفريقان محتوم عليهما لحماية مصالحهما استمرار التعاون. أما الخلافات فلا مفر منها من وقت إلى آخر، ولكنها لن تمس الثوابت الإستراتيجية. لكن تهديد البرزاني بإعلان استقلال الدولة الكردية في شمال العراق يعني تحولا جذريا في خريطة المنطقة، وتترتب عليه تداعيات خطيرة. وإذا كان البعض يرى أن الفرصة متاحة لتمرير الاستقلال في لحظة فوضى إقليمية، فإن ذلك قد يكون صحيحا للأكراد، لكنه ليس كذلك بالنسبة لكل الدول الأخرى. وتركيا تحديدا ستجد نفسها أكثر المتأذين من لعبة «الدومينو» هذه، لا سيما أن المنطقة الأكثر ملاءمة لأن تكون الثانية على دور الاستقلال، ولو بعد حين، هي المنطقة الكردية في تركيا حيث الاحتقان والتوتر والصدام المسلح والدم المراق منذ ثمانين عاما. كما أن نشوء كيان كردي في شمال سوريا سيوسع إطار الطوق الكردي حول تركيا، ويفصلها عن الجغرافيا العربية. وتعرف تركيا جيداً انه في ظل عدم الوصول إلى حل للمشكلة الكردية في داخلها، فإنها لن تحظى بتأييد ولا بثقة أي كردي عراقي أو سوري. وقد بدا واضحا، وبضغط تركي، ارتباك «المجلس الوطني السوري» في موقفه من القضية الكردية في سوريا في حال وصوله إلى السلطة. والأكراد تعودوا على مراوغة الدول التي هم فيها في التعاطي معهم. وتمتاز تركيا عن باقي الدول بأنها الأقدم في إنكار الهوية الكردية والعمل على طمسها منذ أيام مصطفى كمال أتاتورك مرورا بكل الحكومات المتعاقبة، وصولا إلى حزب العدالة والتنمية، الذي لم يختلف موقفه ولا طريقة تعاطيه مع المسألة الكردية عن أي رئيس حكومة سابق مثل طانسو تشيللر أو سليمان ديميريل أو مسعود يلماز، باعتبارها مشكلة أمنية وليست قضية حقوق وهوية تمس أكثر من 12 مليونا من أصل مجموع السكان البالغ 73 مليون نسمة. ولم يفت بعض الكتّاب الأتراك التهكم على «التحالف» الافتراضي الجديد بين اردوغان والبرزاني بالقول انه بعدما خسرت أنقرة علاقاتها الإستراتيجية مع جيرانها المباشرين لم يعد لتركيا شريك سوى مسعود البرزاني، الذي هو في النهاية حاكم على منطقة هي جزء لا يتجزأ من سيادة دولة أخرى، هي العراق. وما لا يليق بدولة كبيرة إقليميا وتتطلع إلى دور عالمي هي أن تكون شريكا لمجموعة لا صفة دولية لها، بدلا من أن تمعن النظر في العمق في أسباب انهيار سياسة «تصفير المشكلات» مع كل من سوريا والعراق وإيران وروسيا إلى حد ما. يقول قدري غورسيل في صحيفة «ميللييت» إن «الرابح الأكبر من سياسة تركيا التحالف مع البرزاني هو البرزاني نفسه والأكراد، ويجب ألا يقلل احد من دهاء الزعيم الكردي العراقي. لكن سياسة تركيا الخارجية تستحق أي تسمية ما عدا أنها صفر مشكلات». كذلك يتهكم سامي كوهين في الصحيفة ذاتها، عندما ينهي مقالته حول مشكلات تركيا مع جيرانها ولا سيما العراق، قائلا «في المناسبة أين هي سياسة تصفير المشكلات؟ إن واحدة من الحقائق التي تظهرها الأزمة مع العراق، بمعزل عن أسبابها، هي أن سياسة تصفير المشكلات مع الجيران في الشرق الأوسط، قد سقطت في حالة النزاعات التي لم يكن احد يريدها».

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة