سعت تركيا في عهد «حزب العدالة والتنمية» إلى إحداث خرق في الملف الأرمني، سواء على الصعيد الداخلي أو في العلاقات مع دولة أرمينيا.

ومع أن هامش الحريات اتسع في تركيا إلى حد السماح بتنظيم مؤتمرات مستقلة تناقش المسألة الأرمنية، غير أن أي تطور في الموقف التركي الرسمي لم يظهر في اتجاه المطالب الأرمنية الثلاثة: الاعتراف بالإبادة والتعويضات والأرض.

وفي العلاقات مع أرمينيا كاد يحدث خرق تاريخي في البروتوكول الذي وقع في خريف العام 2009، لكن من دون أن يبصر النور نظرا لضغوط «الدياسبورا» الأرمنية على يريفان، والضغوط الأذرية على أنقرة... فطوي البروتوكول.

وبقيت تركيا على موقفها الثابت من أن مفتاح الحل هو في تشكيل لجنة من المؤرخين متعددي الجنسيات، تبتّ في حقيقة ما حصل وهو ما يرفضه الأرمن رفضا قاطعا.

لكن الأصوات التركية التي تدعو أنقرة إلى تصفية حسابها مع ماضيها، والتصالح معه باتجاه الاعتراف بـ«الكارثة» التي حصلت، يزداد عددها وتشمل شريحة واسعة من كبار المثقفين والمؤرخين والصحافيين. لكن تصاعد الخطاب القومي والديني والمذهبي لدى النخبة السياسية لـ«حزب العدالة والتنمية»، ولا سيما بعد ظهور الثورات العربية، لا يزال يحول دون مقاربة أنقرة بطريقة مختلفة للمسألة الأرمنية تنهي هذا الملف وتفتح الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

وفي الذكرى السنوية للمجازر كتب العديد من الكتّاب الأتراك مقالات في الصحف التركية تعرب عن تعاطفها وتضامنها مع الأرمن وتقاسمهم «الألم» الناتج من هذه الكارثة.

ويقول الكاتب في صحيفة «ميللييت» حسن جمال انه «منذ عهد الاتحاد والترقي والذهنية القومية تطبع الدولة التركية، وكانت وراء تتريك المسلمين بالقوة في الأناضول. أما غير المسلمين الذين كانوا يعيشون في الأناضول منذ قرون، وعلى رأسهم الأرمن، فقد اقتلعوا من أرضهم ومن جذورهم وتعرضوا للسحق ومحو الأثر. هذا هو التاريخ الرسمي الذي قام بالرقابة حتى على أتاتورك، الذي اعتبر في 24 نيسان العام 1920 ان الذي تعرض له الأرمن في العام 1915 أمر مخجل وسافل... هذا الكلام تم محوه من محاضر جلسات المجلس الوطني».

ويقول جمال ان الأمر ذاته انطبق على الأكراد، حيث رأى أتاتورك في العام 1922 أن حل المشكلة الكردية يكون بمنح الأكراد الحكم الذاتي في المحافظات التي يعيشون فيها، وقد تم أيضا محو هذه العبارة، ولم تنشر في مجلدات خطب اتاتورك.

ويتابع جمال ان «التاريخ الرسمي كتب بطريقة أصبحت كتابته بطريقة مستقلة دونها مخاطر، لأن التعاطي مع التاريخ والماضي لم يكن تاريخا، بل كان تعاطياً أيضا مع الحاضر. وربما لهذا السبب عندما بدأ هرانت (دينك) الخروج عن الخطوط الحمراء في كتابة التاريخ حصلت حادثة اغتياله في 19 كانون الثاني 2007». وأنهى جمال مقالته بمناداة دينك «عزيزي هرانت، اليوم 24 نيسان، إني أتقاسم ألم الإبادة ولتنم قريرا يا أخي».

وفي صحيفة «يني شفق» كتب الأكاديمي علي بيرم أوغلو مقالة بعنوان «1915 ونحن»، وقال ان «24 نيسان بات يوما للإبادة كما يصف الأرمن أحداث 24 نيسان العام 1915، فيما تراه تركيا يوم العداء للأتراك».

وأضاف «لكن حتى الكتّاب الإسلاميون بدأوا ينشرون بيانات تقاسم الألم في هذه الذكرى. ومع كل يوم يمر يزداد عدد الذين يصفون ما حدث بالإبادة، كذلك بدأ تحول في النظرة إلى التاريخ التركي في الجامعات، ولم تعد سائدة نظرة طمس الوقائع».

ويقول بيرم اوغلو ان «فهم ما حدث يبدأ بالضمير». ويروي ما نشرته صحيفة «آغوس» الأرمنية من شهادات بعض من عاشوا المجزرة ولا يزالون أحياء. ويقول لقد بدأت المجازر باعتقال 220 مثقفاً وكاتباً وسياسياً أرمنياً في اسطنبول، ثم بدأ التهجير والقتل في كل الأناضول وتراقيا. وينهي مقالته بالقول ان «حكايات التهجير والقتل تخاطب أولا الضمير، ومن ثم تدخل العقل، ومن بعدها تدعوها الى السياسة».

وكتب محمد علي بيراند، في «ميللييت»، ان طروحات تركيا لم يعد لها أي تأثير، لأن الأرمن أقنعوا العالم بحصول «إبادة». ويقول ان «كتاباً صدر مؤخراً في ألمانيا، وبترجمة ممتازة الى التركية، في ألف صفحة يعتمد على الأرشيف الألماني لا يمكن من يقرأه أن ينكر أنه لم تحصل إبادة للأرمن». ويسأل الحكومة التركية «ما الذي فعلته تركيا في السنوات الخمسين الماضية، ولماذا لم تدخل أرشيفات الدول الأخرى. ولماذا اكتفت بأرشيف الدولة التركية. ولماذا نخدع أنفسنا ولا نكشف الحقائق الكبرى. أنا أعرف أنه لهذا السبب ستبقون ساكتين».

 

  • فريق ماسة
  • 2012-04-24
  • 11807
  • من الأرشيف

ذكرى المجازر الأرمنية: أصوات تركية تتقاسم «الألم»

  سعت تركيا في عهد «حزب العدالة والتنمية» إلى إحداث خرق في الملف الأرمني، سواء على الصعيد الداخلي أو في العلاقات مع دولة أرمينيا. ومع أن هامش الحريات اتسع في تركيا إلى حد السماح بتنظيم مؤتمرات مستقلة تناقش المسألة الأرمنية، غير أن أي تطور في الموقف التركي الرسمي لم يظهر في اتجاه المطالب الأرمنية الثلاثة: الاعتراف بالإبادة والتعويضات والأرض. وفي العلاقات مع أرمينيا كاد يحدث خرق تاريخي في البروتوكول الذي وقع في خريف العام 2009، لكن من دون أن يبصر النور نظرا لضغوط «الدياسبورا» الأرمنية على يريفان، والضغوط الأذرية على أنقرة... فطوي البروتوكول. وبقيت تركيا على موقفها الثابت من أن مفتاح الحل هو في تشكيل لجنة من المؤرخين متعددي الجنسيات، تبتّ في حقيقة ما حصل وهو ما يرفضه الأرمن رفضا قاطعا. لكن الأصوات التركية التي تدعو أنقرة إلى تصفية حسابها مع ماضيها، والتصالح معه باتجاه الاعتراف بـ«الكارثة» التي حصلت، يزداد عددها وتشمل شريحة واسعة من كبار المثقفين والمؤرخين والصحافيين. لكن تصاعد الخطاب القومي والديني والمذهبي لدى النخبة السياسية لـ«حزب العدالة والتنمية»، ولا سيما بعد ظهور الثورات العربية، لا يزال يحول دون مقاربة أنقرة بطريقة مختلفة للمسألة الأرمنية تنهي هذا الملف وتفتح الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وفي الذكرى السنوية للمجازر كتب العديد من الكتّاب الأتراك مقالات في الصحف التركية تعرب عن تعاطفها وتضامنها مع الأرمن وتقاسمهم «الألم» الناتج من هذه الكارثة. ويقول الكاتب في صحيفة «ميللييت» حسن جمال انه «منذ عهد الاتحاد والترقي والذهنية القومية تطبع الدولة التركية، وكانت وراء تتريك المسلمين بالقوة في الأناضول. أما غير المسلمين الذين كانوا يعيشون في الأناضول منذ قرون، وعلى رأسهم الأرمن، فقد اقتلعوا من أرضهم ومن جذورهم وتعرضوا للسحق ومحو الأثر. هذا هو التاريخ الرسمي الذي قام بالرقابة حتى على أتاتورك، الذي اعتبر في 24 نيسان العام 1920 ان الذي تعرض له الأرمن في العام 1915 أمر مخجل وسافل... هذا الكلام تم محوه من محاضر جلسات المجلس الوطني». ويقول جمال ان الأمر ذاته انطبق على الأكراد، حيث رأى أتاتورك في العام 1922 أن حل المشكلة الكردية يكون بمنح الأكراد الحكم الذاتي في المحافظات التي يعيشون فيها، وقد تم أيضا محو هذه العبارة، ولم تنشر في مجلدات خطب اتاتورك. ويتابع جمال ان «التاريخ الرسمي كتب بطريقة أصبحت كتابته بطريقة مستقلة دونها مخاطر، لأن التعاطي مع التاريخ والماضي لم يكن تاريخا، بل كان تعاطياً أيضا مع الحاضر. وربما لهذا السبب عندما بدأ هرانت (دينك) الخروج عن الخطوط الحمراء في كتابة التاريخ حصلت حادثة اغتياله في 19 كانون الثاني 2007». وأنهى جمال مقالته بمناداة دينك «عزيزي هرانت، اليوم 24 نيسان، إني أتقاسم ألم الإبادة ولتنم قريرا يا أخي». وفي صحيفة «يني شفق» كتب الأكاديمي علي بيرم أوغلو مقالة بعنوان «1915 ونحن»، وقال ان «24 نيسان بات يوما للإبادة كما يصف الأرمن أحداث 24 نيسان العام 1915، فيما تراه تركيا يوم العداء للأتراك». وأضاف «لكن حتى الكتّاب الإسلاميون بدأوا ينشرون بيانات تقاسم الألم في هذه الذكرى. ومع كل يوم يمر يزداد عدد الذين يصفون ما حدث بالإبادة، كذلك بدأ تحول في النظرة إلى التاريخ التركي في الجامعات، ولم تعد سائدة نظرة طمس الوقائع». ويقول بيرم اوغلو ان «فهم ما حدث يبدأ بالضمير». ويروي ما نشرته صحيفة «آغوس» الأرمنية من شهادات بعض من عاشوا المجزرة ولا يزالون أحياء. ويقول لقد بدأت المجازر باعتقال 220 مثقفاً وكاتباً وسياسياً أرمنياً في اسطنبول، ثم بدأ التهجير والقتل في كل الأناضول وتراقيا. وينهي مقالته بالقول ان «حكايات التهجير والقتل تخاطب أولا الضمير، ومن ثم تدخل العقل، ومن بعدها تدعوها الى السياسة». وكتب محمد علي بيراند، في «ميللييت»، ان طروحات تركيا لم يعد لها أي تأثير، لأن الأرمن أقنعوا العالم بحصول «إبادة». ويقول ان «كتاباً صدر مؤخراً في ألمانيا، وبترجمة ممتازة الى التركية، في ألف صفحة يعتمد على الأرشيف الألماني لا يمكن من يقرأه أن ينكر أنه لم تحصل إبادة للأرمن». ويسأل الحكومة التركية «ما الذي فعلته تركيا في السنوات الخمسين الماضية، ولماذا لم تدخل أرشيفات الدول الأخرى. ولماذا اكتفت بأرشيف الدولة التركية. ولماذا نخدع أنفسنا ولا نكشف الحقائق الكبرى. أنا أعرف أنه لهذا السبب ستبقون ساكتين».  

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة