طلقتا قناصة أصابتا معراب. «زمط» سمير جعجع وطاقمه، وباشروا تحقيقاتهم وتابعوا تحقيقات الأجهزة الأمنية. هذه الأجهزة تغوص في صراعها الداخلي، فيصبح من الأفضل الاستماع إلى الرواية القواتية القائلة إنّ زهرة أنقذت حياة الحكيم من قنص من عيار ثقيل.

سمير جعجع في دائرة الاستهداف الأمني. البعض يستغرب نظراً إلى الحصن والحس الأمنيين اللذين يعيش فيهما رئيس القوات اللبنانية. بعضٌ ثانٍ يردّ بابتسامة صفراء، وبعض ثالث يهزّ رأسه معبراً عن فهمه الظروف وسير الأمور. يقول جعجع لـ«الأخبار» إنه يملك شكوكاً كثيرة في أطراف قد تكون مسؤولة عن محاولة اغتياله. لكن «لا يحق لي أن أتّهم مباشرة هذا الطرف أو ذاك أو غيرهما من دون وجود وقائع دامغة». يحاول التصرّف بعقلانية مع هذا الموضوع، رغم أن الرصاص سقط على بعد سنتيمترات منه. حتى لو شكوكه كانت صائبة، «يبقى ربما 0.5 في المئة بأن تكون هذه الشكوك خاطئة». لذا لن يصدر عن معراب أي اتّهام مباشر لأي طرف داخلي أو خارجي. تقديرياً، من قد يستفيد من قتلك؟ «أطراف عديدة» يجيب، ويشير إلى أنّ المسؤولين عن هذه العملية «أرادوا إزاحة شخص قوي عن الساحة، شخصاً ليس محدوداً أو مسؤولاً في منطقة أو طائفة، وشخصاً يأخذ شعبية أكثر وأكثر». يستند جعجع إلى بعض الاغتيالات السابقة، اغتيال الوزير بيار الجميّل والصحافي سمير قصير. كان الجميّل يحرك داخل حزبه وخارجه، وبات قادراً على الاستقطاب. وقصير «وصل إلى حد بات قادراً على التأثير في الرأي العام». يمكن إضافة اسم رفيق الحريري إلى هذين الاسمين، كما تحدث جعجع في مؤتمره الصحافي أمس. وبالتالي: «جرت هذه الاغتيالات وغيرها لخنق أصوات الشهداء ولاستهداف آرائهم، لكن العامل الأهم الذي دفع المنفذين إلى ارتكاب هذه الجرائم هو حجم الخطر الذي شكّله هؤلاء الشهداء على الأطراف المغتالة».

وضع جعجع نفسه في هذا المصاف. وفعلياً أصبح هو، منذ شهرين، رأس حربة فريق المعارضة وصاحب السقف السياسي الأعلى والأكثر جرأةً بين حلفائه. وبالتالي، وفقاً لتحليله، هو معرّض للخطر بفعل تأثيره المتنامي على جمهوره وعلى جماهير أخرى في 14 آذار وخارجها.

محاولة الاغتيال «جدّ أم لعبة»؟ مشهد معراب أمس يؤكد أنّ ما حصل ليس مزحة سمجة يراد منها التسويق السياسي. استنفار الفريق الأمني والمسلحين الحزبيين في محيط القلعة وداخلها يؤكد وجود قلق حقيقي. عدد أفراد الأمن والجيش اللبناني الذين دخلوا وخرجوا من معراب يدلّ على كثير من الأمور، أولها المباشرة بتحقيق جدي لكشف الملابسات. شظايا المقذوفين موجودة وعُرضت أمام الإعلام. بقيت تفاصيل حادثة محاولة الاغتيال، وبحسب ما روي في معراب يمكن سردها وفق الآتي:

كان جعجع يمارس بعض الرياضة في إحدى البقع المخصصة لهذا الأمر في الهواء الطلق. ليس الركض، بل المشي السريع. تريّض وتنّعم بالشمس بعيداً عن مرافقيه. لمح زهرة صفراء على العشب، «نخّ» ليقطفها. سمع طلقاً نارياً وصوت انفلاشه على الحائط الزجاجي بالقرب منه. بقي منبطحاً، فيما عيار آخر سقط في المكان نفسه. كانت الساعة 11 و33 دقيقة من قبل ظهر الأربعاء.

بارح مكانه وقد تلطّى وراء بعض الشجيرات التي تحيط الحديقة. بحسب الرواية نفسها، نفّذ مرافقوه عملية «إخلاء» سريعة، فأدخل إلى مكان آمن. للتوّ تعرّض جعجع لمحاولة اغتيال، إلا أنه بحسب القواتيين «بقي محافظاً على هدوئه». غيّر ملابسه واستعدّ ليعمل اللازم من اتصالات ونقاشات.

في غضون ذلك، كان فريق أمن معراب قد تحرّك إلى المكان علّه يلتقط بعض الخيوط.

ظلّ جعجع محافظاً على هدوئه. اتصل بمسؤولي الأجهزة الأمنية وتابع التحقيقات الأولية. ولحين وصول التقارير الأولية، استقبل الحكيم زواره بشكل عادي وفق أجندة المواعيد. كأنّ شيئاً لم يكن حتى توافرت المعلومات: العثور على مظروف فارغ لرصاصة من عيار 12.7، فأُعلن الأمر وأُكِّدت سلامة جعجع وكل الموجودين في معراب، وأُعلن فشل محاولة التعرّض للحكيم.

قرابة الساعة الواحدة ظهراً، أطلّت مروحية للجيش. أي بعد ساعة ونصف ساعة. كان «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب». رغم ذلك، أصرّ جعجع حتى الساعات الأخيرة من ليل أمس على شكر الأجهزة الأمنية على تحرّكها السريع لكشف ملابسات الحادثة.

أُطلقت النار من جهة الغرب باتجاه الشرق، من تلّة صغيرة تشرف على قصر معراب. كيف سارت التحقيقات الأمنية؟ هنا الكارثة! يبدو كأننا نشاهد فيلماً أميركياً عن صراع الأجهزة في الولايات المتحدة: الـ«سي آي إيه» من جهة، الـ«إف بي آي» من جهة أخرى، وفي الوسط وكالة الأمن القومي! هنا، في لبنان، الوضع أسوأ. لكل جهاز روايته ووقائعه وإحداثياته.

جهاز شبه متأكد من أنّ «سمير جعجع دبّر هذه المسرحية لكونه مأزوماً»، ويطالب ضباط فيه باستجواب كل مرافقي الحكيم؛ «لكون أخطاء في تلقيم أو تنظيف السلاح تحدث ويجري استخدامها سياسياً». جهاز آخر يؤكد جدية الوقائع، «لكننا لم نستطع ضبط سوى المقذوفَين، وترجيح وجود قناصتين لا واحدة، بناءً على إفادة جعجع الذي أكد أنه لم تفصل ثانية واحدة بين الطلقين». جهاز يؤكد وجود مظروفين فارغين، وآخر ينفي علمه بالأمر. الآخر يشير إلى فرضية وجود قناصة واحدة، والأول يقدم فرضية باثنتين...

وفي الجهاز الأمني الواحد تجد أكثر من رواية. يقول أحد الضباط البارزين في واحد من الجهازين اللذين سبق ذكر رواية كل منهما إنه يرى احتمالين لما جرى: أن يكون القنص رسالة لجعجع، أو أن يكون ما جرى «مفبركاً». أمام هذه الوقائع، كان انتظار معلومة مفيدة من تحقيقات الأجهزة الأمنية الرسمية أمس أشبه بـ«الضرب بالمندل».
  • فريق ماسة
  • 2012-04-04
  • 7436
  • من الأرشيف

زهرة أنقذته...تفاصيل مسرحية محاولة اغتيال سمير جعحع

طلقتا قناصة أصابتا معراب. «زمط» سمير جعجع وطاقمه، وباشروا تحقيقاتهم وتابعوا تحقيقات الأجهزة الأمنية. هذه الأجهزة تغوص في صراعها الداخلي، فيصبح من الأفضل الاستماع إلى الرواية القواتية القائلة إنّ زهرة أنقذت حياة الحكيم من قنص من عيار ثقيل. سمير جعجع في دائرة الاستهداف الأمني. البعض يستغرب نظراً إلى الحصن والحس الأمنيين اللذين يعيش فيهما رئيس القوات اللبنانية. بعضٌ ثانٍ يردّ بابتسامة صفراء، وبعض ثالث يهزّ رأسه معبراً عن فهمه الظروف وسير الأمور. يقول جعجع لـ«الأخبار» إنه يملك شكوكاً كثيرة في أطراف قد تكون مسؤولة عن محاولة اغتياله. لكن «لا يحق لي أن أتّهم مباشرة هذا الطرف أو ذاك أو غيرهما من دون وجود وقائع دامغة». يحاول التصرّف بعقلانية مع هذا الموضوع، رغم أن الرصاص سقط على بعد سنتيمترات منه. حتى لو شكوكه كانت صائبة، «يبقى ربما 0.5 في المئة بأن تكون هذه الشكوك خاطئة». لذا لن يصدر عن معراب أي اتّهام مباشر لأي طرف داخلي أو خارجي. تقديرياً، من قد يستفيد من قتلك؟ «أطراف عديدة» يجيب، ويشير إلى أنّ المسؤولين عن هذه العملية «أرادوا إزاحة شخص قوي عن الساحة، شخصاً ليس محدوداً أو مسؤولاً في منطقة أو طائفة، وشخصاً يأخذ شعبية أكثر وأكثر». يستند جعجع إلى بعض الاغتيالات السابقة، اغتيال الوزير بيار الجميّل والصحافي سمير قصير. كان الجميّل يحرك داخل حزبه وخارجه، وبات قادراً على الاستقطاب. وقصير «وصل إلى حد بات قادراً على التأثير في الرأي العام». يمكن إضافة اسم رفيق الحريري إلى هذين الاسمين، كما تحدث جعجع في مؤتمره الصحافي أمس. وبالتالي: «جرت هذه الاغتيالات وغيرها لخنق أصوات الشهداء ولاستهداف آرائهم، لكن العامل الأهم الذي دفع المنفذين إلى ارتكاب هذه الجرائم هو حجم الخطر الذي شكّله هؤلاء الشهداء على الأطراف المغتالة». وضع جعجع نفسه في هذا المصاف. وفعلياً أصبح هو، منذ شهرين، رأس حربة فريق المعارضة وصاحب السقف السياسي الأعلى والأكثر جرأةً بين حلفائه. وبالتالي، وفقاً لتحليله، هو معرّض للخطر بفعل تأثيره المتنامي على جمهوره وعلى جماهير أخرى في 14 آذار وخارجها. محاولة الاغتيال «جدّ أم لعبة»؟ مشهد معراب أمس يؤكد أنّ ما حصل ليس مزحة سمجة يراد منها التسويق السياسي. استنفار الفريق الأمني والمسلحين الحزبيين في محيط القلعة وداخلها يؤكد وجود قلق حقيقي. عدد أفراد الأمن والجيش اللبناني الذين دخلوا وخرجوا من معراب يدلّ على كثير من الأمور، أولها المباشرة بتحقيق جدي لكشف الملابسات. شظايا المقذوفين موجودة وعُرضت أمام الإعلام. بقيت تفاصيل حادثة محاولة الاغتيال، وبحسب ما روي في معراب يمكن سردها وفق الآتي: كان جعجع يمارس بعض الرياضة في إحدى البقع المخصصة لهذا الأمر في الهواء الطلق. ليس الركض، بل المشي السريع. تريّض وتنّعم بالشمس بعيداً عن مرافقيه. لمح زهرة صفراء على العشب، «نخّ» ليقطفها. سمع طلقاً نارياً وصوت انفلاشه على الحائط الزجاجي بالقرب منه. بقي منبطحاً، فيما عيار آخر سقط في المكان نفسه. كانت الساعة 11 و33 دقيقة من قبل ظهر الأربعاء. بارح مكانه وقد تلطّى وراء بعض الشجيرات التي تحيط الحديقة. بحسب الرواية نفسها، نفّذ مرافقوه عملية «إخلاء» سريعة، فأدخل إلى مكان آمن. للتوّ تعرّض جعجع لمحاولة اغتيال، إلا أنه بحسب القواتيين «بقي محافظاً على هدوئه». غيّر ملابسه واستعدّ ليعمل اللازم من اتصالات ونقاشات. في غضون ذلك، كان فريق أمن معراب قد تحرّك إلى المكان علّه يلتقط بعض الخيوط. ظلّ جعجع محافظاً على هدوئه. اتصل بمسؤولي الأجهزة الأمنية وتابع التحقيقات الأولية. ولحين وصول التقارير الأولية، استقبل الحكيم زواره بشكل عادي وفق أجندة المواعيد. كأنّ شيئاً لم يكن حتى توافرت المعلومات: العثور على مظروف فارغ لرصاصة من عيار 12.7، فأُعلن الأمر وأُكِّدت سلامة جعجع وكل الموجودين في معراب، وأُعلن فشل محاولة التعرّض للحكيم. قرابة الساعة الواحدة ظهراً، أطلّت مروحية للجيش. أي بعد ساعة ونصف ساعة. كان «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب». رغم ذلك، أصرّ جعجع حتى الساعات الأخيرة من ليل أمس على شكر الأجهزة الأمنية على تحرّكها السريع لكشف ملابسات الحادثة. أُطلقت النار من جهة الغرب باتجاه الشرق، من تلّة صغيرة تشرف على قصر معراب. كيف سارت التحقيقات الأمنية؟ هنا الكارثة! يبدو كأننا نشاهد فيلماً أميركياً عن صراع الأجهزة في الولايات المتحدة: الـ«سي آي إيه» من جهة، الـ«إف بي آي» من جهة أخرى، وفي الوسط وكالة الأمن القومي! هنا، في لبنان، الوضع أسوأ. لكل جهاز روايته ووقائعه وإحداثياته. جهاز شبه متأكد من أنّ «سمير جعجع دبّر هذه المسرحية لكونه مأزوماً»، ويطالب ضباط فيه باستجواب كل مرافقي الحكيم؛ «لكون أخطاء في تلقيم أو تنظيف السلاح تحدث ويجري استخدامها سياسياً». جهاز آخر يؤكد جدية الوقائع، «لكننا لم نستطع ضبط سوى المقذوفَين، وترجيح وجود قناصتين لا واحدة، بناءً على إفادة جعجع الذي أكد أنه لم تفصل ثانية واحدة بين الطلقين». جهاز يؤكد وجود مظروفين فارغين، وآخر ينفي علمه بالأمر. الآخر يشير إلى فرضية وجود قناصة واحدة، والأول يقدم فرضية باثنتين... وفي الجهاز الأمني الواحد تجد أكثر من رواية. يقول أحد الضباط البارزين في واحد من الجهازين اللذين سبق ذكر رواية كل منهما إنه يرى احتمالين لما جرى: أن يكون القنص رسالة لجعجع، أو أن يكون ما جرى «مفبركاً». أمام هذه الوقائع، كان انتظار معلومة مفيدة من تحقيقات الأجهزة الأمنية الرسمية أمس أشبه بـ«الضرب بالمندل».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة