دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
البداية سطور مقتبسة من نص لم ينتبه إليه القارئ أو لم يصل إليه:
"في يوم السبت الماضي، 31 آذار (مارس)، شهدت العاصمة السعودية ولادة منظومة جديدة هي "منتدى التعاون الاستراتيجي" بين مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية، دشنه اجتماع مطول بين وزراء خارجية دول المجلس ووزيرة الخارجية الأميركية".
"الاجتماع عقد في مقر مجلس التعاون، وتأسيس هذا المنتدى كمنظومة متكاملة هما مؤشران مهمان لتطورات كبيرة تمر بها المنطقة، وتحديات جديدة متنامية أقنعت الجانب الأميركي بفوائد العمل بشكل تكاملي مع مجلس التعاون كمنظمة إقليمية وليس كدول منفردة كما كان عليه الحال سابقاً..".
هذه المقتطفات مأخوذة حرفياً من جريدة "الوطن"السعودية الصادرة يوم أمس الأول (الاثنين)... وقد أعدنا نشرها لأن خبر قيام "منتدى التعاون الاستراتيجي" هذا قد مر بهدوء مريب، وسط تفجر الأرض في مشارق الأرض العربية ومغاربها بالانتفاضات الشعبية بكل ما يحيط بها وما يتهددها من مخاطر الانحراف أو الانزلاق نحو ما يناقض تماماً أهداف الثوار الذين اندفعوا إلى ميادين المدن والبلدات، في مختلف الدول العربية، رافعين أصواتهم والقبضات، مقدمين دماءهم والأرزاق، طلباً للحرية واستعادة لحقهم في بلادهم ولدورهم في بنائها بما يحفظ سيادتها وكرامتهم ورفعتها وتقدمهم نحو غدهم الأفضل.
ليس في خبر قيام المنظومة الجديدة ما يتجاوز يقين المواطن العربي بأن أهل النفط في "بلاده" قد ذهبوا بعيداً جداً عن عروبتهم وموجباتها فابتنوا لأنفسهم مجلساً لأصحاب الثروة يحكم الجامعة العربية فيتحكّم بقرارها أو يخرجون منها إلى فيء الحماية الأميركية المباشرة، بأبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية جميعاً.
بل إن في الشروح التفصيلية لمبررات قيام هذا المنتدى ما يغني عن أي تعليق "فهو يعكس دور مجلس التعاون المتنامي في قضايا المنطقة، على سبيل المثال في اليمن وليبيا والآن في سوريا".. ثم "حاجة الولايات المتحدة، والعالم، للاستجابة للتهديدات التي تواجه منطقة الخليج".. ومن بعد يأتي "العامل الاقتصادي"
ليس هذا إعلاناً صريحاً بخروج مجلس التعاون من الجامعة وعليها، بل هو يؤكد انتقال هذه الدول ـ بإمكاناتها وقدراتها المذهّبة ـ إلى المعسكر الآخر، بعيداً عن هويتها الأصلية، وعن موجبات هذه الهوية في الحاضر وفي المستقبل.
وإذا ما استذكرنا الأدوار التي قامت (وتقوم) بها دول مجلس التعاون في محاولات احتواء الانتفاضات الشعبية في كل من تونس ومصر وليبيا، ثم في سوريا، ولو من موقع مختلف تماماً، لتبيّن أن تلك الأدوار كانت تتلخص في محاولات استيعاب الانتفاضات بمحاولة تطئيفها أو إلباسها لبوس السلفيات والأصولية، فإن تمردت انتقل أهل النفط إلى فرض حصار التجويع على "المجتمعات المتمردة"، كما حصل مع مصر ـ الثورة على سبيل المثال لا الحصر..
بمعنى آخر: إما أن تُلوى أعناق الانتفاضات وتُقزّم أهدافها فتكتفي بتبديل الدكتاتور بحزب أو تنظيم دكتاتوري يتلطى خلف الشعار الديني، ويجر البلاد إلى الخلف بما يخرجها من العصر، وإما أن يوقع عليها العقاب فتُحاصر وتُمنع عنها المساعدات ولو على شكل قروض.
لا يعني ذلك غير دفع المجتمعات المتمردة والتي تريد أن تمضي الثورة في طريقها لإعادة بناء الدولة العصرية مع احترام كرامة الإنسان وحقوقه في العدل والحرية والتقدم، إلى حافة الحرب الأهلية، سواء اتخذت شكل حروب الطوائف أم الاقتتال الجهوي
والعنصري (كما يحصل في ليبيا) أم الفوضى العارمة التي تذهب بركائز المجتمع وأسباب تماسكه وتلغي أو ترجئ قيام الدولة العادلة فيه إلى ما شاء الله.
كيف تقوم الثورات من دون إذن أصحاب الثروات؟
وكيف تمتلئ الميادين بملايين الشباب الغاضبين رافضي مظالم الطغيان في الداخل وإذعان السلطة للخارج، أميركياً وإسرائيلياً، على حساب الكرامة الوطنية والدور القومي وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه؟!
وكيف ترتفع الأصوات بالاعتراض على أن يؤول الحكم من نظام الطاغية "المدني"، ولو من أصول عسكرية، إلى الطغيان تحت الشعار الديني؟
وباختصار: فليس هذا المنتدى الجديد الذي يظهِّر الهيمنة الأميركية على منطقة الجزيرة والخليج تجميعاً لمن تفجّرت أرضهم بالثروات بغير جهد يذكر وحماية لهم من "إخوتهم الفقراء" أو من "الفرس" الطامعين بخيراتهم، بل هو تأكيد للهجوم المضاد باسم الدين وبقوة الذهب (والحديد والنار حيث يلزم) على الثورات العربية، حيث يمكن أو كان يمكن أن تنتصر فتحقق أهداف شعبها وتخرجه من اسار أنظمة الطغيان.
بل إن هذا المنتدى مرشح لأن يلعب ـ مع القيادة القائمة في البعيد ـ دور المنظّم للحروب الأهلية العربية، حيث يتوقع أن تنتصر الثورات فتكمل طريقها نحو تحرير مجتمعاتها وتحرّر دولها من عوامل التخلف والقهر والخضوع للإرادات الخارجية ومن يمثلونها في الداخل.
إن قيام هذا المنتدى هو بمثابة إعلان عن الاستعداد لتفجير الانتفاضات بأهلها، وتمكين الأعظم دكتاتورية وتخلفاً من قوى الماضي من أن يصادروا المستقبل، ولو عبر مسلسل لا ينتهي من حروب الطوائف والمذاهب والفرق والعناصر التي من شأنها أن تدمّر حاضر الأمة ومستقبلها.
هو "إعلان نوايا"، لن يخفي أهدافه الحقيقية عبر تعظيم "الخطر الإيراني" وإن اجتهد أصحابه في أن "يكتشفوا" هذا الخطر في بيئات غير إسلامية عاشت على امتداد التاريخ في أرضها وبين أهلها في السراء والضراء، ولسوف تبقى.
السفير
المصدر :
طلال سلمان \السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة