دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
إذا كان هناك ما ميز مؤتمر "أصدقاء سورية" الذي انعقد أمس في اسطنبول، فهو "الحضور النافر" لأمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي من جهة، و"الغياب العاقل" للأمين العام السابق للأمم المتحدة والمبعوث المشترك للجامعة العربية والأمم المتحـدة كوفـي أنان من جهة أخرى.
لم يغب انان حباً بالغياب، بل لأنه كان يعرف جيداً أنه مكلف بمهمة حساسة تحتاج إلى سلوك حذر وعاقل ومتوازن بين أطراف الأزمة. ولذلك جال على عواصم الدول المعنية وسيستكمل جولته على ما تبقى منها. حضوره، لو تم، في اسطنبول كان يعني بكل بساطة، انتهاء مهمته. مهمة انان قد تفشل وقد لا تفشل، لكنه لا يحبّذ إنهاء حياته السياسية الحافلة بفشل ذريع يكون هو سببه. غياب انان كان الخطوة الأكثر عقلانية في مؤتمر اسطنبول أمس، ومؤشراً على اتجاهات الرياح الدولية.
في المقابل، كان حضور نبيل العربي هزيلاً بمواقفه الحادة، ومخجلاً بدعواته المتوترة التي لا تليق بأمين عام جامعة العرب التي تولاها يوماً ما كبيران مثل محمود رياض وعبد الخالق حسونة.
لم يكتف نبيل العربي بالذهاب إلى مواقف متطرفة مثل مطالبة مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار وفقاً للفصل السابع، بل خرج بذلك على الجامعة العربية التي لم تتخذ قراراً بهذا الخصوص.
والخروج الثاني للعربي هو على مهمة المبعوث الدولي، حيث إن انان ليس مبعوثاً فقط للأمم المتحدة بل أيضاً للجامعة العربية. وبنود مهمة أنان لا تتضمن لا من قريب ولا من بعيد مثل هذه المطالبة.
يدخل موقف "العربي" العالي السقف هذا في إطار خطة منظمة لإفشال مهمة أنان التي بدا واضحاً أن من أهم أهداف مؤتمر اسطنبول هو تعطيلها. البيان الختامي بتأييد الخطة لم يحجب حقيقة أن "رعية" المؤتمر من الدول، وكلهم من الصف الثاني والثالث وربما العاشر، على الصعيد الدولي، كانوا يسعون لهذا الهدف. إذ كان من اللافت أنها لم تحظ بإشارات داعمة بل حتى كان الحديث عنها عابراً، وفي إطار التمني لإنهائها بذريعة وضع سقف زمني لها تنتهي بانتهائه.
عكست كلمات افتتاح مؤتمر اسطنبول المأزق الذي تقع فيه القوى المعارضة للنظام السوري والمتشكلة أساساً من تركيا ومن بعض الدول الخليجية.
تعدّدت المواقف وتناقضت أحياناً. وبدا أيضاً لافتاً تراجع الدعوة العلنية لتسليح المعارضة التي لم يطالب بها حتى رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون. بات تسليح المعارضة أمنية لا أفق لها على أرض الواقع. وبات واضحاً أن مؤتمر اسطنبول قد انتهى إلى ما انتهى إليه مؤتمر تونس.
الجميع يكابر ولا أحد يريد الاعتراف بأن قواعد اللعبة قد تغيرت بعد اتفاق روسيا والصين وأميركا على مهمة انان، التي هي الخطوة الأولى في مسار قد يطول وقد يفشل، ولكن لا بديل عنه سوى فتح الباب أمام المزيد من الفوضى.
المتضررون من مهمة أنان هم الأكثر اندفاعاً لتصعيد الموقف. كلمة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان كانت تعبيراً عن انسداد الأفق أمام خطوات خلاقة للخروج من النفق الذي وضعت أنقرة نفسها فيه منذ بداية الأزمة، وتصريحات مسؤوليها المشككة في مهمة أنان كانت عنوان التحرك التركي في الأيام والساعات الماضية، حيث ربط معلقون أتراك نجاح الدبلوماسية التركية بضرورة إفشال مهمة أنان. وكذلك لم تحمل كلمات الخليجيين جديداً. هم يأملون ويراهنون بذلك لتشكيل حالة ضاغطة على الموقف الأميركي الذي يتعامل بواقعية الدولة العظمى التي تعرف في اللحظة المناسبة حدود الاشتباك بين مصالحها ومصالح "الآخر" الروسي والصيني.
استعجال إنهاء مهمة أنان هي النتيجة الرئيسية التي أريد لمؤتمر اسطنبول ورعيته أن ينتهي إليها، لكن الرعية، في لحظة تدخل الراعي (الأميركي)، كانوا أضعف وأقل دهاء وحنكة من أن يترجموا هذا الهدف، والأهداف الأخرى (تسليح المعارضة وإقامة ممرات إنسانية...) إلى واقع.
بعد فشل مؤتمر اسطنبول سيكون من السخرية الحديث عن انعقاد مؤتمر ثالث في باريس. فهل من يتعظ؟
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة