مع كل لقاء ثنائي يعقده مسؤول لبناني مع مسؤول روسي، سواء في موسكو أو في بيروت، يكون الموضوع السوري ثالثهما، باعتباره صار حجر الزاوية في النظرة إلى مستقبل الأحداث المحتملة في المنطقة، في ظل توافق الجانبين على أن صورة الوضع العربي "لن تتبلور قبل خمس سنوات".

ومن الملاحظ أن موسكو تتفهم جيدا لا بل تقدر الموقف اللبناني الذي يعبر عنه رئيس الجمهورية ميشال سليمان تكرارا لجهة الأمل بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، بعيدا عن العنف، لأن لبنان هو أول بلد يتأثر بالتطورات السورية لارتباطه معها بأطول حدود تمتد نحو 370 كيلومترا إضافة إلى التداخل الجغرافي والبشري والعائلي والاقتصادي.

ويقول مسؤول لبناني زار العاصمة الروسية مؤخرا إن القيادة الروسية كانت حريصة جدا على متابعة الموقف اللبناني من الأزمة السورية، وانه ركز في حديثه على تأثر لبنان المباشر بالتطورات السورية، خصوصا في ظل واقع الانقسام السياسي اللبناني حول النظرة للوضع السوري. ونقل عن المسؤولين الروس قولهم إن أي تدخل عسكري في سوريا "سيفجر مواجهة شاملة في المنطقة"، مبدياً تخوفه من قيام أنظمة دينية شمولية، الأمر الذي يمكن أن يشكل عامل قلق على الحريات الفردية وحرية الرأي والمعتقد، وشددوا على أن ذلك ليس عامل اطمئنان أو استقرار، بل على العكس، حيث ستزداد المخاوف المشروعة للأقليات من نشوء أنظمة كهذه، من هنا، نعتبر أن سياسة لبنان بعدم التدخل في أحداث سوريا هو قرار حكيم وبالتالي على الجميع الاقتداء به، وصولا إلى ترك السوريين يقررون ماذا يريدون لبلدهم.

ويقول مسؤول روسي، حسب الزوار اللبنانيين إلى موسكو، في معرض تقييمه للتطورات السورية ودور بعض الدول العربية «هناك دور واضح لكل من قطر والسعودية في أحداث سوريا حيث ساعدت هاتان الدولتان المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح. انظروا الآن إلى ما يجري في ليبيا، هل هي ثورة أم حرب أهلية ومن يضمن وحدة هذا البلد؟ هناك علاقات سعودية قطرية مع المجموعات المتطرفة في اليمن المشرع على كل الاحتمالات، وهاتان الدولتان تشاركان أيضا بفاعلية في الأحداث السورية من زاوية دعم المعارضة بالسلاح والمال والسعي إلى تغيير النظام بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك استخدام الجامعة العربية والأمم المتحدة وسيلة للضغط على النظام السوري".

ويضيف المسؤول الروسي "روسيا قلقة قلقا متزايدا من دور العاصمتين السعودية والقطرية الداعم لما يسمى "الجيش السوري الحر" والمجموعات المتطرفة في سوريا". ويتهم المسؤول نفسه الرياض والدوحة "بمساندة المجموعات الإرهابية التي تتسلل من العراق إلى سوريا وبنقل مئات المقاتلين من ليبيا للقتال في سوريا". ويشيد المسؤول الروسي بالإجراءات التي تتخذها المؤسسات الأمنية في لبنان، من أجل عدم استخدام الحدود اللبنانية ممرا لأي نشاط معاد لسوريا "لأن كل هذه النشاطات تعرقل الجهود الدولية، ولا سيما الروسية، لإيجاد تسوية سلمية للازمة في هذا البلد".

وعن التقييم الروسي للمعارضة السورية، يقول المسؤول الروسي "ان المعارضة السورية منقسمة وغير موحدة لا في الداخل ولا في الخارج"، وهي "لم تتمكن من توفير قاعدة، على طريقة بنغازي، لأجل استدراج التدخل العسكري الدولي وتحديدا من "الناتو"، والخطر اليوم يتمثل في ظاهرة اللجوء الى استخدام مجموعات تخريبية مهمتها ضرب الاستقرار والقيام بتفجيرات تستهدف مؤسسات الدولة، لا سيما الجيش والأمن، واذا تمكنوا من ضرب عاملي الأمن والاستقرار فسيعطلون إمكان قيام النظام السوري بتنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها".

ويوضح المسؤول الروسي "ان الدول المناهضة للنظام السوري فشلت في استخدام المجموعات المسلحة والمرتزقة المتعددة الجنسيات في سياق عملية تغيير النظام"، ويشير إلى أن غالبية المجتمع السوري مؤيدة للقيادة كما ان الجيش والأجهزة الأمنية والجسم الدبلوماسي والقطاع التجاري، كلها ما زالت متماسكة، وبرغم مرور سنة ما زال هدف تغيير النظام قائما عند بعض الدول الخليجية التي تُستخدم في سياق المخطط الغربي الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير النظام في سوريا لأنه بدون ذلك لا يمكن تغيير النظام في إيران"، ويشير الى أن بعض العواصم العربية صارت مستعدة للقيام بأي أمر في سبيل زعزعة الاستقرار في سوريا.

ويحذر المسؤول الروسي من ان حالة الحذر الحالية في سوريا "حالة ظرفية ومؤقتة، وفرصة للبعض من أجل إعداد العدة لحملة جديدة أكثر شراسة ضد النظام السوري، وهذا برأينا سيؤدي الى فوضى وعنف لا يمكن السيطرة عليهما ولن يقتصر الامر على سوريا بل سيطال جميع دول المنطقة. لذلك فإن روسيا تعمل مع الصين لمنع استخدام الامم المتحدة غطاء للتدخل العسكري في سوريا. كما تشجع وتحث القيادة السورية ليل نهار على الاسراع في تنفيذ الاصلاحات السياسية. ولكن المؤسف ان دول الخليج ما زالت تقدم جميع أنواع الدعم للمجموعات المتطرفة، ولو فرضنا ان ذلك أدى الى تغيير النظام فإن نتيجته الوحيدة هو عنف طائفي ومذهبي غير مسبوق. وهذا ما دفع الاتراك الى مراجعة موقفهم، لأنهم كانوا يعتقدون ان التغيير سيحصل ويسيطر المعتدلون إلا ان الذين يقومون بالأعمال الارهابية ويقودون الاحداث هم المتطرفون الراديكاليون وهذا يصب ضد مصلحة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان".

واذ يتحدث المسؤول الروسي عن معلومات تفيد "بأن هناك موفدين لدولة خليجية يزورون لبنان في محاولة مكشوفة منهم لإنشاء بنى أصولية ـ أمنية من لون مذهبي معين بين لبنان وسوريا، وهي محاولة خطيرة يجب وضع حد سريع لها"، فإنه يذكّر بأن "لبنان شهد أحداثا في سبعينيات القرن الماضي يجب ألا تتكرر في سوريا لأن ألسنة اللهب ستمتد حكما الى لبنان، ونحن نعمل مع الغرب لمنع ذلك، وبقدر المرونة الغربية مع روسيا نقترب من الحل، لان روسيا موقفها واضح جدا ويقوم على عدم السماح بالتدخل في شؤون دولة مستقلة لتغــيير نظــامها عسكريا... وفي الوقت نفسه، نحن على استعداد للتوصل الى حل وسطي تحت سقف الإصلاحات السياسية وضد أي تدخل خارجي".

  • فريق ماسة
  • 2012-04-03
  • 11190
  • من الأرشيف

غضب روسي من دور قطر والسعودية المعرقل للحل السوري

  مع كل لقاء ثنائي يعقده مسؤول لبناني مع مسؤول روسي، سواء في موسكو أو في بيروت، يكون الموضوع السوري ثالثهما، باعتباره صار حجر الزاوية في النظرة إلى مستقبل الأحداث المحتملة في المنطقة، في ظل توافق الجانبين على أن صورة الوضع العربي "لن تتبلور قبل خمس سنوات". ومن الملاحظ أن موسكو تتفهم جيدا لا بل تقدر الموقف اللبناني الذي يعبر عنه رئيس الجمهورية ميشال سليمان تكرارا لجهة الأمل بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، بعيدا عن العنف، لأن لبنان هو أول بلد يتأثر بالتطورات السورية لارتباطه معها بأطول حدود تمتد نحو 370 كيلومترا إضافة إلى التداخل الجغرافي والبشري والعائلي والاقتصادي. ويقول مسؤول لبناني زار العاصمة الروسية مؤخرا إن القيادة الروسية كانت حريصة جدا على متابعة الموقف اللبناني من الأزمة السورية، وانه ركز في حديثه على تأثر لبنان المباشر بالتطورات السورية، خصوصا في ظل واقع الانقسام السياسي اللبناني حول النظرة للوضع السوري. ونقل عن المسؤولين الروس قولهم إن أي تدخل عسكري في سوريا "سيفجر مواجهة شاملة في المنطقة"، مبدياً تخوفه من قيام أنظمة دينية شمولية، الأمر الذي يمكن أن يشكل عامل قلق على الحريات الفردية وحرية الرأي والمعتقد، وشددوا على أن ذلك ليس عامل اطمئنان أو استقرار، بل على العكس، حيث ستزداد المخاوف المشروعة للأقليات من نشوء أنظمة كهذه، من هنا، نعتبر أن سياسة لبنان بعدم التدخل في أحداث سوريا هو قرار حكيم وبالتالي على الجميع الاقتداء به، وصولا إلى ترك السوريين يقررون ماذا يريدون لبلدهم. ويقول مسؤول روسي، حسب الزوار اللبنانيين إلى موسكو، في معرض تقييمه للتطورات السورية ودور بعض الدول العربية «هناك دور واضح لكل من قطر والسعودية في أحداث سوريا حيث ساعدت هاتان الدولتان المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح. انظروا الآن إلى ما يجري في ليبيا، هل هي ثورة أم حرب أهلية ومن يضمن وحدة هذا البلد؟ هناك علاقات سعودية قطرية مع المجموعات المتطرفة في اليمن المشرع على كل الاحتمالات، وهاتان الدولتان تشاركان أيضا بفاعلية في الأحداث السورية من زاوية دعم المعارضة بالسلاح والمال والسعي إلى تغيير النظام بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك استخدام الجامعة العربية والأمم المتحدة وسيلة للضغط على النظام السوري". ويضيف المسؤول الروسي "روسيا قلقة قلقا متزايدا من دور العاصمتين السعودية والقطرية الداعم لما يسمى "الجيش السوري الحر" والمجموعات المتطرفة في سوريا". ويتهم المسؤول نفسه الرياض والدوحة "بمساندة المجموعات الإرهابية التي تتسلل من العراق إلى سوريا وبنقل مئات المقاتلين من ليبيا للقتال في سوريا". ويشيد المسؤول الروسي بالإجراءات التي تتخذها المؤسسات الأمنية في لبنان، من أجل عدم استخدام الحدود اللبنانية ممرا لأي نشاط معاد لسوريا "لأن كل هذه النشاطات تعرقل الجهود الدولية، ولا سيما الروسية، لإيجاد تسوية سلمية للازمة في هذا البلد". وعن التقييم الروسي للمعارضة السورية، يقول المسؤول الروسي "ان المعارضة السورية منقسمة وغير موحدة لا في الداخل ولا في الخارج"، وهي "لم تتمكن من توفير قاعدة، على طريقة بنغازي، لأجل استدراج التدخل العسكري الدولي وتحديدا من "الناتو"، والخطر اليوم يتمثل في ظاهرة اللجوء الى استخدام مجموعات تخريبية مهمتها ضرب الاستقرار والقيام بتفجيرات تستهدف مؤسسات الدولة، لا سيما الجيش والأمن، واذا تمكنوا من ضرب عاملي الأمن والاستقرار فسيعطلون إمكان قيام النظام السوري بتنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها". ويوضح المسؤول الروسي "ان الدول المناهضة للنظام السوري فشلت في استخدام المجموعات المسلحة والمرتزقة المتعددة الجنسيات في سياق عملية تغيير النظام"، ويشير إلى أن غالبية المجتمع السوري مؤيدة للقيادة كما ان الجيش والأجهزة الأمنية والجسم الدبلوماسي والقطاع التجاري، كلها ما زالت متماسكة، وبرغم مرور سنة ما زال هدف تغيير النظام قائما عند بعض الدول الخليجية التي تُستخدم في سياق المخطط الغربي الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير النظام في سوريا لأنه بدون ذلك لا يمكن تغيير النظام في إيران"، ويشير الى أن بعض العواصم العربية صارت مستعدة للقيام بأي أمر في سبيل زعزعة الاستقرار في سوريا. ويحذر المسؤول الروسي من ان حالة الحذر الحالية في سوريا "حالة ظرفية ومؤقتة، وفرصة للبعض من أجل إعداد العدة لحملة جديدة أكثر شراسة ضد النظام السوري، وهذا برأينا سيؤدي الى فوضى وعنف لا يمكن السيطرة عليهما ولن يقتصر الامر على سوريا بل سيطال جميع دول المنطقة. لذلك فإن روسيا تعمل مع الصين لمنع استخدام الامم المتحدة غطاء للتدخل العسكري في سوريا. كما تشجع وتحث القيادة السورية ليل نهار على الاسراع في تنفيذ الاصلاحات السياسية. ولكن المؤسف ان دول الخليج ما زالت تقدم جميع أنواع الدعم للمجموعات المتطرفة، ولو فرضنا ان ذلك أدى الى تغيير النظام فإن نتيجته الوحيدة هو عنف طائفي ومذهبي غير مسبوق. وهذا ما دفع الاتراك الى مراجعة موقفهم، لأنهم كانوا يعتقدون ان التغيير سيحصل ويسيطر المعتدلون إلا ان الذين يقومون بالأعمال الارهابية ويقودون الاحداث هم المتطرفون الراديكاليون وهذا يصب ضد مصلحة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان". واذ يتحدث المسؤول الروسي عن معلومات تفيد "بأن هناك موفدين لدولة خليجية يزورون لبنان في محاولة مكشوفة منهم لإنشاء بنى أصولية ـ أمنية من لون مذهبي معين بين لبنان وسوريا، وهي محاولة خطيرة يجب وضع حد سريع لها"، فإنه يذكّر بأن "لبنان شهد أحداثا في سبعينيات القرن الماضي يجب ألا تتكرر في سوريا لأن ألسنة اللهب ستمتد حكما الى لبنان، ونحن نعمل مع الغرب لمنع ذلك، وبقدر المرونة الغربية مع روسيا نقترب من الحل، لان روسيا موقفها واضح جدا ويقوم على عدم السماح بالتدخل في شؤون دولة مستقلة لتغــيير نظــامها عسكريا... وفي الوقت نفسه، نحن على استعداد للتوصل الى حل وسطي تحت سقف الإصلاحات السياسية وضد أي تدخل خارجي".

المصدر : السفير\ داود رمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة