يأتي رد دمشق على مبادرة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان ليؤكّد على استعداد الرئيس بشار الأسد للتجاوب مع المطالب الدولية التي لا تمس السيادة السورية.

فشتّان ما بين المبادرة العربية التي كانت تطالب الرئيس الأسد بالتنحّي وبين القرارات التي صدرت عن القمة العربية والتي لا تعني ولا تلزم سورية التي غُيِّبت عنها، وبين مبادرة أنان الداعية إلى الحوار حيث أيّدها الرئيسان الأميركي والروسي على هامش مؤتمر القمة النووي في سيول للخروج من هذه الدوامة التي أخّرت مفاعيل الإصلاحات عن العمل نتيجة الانهماك بالمعالجة الأمنية في خطٍ متوائم ما بين الأمن والسياسة. وهذا الأمر حدا بالمتحدّثة الرسمية بإسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أن تثني على الرد السوري بالموافقة والتعامل مع مبادرة أنان التي اعتبرتها "خطوة مهمة".

إن العجز عن الحل، في شقّه العربي المتناغم مع مواقف المسؤولين الأتراك الذين احتضنوا «مجلس إسطنبول» السوري، حمل القوى الكبرى على كبح جماحهم الاندفاعي والذي ترجم عقوبات إقتصادية في شتى مناحي الصناعة والإقتصاد والمال، إلاّ أن تلك الإجراءات لم تكن لتؤثّر على حق الرئيس الأسد في الدفاع عن موقفه الداخلي والخارجي من الأحداث.

 

ففي الداخل، أظهر استفتاء الدستور الجديد التفافًا حول الإصلاحات التي قدّمها وتجلّى الجانب الأكبر منها في التظاهرات الضخمة التي عمّت المدن الكبرى والتي عبّرت عن دعمها للتوجّهات التغييرية في آلية التطبيق لتوسيع إطار المشاركة في الحياة السياسية والتي تؤمّن متّسعًا للجميع لممارسة الديمقراطية في الإنتخاب وتشكيل الأحزاب وتنويع الإعلام.

وفي الخارج، لم يَحُل الحصار المضروب على إقتصاد سورية دون إيجاد الحلول والبدائل التي توفّر كل المتطلّبات المعيشية والموارد، ولم تؤثّر قيد أنملة على خيارات سورية الإقليمية المتعلّقة بدعم المقاومة وجسور التعاون مع إيران.

لقد شكّل تماسك الحكم بكل مكوّناته العسكرية والدبلوماسية والشعبية عائقًا كبيرًا أمام المحاولات الخائبة التي ظنّت أن النظام سيفرط تحت ضغوط هائلة من الإجراءات المضادة عربيًا ودوليًا، غير أنه ظلّ على رهان مكافحة أوكار المسلّحين الذين اضطرّوا أخيرًا إلى الخروج من بين الدروع البشرية في حمص وحماه وإدلب وريف دمشق تمهيدًا للتخلّص من البؤر الصغيرة التي ما زالت تعيث تعرّضًا وتخريبًا لأمن الدولة والممتلكات.

ولقد شكّل تفقّد الرئيس بشار الأسد حي بابا عمرو في حمص وقفةً شجاعة ومؤازرة للأهالي بعد إنقاذهم من عبث الإرهابيين الذين أعطاهم فرصة الإمهال حفاظًا على أرواح المواطنين.

 

إن ظاهرة الأمن المفتوحة خلاياها الوافدة عبر الحدود المجاورة ما كانت لتأخذ مداها لولا الدعم الذي لقيته من هذه المنافذ، حين اختلطت هذه المظاهر بمظاهر الأهالي اللاجئين من جحيم القتال إلى الحدود مع تركيا ولبنان حيث اتّخذ المسلّحون متاريس لهم داخل منازل هؤلاء.

ومثلما أعطى الرئيس بشار الأسد مهلة طويلة للأمن لئلاّ يضطر إلى تنفيذ عمليات جراحية لإنقاذ المدنيين بأقل كلفة، فقد أعطى في المقابل، لاسيما اليوم، مهلة للمبادرة الدولية التي يقوم بها كوفي أنان بمعزل عن أي خلفية مسبقة تستهدف النظام كما حصل في بعض بيانات الجامعة العربية.

وها إن مجلس الشعب قد التمس من الرئيس الأسد تأجيل الإنتخابات التشريعية لتوفير أجواء مستتبّة للنفوس حتى تتّخذ هذه الإنتخابات طابعًا شاملاً لا يستثني أية بقعة من أداء واجبها الوطني.

ومهما عظم الدعم الدبلوماسي للمؤتمرات التي تنعقد في إسطنبول بهدف محاصرة النظام، فإنها لن تقوى على خيارات الشعب السوري المتمسّك برئيسه. أفلم يقل أنان نفسه: "دعوا الشعب السوري يقرّر خياره"!؟

ولعلّ اللقاء الذي جمع باراك أوباما وديمتري ميدفيديف على هامش قمة دولية، يشكّل منعطفًا جديدًا للأزمة السورية لفصل التداعيات الخارجية على سورية بعدما بلغت حدًا مكشوفًا في الدعوات السياسية والإعلامية. وقد نجح الرئيس الأسد في جوابه على كل هذه الحملات في أنه بقي صلبًا في وقفته المواجهة، كما استطاع أن يردع التدخّلات ويضع حدًا للعبث بأمن البلاد.

صحيح أن الأزمة إستغرقت وقتًا، إلاّ أنه وقت ضروري لتحرير الإصلاحات من العائق الأمني الذي أخّر عمر هذه الأزمة من أجل المحافظة على أمن المواطنين بأكبر قدر من الحذر.

 

البناء

  • فريق ماسة
  • 2012-03-31
  • 9991
  • من الأرشيف

بابا عمرو وعبرة الرئيس الأسد الأمنية ..

  يأتي رد دمشق على مبادرة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان ليؤكّد على استعداد الرئيس بشار الأسد للتجاوب مع المطالب الدولية التي لا تمس السيادة السورية. فشتّان ما بين المبادرة العربية التي كانت تطالب الرئيس الأسد بالتنحّي وبين القرارات التي صدرت عن القمة العربية والتي لا تعني ولا تلزم سورية التي غُيِّبت عنها، وبين مبادرة أنان الداعية إلى الحوار حيث أيّدها الرئيسان الأميركي والروسي على هامش مؤتمر القمة النووي في سيول للخروج من هذه الدوامة التي أخّرت مفاعيل الإصلاحات عن العمل نتيجة الانهماك بالمعالجة الأمنية في خطٍ متوائم ما بين الأمن والسياسة. وهذا الأمر حدا بالمتحدّثة الرسمية بإسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أن تثني على الرد السوري بالموافقة والتعامل مع مبادرة أنان التي اعتبرتها "خطوة مهمة". إن العجز عن الحل، في شقّه العربي المتناغم مع مواقف المسؤولين الأتراك الذين احتضنوا «مجلس إسطنبول» السوري، حمل القوى الكبرى على كبح جماحهم الاندفاعي والذي ترجم عقوبات إقتصادية في شتى مناحي الصناعة والإقتصاد والمال، إلاّ أن تلك الإجراءات لم تكن لتؤثّر على حق الرئيس الأسد في الدفاع عن موقفه الداخلي والخارجي من الأحداث.   ففي الداخل، أظهر استفتاء الدستور الجديد التفافًا حول الإصلاحات التي قدّمها وتجلّى الجانب الأكبر منها في التظاهرات الضخمة التي عمّت المدن الكبرى والتي عبّرت عن دعمها للتوجّهات التغييرية في آلية التطبيق لتوسيع إطار المشاركة في الحياة السياسية والتي تؤمّن متّسعًا للجميع لممارسة الديمقراطية في الإنتخاب وتشكيل الأحزاب وتنويع الإعلام. وفي الخارج، لم يَحُل الحصار المضروب على إقتصاد سورية دون إيجاد الحلول والبدائل التي توفّر كل المتطلّبات المعيشية والموارد، ولم تؤثّر قيد أنملة على خيارات سورية الإقليمية المتعلّقة بدعم المقاومة وجسور التعاون مع إيران. لقد شكّل تماسك الحكم بكل مكوّناته العسكرية والدبلوماسية والشعبية عائقًا كبيرًا أمام المحاولات الخائبة التي ظنّت أن النظام سيفرط تحت ضغوط هائلة من الإجراءات المضادة عربيًا ودوليًا، غير أنه ظلّ على رهان مكافحة أوكار المسلّحين الذين اضطرّوا أخيرًا إلى الخروج من بين الدروع البشرية في حمص وحماه وإدلب وريف دمشق تمهيدًا للتخلّص من البؤر الصغيرة التي ما زالت تعيث تعرّضًا وتخريبًا لأمن الدولة والممتلكات. ولقد شكّل تفقّد الرئيس بشار الأسد حي بابا عمرو في حمص وقفةً شجاعة ومؤازرة للأهالي بعد إنقاذهم من عبث الإرهابيين الذين أعطاهم فرصة الإمهال حفاظًا على أرواح المواطنين.   إن ظاهرة الأمن المفتوحة خلاياها الوافدة عبر الحدود المجاورة ما كانت لتأخذ مداها لولا الدعم الذي لقيته من هذه المنافذ، حين اختلطت هذه المظاهر بمظاهر الأهالي اللاجئين من جحيم القتال إلى الحدود مع تركيا ولبنان حيث اتّخذ المسلّحون متاريس لهم داخل منازل هؤلاء. ومثلما أعطى الرئيس بشار الأسد مهلة طويلة للأمن لئلاّ يضطر إلى تنفيذ عمليات جراحية لإنقاذ المدنيين بأقل كلفة، فقد أعطى في المقابل، لاسيما اليوم، مهلة للمبادرة الدولية التي يقوم بها كوفي أنان بمعزل عن أي خلفية مسبقة تستهدف النظام كما حصل في بعض بيانات الجامعة العربية. وها إن مجلس الشعب قد التمس من الرئيس الأسد تأجيل الإنتخابات التشريعية لتوفير أجواء مستتبّة للنفوس حتى تتّخذ هذه الإنتخابات طابعًا شاملاً لا يستثني أية بقعة من أداء واجبها الوطني. ومهما عظم الدعم الدبلوماسي للمؤتمرات التي تنعقد في إسطنبول بهدف محاصرة النظام، فإنها لن تقوى على خيارات الشعب السوري المتمسّك برئيسه. أفلم يقل أنان نفسه: "دعوا الشعب السوري يقرّر خياره"!؟ ولعلّ اللقاء الذي جمع باراك أوباما وديمتري ميدفيديف على هامش قمة دولية، يشكّل منعطفًا جديدًا للأزمة السورية لفصل التداعيات الخارجية على سورية بعدما بلغت حدًا مكشوفًا في الدعوات السياسية والإعلامية. وقد نجح الرئيس الأسد في جوابه على كل هذه الحملات في أنه بقي صلبًا في وقفته المواجهة، كما استطاع أن يردع التدخّلات ويضع حدًا للعبث بأمن البلاد. صحيح أن الأزمة إستغرقت وقتًا، إلاّ أنه وقت ضروري لتحرير الإصلاحات من العائق الأمني الذي أخّر عمر هذه الأزمة من أجل المحافظة على أمن المواطنين بأكبر قدر من الحذر.   البناء

المصدر : وديع الخازن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة