دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هناك أصوات متزايدة داخل الإدارة الأميركية بدأت تتساءل منذ فترة عن أفق التطورات في سورية، وبالتحديد السياسة الأميركية بعد أكثر من عام على بداية هذا الحراك الذي يدور حاليا في حلقة مفرغة من الفوضى الدموية في ظل عدم القدرة على الحسم، لا من الداخل ولا من الخارج.
كان لمصادر حكومية أميركية قراءة خاصة بها لتطورات المنطقة تعكس المزاج العام داخل الإدارة هذه الأيام. وتقول هذه المصادر إن هاجس دول مجلس التعاون الخليجي أصبح يتركز على امتداد "الربيع العربي" وانعكاساته أكثر من هاجس السلاح النووي الإيراني. هذه القراءة بناء على معلومات أن رسائل خليجية وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى البيت الأبيض لوقف التحذير والتلويح بضربة عسكرية على إيران. بحسب هذه المعلومات، فإن مفاد الرسائل انه من مصلحة المنطقة تخفيف حدة التوتر، لان الخطر النووي الإيراني ليس آنياً. بطبيعة الحال ليس هناك إجماع في واشنطن بين المسؤولين الأميركيين على أن إسرائيل لن تنفرد بضرب إيران، لكن في حصيلة المشاورات الأخيرة بين الدولتين يبدو أن هناك تطمينات أن إسرائيل لن تقدم على هذه الخطوة في المدى المنظور، وبالتالي ترى المصادر انه لن يكون هناك "على الأرجح" أي ضربة عسكرية على إيران، وان ما يحصل كأنه "حرب باردة" ستستمر لفترة.
وتعتبر هذه المصادر انه ليس هناك "خيار جيد" للتعامل مع ما يجري في سوريا، وان أي تدخل عسكري "غير وارد"، وان النظام السوري"سيستمر في قمع المعارضة" وان المعلومات تشير إلى أن الجيش السوري "لا يزال موالياً للنظام". كما هناك حذر استخباراتي أميركي من "فوضى أصولية" في سوريا إذا تدهور الوضع بسرعة، لا سيما مع عبور بعض العناصر المتشددة الحدود العراقية إلى داخل سوريا.
وعلى خلفية هذه القراءة، حاولت الإدارة الأميركية في الأسابيع الأخيرة استكشاف ما تراه السعودية وتركيا مناسبا في الملف السوري. وتلمس الإدارة بعد هذه الجولات الدبلوماسية أنه ليس هناك حماسة ولا رغبة في الرياض أو أنقرة بأي إجراء عسكري أو حظر جوي أو منطقة عازلة داخل سوريا. وهذا جعل واشنطن تعيد التفكير بسياستها حيال سوريا، ووصلت إلى نتيجة أنها لن تطرح أي مبادرة في هذه الفترة على الأقل.
وتشير مصادر عربية لـصحيفة السفير إلى أن هناك تباينا حاليا بين دول الخليج حول الملف السوري، وان البحرين دعت مؤخرا "إلى إعادة النظر بالسقف الذي بلغه الموقف الخليجي من سوريا، لان تسليح المعارضة السورية قد يؤدي إلى زيادة مستوى التوتر وقد يفتح الباب أمام إيران لدعم المعارضة داخل البحرين". وعن مسألة تسليح المعارضة السورية، تقول المصادر الأميركية "السؤال الأساسي أننا لا نعرف من نسلّح بين الثوّار".
ويقول المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية بين العامين 2009 و2011 بروس جنتيلسون لـصحيفة السفير انه "قد يكون هناك نقطة حيث العمل العسكري هو الخيار الأفضل، لكن هذا يتطلب دعماً واسع النطاق ومتعدد الأطراف، واستراتيجية على الأرض قابلة للحياة". وأضاف "الهدف يبقى إنهاء العنف وإزالة (الرئيس السوري بشار) الأسد ومساعدة الشعب السوري على بناء مجتمع حر وعادل".
لكن جنتيلسون، الذي يعمل حالياً أستاذا جامعيا في جامعة "ديوك"، يرى أن المعارضة السورية "بحاجة إلى تعزيز وحدة هدفها أكثر. لدى المجلس الوطني السوري دور يقوم به في ذلك". وقال "سياسة الولايات المتحدة لا تزال لا لتسليح المعارضة. بلدان أخرى تتبع سياسات خاصة بها".
ويبدو كأن هناك تساؤلات أميركية حول مدى جهوزية المعارضة السورية في تحمل مسؤوليات المرحلة الانتقالية، لا سيما المجلس الوطني السوري. وهناك في الإدارة مقاربتان حيال التطورات في سوريا مع الاتفاق بينهما أن الغاية النهائية هي سقوط النظام السوري بالوسائل المتاحة دبلوماسياً. ترى المقاربة الأولى أن الأولوية يجب أن تكون لمعارضة الداخل ومحاولة التواصل معها قدر الإمكان رغم العوائق التي لا تسمح بذلك بعد تعليق عمل السفارة في دمشق. هذه المقاربة متحمسة للحراك السوري الداخلي وخلفية أعضائه المهنية وتنوعهم السياسي رغم انعدام قدراتهم التنظيمية وغياب الوضوح في التنسيق والهيكلية الإدارية.
المقاربة الثانية حملت راية المجلس الوطني السوري والتقدم نحو اعتباره "الممثل الشرعي للشعب السوري" في المرحلة الانتقالية، لكن التجربة الأميركية مع هذا المجلس جعلت واشنطن في النهاية أكثر حذراً منه، ما دفع بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى توقع "رؤية واضحة" من هذا المجلس عشية اجتماعها مع أعضائه في اسطنبول غدا.
المعلومات التي حصلت عليها صحيفة السفير تشير إلى أن هناك أيضا تقييما أميركيا مفاده أن قيادة "الجيش السوري الحر" خارج سوريا، التي كانت تتبنى أحيانا العمليات العسكرية ضد النظام السوري في الداخل، ليس لديها دور عملياتي مباشر في هذه العمليات التي يقوم بها النشطاء وحدهم على الأرض بطريقة ليس فيها هيكلة أو قرار مركزي، لا داخل سوريا ولا خارجها.
في النهاية كان هناك في الفترة الأخيرة تريث في الملف السوري داخل الإدارة الأميركية، وقرار عام بالتهدئة وإتاحة الفرصة لمهمة المبعوث الدولي كوفي انان والدبلوماسية التي تقودها موسكو في هذا الإطار، مع وجود تشكيك أميركي بإمكانية نجاح هذه المهمة وبقدرة النظام السوري على الوفاء بوعوده، لكن إعطاء هذه المســاحة لموسكو يبدو كأنه ضروري لواشنطن تمهيدا لإقناع روسيا بعد حين بعدم جدية النظام السوري بالإصلاح.
وتوافرت هذه المساحة لخطة أنان في ظل تعذر وجود أي طرح بديل للتعامل مع الحراك السوري، في وقت سيستمر فيه تصاعد العقوبات على النظام السوري والرهان الأميركي بإضعافه مع الوقت، لان التقدير بأن سقوطه لن يكون نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي لم تتوقف، بل نتيجة تفككه من الداخل. حتى الساعة، تتراوح الخيارات الأميركية بين محاولة تفادي نقيضين، هما اعتماد خيار التدخل العسكري وتسليح المعارضة السورية. وتقترح الأصوات المحافظة على الإدارة غض النظر عن تسليح الآخرين للمعارضة السورية، لكن لا أحد مستعد لتحمل انعكاسات قرار كهذا من دون غطاء أميركي، لان الأسلحة الخفيفة التي تصل إلى المعارضة السورية غير قادرة على قلب المعادلة في معركة غير متكافئة مع النظام .
المصدر :
السفير | جو معكرون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة