الاحتلال ليس وجوداً عسكرياً فحسب، بل هو مظهر من عدة مظاهر للهيمنة والسيطرة. الوجود العسكري بحد ذاته ليس كافياً للدلالة على الاحتلال إذا لم يترافق مع وسائط الهيمنة الاقتصادية والسياسية والإشراف على عمل المؤسسات الادارية والأمنية، بالاضافة الى المرافق العامة في الدولة، واستباحة السيادة، ووضع اليد على الثروات المحلية. قد لا يكون الوجود العسكري ضرورياً في حال الاستجابة لرغبات الدولة المهيمنة على الدولة المهيمن عليها واملاءاتها، تحت عوامل التهديد العسكري من دون استخدامه. أو ربما تحت عوامل ضغوط سياسية، اقتصادية او ملفات اساسية تتمسك الدولة المهيمِنة بمساراتها، وربما بواسطة أتباع وعملاء توصلهن هذه الدولة الى مراكز عليا في السلطة السياسية، ويتم من خلالهم التحكم في المصالح الأساسية والأنشطة المرافقة.

 

الحرب الناعمة شكل من اشكال الوصول الى احتلال دول من قبل الادارة الأميركية، بوسائل مختلفة عن وسائل الحرب التقليدية. إنها الاستراتجية المتبعة بعد فشل استراتيجية الاحتلال العسكري المباشر، رغم أن هذه الاستراتيجية قد تكون باردة حيناً، ساخنة حيناً آخر، على أن تكون ادوات التحمية محلية الصنع بدعم من القوى الخارجية.

كما أن الأمم المتحدة باعتبارها حاصل قوة، لا ناتج قيم ومعايير عادلة، ساهمت الى حد بعيد، وعبر مؤسساتها، في ترسيخ مفهوم التبعية للدول المستعمِرة على قاعدة الخوف من غضب "المجتمع الدولي". فأصبحت الدول المتولّدة من رحم العشائر والقبائل والإتنيات والاعراق والطوائف والمذاهب أدوات طيّعة لاتخاذ القرارات الدولية في وجه الامم العاصية، وأرقاماً جاهزة لتضخيم "التحالف" الدولي المشكل لتنفيذ اعتداءات وعقوبات إستنسابية تخدم مصالح الدول الكبرى.

في لبنان، مندوب سامٍ اطلق عليه اسم "سفير الولايات المتحدة الأميركية". يصول ويجول في المناطق اللبنانية كافة من دون علم السلطات اللبنانية. يجتمع مع السياسيين، يملي الرغبات، يدلي بالتصريحات، يصنّف المواطنين، يوزّع الهبات من غير حسيب أو رقيب، إلا من ادارته.

مندوب سامٍ، يتدّخل في تشكيل الوزارة، يناقش البيان الوزاري، يبدي اعتراضاً أو موافقة، يتباحث مع الوزراء في التفاصيل الدقيقة لوزاراتهم، يعطي ملاحظات على الأداء الحكومي، يشجّع هذا أو يعترض على سلوك ذاك. إنه الآمر الناهي.

مندوب سامٍ، يدير الانتخابات النيابية، يعد بعضهم بالفوز ويتوعّد الآخرين عام 2013. يجمع الأموال ويوزعها بحسب الحاجة على عملائه لتأمين أكثرية ملائمة.

يستخدم "صندوق المساعدات الأميركية" لشراء الأصوات والضمائر.

مندوب سامٍ، يحضر ويحضّر الاحتفالات الحزبية والمهرجانات، يحضّ على الفتنة، يسمي المقاومة إرهاباً، يدفع برموز الحالة الطائفية الى الصدارة، يحاسب رجال الدين في حال خروجهم على النهج المرسوم.

مندوب سامٍ، يضع هو وادارته المركزية دفتر شروط العلاقات الخارجية للدولة. يأمر بمقاطعة دول ويسهّل التعامل مع أخرى. يهدّد المصارف ويتدخل في سوق القطع. يلزم الدولة اللبنانية بمناقصات تتناسب مع الشركات الأميركية وحلفائها.

مندوب سامٍ يدير جهاز مخابرات خاص للاستعلام عن المواطنين والقوى المحلية، يستقبل طائرات في قاعدته العسكرية، يعمل على زيادة هذه القواعد في الشمال والضاحية الجنوبية، يمرر الأسلحة لاتباعه ويدربهم في دول تأتمر بأوامر إدارته. يحضر حفلات تخريج القوى المسلحة، ويلقي كلمات الثناء على التعاون. يمنع عن الجيش السلاح ولا يسمح باستيراده من دول أخرى.

مندوب سامٍ يهيمن ويوجّه معظم وسائل الإعلام، يمتلك قضاء خاصاً اسمه «المحكمة الدولية»، يحيل عليها من يشاء، ويمنع عنها من يشاء، يجّرم من يشاء ويبرىء من يشاء.

مندوب سامٍ، يصنع "الثورات"، يهدي "الاستقلال"، يوزّع ضمانات الحياة لمستقبل زاهر.

أيّها السياديّون: هل السيادة عطيّة من معلمكم؟!

أيّها السياديون: ان أفصحكم في الاستقلال، أكثركم إيغالاً في التبعية.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-03-27
  • 7336
  • من الأرشيف

أيّها السياديون : لبنان تحت الاحتلال ..

  الاحتلال ليس وجوداً عسكرياً فحسب، بل هو مظهر من عدة مظاهر للهيمنة والسيطرة. الوجود العسكري بحد ذاته ليس كافياً للدلالة على الاحتلال إذا لم يترافق مع وسائط الهيمنة الاقتصادية والسياسية والإشراف على عمل المؤسسات الادارية والأمنية، بالاضافة الى المرافق العامة في الدولة، واستباحة السيادة، ووضع اليد على الثروات المحلية. قد لا يكون الوجود العسكري ضرورياً في حال الاستجابة لرغبات الدولة المهيمنة على الدولة المهيمن عليها واملاءاتها، تحت عوامل التهديد العسكري من دون استخدامه. أو ربما تحت عوامل ضغوط سياسية، اقتصادية او ملفات اساسية تتمسك الدولة المهيمِنة بمساراتها، وربما بواسطة أتباع وعملاء توصلهن هذه الدولة الى مراكز عليا في السلطة السياسية، ويتم من خلالهم التحكم في المصالح الأساسية والأنشطة المرافقة.   الحرب الناعمة شكل من اشكال الوصول الى احتلال دول من قبل الادارة الأميركية، بوسائل مختلفة عن وسائل الحرب التقليدية. إنها الاستراتجية المتبعة بعد فشل استراتيجية الاحتلال العسكري المباشر، رغم أن هذه الاستراتيجية قد تكون باردة حيناً، ساخنة حيناً آخر، على أن تكون ادوات التحمية محلية الصنع بدعم من القوى الخارجية. كما أن الأمم المتحدة باعتبارها حاصل قوة، لا ناتج قيم ومعايير عادلة، ساهمت الى حد بعيد، وعبر مؤسساتها، في ترسيخ مفهوم التبعية للدول المستعمِرة على قاعدة الخوف من غضب "المجتمع الدولي". فأصبحت الدول المتولّدة من رحم العشائر والقبائل والإتنيات والاعراق والطوائف والمذاهب أدوات طيّعة لاتخاذ القرارات الدولية في وجه الامم العاصية، وأرقاماً جاهزة لتضخيم "التحالف" الدولي المشكل لتنفيذ اعتداءات وعقوبات إستنسابية تخدم مصالح الدول الكبرى. في لبنان، مندوب سامٍ اطلق عليه اسم "سفير الولايات المتحدة الأميركية". يصول ويجول في المناطق اللبنانية كافة من دون علم السلطات اللبنانية. يجتمع مع السياسيين، يملي الرغبات، يدلي بالتصريحات، يصنّف المواطنين، يوزّع الهبات من غير حسيب أو رقيب، إلا من ادارته. مندوب سامٍ، يتدّخل في تشكيل الوزارة، يناقش البيان الوزاري، يبدي اعتراضاً أو موافقة، يتباحث مع الوزراء في التفاصيل الدقيقة لوزاراتهم، يعطي ملاحظات على الأداء الحكومي، يشجّع هذا أو يعترض على سلوك ذاك. إنه الآمر الناهي. مندوب سامٍ، يدير الانتخابات النيابية، يعد بعضهم بالفوز ويتوعّد الآخرين عام 2013. يجمع الأموال ويوزعها بحسب الحاجة على عملائه لتأمين أكثرية ملائمة. يستخدم "صندوق المساعدات الأميركية" لشراء الأصوات والضمائر. مندوب سامٍ، يحضر ويحضّر الاحتفالات الحزبية والمهرجانات، يحضّ على الفتنة، يسمي المقاومة إرهاباً، يدفع برموز الحالة الطائفية الى الصدارة، يحاسب رجال الدين في حال خروجهم على النهج المرسوم. مندوب سامٍ، يضع هو وادارته المركزية دفتر شروط العلاقات الخارجية للدولة. يأمر بمقاطعة دول ويسهّل التعامل مع أخرى. يهدّد المصارف ويتدخل في سوق القطع. يلزم الدولة اللبنانية بمناقصات تتناسب مع الشركات الأميركية وحلفائها. مندوب سامٍ يدير جهاز مخابرات خاص للاستعلام عن المواطنين والقوى المحلية، يستقبل طائرات في قاعدته العسكرية، يعمل على زيادة هذه القواعد في الشمال والضاحية الجنوبية، يمرر الأسلحة لاتباعه ويدربهم في دول تأتمر بأوامر إدارته. يحضر حفلات تخريج القوى المسلحة، ويلقي كلمات الثناء على التعاون. يمنع عن الجيش السلاح ولا يسمح باستيراده من دول أخرى. مندوب سامٍ يهيمن ويوجّه معظم وسائل الإعلام، يمتلك قضاء خاصاً اسمه «المحكمة الدولية»، يحيل عليها من يشاء، ويمنع عنها من يشاء، يجّرم من يشاء ويبرىء من يشاء. مندوب سامٍ، يصنع "الثورات"، يهدي "الاستقلال"، يوزّع ضمانات الحياة لمستقبل زاهر. أيّها السياديّون: هل السيادة عطيّة من معلمكم؟! أيّها السياديون: ان أفصحكم في الاستقلال، أكثركم إيغالاً في التبعية.    

المصدر : وليد زيتوني\ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة