مراجعات مؤلمة وخيارات صعبة أمام وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه بعد عام كامل من الرهانات الدبلوماسية على قرب إسقاط النظام السوري، لم تؤد إلى تمرير قرارات الإدانة المطلوبة في مجلس الأمن أو إلى توفير القاعدة القانونية الضرورية لتدخله في سورية.

الوزير الذي سيغادر منصبه في الأسابيع المقبلة، إذا ما تحققت توقعات استطلاعات الرأي، وأدت انتخابات الرئاسة مطلع أيار المقبل إلى هزيمة الرئيس نيكولا ساركوزي، أعاد في لقاء مع صحيفة "لوموند"، مراجعة السياسة الفرنسية تجاه سورية خلال عام.

وأولى المراجعات اكتشاف أن النظام أقوى مما كان يعتقد، وأن المؤسسة العسكرية السورية أشد إخلاصاً وطاعة للرئيس بشار الأسد مما قدمته التحليلات الدبلوماسية. ويقول "كنا نظن أنه ستقع "انشقاقات" أوسع وأسرع، وأن النظام قد بدأ بالتصدع" ولم يحصل ذلك بالسرعة المرجوة.

جوبيه اكتشف بمرارة، ضعف "المجلس الوطني السوري"، وعجزه عن تجميع قوى المعارضة السورية ودمجها. وقال "هناك معارضون سوريون، تضعف مواقفهم المعارضة، بسبب تناحر الخارج والداخل. ونحن نسعى إلى إقناعهم بضم المزيد من الاقليات إلى صفوفهم".

وكانت الدبلوماسية الفرنسية قد راهنت على تكرار النموذج الليبي وتحويل "المجلس الوطني" إلى قطب جامع لكل أطياف المعارضة السورية واتجاهاتها الداخلية والخارجية، على الرغم من ضعف تمثيله للقوى الثورية على الأرض وافتقاده شخصية قيادية كاريزماتية. وتجاهل الفرنسيون لوقت طويل خصوصيات المعارضة السورية وعدم وجود قطب تاريخي جامع لتياراتها الإسلامية والليبرالية واليسارية. كما دعمت الخارجية الفرنسية وجهة عربية - قطرية، تقول بفرض المجلس الوطني السوري جهة وحيدة مخولة قيادة العمل الوطني السوري، وأسقطت من الحسبان قوى أخرى، رفضت في بعض الأحيان مجرد السماح لها بعقد مؤتمر صحافي في مركز الصحافة الأجنبية، بضغط من بعض أعضاء المجلس المقربين منها، عرقلوا على الدوام أي تقارب مع أطراف مستقلة أو ائتلافات وهيئات تسعى إلى توحيد المعارضة في إطار مؤتمر سوري عام، بناءً على خطة الجامعة العربية.

ويأسف جوبيه لأن "الهيئات الدينية الكاثوليكية والأرثوذكسية قد ربطت مصيرها بمصير بشار. إننا نتفهم مخاوف المسيحيين، لكن عليهم أن يعلموا أن مستقبلهم سيكون أفضل في ظل الديموقراطية".

ويذهب الموقف الفرنسي بصدد تسليح المعارضة السورية إلى نهاياته المنطقية. فإذا كان يأخذ عليها تفرقها، فمن المستبعد أن يؤيد تسليحها. إن "تسليح المعارضة سيلقي بسوريا في حرب "أهلية"" قال جوبيه "وهي حرب ستكون مرعبة نظراً لما نراه من التصميم الواضح لدى الطوائف". ويذهب مصدر فرنسي إلى تأكيد استبعاد التسليح، ليس لعدم قانونية القرار فحسب، بل لأن المعارضة حتى ولو تسلحت ستكون عاجزة عن "إسقاط النظام"، بسبب الخلل الفادح في ميزان القوى. أما التدخل العسكري فلا مكان له. ويقول "لن ندخل في عملية من هذا النوع من دون تكليف من الأمم المتحدة. إن شروط هذا التكليف لم تكتمل بعد".

وتعكس مراجعات جوبيه صعود وجهة نظر الدبلوماسيين الفرنسيين العائدين من دمشق، والاتجاه إلى التعامل بواقعية أكبر مع نتائج عام من الاحتجاجات من دون إسقاط النظام وإخفاق جميع المحاولات لتوحيد المعارضة السورية، أو استصدار قرار من مجلس الأمن يستنهض تحالفاً دولياً وعربياً ضد النظام السوري.

هل تدفع المراجعة الفرنسيين إلى تغيير مقاربتهم للملف السوري في مجلس الأمن، فيتراجعوا عن المواجهة مع الروس في تضمين أي قرار أممي تصوراً لعملية انتقالية في سوريا؟ يتعرض الفرنسيون لضغوط من حلفائهم الأميركيين، والبريطانيين خاصة الذين يترأسون مجلس الأمن هذا الشهر، وهم يرغبون في تحقيق إنجاز في الملف السوري والتصويت على قرار ضد النظام السوري. ويقبل البريطانيون، بحسب مصادر دبلوماسية غربية، بابتلاع تحفظاتهم على الشروط الروسية والاكتفاء بقرار ذي طابع إنساني يساوي في إدانة عنف جميع الأطراف، لقاء تجاوز الفيتو المزدوج الروسي - الصيني.

ويستبق جوبيه التسوية المطروحة للخروج من المواجهة مع الروس الذين يرفضون أي قرار يتضمن "تنحي" الرئيس الأسد، بالقول "نحن في دوامة حقيقية، هل نقبل بقرار ذي طابع إنساني، أم نقبل بتسوية لا أمجاد فيها تطيل عمر النظام؟ نتعرض لضغوط من الأميركيين والبريطانيين و(الأمين العام للأمم المتحدة) بان كي مون للموافقة على مشروع قرار إنساني من دون بعد سياسي".

وحتى مبادرة الجامعة العربية، التي تستند إليها شرعية المطالبة الغربية بإدانة النظام السوري تعاني التباساً كبيراً في تحديد مستقبل الأسد في العملية الانتقالية، وثغرة تنفذ منها الدبلوماسية الروسية التي تقول بأنها تستند أيضا إلى تلك المبادرة، وتعتبر أن المطالبة"بتنحية" الرئيس الأسد غير منتجة. ويقول جوبيه إن "خطة الجامعة العربية لا تتضمن "تنحية" الرئيس الأسد، إنها تتضمن بطريقة أكثر تحديداً وضع الرئيس جانباً، فيما يفاوض نائبه على العملية الانتقالية. انه الحد الأدنى".

ويقول دبلوماسي غربي إن المفاوضات مع الروس والصينيين ستستكمل الجمعة المقبل في مجلس الأمن. ولا يبدو أن الروس والصينيين يعارضون بعث رسالة إلى الرئيس الأسد لدعم مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان ومحاولة حصوله على وقف إطلاق النار، شرط أن تأخذ الرسالة بتحفظاتهم: قرار من دون أي طابع إلزامي، أو إشارة واضحة لخطة الجامعة العربية، وإلا فالبديل الوحيد بيان رئاسي، رمزي، ومن دون كبير أهمية أو طابع إلزامي.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-18
  • 11623
  • من الأرشيف

جوبيه وعام كامل من الرهانات الخاسرة على سقوط سورية

مراجعات مؤلمة وخيارات صعبة أمام وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه بعد عام كامل من الرهانات الدبلوماسية على قرب إسقاط النظام السوري، لم تؤد إلى تمرير قرارات الإدانة المطلوبة في مجلس الأمن أو إلى توفير القاعدة القانونية الضرورية لتدخله في سورية. الوزير الذي سيغادر منصبه في الأسابيع المقبلة، إذا ما تحققت توقعات استطلاعات الرأي، وأدت انتخابات الرئاسة مطلع أيار المقبل إلى هزيمة الرئيس نيكولا ساركوزي، أعاد في لقاء مع صحيفة "لوموند"، مراجعة السياسة الفرنسية تجاه سورية خلال عام. وأولى المراجعات اكتشاف أن النظام أقوى مما كان يعتقد، وأن المؤسسة العسكرية السورية أشد إخلاصاً وطاعة للرئيس بشار الأسد مما قدمته التحليلات الدبلوماسية. ويقول "كنا نظن أنه ستقع "انشقاقات" أوسع وأسرع، وأن النظام قد بدأ بالتصدع" ولم يحصل ذلك بالسرعة المرجوة. جوبيه اكتشف بمرارة، ضعف "المجلس الوطني السوري"، وعجزه عن تجميع قوى المعارضة السورية ودمجها. وقال "هناك معارضون سوريون، تضعف مواقفهم المعارضة، بسبب تناحر الخارج والداخل. ونحن نسعى إلى إقناعهم بضم المزيد من الاقليات إلى صفوفهم". وكانت الدبلوماسية الفرنسية قد راهنت على تكرار النموذج الليبي وتحويل "المجلس الوطني" إلى قطب جامع لكل أطياف المعارضة السورية واتجاهاتها الداخلية والخارجية، على الرغم من ضعف تمثيله للقوى الثورية على الأرض وافتقاده شخصية قيادية كاريزماتية. وتجاهل الفرنسيون لوقت طويل خصوصيات المعارضة السورية وعدم وجود قطب تاريخي جامع لتياراتها الإسلامية والليبرالية واليسارية. كما دعمت الخارجية الفرنسية وجهة عربية - قطرية، تقول بفرض المجلس الوطني السوري جهة وحيدة مخولة قيادة العمل الوطني السوري، وأسقطت من الحسبان قوى أخرى، رفضت في بعض الأحيان مجرد السماح لها بعقد مؤتمر صحافي في مركز الصحافة الأجنبية، بضغط من بعض أعضاء المجلس المقربين منها، عرقلوا على الدوام أي تقارب مع أطراف مستقلة أو ائتلافات وهيئات تسعى إلى توحيد المعارضة في إطار مؤتمر سوري عام، بناءً على خطة الجامعة العربية. ويأسف جوبيه لأن "الهيئات الدينية الكاثوليكية والأرثوذكسية قد ربطت مصيرها بمصير بشار. إننا نتفهم مخاوف المسيحيين، لكن عليهم أن يعلموا أن مستقبلهم سيكون أفضل في ظل الديموقراطية". ويذهب الموقف الفرنسي بصدد تسليح المعارضة السورية إلى نهاياته المنطقية. فإذا كان يأخذ عليها تفرقها، فمن المستبعد أن يؤيد تسليحها. إن "تسليح المعارضة سيلقي بسوريا في حرب "أهلية"" قال جوبيه "وهي حرب ستكون مرعبة نظراً لما نراه من التصميم الواضح لدى الطوائف". ويذهب مصدر فرنسي إلى تأكيد استبعاد التسليح، ليس لعدم قانونية القرار فحسب، بل لأن المعارضة حتى ولو تسلحت ستكون عاجزة عن "إسقاط النظام"، بسبب الخلل الفادح في ميزان القوى. أما التدخل العسكري فلا مكان له. ويقول "لن ندخل في عملية من هذا النوع من دون تكليف من الأمم المتحدة. إن شروط هذا التكليف لم تكتمل بعد". وتعكس مراجعات جوبيه صعود وجهة نظر الدبلوماسيين الفرنسيين العائدين من دمشق، والاتجاه إلى التعامل بواقعية أكبر مع نتائج عام من الاحتجاجات من دون إسقاط النظام وإخفاق جميع المحاولات لتوحيد المعارضة السورية، أو استصدار قرار من مجلس الأمن يستنهض تحالفاً دولياً وعربياً ضد النظام السوري. هل تدفع المراجعة الفرنسيين إلى تغيير مقاربتهم للملف السوري في مجلس الأمن، فيتراجعوا عن المواجهة مع الروس في تضمين أي قرار أممي تصوراً لعملية انتقالية في سوريا؟ يتعرض الفرنسيون لضغوط من حلفائهم الأميركيين، والبريطانيين خاصة الذين يترأسون مجلس الأمن هذا الشهر، وهم يرغبون في تحقيق إنجاز في الملف السوري والتصويت على قرار ضد النظام السوري. ويقبل البريطانيون، بحسب مصادر دبلوماسية غربية، بابتلاع تحفظاتهم على الشروط الروسية والاكتفاء بقرار ذي طابع إنساني يساوي في إدانة عنف جميع الأطراف، لقاء تجاوز الفيتو المزدوج الروسي - الصيني. ويستبق جوبيه التسوية المطروحة للخروج من المواجهة مع الروس الذين يرفضون أي قرار يتضمن "تنحي" الرئيس الأسد، بالقول "نحن في دوامة حقيقية، هل نقبل بقرار ذي طابع إنساني، أم نقبل بتسوية لا أمجاد فيها تطيل عمر النظام؟ نتعرض لضغوط من الأميركيين والبريطانيين و(الأمين العام للأمم المتحدة) بان كي مون للموافقة على مشروع قرار إنساني من دون بعد سياسي". وحتى مبادرة الجامعة العربية، التي تستند إليها شرعية المطالبة الغربية بإدانة النظام السوري تعاني التباساً كبيراً في تحديد مستقبل الأسد في العملية الانتقالية، وثغرة تنفذ منها الدبلوماسية الروسية التي تقول بأنها تستند أيضا إلى تلك المبادرة، وتعتبر أن المطالبة"بتنحية" الرئيس الأسد غير منتجة. ويقول جوبيه إن "خطة الجامعة العربية لا تتضمن "تنحية" الرئيس الأسد، إنها تتضمن بطريقة أكثر تحديداً وضع الرئيس جانباً، فيما يفاوض نائبه على العملية الانتقالية. انه الحد الأدنى". ويقول دبلوماسي غربي إن المفاوضات مع الروس والصينيين ستستكمل الجمعة المقبل في مجلس الأمن. ولا يبدو أن الروس والصينيين يعارضون بعث رسالة إلى الرئيس الأسد لدعم مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان ومحاولة حصوله على وقف إطلاق النار، شرط أن تأخذ الرسالة بتحفظاتهم: قرار من دون أي طابع إلزامي، أو إشارة واضحة لخطة الجامعة العربية، وإلا فالبديل الوحيد بيان رئاسي، رمزي، ومن دون كبير أهمية أو طابع إلزامي.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة